12/5/2007

الإستهلال
ما بين دعاة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان في سوريا وغلاة المتشددين في بعض الأجهزة الأمنية معركة قديمة. ما بين الظلمة الدامسة الناتجة عن الخوف من أعشاش الأقبية الأمنية، ونور الإيمان بعدالة المطالبة بالديمقراطية و الحقوق الأساسية للمواطن السوري معركة قديمة.

وراء هذه القضبان وجوه ناصعة أريد لها أن تتلطخ.
وحقائق جلية أريد لها أن تدفن
وسجلات بيضاء أريد لها أن تمهر بوصمة الغدر والخيانة.
في دمشق اليوم وأمام محراب عدالتها قصة من أعجب قصص التلفيق في تاريخها أريد بها تصفية أحد رموز النخبة المجتمعية النبيلة الذي سـعى لطي المسافة باتجاه دولة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان – دولة العدل والقانون – دولة الحق والمؤسـسات – دولة المشاركة المجتمعية لكل السوريين على قدم المساواة.

في دمشق اليوم وأمام محراب عدالتها رجل آمن بحتمية انتصار قيم الحق والعدل والخير والمساواة وعدم التمييز واحترام حقوق الإنسان التي جبل عليها الشعب السوري الكريم منذ فجر الاستقلال.

رجل وفى ما عاهد الله عليه ثم لم يبدل تبديلا.
في دمشق اليوم وأمام محراب عدالتها جولة المؤمن الصادق المعتصم بمثالية أملت عليه الدفاع عن حقوقه الدستورية والقانونية في مقابل أفانين الترعيب و الترهيب و التضليل والتلفيق.

قبل أن أثبت لكم براءة الموكل أو بالأحرى عدم مسؤوليته مما أسند إليه كما يثبت أن الواحد والواحد اثنان وكما يثبت أن الشمس والقمر لا يلتقيان وكل في فلك يسبحون.

أستميحكم العذر بسرد موجز للخلفية التاريخية المستمدة من التطور التاريخي لمفهوم الدولة و ارتباطها بالإجرام السياسي عبر العصور إيماناً بأن البشرية تتطور بأثر تراكمي حضاري و أن مفهوم السيادة التي تذرعت به النيابة العامة الموقرة كان قد استلته من أغوار التاريخ وأن هذا المفهوم كان قد شهد تطوراً وصولاً للمرحلة الراهنة التي نعيشها اليوم.

نعم سيدي الرئيس – نعم سادتي المستشارين
لقد أبعدتنا مطالعة النيابة العامة الموقرة والقرارات الاتهامية الثورية الواردة في هذا الملف عن جو القضية ومحاورها وانحرفت بنا بعيداً في متاهات السياسة و مصطلحاتها بما تضمنته من تعميم مخل أو اجمال مضل مستمد من عصور موغلة في القدم والظلام و نحن أحوج ما نكون لإعادة الأمور لنصابها من خلال:

  • ما سنبسطه أمامكم من خلفية تاريخية لتطور مفهم الإجرام السياسي و ارتباطه بمفهوم السيادة لنرى فيما إذا كان مجرد طلب الضغوط الدبلوماسية أو السياسية هو تحريض على العدوان.
  • ومن خلال الخلفية السياسية و التي حملت الموكل للمطالبة بالحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان .
  • ومن ثم نعود أدراجنا لوقائع الدعوى وأدلتها بكلمات ومفردات ومعاني مستمدة من أوراقها و وثائقها التي عرضت أمامكم ونوقشت تحت قبة هذه القاعة الكريمة بعلنية وشـفافية لعلنا وللمرة الأولى نعود لما هو موجود بين دفتي الملف تمهيداً لوزن الدليل بحياد و موضوعية و تجرد على ضوء ما استقر عليه الفقه والقانون والاجتهاد القضائي.

ولئن كانت مرافعتي عن الموكل طويلة بعض الشيء لكن السهام التي أطلقت عليه كثيرة أيضاً و رماتها لم يكونوا من بعض المتطرفين في بعض الأجهزة الأمنية فحسب وإنما كانوا أيضاً من بعض الصعاليك الذين أرادوا سلبه حقه في كونه أول مؤسـس للتجمع الليبرالي الديمقراطي في سوريا، لقد أصابت سهام أولئك الموكل في كل جزء منه….. إلا في إنسانيته وإيمانه بعدالة قضيته .

وقد كان حرص الموكل كبيراً بأن لا يرد السهام التي رمي بها إلى رماتها بذات النفسـية التي رموه بها. لقد أصّر على أن يردها إليهم بعد أن يمسـح عنها سـم الحقد و الغل و الكراهية .

لقد أصر على أن يقف أمام جلاديه مبتسماً قائلاً ” أيها السادة أنا آسـف سهامكم لم تقتلني حالي كحال العديد من الأحرار الذين سبقوني والأحرار الذين سيتبعوني ”

أيها السادة أنا آسـف لأن زنازينكم ومنفرداتكم وصفعاتكم ولكماتكم ومنظروا التهم المجانية وطباخوا الدسائس و المؤامرات من المدعين والمتصيدين وأنصاف المخبرين الذين طالما حاولوا سلبي صفتي كأول مؤسـس للتجمع الليبرالي الديمقراطي في سوريا لم ينجحوا مع الأسف في قتل روح الإنسان بداخلي.

