10/12/2007

تفاقمت خلال الفترة الممتدّة من 10 ديسمبر 2006 إلى 10 ديسمبر 2007 ممارسة التعذيب وسوء المعاملة سواء كان ذلك بمقرات وزارة الداخلية أو مراكز الشرطة والحرس أوداخل السّجون. كما تفاقمت ظاهرة الاعتداءات الجسدية في الشوارع وأمام مقرات الأحزاب والجمعيات على الناشطات والنشطاء في المجالات الحقوقية والنقابية والسياسية. ويندرج هذا التفاقم في إطار اشتداد القبضة الأمنية على المجتمع وقمع الحريات الفردية والعامة وذلك في وضع تكاثرت فيه مظاهر الاحتجاج الاجتماعي والسياسي وبرزت فيه إلى السطح بعض مظاهر العنف المسلّح بين قوات البوليس والجيش من جهة ومجموعات منسوبة رسميا إلى “السلفية الجهاديّة” من جهة أخرى.

1 – تفاقم ممارسة التعذيب وسوء المعاملة:

لقد اعتقلت قوات البوليس السياسي خلال السنة المنقضية المئات من الشبان المنتمين إلى أوساط اجتماعية وجهات مختلفة وذلك بتهمة الإرهاب، وقد اشتدت حملة الاعتقالات هذه خاصّة بعد المواجهات المسلّحة التي عرفتها الضاحية الجنوبية للعاصمة ومدينة سليمان في أواخر ديسمبر 2006 وبداية جانفي 2007 فقد اتخذت السلطة من هذه الأحداث ذريعة لشن حملة اعتقالات واسعة في صفوف الشباب المتديّن.

ويؤكد معظم هؤلاء الشباب تعرّضهم لتعذيب وحشي بمقرات وزارة الداخلية حيث يجري استنطاق كل المتهمين بالإرهاب وفقا لقانون 10 ديسمبر 2003 الذي يحمل عنوان “دعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال”. وتتمثـل أساليب التعذيب في نزع ثياب الموقوف وشدّه إلى السقف من يديه حيث يصبح جسمه متدليا فيقع ضربه بالعصا على كافة أجزاء جسمه وخاصّة على المناطق الحساسة منه والتعليق في وضع الدجاجة المصلية والضرب على القدمين وعلى مختلف أعضاء الجسد الأخرى و استعمال الصعقات الكهربائيّة.

كما اشتكى العديد من الموقوفين من التعرّض إلى اعتداءات جنسية وذلك بإدخال العصا في الدّبر والتحرّش الجنسي والتهديد بالاغتصاب ويذكر بعض الموقوفين أنه جرّد من ثيابه جميعا وأجبر على التنقّل في أروقة مركز بوشوشة أمام أنظار النساء العاملات بالمكان. كما يذكر آخر أنه جرّد من ثيابه ووضع بزنزانة بوزارة الداخلية حيث تعرّض إلى التحرّش الجنسي من قبل امرأة يعتقد الضحية أنها من أعوان البوليس السياسي.

كما يذكر البعض الآخر أنه تعرّض إلى الحرق في أماكن حسّاسة من جسده، أو إلى التعليق من الساقين في السّقف وتغطيس رأسه في “بانو” ماء ومواد حارقة إلى حد الاختناق (طريقة “البانو”)…

ولا تزال أثار هذا التعذيب الجسدي والمعنوي بادية لدى البعض منهم.

وقد تواصل التعذيب وسوء المعاملة داخل السجون، فقد صرّح الموقوفون في قضيّة الضاحية الجنوبية “سليمان” أنهم تعرّضوا خلال الأسابيع الأولى من نقلهم إلى السّجن المركزي بالمرناقية إلى حصص يومية من الضرب على كامل أجسادهم من قبل مجموعة من الأعوان يقودهم أحد المسؤولين بالسجن.

وقد شمل الضّرب موقوفين آخرين خارج المجموعة المذكورة من بينهم وليد العيوني (29 سنة) الذي لاحظ محاميه وجود عديد الكدمات في رأسه، وهو ما أدى إلى اختلال مداركه العقلية (فقدان الذاكرة، عدم التعرّف على أفراد عائلته ومحامييه، فقدان مفهوم المكان والزمان..)

