15/8/2007
شهدت الأسابيع الأخيرة حالة من البلطجة “الشرطية” في العديد من أقسام الشرطة التي أصبحت مشهورة بالخروج عن القانون والتعذيب وانتهاك حقوق المواطنين، وهى حالة تميزت هذه المرة بحضور نشط لأمناء الشرطة الذين راحوا ينافسون رؤسائهم في التعذيب، كما لو كان قتل اكبر عدد من المواطنين تحت التعذيب مسوغا جديدا للترقية في جهاز الداخلية.
عدد غير قليل من المواطنين دخلوا إلى أقسام الشرطة أحياء وخرجوا منها إلى المقابر ضحايا لوحشية الشرطة وإجرامها. وفي كل مرة تصدر الداخلية بيانا يلوي الحقائق ويتواطأ مع جلادي التعذيب بل ويكافئهم في بعض الأحيان، ويبقى الموت واحدا في كل تلك الحالات.
هناك على سبيل المثال أحمد بديع خفاجة (مايو 2007 في مركز شرطة دمنهور) وسعد رزق الله خليل (مايو 2007 في مركز شرطة أبو حمص) وطارق فتوح الإمام (مايو 2005 في مركز شرطة بورسعيد) حيث ادعت الشرطة ان ثلاثتهم قد شنقوا أنفسهم في محبسهم علما بأن الأخير كان قد أمضى فترة عقوبته واتصل بأهله يذكرهم بالإفراج عنه بعد 48 ساعة.
وفي هذه الأيام السوداء القى أمناء الشرطة بقسم العمرانية بـ ناصر صديق جاد الله من الدور الثالث في منزله بالعمرانية – فشجت رأسه على مرأى ومسمع من أطفاله وزوجته – فلقي حتفه فى الحال، وهو نفس ما حدث في مارس 2007 مع محمد نبوي عبد الحفيظ الذي كان مكبل اليدين ثم ادعت الداخلية أنه ألقى بنفسه من نافذة بمركز شرطة أوسيم تعلو عن الأرض مترا ونصف متر، ومن قبله شرين غريب الذي ألقت به الشرطة من الدور الرابع من منزله فى المعادى. وقبله ألقي ببشير محمد شحاته أيضا من الدور الرابع في مديرية أمن القليوبية، مباحث الأموال العامة ثم ادعت الشرطة انتحاره في يوليو 2004، وقبلها جريمة سنترال تليفون الماظة (مباحث التليفونات) حيث ألقي بمواطن آخر من الدور الرابع .. ذلك بخلاف من ألقى بهم أو حوصروا على الأسطح أو دفعوا إلى الشبابيك أو شرفات المنازل أو اضطروا إلى القفز ( لا فارق) مثلما حدث مع محمد محمد سالم في مشتول ومثلما حدث مع صباح أحمد بدوى فى الزاوية الحمراء. وفى جميع هذه الحالات يستوي الأمران: أن يلقى بالضحية لإخفاء معالم التعذيب، أو أن تقفز الضحية (كما تقول الشرطة) هربا من هول التعذيب.. أو أن تحاصر فوق سطح منزلها كما حدث في مشتول ليسقط مكسورا في حوضه فلا تتركه الشرطة بل راحت تضربه فوق الكسور وتكهربه حتى مات في القسم!
في أيام قليلة تضاعف عدد ضحايا التعذيب، فكان هناك المحروقين في قسم سيوه بالكحول المشتعل، وهى طريقة ليست بجديدة على رجال وزير الداخلية حبيب العادلي، فلن ننسى قصة ربيع سليمان الذي ألقى عليه ضابط قسم شرطة سنورس الكيروسين وأشعل فيه النيران وحين تصور انه مات ألقى به في الشارع أمام مستشفى الفيوم ليلقي حتفه بعدها بأيام متأثرا بحروقه عقابا له لأنه لم يعترف بسرقة بقرة.. وهو نفس المصير الذي لاقاه خالد عبد النبي في قسم شرطة فناره والذي مات بعد أن امتدت النيران لتحرق أكثر من 40% من جسده.
وفى هذه الأيام أيضا توفى أكثر من “رهينة” وهو ما يعنى احتجاز مواطن من الأسرة وتعذيبه بقسوة بهدف أن يظهر المتهم الهارب، أو المشتبه فيه ويسلم نفسه الأمر الذي راح ضحيته عشرات الضحايا وآخرهم شهيد تلبانة نصر أحمد عبد الله الذي كان يلفظ أنفاسه ضربا أمام باب منزله واستمر تعذيبه فى القسم وضربه بالحذاء فى بطنه، ولم يستغرق الأمر سوى ساعات محدودة حتى مات متأثرا بنزيف في المخ لينضم إلى قافلة الشهداء فى أقسام المنتزه، الرمل، محرم بك، الجمرك بالإسكندرية وامبابة، مدينة نصر، شبرا الخيمة ثانى، قصر النيل، الوراق، العمرانية، حلوان، السيدة زينب، الزاوية الحمراء، 6 أكتوبر، السلام، والمرج بالقاهرة، وارمنت بالأقصر، والمحلة الكبرى، ودمنهور وفناره بفايد.
ولم تستثني تلك الجرائم الأطفال الذين كان آخرهم الطفل محمد محمد ممدوح، 12 سنة، الذي قتل في قسم شرطة المنصورة، (وهو نفس الأسبوع الذي شهد مقتل نصر احمد عبد الله فى تلبانه) وكان قد سبقه إلى الموت أطفالاً آخرين عرفنا منهم صدام حسين بالوراق وعبد الله رزق عبد اللطيف بقسم 6 أكتوبر.