أعادني الموكل بالذاكرة ليوم وقفت فيه إلى جواره مدافعاً أمام محكمة أمن الدولة بدمشق عام 2002 والى جلسة النطق بالحكم حينما كان رئيس المحكمة يلقي عليه قرار الحكم بالاعتقال لمدة ثلاث سنوات على خلفية مشاركته في الحوارات والمنتديات ويرمي عليه التهمة تلو التهمة من زعزعة للشعور القومي… إلى وهن لنفسية الأمة… إلى إثارة للنعرات الطائفية… و بعد أن أفرغ رئيس المحكمة كل ما في القرار بوجهه.
أخرج الموكل من بين أنامله وردة حمراء وقدمها لرئيس المحكمة بصمت.
أمعن به رئيس المحكمة بألم و حشرج من بين شـفتين مغلقتين ( شكراً )
نعم سيدي الرئيس
الإنسان الذي يحيا في قلب الموكل عصي على الموت
و هو عصي أيضاً عن التأثر بنفثات الحقد والكره والضغينة التي كثيراً ما حملتها التهم المجانية التي طالما صبت عليه، و هو مصدر نفحات الغيرة و الإيثار التي دفعت الموكل للمطالبة بالإصلاح الاجتماعي والسياسي لتحريك عجلة التاريخ للأمام وتعبيد سبل الارتقاء بالإنسانية ومصالح الجماعة من أبناء الشعب السوري على طريق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان نحو مستقبل أفضل لهم ولأبنائهم.

نعم سيدي الرئيس – حضرات السادة المستشارين :
لم تتمكن ثقافة الخوف التي زرعها بعض المتطرفين أو بعض الحاقدين من إخماد بواعث الصلاح ودوافع الأثرة التي يمليها الإنسان في قلب الموكل فانطلق في دعوته وشفافيته وعلنيته و علمانيته مطالباً بالحريات واحترام الحقوق الأساسية للمواطن السوري لاسيما حق المشاركة السياسية والمواطنة وحق التعبير والتفكير والتجمع السلمي الأمر الذي أضنى جســده وأرهق محبيه فلهم أقول ما قاله الشاعر العربي:
تهون علينا أن تصاب جسومنا وتسلم أعراض لنا وعقول
تلك العقول التي كثيراً ما أرسلت رسائل المحبة والتي حتمت على الموكل ورفاقه من عيون المعارضة الوطنية الديمقراطية بأن يظلوا مبادرين … متفائلين … معتصمين بمثالية أملت عليهم السير قدماً بدعوتهم للديمقراطية و احترام الحقوق الأساسية للمواطن السوري ، ولاستجلاء خلفية الصورة الكاملة أبسط أمام عدالتكم سرد موجز لتطور مفهوم الدولة وارتباطه بالإجرام السياسي عبر العصور مستمد من بطون كتب التاريخ والفقه القانوني لما في ذلك من أهمية في وضع النقاط على الحروف أمام النيابة العامة الموقرة والهيئة الاتهامية الكريمة في تصويب مفهوم السيادة بين الحاضر والماضي:

أولاً : في تطور مفهوم الدولة و ارتباطه بالإجرام السياسي عبر العصور.


ففي العصور القديمة كانت الجماعة الأولى تبني كيانها على أساس أسروي ومن الطبيعي أنه لم يكن من الجائز لأفرادها الدخول في علاقات مع الآخر إلا بإذن الجماعة تأميناً لبقاءها واستمرارها ، و المفهوم الأسروي أو الديني في العصور القديمة لا سيما في عهد الرومان طمس الخط الفاصل ما بين مفهوم الدولة و مفهوم الحاكم وبموجب قانون الجلالة وعباراته الرنانة ( كالنيل من هيبة الدولة أومن السيادة أوالنيل من هيبة الشعب ) كان يوليوس قيصر يمضي في القضاء على خصومة السياسيين و كان يستغل مفهوم الخيانة الذي كان يأخذ بالتوسع للبطش بمعارضيه نظراً لكونه كان الخصم الحكم في قضيته الخاصة.

فكانت الدولة في ذلك العهد مشخصنة بشخص الحاكم ولم يتخلى الملك في ذلك الوقت عن فكرة الاستئثار بالسلطة . ثم جاءت العصور الوسطى وفيها برزت الفلسفة الانتهازية على يد الوزير الايطالي ماكيافيلي الذي نشر كتابه عام 1532 والتي أقام فلسفته على مبدأ الغاية التي تبرر الوسيلة وأن سلامة الدولة تبرر اللجوء إلى أي إجراء مهما كان عنيفاً و أن على معتصب الحكم أن يبادر لضرب خصومة بضربة واحدة حتى لا يضطر لمعاودة الضربات و ليحولهم إلى عظة وعبرات، وأن من يبني آماله على الشعب كمن يبني بيتاً على الرمال ، وأن الحنث والنفاق السياسي صفات ضرورية لسلامة الدولة في منازعة الخصوم السياسيين و بموجب هذه الفلسفة يصبح الحكم وصولية وانتهازية لا تعرف للشرف والكرامة معنى.

في تلك المرحلة انهارت قيمة الحياة الإنسانية وكان كل امرئ إذا ما سعى للحرية فهو في خطر مكين، في هذه المرحلة انتشرت المحاكم الشاذة ( اللجان الاستثنائية ) ذات السمعة الشائنة في عالم العدالة وكان العقاب استبدادياً و في تلك المرحلة ظهرت فكرة السيادة على لسان القانونيين الذين كانوا يدافعون عن سلطات الملك في فرنسا و كانت الفكرة تقوم على أساس تمتع الملك بالسيادة الكاملة في مملكته .

