7/8/2006
رسالة إلى
فناني الأونيسكو للسلام في العالم
ربما يكون فعلت حسناً اليونسكو حين اختارتكم (فناني الأونيسكو للسلام) على أساس أنكم كرستم أنفسكم- بما قدمتم- كنخبة من أكابر أهل الفن والإبداع في عالمنا المعاصر، ونقل تجاربكم إلى المستوى الكوني علامة ناطقة بالأصالة- والتجديد والاقتحام المستمر للآفاق غير المطروقة،-وحاز فنكم- في أوطانكم شعبية واستقبالاً جماهيرياً، وأتقنت اليونسكو من وجهٍ ثانٍ ذلك الاختيار حين أرادت الفن رسالة ورُسُلاً: متنبهة إلى عظيم الأدوار التي تنهضون بها في مضمار تنمية القيم الكبرى للإنسانية.
ثم أتقنت التسمية: تسمية رسالة التكليف بأنها “من أجل السلام”. إن الفن قرينة على السلام: السلام الداخلي مع النفس، والسلام مع الآخرين. وهو أم المطالب اليوم حيث حاجة الإنسان كبيرة- في هذا العصر- إلى الهدأة الداخلية والطمأنينة، والشعور العميق بالقيم العظمى التي تحفظ للإنسان الإنساني فيه، وحيث حاجته كبيرة إلى أنسنة العلاقات بين البشر وإعادة تأسيسها على قواعد التسامح والمحبة والإنصاف واحترام الكرامة، ونبذ العنف والتعصب والقهر والاضطهاد والاحتلال. ما كان اختياركم لتحملون هذه الرسالة عفواً. كان- بالأحرى- اختياراً محسوباً. فالقيم التي طـُلب منكم أن تكونوا عنوانا لها، بإسم الأونيسكو، هي عينها التي كرستم فنكم للدفاع عنها.
أنا الموقع أدناه مرسيل خليفة
أناشدكم كزميل لكم، كحامل اللقب نفسه (فنان الأونيسكو للسلام) بأن لا نتعامى عن مشهد البؤس الجماعي، الذي خلفته القوة العسكرية الإسرائيلية تجاه لبنان وشعب لبنان، تجاه فلسطين وشعب فلسطين، وليس ما يبرر فننا سوى أن نتكلم من أجل الذين لا يستطيعون ذلك، تلك قضيتنا التي كرسنا عطاءنا لها وكرستنا أصواتاً أنيقة ناطقة بها، ولم نشأ إلا إن نلتزم الذهاب فيها بعيداً وأن نتعهد بأن نطلق أعمالنا أناشيد حب وتوحد مع ضحايا الاضطهاد لأي شعب مهما تكن أشكاله.
وفي هذه اللحظات الحاسمة التي يعيشها أبناء شعبي، أتوقع حسن تفهمكم الموضوعي للقضية الإنسانية لنضعها نصب أعيننا.
لنقلل من وطأة القتل اليومي وتحت بصر العالم “المتحضر”. بأمل أنكم تشاهدون مع العالم على شاشات التلفزة ما يحدث من ويلات، ولنعبر وبصوت عالٍ عن الرفض الصارم لكل أشكال القتل التي نتعرض لها من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.
فنانو الأونيسكو للسلام في العالم أجمع
فلنغمد الفرح في الناس ونرفع عن صدورهم كربة الحرب المدمرة، بفرح يقارع الحزن وبأمل يؤجل اليأس وبأفق يفتح مجهولاً وبأخضر يوقف يباساً وبهمس يشع صمتاً… وبتجربة تعيد تعريف القضية بعد… إذا ضاعت في تلابيب الغموض.
أصدقائي…
فلنتفقد فيكم ما تبقى لدينا من المعنى الإنساني المسروق والمصادر. كونوا حبلاً يستنقذنا من وهاد الموت، مستعيداً معنى الأشياء الهاربة.
كونوا بلسماً في عصر جراحات تنكؤها معطيات الدول الكبرى فتشعل الملح في آلامنا.
كونوا إحتجاجاً على جرح لما يندمل.
كونوا غضباً هادراً في هدأة جمالية لا تقضي وداعتها إغراءة الانصياع إلى ثورة الناس. أو نزق الهروب من السؤال إلى جواب جاهز لا أفق له.