وإلى ذلك تعرّض الموقوفون الآخرون بمقتضى قانون ما يسمى بمكافحة الإرهاب إلى صنوف شتى من التعذيب وسوء المعاملة. من ذلك أن العديد منهم تعرّض إلى الضرب وخصوصا يوم عيد الفطر الأخير (12 أكتوبر 2007) وذلك من قبل مجموعة كبيرة من أعوان فرقة الطلائع، وما يزال خالد العيوني (29 سنة) وهو أحد المعتدى عليهم يعرج بساقه إلى حدّ الآن، أما حافظ البرهومي (21 سنة، طالب بالجامعة) فقد تعرّض للضرب على عينه اليسرى أكثر من مرّة كان آخرها مطلع شهر نوفمبر الفارط وهو ما أدى إلى فقدانه البصر من الجهة اليسرى.

ومن الملاحظ أن الشكاوى التي رفعها العديد من الضحايا ومحاموهم وعائلاتهم سواء للقضاء أو للمصالح الإدارية المختصّة ظلّت بلا جواب بل أنه لم يقع فتح بحث في أي واحدة منها وهو ما سمح للجلادين بمواصلة عملهم بكامل الطمأنينة نتيجة الحماية التي توفّرها لهم السلطتان التنفيذية والقضائية. <

كما تجدر الملاحظة أن القضاء لم يول أية أهمية إلى ما يذكره الضحايا من تعرّضهم للتعذيب وإلى مطالب العرض على الفحص الطبّي المقدّمة من قبل محاميي الدّفاع، بل إن القضاء يواصل إصدار أحكام قاسية تصل حد الخمسة عشرة سنة سجنا على أساس اعترافات مقتلعة تحت التعذيب غير عابئ بمقتضيات الاتفاقية الدولية ضدّ التعذيب التي تلزم القضاء التونسي باستبعاد تلك الاعترافات وعدم الأخذ بها.

وتظلّ حالتا زياد الفقراوي (28 سنة) المحكوم بـ 12سنة سجنا من أجل “الانضمام إلى منظمة إرهابية” إثر محاكمة غير عادلة وحافظ البرهومي المذكور أعلاه حالتين نموذجيتين. فزياد الفقراوي يؤكّد أن التعذيب الذي سلّط عليه عند إيقافه في 18 أفريل 2005 سبّب له أضرارا جسيمة على مستوى عضوه التناسلي ورغم إضرابات مطوّلة عن الطعام دام آخرها ستين يوما (10 سبتمبر إلى 9 نوفمبر 2007) فإن السلطات القضائية ظلت ترفض عرضه على الفحص الطبّي وفتح بحث في الشكوى التي قدّمها ضدّ جلاّديه وعلى رأسهم المدعو عبد الرّحمان القاسمي شهر “بوكاسا”.

أما حافظ البرهومي فإن إدارة السجن بالقصرين لم تعرضه على طبيب مختصّ في العيون إلاّ بعد فوات الأوان ليقول له أن حالته ميؤوس منها في حين غضّ القضاء النّظر عن الشكوى التي رفعها. وقد رفضت الدائرة الجنائية التي مثل أمامها أخيرا عرضه على الفحص الطّبي لتحديد أسباب فقدانه البصر من الجهة اليسرى، وحكمت عليه بالسجن لمدّة خمس سنوات رغم خلوّ ملفّه من أي حجّة عدى اعترافات مقتلعة تحت التعذيب.

2 – اعتداءات بالجملة واختطافات

لقد تفاقمت الاعتداءات في الفترة الأخيرة وشملت عددا هاما من الإطارات النقابية من قطاع التعليم وخصوصا في جهة القصرين إثر احتجاج على وزارة الإشراف وقد ألحقت هذه الاعتداءات أضرارا بليغة بالبعض منهم أدّت إلى الاحتفاظ بهم في المستشفى.