في أواخر القرن الثامن عشر غزت الأفكار العقول والضمائر بفضل الفلاسفة وأساتذة القانون و بدأ التضييق على جريمة الجلالة، و بدأ الخط الفاصل ما بين الجرائم الموجهة ضد السلطة والجرائم الموجهة ضد الأمة تتبلور معالمه ومع تأكيد الفصل ما بين مفهومي الملك والسلطة السياسية أصبحت الآمة هي صاحبة السيادة .

وفي عام 1789 نشر في أمريكا أول دستور مكتوب في العالم (دستور فيلادلفيا) كانت قد وضعته ثلاث عشر مستعمرة بريطانية تحررت من العبودية وانطلقت تبني حياتها السياسية على أساس راسخ تقيم الحكام خداماً للأمة يحكمون بأمرها و لمجدها لا سادة يحكمون بأمرهم و لمجدهم ويعتبرون الأمة ناقصة الأهلية و التكوين .

وفي عام 1791 ظهر دستور فرنسا الذي نسخ قوانين الاستبداد وضمن حرية الأفراد و أعلن سيادة الشعب بدلاً من سيادة الملك.

أما في بريطانيا فقد أصدرت الملكة (جان ) قراراً حصرت فيه جريمة الخيانة في زمرتين هما عرقلة انتقال التاج أو التهجم الكتابي على الوريث لإثبات عدم شرعيته.

في تلك المرحلة بدأت دائرة الضمانات المخصصة للمتهمين لا سيما السياسيين تتوسع فأصبح للمتهم الحق بمعرفة أسماء المحلفين و أصبح له الحق في الحصول على صورة من صك الاتهام وأصبح له الحق في تعيين محام للدفاع عنه وتقديم شهوده إضافة لحقه في البراءة ، هذا عدا عن أن مدة التقادم في دعوى الخيانة قد تحددت في ثلاث سنوات. وللحقيقة والتاريخ فقد لعبت المحاكم دوراً مشرفاً في تحديد مدلول الخيانة وحصرها بالأمة لا بالحكام. ومن غير الإنصاف أن لا نشيد بدور الفلاسفة و المثقفين الذين ساهموا في تكوين الضمير الشعبي الحر والذين وضعوا مقابل حقوق الملك حقوقاً للأمة و الشعب وطالبوا بإلغاء المحاكم الاستثنائية و كان التوفيق حليفهم بإعلانهم لحقوق الإنسان.

صحيح أن مفاهيم الشرعية الثورية في فرنسا كانت قد قلبت لكثير من تلك المفاهيم رأس المجن و سادت الروح الثورية الدامية ردحاً من الزمن حينما استل الثوار أسلحة الطغاة الصدئة ليستعملوها مجدداً تحت شعار حماية ( جلالة الشعب و سيادته ) بدلاً من ( جلالة الملك ) وصحيح أن نظرية سيادة الآمة كانت تبرر الكثير من أنظمة الحكم ومن بينها أنظمة الحكم المطلق . وصحيح أن الأمة أخذ ينظر لها بوصفها وحدة مجردة مستقلة عن أشخاص الأفراد الذين يتبعونها مما هدد بظهور أشد الأنظمة استبداداً في ذلك الوقت لأن الأمر لم يكن يكلف أكثر إظهار الشعب على أنه وحدة مجردة صماء وأن الحاكم هو الممثل الشرعي والوحيد لها.

غير أنه سرعان ما عاد الرشد و ترسخ مع بدايات القرن التاسع عشر و مع مجيء المذهب الفردي الحر في السياسة والقانون والذي بموجبه أضحت الدولة جهازاً إجتماعياً إنسانياً وجد لحماية حقوق الأفراد وضمان حريتهم في إطار من ضرورات العيش المشترك.

وأصبحت السلطة في يد الشعب الحقيقي بما تتنازعه من قوى مختلفة و ما تتخلله من اتجاهات متعارضة وبما يحتويه من أفراد لكل منهم وجوده المستقل ، لا الشعب بوصفه وحدة مجردة صماء مكونة من أفراد متجانسين . و كان ذلك مع تبلور مفهوم الديمقراطية حيث انهارت الفكرة المضلله عن الشعب، بوصفه وحدة صماء متجانسة من كل الزوايا .

و بالديمقراطية و حق التعبير عن الرأي غدت السيادة للشعب بمفهومه و مدلوله الاجتماعي الحقيقي و بطبقاته المختلفة و هيئاته المتعارضة أو المتجانسة و بتمثيل حقيقي يجمع بينهم إرادة الحياة المشتركة و أما المفهوم القديم للسيادة من خلال الحاكم الفرد المطلق بوصفه ممثلاً شرعياً و وحيداً لوحدة مجردة وهمية صماء اسمها الشعب يستأثر بها كيفما شاء فقد أصبح من الماضي.

لقد ارتبط مفهوم السيادة للشعب بشكل نهائي وصميمي بمفهوم الديمقراطية وإعلان الحقوق الأساسية لا سيما منها التعددية و المشاركة و إبداء الرأي السلمي و غيرها و في هذه المرحلة تحددت بشكل نهائي ملامح الشخصية الاعتبارية للدولة في استقلالها عن أشخاص الحاكمين ملوكاً كانوا أم رؤساء الذين لم يعد ينظر لهم إلا بوصفهم جهازاً من أجهزة الحكم يتبدل ويتغير تبعاً للظروف و الأحوال أما الدولة فهي باقية تعبيراً عن الأمة بأسرها.