أحملوا كلمة السر ألا وهي، كرامة الإنسان. دون كبير ضجيج أو استسهال وضعوها في حوزة مرحلة تجدف تجديفاً صعباً ضد القذارات المطلة من المحتلين وأسيادهم لتقتل الباقي فينا من سكرات الحياة.
رابطوا أبداً عند ثغر الذاكرة بعد… إذا سقطت حصون الراهن الحامض في الحلق.
أصدقائي
للتضامن معنا معنى كي:
لا نتهاوى تحت مطارق “الدك اليومي للإنسان وللحجر، لليأس وللقذارة.
ولنصمد كقلعة أمام غارات الحقد ولنحصن المعنى العميق في وجه كل صنوف العدو. نحصن نفسنا بالناس الذين نخاطبهم، ونخاطب العميق فيهم، دون أن نتنازل عن خطوط الدفاع عن المعنى الإنساني بسلاح الحب، لنحمي قلعتنا والمعنى الجميل الذي أقمنا فيه وطننا.
ورغم هول ما يحصل فلنضرم في الدم ملح البدايات، نودع كلمة السر- الحب- لتنهار صروح الخارجين من صدوع الحقبة العجفاء وتصدعاتها.
فنانو الأونيسكو للسلام
لنتكاتف ونحيي الحفلات لصالح لبنان لصالح فلسطين، لتكون ميثاقاً ممهوراً بالحب والتواصل لنلتقي على البوح بإيمان صار الإنسان والحياة في زمنٍ آسنٍ يسيجه طاغوت الحرب وشراهة حق العدو.
لا نريد أن نخال العالم تغيّر وفقد المعنى، وتقولبت السياسات في أقانيم السخف والانحطاط.
وقد تكاد هذه السياسات الحاقدة لإسرائيل وأسيادها تكاد تسلم بنجاح ماكينة الانحطاط في صناعة العالم على مقاس قيمها المسمومة.
حكام الولايات المتحدة الأميركية والجرائم المنهجية، الثابتة الخبيثة، لا ندامة فيها وهؤلاء الحكام يرتدون كما يزعمون قناع القوة المدافعة عن الخير في العالم.
وحشية لا مبالية. إحتقارية قاسية لا ترحم. ولا تلقي بالاً إلى الأمم المتحدة والقانون الدولي. والمجتمع الدولي بدوره يسكت عن كل هذا الإجرام ويتناسى. إجرام من حكام “زعيمة العالم الحر”.
لن نذهب بعيداً غزو العراق إرهاب دولي فاضح، يكشف إحتقار مطلق لمفهوم القانون الدولي.
كيف استطاع هؤلاء الحكام أن يصلوا إلى حيث هم؟
زمرة من المتعصبين. جهلة، منافقين في حوزتهم السلاح المدمّر.
في حوزتهم السلاح المدمّر. كيف اغتصبوا كلمة الديمقراطية والحرية. وأشاعوا الفوضى في كل مكان. وتصفية كل مقاومة ممكنة من خلال وصمها بالإرهاب.
أصدقائي
فلنعد إلى إيماننا بأن الإنساني في الناس لا يسحق تحت أقدام الحروب المدمرة وأن الجميل يخرج دائماً من رماد الحرائق.
ولندرك أن حبل العدوان على البشر والحجر والأنفس والأذواق قصير، وأن الزبد يذهب هباء ولا يبقى في الأرض إلا ما ينفع الناس.
لنستأنف مساراً لم ينقطع تحت أي ظرف، لن نساوم في زمن الحرب والصمت والإنهيارات الشاملة. فلنقوى على الحياة والتجدد والمقاومة وعلى فتح كوة لتهوية منطقة يستبد بها الاختناق الحربي.
شعبنا آثر المواجهة، ولم يقبل الاستسلام
مواجهة يدرك قساوتها ولكنه يدرك أبعادها وعظمتها ونبلها ويدرك معنى أن ينهض لمواجهة العدو الإسرائيلي الذي يلجأ إلى تدمير ذوقنا وتفاصيل حياتنا، ويستبيح عيشنا.