كما شملت تلك الاعتداءات أصحاب الشهادات المعطّلين عن العمل اللذين ما انفكّوا يحتجّون على حرمانهم من الشّغل سواء كان ذلك بالعاصمة أو بعدد من المدن الأخرى (قفصة، القيروان، الخ…) ومن بين اللذين تعرّضوا في هذا الإطار إلى أضرار بدنية خطيرة سيدتان هما عفاف بن ناصر (قفصة) وفلّة الرياحي (تونس).

وخلال شهر نوفمبر المنقضي تعرّض أربعة عشر من نشطاء الحركة الطلابية ومن أعضاء إتحاد أصحاب الشهادات المعطّلين عن العمل للاختطاف من أماكن مختلفة في العاصمة ووقع اقتياد خمسة منهم إلى غابة “البلفيدير” حيث تعرّضوا للضرب المبرّح من قبل حوالي أربعين عونا من البوليس بالزّي المدني ويذكر البعض أنه تعرّض للتحرّش الجنسي وأحيل أحد المختطفين وهو وليد العزوزي على القضاء بتهمة مفبركة وصدر ضدّه حكم بشهر سجنا من أجل هضم جانب موظّف لا لشيء إلاّ لإبقائه قيد الاعتقال حتى تندثر آثار التعذيب. أما الآخرون فقد نقلوا إلى مناطق أمنية مختلفة حيث تعرّضوا للضرب و الإهانة والإذلال قبل إخلاء سبيلهم.

ومن جهة أخرى فقد تعرّض خلال الشهر الماضي السيد مراد النوري إلى الاختطاف من أمام مكتب والده الأستاذ محمد النوري المحامي والحقوقي المعروف، وأخضع للضرب الوحشي الذي خلّف له آثارا بيّنة خصوصا في مستوى وجهه.

كما تعددت الإيقافات غير القانونية في الأشهر الأخيرة بهدف الترويع وشملت هذه الإيقافات التي تراوحت مدّتها بين الساعة واليوم الكامل، كل من علي العريض الناطق الرّسمي السابق لحركة النهضة، وعبد الله الزواري ونورالدين البحيري… وفي الآونة الأخيرة أعتقل الصّحفي سليم بوخذير الذي كان قام بإضراب عن الطعام بمعية الأستاذ محمد النوري للمطالبة بحقّه في جواز سفر وفي التنقّل بكل حرّية وافتعلت ضدّه قضية حق عام وحكم عليه بعام سجن من ّأجل هضم جانب موظّف والاعتداء على الأخلاق الحميدة، كل ذلك إثر محاكمة هضمت فيها حقوق الدّفاع بشكل سافر. وليس للسلطة من هدف وراء ذلك غير إبقائه وراء القضبان لإسكات صوته الناقد للفساد وقمع الحريات. وقد اشتكى سليم بوخذير أثناء الجلسة التي انعقدت بتاريخ 4 ديسمبر الجاري بمحكمة ناحية ساقية الزّيت (ولاية صفاقس) من قساوة ظروف الاعتقال وسوء المعاملة، علما وأن إدارة السجن منعت محامييه من زيارته رغم حصولهم على رخصة قضائية.

إنّ الجمعية التونسية لمقاومة التعذيب إذ تندّد مرّة أخرى بتفاقم ممارسة التعذيب وسوء المعاملة والاعتداءات الجسدية في تونس فإنها تطالب بما يلي:

  • وضع حد لهذه الممارسات اللاقانونية التي تنال من السلامة الجسدية والمعنوية للضحايا والتي تستهدف في أغلب الحالات حرّية التعبير والتنظّم والاحتجاج.
  • تطالب السلطات التونسية باحترام التزاماتها الدولية ومقتضيات الاتفاقيات التي صادقت عليها ومن بينها اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة
  • عرض ضحايا التعذيب والاعتداءات على الفحص الطّبي وتوفير العلاج المجاني لهم وفتح تحقيق في كل الشكاوى المقدمة من قبلهم وإحالة المسؤولين عنها أمرا وتنفيذا على القضاء.
  • احترام استقلالية القضاء حتى يقوم بدوره في المجتمع بعيدا عن كافّة الضغوط والتعليمات.

عن الجمعية
الرئيسة
راضية النصراوي