و لم يعد ينظر للمعارض السياسي بصفته خصماً للدولة و عدواً لله و الوطن إنما هو بالكاد خصم للسلطة وأجهزتها والتي هي صفات وأشكال عارضة للحكم لا يضير الدولة أو يقوضها استبدال شكل للحكم بأخر أو الاستعاضة عن حكومة بأخرى .

زاد من انتصار هذا المذهب الأخذ بمبدأ تفريد العقوبة والنظر لشخصية المجرم السياسي بما يتطلبه ذلك من تلمس لدوافعه و بواعثه وأغراضه و غاياته.
تكشف ذلك عن أن ما كان يدعى بالمجرم السياسي ما هو إلا صاحب عقيدة و وجدان و داعية خير و صلاح و معتصم بمثالية أملت عليه التضحية في سبيل الواجب.
قد تنتصر دعوته فيصبح البطل المقدام وقد لا يقضي دون ذلك فيتحول إلى شهيد للواجب.
يقول العلامة فري: إن كل نظام سياسي أو اجتماعي هو نظام مؤقت بالضرورة و لا يصلح إلا لمرحلة تاريخية معينة … وأن علة الإجرام السياسي أنه متطور لأنه يحرق المراحل و يسّرع في دوران عجلة الزمن لصالح الشعوب.
كما يرى أن العقاب على مثل هذا الإجرام هو دفاع طبقي لا هدف له إلا حماية مصالح الطبقة الاجتماعية السائدة.
و يؤمن أن مهمة التشريع الجزائي تتجلى في سن النصوص التي تحمي المصالح الدائمة المشتركة بين جميع أبناء الأمة والمجتمع وإلغاء النصوص التي لا تهدف إلا للذود عن مصالح طبقة معينة من الناس أو امتيازاتها.
و دعا إلى أن يرتقي القضاء الجزائي بدوره من مجرد أداة للتسلط السياسي ليغدو ” عيادة للوقاية الاجتماعية ” يرأب الصدع في بنية المجتمع و يمنع عنه الانهيارات.
وعليه فلم يعد التنظيم السياسي غاية بحد ذاته و إنما وسيلة لتحقيق غاية متمثلة في تحقيق المثل العليا وتأمين الطمأنينة والعيش الرغيد المشترك للأفراد ، و هكذا ابتدعت الإنسانية نظماً جديدة لضمان الحقوق والحريات العامة .

و خطوة للأمام انتقلت تلك الضمانات من الميدان الوطني أو القومي للميدان العالمي حينما وضعت منظمة الأمم المتحدة في اليوم العاشر من شهر كانون الأول عام 1948 وثيقة ” إعلان حقوق الإنسان ” والتي أقرتها الأكثرية الساحقة من أعضاء المنظمة وساهمت سوريا في صياغتها وكانت من أول الدول التي وقعت عليها.

و قد اقتصرت الحريات العامة بداية على ضمان الدولة من الطغيان على حريات الأفراد ثم تطورت لدعوة الدول لحماية حقوق الأفراد المدنية منها والسياسية وإلزامها بمساعدتهم على جميع المستويات.

وقد جاء في مقدمة الإعلان ما يلي:
لما كان الاعتراف بالكرامة الملازمة لجميع أعضاء الأسرة الإنسانية و بحقوقهم المتساوية التي لا يمكن التخلي عنها يشكل أساس الحرية والعدل والسلام في العالم
ولما كان عدم الاعتراف بحقوق الإنسان واحتقارها قد أديا إلى أعمال بربرية تثير ضمير الإنسانية
وبما أنه قد أعلن أن غاية ما يصبو إليه الإنسان إيجاد عالم يمكن فيه للكائنات الإنسانية أن تتكلم وتعتقد بحرية وهي محررة من الإرهاب والبؤس.

ولما كان من الضروري حماية حقوق الإنسان بنظام حقوقي كي لا يضطر في النهاية إلى الثورة ضد الطغيان والظلم. و لما كان من الضروري إنماء العلاقات الودية بين الأمم…… إلى أن يصل إلى تعد فعلي من قبل الدول الأعضاء ومنها سوريا و بالتضامن مع الأمم المتحدة على الاحترام الفعلي لحقوق الإنسان والحريات الأساسية ….. فإن الجمعية العمومية تعلن هذا التصريح كمثل أعلى مشترك يتوجب على جميع الشعوب والأمم تحقيقه …..بتدابير متزايدة وطنية و دولية سواء بين شعوب الدول الأعضاء أنفسهم أم بين شعوب الأراضي الواقعة تحت ولايتهم. بعدها توالت الضمانات والعهود والمواثيق الدولية والتي وقعت عليها سوريا من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية إلى العديد من المعاهدات الدولة.

الأمر الذي غدت معه قضية حقوق الإنسان قضية عالمية بامتياز التزمت على أثرها الدول بتقديم تقرير عن أوضاع حقوق الإنسان في بلدانها بشكل دوري للأمم المتحدة وبالمقابل فإن المنظمات غير الحكومية تقدم تقرير الظل الذي تفضح به ما ورد في التقرير الحكومي و يتم النقاش العلني في أوضاع حقوق الإنسان في كل بلد من البلدان تحت سقف ورعاية الأمم المتحدة ما بين الجهات الحكومية والأهلية لكل دولة من الدول ويصدر في نهايته تقييم لأوضاع حقوق الإنسان.