وفي مثل هذه الظروف التي نعيشها حيث كتب علينا أن نحرس النوم والهواء والكيلوغرام من الطحين بالحديد والدم، يستولي علينا هذا التضامن العفوي الذي يتوالد ويبدع ألواناً من الصمود.
وبهذا الصمود سيعود الوطن إلى الوطن والشجرة إلى تربتها والوردة إلى لونها.
وهذا الصمود يفضح غطرسة العدو وقصفه ومجازره المتكررة، ويفضح في نفس الوقت عمق حالة العجز العام في البلاد العربية كافة ودون استثناء تجاه ما يجري في لبنان وفي فلسطين.
إن تخاذل حكام العرب واستفراد لبنان، كان واحداً من أشكال تواطؤ هذه الأنظمة العربية مع إسرائيل. وإن قمع هذه الأنظمة لشعوبها هو جانب آخر من جوانب مسؤوليتها عن الإنهيارات العامة. وذلك الصمت العربي شبه الشامل على الحرب الدائرة في ربوع لبنان وفلسطين كان مريعاً ويسعى إلى شل إرادة الصمود والدفع باتجاه اليأس والاستسلام.
واليوم وفي مواجهة العدو الإسرائيلي لأطفالنا لأزهارنا لشوارعنا لأغنيتنا لفرحنا لهوائنا لبحرنا لأرضنا. ندعو جميع الأمم لمساعدة أهلنا في العودة إلى بيوتهم وقراهم وحمايتهم وتوفير كافة الشروط لحياة كريمة!…
أصدقائي
فلننخرط فعلياً في الشغب الذي لا بد منه، ولا مهرب منه، لنتمكن من المساهمة في الإجابة، على الأسئلة المطروحة، ولكي نصل إلى التعبير عن قضايا العالم.
لنخلق الحوافز التي توصل وتؤدي إلى تغيير هذا الواقع.
فما قيمة الفنان إذا لم يكن مخلصاً لقضية تحرير الإنسان وتحرره؟
وما قيمة الفنان إذا لم يكن متمرداً؟ فالحضارة صنعتها لحظة تمرد!…
يذبحون لبنان، يعتدون على أرضه وسمائه وبشره.
لبنانُ أبداً كان رسالةَ: رسالة التسامح والحرية والإبداع. سليلُ الحضارات هو وملتقى روافدها. صنعً النموذجَ الفذّ للتعايش الخلاقٍ بين الديانات والثقافات وصَهَرَ أبناءه في مجتمعٍ تحدّى الدولة الطائفية التي أقامتها إسرائيل على ارض فلسطين، وفضح محتواها العنصري القائم على التمييز والتراتبية الدينيْن.
لذلك تلقّى لبنان باستمرار وجباتٍ متلاحقة من العقاب الإسرائيلي لتحطيم نموذجه الاجتماعي وأدواره الثقافية التنويرية في المنطقة العربية قصْد تهريب الأكذوبة الصهيونية الزاعمة أن إسرائيل هي “الوطن” الوحيد في المنطقة، وأن مجتمعاتنا لا تقوى على بناء أوطان لأنها محضُ طوائفَ ومذاهبَ وقبائلَ وعشائرَ لا تجمَعُ بينها وشيجة (على زعْمها).
هذا اللبنانُ يتعرض اليوم لمذبحة وحشية على يد آلة القتل الإسرائيلية مدعومة بإجازة مفتوحة من إدارة بوش وحفنة المحافظين الجدد في أميركا من أجل أحلامهم في بناء “شرق أوسط جديد” على جثتنا وعذابات شعبُنا. هذا اللبنانُ أهلهُ يُقتلون وأطفاله يُشرّدون، ومئات الآلاف من شعبه ينزحون.
فهل نتركهم يفعلون ذلك ونحن نتفرج على الأشلاء والأطلال وشلالات الدم؟
فلنصرخ جميعاً بأعلى الصوت: لا لهذا العدوان البربري على لبنان. لا لشريعة القتل والقوة والغطرسة والاستعلاء التي تخوضها إسرائيل وأميركا علينا وعلى العالم. وليقف كل الشرفاء والأحرار في العالم، وكل أبناء الوطن العربي، ضد هذه الجريمة، استنكاراً لها واحتجاجاً عليها. إن الصمت عار علينا جميعاً… وسيحاسبنا التاريخ.