26/4/2008

مقدمة
من العبد الفقير لله

السـلام عليكم و رحمة الله و بركاته
قبل خمسة أيام و في إحدى الساحات الفسيحة لبلاد الحرمين و أولى القبلتين و تحت عين الشمس الساطعة و تحت أنظار العالم أجمع كانت عدالة القاضي على موعد مع ( المكتبي و الأغبر )
ومع إشراقة فجر هذا اليوم و في أحد الميادين العامة في مدينة تبوك تمّ فصل رأس السوري( ابراهيم الجرخ ) عن جسده في مهرجان جماعي يندى له جبين الإنسانية.

لقد أمسكت عدالة القاضي الشرعي بخناق الضحايا و شعرهما و أطرافهما و طلع علينا الجلاد بحركاته الاستعراضية و سيفه الذي عفّ و عفا عنه زمنه و الذي كنت أحسبه انزوى إلى غير رجعة في أغوار التاريخ و أصبح جزءاً منه.
لأكتشف في لحظات أنه نفض عنه غبار الزمن و صدأ الأيام و تخلى عن ما تبقى له من حياء محاولاً استعادة غابر المجد مستعرضاً إمكانياته و قدراته في زج رقاب من لا حول لهم و لا قوة ، مقدماً الرؤوس كوسيلة إيضاح على بأسه و شدته ناظراً بعين التحدي لأمة الإسلام و المسلمين بعد أن سالت الدماء من شفتيه طالباً من الأمة بأسرها النظر إليه بإجلال و وقار محاولاً العودة بها لغابر العصر و الأوان يوم كان أصدق أنباءاً من الكتب في حده الحد بين الجد و اللعب.
فما كان من الأمة المغلوبة على أمرها العاجزة عن اللحاق بعصرها إلا و أن خسفت بنظرها جانباً و طأطأت رأسها ألماً و خجلاً مبدية أسفها عن تلبية النداء لعجزها عن العودة لسالف العصر و الزمان بعد أن توالت عليها الأيام و تبدلت الأوهام و الأحزان.

سيدي صاحب المقام السامي
خادم الحرمين الشريفين
نحن أمة مسلمة تنصاع لشرع الله بوجدانها و ضمائرها و تحترم عالياً القضاء الوطني المستند لشرع الله عز و جل مصدراً له.

لكن من حقنا أن نسأل:
هل احترام الأحكام القضائية المستندة لشرع الله عز و جل يحجب عنا الحق في مناقشة العقوبة.
هل امتثالنا للشريعة الغراء يحول دون حقنا في تسليط الضوء على ما خفي من جوانب تطبيقها وفقاً لوجهة نظر مختلفة.
و هل اختلاف زاوية الرؤية تجاه النص القرآني يحول أحدنا إلى رجس الارتداد و الأخر إلى طهارة الإيمان تبعاً لزاوية الرؤية.
و هل هناك عقوبة بالتاريخ استندت للقياس العقلي في تفسير النص تجرؤ أن تكون عقوبة أزلية أو نهائية.
أليس القياس العقلي من صنع البشر. أليست العصمة لله وحده
أليس الخطأ في تطبيق و تفسير و تأويل النصوص الشرعية مفترض بين البشر.
أيكفي أن تروس الأحكام القضائية بلفظ الجلالة تبارك و تعالى لتتحول إلى لوح مكنون لا يجوز فيها النقاش و لا الجدال فيما ما انتهى إليه من فقرات عقابية.