وفي الآونة الأخيرة عام 2005 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة إنشاء مجلس جديد لحقوق الإنسان يكون تابعاً لها و بعيداً عن هيمنة مجلس الأمن عليه و وضعت آليات جديدة لمتابعة قرارات المجلس وتوصياته و أعطي دور أكبر لمشاركة المنظمات غير الحكومية و حتى الأفراد وجميع المهتمين عن طريق اللجان المتخصصة بكل حق من الحقوق الأساسية المنصوص عليها بالعهود والمواثيق الدولية بغية ترجمة أكبر لما جاء في تلك العهود والمواثيق إلى واقع على الأرض.

وباختصار لم تعد قضية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية قضية داخلية بامتياز ولم تعد قوة الدولة تقاس بمدى قدرتها على التحكم بأفرادها وإنما تحولت هذه القضية بفعل التطور التاريخي ونضال الشعوب إلى قضية عالمية و التزامات دولية.

وفي سوريا : فقد مرّ التشريع منذ فجر الاستقلال بثلاث مراحل من وجهة نظر الدفاع:

المرحلة الأولى وهي المرحلة التي أعقبت الاستقلال وتأثر المشرع السوري فيها برياح التغيير التي جاءت مع بدايات القرن التاسع عشر في أوربا والتي حملها المذهب الليبرالي الحر في السياسية والقانون . وفي هذه المرحلة ظهرت معظم القوانين الوضعية الحالية كقانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /148/ تاريخ 22/6/1949 وقوانين أصول المحاكمات الجزائية والمدنية و معظم القوانين الوضعية إضافة لقانون الجمعيات والأحزاب الصادر بالمرسوم رقم /47/ تاريخ 1953، وفي هذه المرحلة شاركت سوريا في وضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 وفي هذه المرحلة وضعت الضمانات الأساسية للمتهم كي يلقى محاكمة عادلة ومنصفه أمام محاكم لها تاريخها ومجدها وتراثها و عراقتها.

المرحلة الثانية : في عهد الوحدة مع مصر حيث تسللت المفاهيم الاشتراكية إلى القوانين وبدء الاهتمام أكثر بمصالح الطبقة الكادحة فسنت التشريعات التي تضمن مصالح أكثر للعمال والفلاحين كقانون التأمينات الاجتماعية وقانون العمل الموحد وقانون الإصلاح الزراعي وغيرها

ثم جاءت المرحلة الثالثة : التي أعقبت الثامن من آذار حيث كرس العمل بالنهج الاشتراكي وسادت في هذه المرحلة بعض مفاهيم الشرعية الثورية فأعلنت حالة الطوارئ التي مازالت سارية ثم صدر قانون حماية الثورة بالمرسوم رقم /6/ لعام 1964والذي نص على تجريم و معاقبة كل من يناهض أهداف الثورة ويقاوم النظام الاشتراكي بالقول أو الكتابة أو الفعل بالسجن المؤبد والذي قد تصل عقوبته إلى الإعدام في بعض الحالات المشددة.

ثم أنشـئت محكمة أمن الدولة العليا بالمرسوم رقم 47 لعام 1968 وتختص بالنظر بجميع القضايا التي يحيلها إليها الحاكم العسكري
ثم صدر المرسوم التشريعي /14/ تاريخ 15/1/1969 والذي تضمن إحداث إدارة المخابرات العامة
ثم أحدثت محاكم الميدان العسكرية بالقانون رقم /109/ لعام 1968 التابعة لوزارة الدفاع والتي أسبل الحاكم العرفي اختصاصها لتشمل المدنيين وجميع القضايا التي يحيلها إليها
وصولاً لقانون العقوبات الاقتصادي بالمرسوم رقم /37/ تاريخ 6/5/1966 و قانون إحداث محاكم الأمن الاقتصادي بالمرسوم التشريعي رقم /46/ تاريخ 8/8/1977 ( محاكم استثنائية ) والتي تمّ إلغاؤها مؤخراً.
إلا أن سوريا كانت قد انتقلت بعد عام 1973 من مرحلة الشرعية الثورية التي أعقبت الثورة ما تمخض عنها من قوانين إلى مرحلة الشرعية الدستورية من خلال الدستور النافذ حالياً والذي ينص في المادة الثانية منه على :

المادة الثانية

    • 1- نظام الحكم في القطر العربي السوري نظام جمهوري.

    2- السيادة للشعب ويمارسها على الوجه المبين في الدستور

المادة الخامسة والعشرون

    • 1- الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم.

    • 2- سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة.

    • 3- المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.

    4- تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين.

المادة السادسة والعشرون
لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وينظم القانون ذلك.

المادة السابعة والعشرون
يمارس المواطنون حقوقهم ويتمتعون بحرياتهم وفقاً للقانون.

المادة الثامنة والعشرون

    • 1- كل متهم بريء حتى يدان بحكم قضائي مبرم.

    • 2- لا يجوز تحري أحد أو توقيفه إلا وفقاً للقانون.

    • 3- لا يجوز تعذيب أحد جسدياً أو معنوياً أو معاملته معاملة مهينة ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك.

    4 – حق التقاضي وسلوك سبل الطعن والدفاع أمام القضاء مصون بالقانون.

المادة التاسعة والعشرون
لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني.