ولا يمكن أن نختم هذه الإشارات بدون الإشارة لإبداع جديد ربما تدخل به الداخلية المصرية تاريخ التعذيب حيث قامت الشرطة المصرية بتحطيم رأس مواطن بالشاكوش في الشرقية ثم إصدار أمر اعتقال له، بالطبع لإخفاء جريمة التعذيب!!
أى إجرام هذا الذى يحدث وهل يمكن لأى نظام يتمتع بأدنى درجة من الشرعية أن يتنصل من مسئوليته عن هذا الوضع؟ هل ما يحدث مسئولية وزير الداخلية وحده أم أن أعلى سلطة فى الدولة وعلى رأسها رئيس الجمهورية الذي هو رئيس المجلس الأعلى للشرطة ورئيس القضاء الخ هو المسئول الأساسي عن ذلك الانهيار الأخلاقى والقانونى فى مؤسسة الشرطة؟ هل لازال هناك من تتسع بجاحته ليصرح بأن كل تلك الوحشية هو محض انحرافات فردية؟ لو أنها انحرافات فردية فقد آن الأوان لكي يرحل هذا النظام الذي أثبت فشله في مواجهة تلك الجرائم الفردية.. وإن لم تكن ممارسات فردية.. وهو ما نعتقده ونرى الدليل عليه في كل يوم.. إن كان التعذيب سياسة دولة تنتهجها أسلوبا للتعامل مع شعب تقتله في كل يوم بالعبارات الغارقة والقطارات المحروقة والقمح المسرطن وأكياس الدم الملوثة والمياه المخلوطة بالمجاري.. فمن باب أولى على القائمين على تلك الدولة وواضعي سياساتها أن يرحلوا.
غدا سوف يصدرون بياناتهم بأن منظمات حقوق الإنسان تشوه سمعة البلاد وإن ما يحدث ليس إلا انحرافات.. لكن كل تلك الجثث والأطراف المحروقة بالنار والكهرباء.. كل هؤلاء الأرامل اللاتي دخل أزواجهن إلى الأقسام أحياء وخرجوا أمواتا.. كل هؤلاء الأطفال الذين تيتموا على أيدي منفذي سياسة التعذيب والقهر وخرق القانون.. كل هؤلاء يشهدون على أن سمعة البلاد لا يشوهها سوى من يصدرون الأوامر بالتعذيب والاعتقالات والقتل داخل أقسام البوليس ومقار امن الدولة وأماكن الاحتجاز، القانونية منها وغير القانونية.
إننا نحن الموقعين على هذا البيان
نحمل رئيس الجمهورية مسئولية التعذيب والقتل في أقسام الشرطة، ونطالبه بالآتى:
- إعلان سياسى يقر فيه بانتشار وتفشى التعذيب فى البلاد، وبأن يعتذر لأهالى الضحايا.
- البدء بالعمل على تغيير كامل البنية القانونية والتشريعية التى تسبغ الحماية على الجلادين.
- ان تبدأ الجهات المختصة في إجراء تحقيقات مستقلة يقوم عليها مسئولون مستقلون غير مرتبطين بالحكومة، أو الرئاسة، أو الحزب الحاكم، يختارهم نادي قضاة مصر.
- العمل على تفعيل الإجراءات اللازمة لوقف التعذيب فورا، وعلى رأسها إلغاء جهاز مباحث أمن الدولة وإيقاف كل رجال الشرطة، بكافة أنواعها، الذين ارتبطت أسماءهم بتهم التعذيب وتقديمهم للعدالة.
- فتح المجال أمام منظمات المجتمع المدني للتفتيش على السجون وأقسام الشرطة وكافة أماكن الاحتجاز.
كما نتوجه إلى منظمات حقوق الإنسان المحلية والعربية والدولية بتنظيم حملة من أجل اسقاط عضوية مصر من المجلس العالمي لحقوق الإنسان، حيث أننا لا نستطيع أن لا نلاحظ تفشي ظاهرة التعذيب وتجاوزها لكل الحدود بعد حصول مصر على ذلك المقعد بالتذكية، كما لو كانت الحكومة المصرية ترى في ذلك المقعد حصنا يحميها من الملاحقة القانونية، المحلية أو الدولية.
إلى ذلك الحين فإن المنظمات الموقعة أدناه سوف تبدأ في تنظيم حملة شعبية مستمرة، لتسليط الضوء على جريمة التعذيب ومرتكبيه أو المسئولين عن تنفيذه أو إصدار الأوامر به أو السكوت عنه لكي تكون ملفاتنا جاهزة حين يأتي وقت الحساب.
المنظمات الموقعة
- مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا العنف.
- مركز هشام مبارك للقانون.
- مركز الفجر لحقوق الإنسان.
- مركز الدراسات والمعلومات القانونية لحقوق الإنسان.
- الجمعية المصرية لمناهضة التعذيب.
- مؤسسة حرية الفكر والتعبير.
- الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.
- جمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان.
- مركز الأرض لحقوق الإنسان.
- مركز أولاد الأرض لحقوق الإنسان.
- جمعية بريق لمناهضة العنف ضد المرأة.
- جمعية العون المصرية لحقوق الإنسان.
- مركز حقوق الطفل المصري.
- مركز الدراسات الاشتراكية.
- مركز الحرية للحقوق السياسية ودعم الديمقراطية.
- جمعية شموع لرعاية حقوق المعوقين.
- جمعية مساواة لحقوق الإنسان ببور سعيد.