سيدي صاحب المقام السامي
خادم الحرمين الشريفين
يقول عز و علا في محكم التنزيل {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

فمن هم يا سيدي الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فساداً
أليست المسألة محل نظر و خلاف في هذه الظروف التي نعيشها.
هل هؤلاء البسطاء التعساء هم من يحارب الله و رسوله و يسعون في الأرض فساداً.
ألا يحمل التوسع في تفسير النص خطراً من غير الممكن تجنب الخطأ في تطبيقه
بإدخال حالات لم تتوجه المشيئة الإلهية لمعاقبتها بمثل هذه العقوبة.
نحن هنا أمام مجموعة من المقهورين منهم المغرر بهم الذين تمّ إقناعهم بطريقة أو بأخرى بأن هذه الحبوب منشـطة جنسياً و لا علاقة لها بالمخدرات و قد تمّ إغرائهم بمبالغ مالية مجزية و نظراً لحاجة معظمهم للمال لظروفهم المادية التعيسـة فقد قبلوا بالمجازفة بأنفسـهم و وافقوا على تهريبها أو استقبالها أو التعامل بها.
ومنهم البريئين من تهمة التعامل بالحبوب المحظورة براءة تامة شاملة كبراءة يوسف من كيد امرأة عزيز مصر و غالبيتهم يفاجئون بمجرد وصولهم منفذ الجمرك بوجود الحبوب إما في أجزاء سياراتهم الداخلية أو الخارجية و المخبأة بطريقة فنية أو ضمن الأمتعة أو ضمن الأمانات المرسلة معهم أو ضمن البضاعة المنقولة برسم الأمانة في سياراتهم التي يعملون عليها.
فهل هؤلاء هم المعنيين بقوله عز و جل: يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فساداً…..سؤال مفتوح بانتظار الحكمة و العدالة و الرحمة و الشفقة.
ثم أن كثيراً من الدول بما في ذلك دول التعاون الخليجي و حتى المملكة ( سابقاً ) كانت تعاقب على الحبوب المحظورة ( و معظمها صنف المنشطات و لا علاقة لها بالمؤثرات العقلية ) بالحبس من ( 2 6 ) سنوات و النص القرآني ثابت لا يتغير فما الذي تبدل و ما الذي تغير .
هل ضاقت بنا البلاد أم أن صدور الرجال تضيق.

سيدي خادم الحرمين :
يا من وليت ولاية أنت أحق الناس بها.
شريعتنا الغراء صانت الحق بالحياة و قصرت القصاص على الإشراك بالله أو قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق بقوله تعالى {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}
و نبي أمة الإسلام اعتبر أن دمار العالم بأسره، وخراب المعمورة أقل عند الله من سفك دم المؤمن فقال (صلى الله عليه وسلم): (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق)
و في قول آخر (لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله عزَّ وجلَّ في النار).
و في قول ثالث (من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله)
و كان آخر ما نطق به صلى الله عليه و سلم في خطبة الوداع (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم…)

إن الأحكام الشرعية أسمى منزلة و أعز مكانة من أن تخط بالدماء و قد آن الأوان لقذف تلك العقوبات المغمسة بالدم التي يهتز لها ضمير البشرية خجلاً بعيداً في أغوار التاريخ ، لقد آن الأوان لأن نعيد السيف لمكانه بين طيات الكتب و أن يختفي من حياتنا و من منبر عدالتنا الشرعية ذلك الشبح القاتم ذو الوجه الكالح المخيف الذي يكفي وحده ليملأ الدنيا سواداً….الذي يكفي وحده ليقوض أركان المدنية مهما بلغت سمواً و علياء.
إنه الجلاد الذي يطل علينا في كل أسبوع حاملاَ ضحاياه لأسواق المدنية ليطرحهم أرضاً و يلهبهم بالسياط و سط ذعر العامة و هلع السيارة و استغاثات الضحية.

سيدي خادم الحرمين
قلوب و عيون الأمهات معلقة بمكة المكرمة و تتوجه إليها عند كل صلاة بالدعاء أن يلهم الباري عز و جل خادم الحرمين الشريفين الصفح و السماح و أن لا تحرم اولئك المسلمين من حق التوبة بوضعك حداً لحياتهم.

المحامي مهند الحسني
رئيس المنظمة السورية لحقوق الإنسان
www.shro-syria.com
alhasani@aloola.sy
Telefax :+963112229037 / Mobile : +963944373363