المادة الثلاثون
لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها ولا يكون لها أثر رجعي ويجوز في غير الأمور الجزائية النص على خلاف ذلك.

المادة الثامنة والثلاثون
لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول والكتابة وكافة وسائل التعبير الأخرى وأن يسهم في الرقابة والنقد البناء بما يضمن سلامة البناء الوطني والقومي ويدعم النظام الاشتراكي وتكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر وفقاً للقانون.

المادة التاسعة والثلاثون
للمواطنين حق الاجتماع والتظاهر سلمياً في إطار مبادئ الدستور وينظم القانون ممارسة هذا الحق.

و غيرها الكثير من الضمانات لحق المواطن في التنقل وحقه في حرية مراسلاته و غيرها من الحقوق
و نحن لسنا مع الرأي القائل بأن ما ورد في المادة الثامنة شرط إرتدادي يجّب ما ورد في الدستور من حقوق فالدستور نص في تلك المادة على أن حزب البعث يقود الدولة و المجتمع ولم ينص على أنه يحكم الدولة والمجتمع و مفهوم القيادة يختلف من وجهة نظرنا عن مفهوم الحكم.

بكل الأحوال فقد القي القبض على الموكل في مطار دمشق الدولي بعد عودته من جولته الأوربية والأمريكية بتاريخ 7 / 11 /2005 و رغم أن أسباب توقيفه كانت سياسية صرفة إلا أنه لم يحال لمحكمة استثنائية أو على خلفية حالة الطوارئ المعلنة منذ أربع وأربعين عاماً وهو أمر له دلالات من وجهة نظر الدفاع نراها في غاية الأهمية و نعّول عليها كبير الأمل ،إن إحالة الموكل لمحكمتكم الموقرة و بناءاً على نصوص قانون العقوبات العام و محاكمته وفقاً لقانون أصول المحاكمات الجزائية والسماح لنا بتقديم دفاع جدي عن الموكل و تلاوته أمام محكمة الشهر والعلنية جميعها مؤشرات على وجود فريق من أصحاب القرار يريد ترسيخ دولة الحق والقانون و المؤسـسات في سوريا ، و ينظر بعين اللهفة لعودة العافية لقضائنا الوطني ولقيم الدولة القائمة على أساس المواطنة والمشاركة واحترام الحقوق الأساسية للمواطن.

وفي المقابل و وسط هذا الزخم يغتنم فريق آخر من أصحاب التشدد والحقد والضغينة الفرصة لخلق عدو افتراضي فلا يجدونه ( مع الأسف الشديد ) إلا في الموكل و زملائه من شـجيرات الورد داخل روض المجتمع، و هم جادين برغبتهم بإلقاء تلك الورود في الوهاد المعد للمجرمين والقتلة والسارقين .
إن شجيرات الورد أيها السادة أمانة بين أيديكم وهي تسـتصرخكم منكرة عليكم إلقائها في الوقاد بعد أن نجحت أحقاد الغلاة في إعمال فؤوسهم وأسنتهم فيها و تقديمها أمام صرح عدالتكم.
نحن على ثقة بأن تلك التدخلات غير الكريمة في ملف القضية و الضغوط التي مورست فيها والتي ثبتت آثارها في ملف الدعوى ستتهافت أمام إيمانكم بعمق المسؤولية التي ائتمنكم وطنكم و مجتمعكم عليها .

حضرات السادة الأفاضل
إن مثل هذه المحاكمات ما هي إلا وقفات حاسمة في حياة سوريا ، وهي تحتوي الأمجاد كما تحتوي المخازي.
و كم تمكنت محاكمة صغيرة من إعطاء صورة للواقع السياسي والاجتماعي الذي تعيشة دولة ما في مرحلة ما قلما تستطيع إعطاؤها مؤلفات كثيرة
نحن نعلم أن القضاة في الأعم الأغلب مطبوعين بزمانهم و أنه قليل هم أولئك البررة الصناديد الذين يستطيعون الإفلات منه.

إلا إننا اليوم أقوياء لأننا نقف تحت حصن القضاء العالي و من خلفنا الآف بل ملايين الشهداء الذين قضوا في سبيل انتزاع الضمانات الأساسية بالمحاكمة العادلة ….. فكم سالت الدماء على المقاصل إلى أن وصلت الإنسانية لتقرير الضمانات المقررة للمتهم أمام محاكم الشهر والعلنية و بحضور الرقابة الشعبية.

نحن نعلم أيها السادة عمق المسؤولية الملقاة على عاتقكم، و نعلم مقدار الضغوط التي يمكن أن تتعرضوا لها ، تلك الضغوط الثابته بكتب رسمية موجودة بين دفتي الملف الموجود أمام عدالتكم .

و نحن كجهة دفاع و باسم المحبة التي طالب بها الموكل في معرض استجوابه أمام محكمتكم الكريم نستصرخكم قائلين : لقد آن الأوان ليقف القضاء في سوريا أمام أمثال تلك الضغوط كالطود الشامخ متحدياً مدافعاً عن عظمته و عراقته حتى ولو كانت تلك التدخلات كالعواصف المدوية و سيحفظ الله والتاريخ لكم حقكم عنده.

وسنردد جميعاً مع الشاعر العربي:

سـقف بيتنا حديد         ركن بيتنا حجر
فاعصفي يا رياح         وانتحب يا شـجر

لقد آن الأوان وبعد كل هذا الظلم لوضع الحقد والغل الكذب والافتراء في النعش لا الموكل الدكتور كمال اللبواني صاحب العقيدة والوجدان، وليعيش بعدها الوطن بعد أن يسود فيه العدل أساساً للملك.

ثانياً :الخلفية السياسية التي حملت الموكل للمطالبة بالحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان والخلفية السياسية التي حملت السلطات على اعتقاله.

سبق لي و أن طلبت من الموكل أن يكتب سيرته الذاتية لتضمينها الدفاع فكتب مايلي :

محمد كمال اللبواني طبيب من مواليد الزبداني 1957 من أب شرطي و فلاح درس حتى الثانوية في مدارسها ثم الطب البشري في جامعة دمشق وتخرج عام 1981 وعمل في عيادته في بلدته أعتقل ثلاث مرات : الأولى حينما على خلفية معالجة جريح برصاص قوات الأمن إبان دهمهم لبلدته بحثاً عن بعض المهربين.

والثانية : بعد أن تشجع بعد خطاب القسم على قول رأيه فانخرط في ربيع دمشق وعمل في مختلف نشاطاتها و كان عضواً في لجنة الحوار الوطني الذي كان يعقد بمنزل النائب رياض سيف فاعتقل بتاريخ 9/9/2001 و أمضى في الحجز الانفرادي ثلاثة سنوات ويومين.

والثالثة : بعد عودته من جولته الأوربية بناءاً على دعوة منظمة العفو الدولية لإقامة معرض فني في لندن على خلفية جهره بآرائة ومعتقداته السياسية.
متزوج وله ثلاثة أولاد و من اهتماماته القراءة والكتابة و الفن التشكيلي و قد نشر له كتابان نحن اليوم أيها السادة أمام محاكمة سياسية بامتياز وهو أمر لا أعتقد أن هناك اثنان يختلفان عليه.
و باعتبار أن المحاكمات السياسية غالباً ما تتزامن مع الأزمات.

لذلك أستميحكم العذر بتسليط الضوء قليلاً على الخلفية التي اعتقل الموكل على أثرها لما في ذلك من أهمية في تسليط الضوء على جانب هام من جوانب الحقيقة والتي يشكل الوصول إليها مقدمة لا بد منها لإحقاق الحق وإعلاء راية العدل والتي هي في المحصلة هدف محكمتكم الموقرة.

بتاريخ 16/10/2005 صدرت وثيقة إعلان دمشق للتغيير السلمي الديمقراطي وقد قامت الوثيقة على أركان أربعة رئيسية:

    • i. ضرورة التغيير السلمي الديمقراطي من الداخل.

    • ii. رفض التدخل العسكري الأجنبي أو الضغوط الاقتصادية.

    • iii. العمل بهذا الاتجاه بمعزل عن السلطة إذا ما رفضت الإصلاح السلمي الديمقراطي.

    • iv. الإصرار على الوحدة الوطنية ورفض أي شكل للفتنة الطائفية أو المذهبية أو العرقية.

    v. وما تبقى هو تصورات لدليل لحقوق المواطن السوري ضمن اطر عامة تشمل حقوق المواطنة والحريات العامة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية وسواها.

وقد ثائب صدور إعلان دمشق بينما كان الموكل في جولة في أوربا وأمريكا بدعوة من منظمة العفو الدولية لإشادة معرض رسوم فنية.

ومن نافلة القول أن الموكل إضافة لعمله كطبيب وسياسي فهو فنان وله عدد ضخم اللوحات الفنية بعضها مازال مصادراً حتى الآن لدى الأجهزة الأمنية بعد توقيفه في السجن السياسي المدني حيث كان يمضي الحكم الصادر بحقه عن محكمة أمن الدولة العليا.

ولب المشكلة تتمثل في أن العالم الخارجي و خاصة الغرب ينظرون إلى أي دولة في العالم بما فيها سوريا بوصفها أرض وشعب وسلطة ، وأن المجتمع السوري حاله كحال جميع المجتمعات يحتوي سياسيين موالين للسلطة القائمة فيه وسياسيين معارضين لها.

ومن الطبيعي أن يجتمع السياسيين الغربيين ويستمعون لأطروحات وآراء كلا الجانبين.
لذلك اجتمع مع الموكل في جولته الأوربية والأمريكية عدد كبير من البرلمانيين الأجانب منهم البريطانيين و والألمان والفرنسيين والأمريكان والبلجيك من بينهم الدبلوماسـيين والأكاديميين وممثلي المنظمات الإنسانية والحقوقية الحكومية منها و غير الحكومية وذلك بصفته سياسي ومثقف سوري خرج من رحم المعارضة الوطنية الديمقراطية في سوريا و دفع ثمناً غالياً وهو أحد معتقلي ربيع دمشق و مؤسـس التجمع الليبرالي الديمقراطي.

بعد أن قرأ الموكل وثيقة إعلان دمشق للتغيير السلمي الديمقراطي تبنى ما جاء فيها باعتبارها تمثل من وجهة نظره حصيلة مطالب الأعم الأغلب من الطيف المعارض النظيف في سوريا، تلك المطالب التي قضى شخصياً في سبيلها ثلاثة سنوات في الزنزانة الانفرادية.

وجد نفسـه معنياً بصفته تلك بالتعبير عن وجهة نظرة من خلال الوثيقة التي حملت توافقاً غير مسبوق من معظم ألوان الطيف المعارض السوري.

أين المشكلة إذاً:
المشكلة في أن بعض الغلاة والمتطرفين من داخل نسيج السلطة في سوريا لا يعترفون في قرارة أنفسهم بحق الوجود للمعارضة الوطنية الديمقراطية و يعتبرونها موجودة بمكرمة خاصة و تحت يافطة غض الطرف عنها و المشروط بضعفها وانقسامها وتشرذمها وعدم بلورة رؤيا واضحة لها فالمعارضة من وجهة نظر السلطة مجموعة أفراد لا يمثلون إلا أنفسهم وبالكاد قد يمثلون أفراداً من شـاكلتهم و هم في أحسن الأحوال إما أشخاص من الماضي عف عنهم الزمن أو مجرمين جنائيين وخارجين عن القانون مأواهم السجون والمعتقلات.

وكان صدور الإعلان مرحلة مفصلية في تاريخ المعارضة السورية فللمرة الأولى تتبلور المعارضة الوطنية الديمقراطية بشخصية اعتبارية واضحة المعالم وتحت بنود مطلبيه لا لبس فيها و للمرة الأولى يطرح بوضوح القطيعة مع النظام باعتباره وبعد التجربة غير راغب بالإصلاح و قد زاد في الطنبور نغماً الضجة الإعلامية التي رافقت الإعلان فسن الكتبة أقلامهم من كلا الفريقين ( الموالين للإعلان والمعادين له ) و سرعان ما دبت الدماء في شرايين الحياة العامة في سوريا و كأننا على أبواب فصل مسرحي جديد من فصول الحياة السياسية العامة في سوريا حتى أن بعض الحالمين سارعوا يريدون حجز أدوارهم التي طالما انتظروها وذلك بتفصيل إعلانات جديدة تفي بالغرض وتكون على القياس.

وكان من الطبيعي أن يثير الإعلان حساسية البعض من ذوي عتبات التنبيه المنخفضة في السلطات السورية فاستنفرت بدورها واتخذت قرارها فيما يبدو بسحب مكرمة غض الطرف عن المعارضة الوطنية الديمقراطية وبدأت سياسة التضييق عليها و وضع حد لنشاطها والضرب على أيدي بعض رموزها فمنعت الاجتماعات وفرقت شمل أصحابها و ضيقت على البعض الآخر وكان الموكل الذي أعلن على شاشات التلفزة التزامه بالوثيقة و حمل لوائها و وتسويقها في الخارج أحد أهم الضحايا لا سيما وأنه أراد ترجمة ما ورد في إعلان دمشق و دفع الإعلان خطوة للأمام وترجمة ما ورد فيه إلى واقع على الأرض فطالب بحكومة مشتركة من السلطة والمعارضة و تحدث عن انتخابات تعددية مقبلة ….. ثم عاد إلى سوريا ايماناً منه بعدالة موقفه و شرعية مطالبه فكان توقيفه و كان تقديمه لمحكمتكم الموقرة.

ثالثاً : في تسلسل وقائع الدعوى وأدلتها والضغوط التي مورست خلال المرحلة التحقيقية:


لقد اعتقل الموكل بمجرد أن وطأت قدماه مطار دمشق بتاريخ 7/11/2005 واقتيد إلى فرع الأمن السياسي بدمشق حيث تعرض ( مع الأسف الشديد ) للضرب و المهانة وأريد له أن يقدم على طبق قانون العقوبات العام بوصفه مجرماً جنائياً مرتكباً لا يختلف عن قطاع الطريق أو اللصوص في شيء.

أحس الموكل بالأجواء المصطنعة تعصف من حوله و شعر أن التهمة الملفقة بدأت تحاك خيوطها و تتبلور معالمها في الألفاظ العامة المجملة لضباط الأمن السياسي الذين تحدثوا عن عداء الغرب للعرب وعن الانحياز الأمريكي الأعمى لإسرائيل وعن ملس وتقريره المزور ، لكنهم لم ينبسوا ببنت شـفة عن ركن مادي لفعل جرمي يمكن أن ينسب للموكل سوى أنه انتقد النظام في مقابلة على الهواء و أمام الملايين و على شاشات التلفزة.

ظن الموكل أن في الصمت ملاذاً ، لكن الصمت لم يحول دون المنطق الكارثي الذي بدأ يعلو هنا وهناك ( خالطاً شـعبان برمضان ) فأريد له أن يحمل على كتفيه وهو في طريقه الى محراب عدالتكم ما يردد صباح مساء عن وزر السياسة الخارجية البريطانية و الأمريكية …إلى وزر تقرير المفتش القضائي ملس والتآمر الخارجي على سوريا…. ولا بأس فيما لو علّق على رقبته ذنب آلاف الشهداء من أبناء شعبنا في فلسطين ولبنان وغيرهم من الشعوب المستضعفة في العالم.

نظم بحقه الضبط رقم 2969 تاريخ 9/11/ 2006 والذي لم ينبس فيه ببنت شفة ولم يوقع عليه وأحيل إلى المحامي العام الأول بالإحالة رقم 14189 والمتضمنة بالحرف:

    • تقديم الموكل مقبوضاً عليه لتهجمه على النظام الوطني في سوريا واصفاً إياه بالديكتاتوري والاستبدادي والقمعي وهذا واضح في المقابلة التلفزيونية التي أجراها مع محطة الحرة الفضائية بتاريخ 4/11/2005وعليه فالأجهزة الأمنية ورغم بنيتها التحسسية لم تعزو للموكل تهمة تحريض دولة أجنبية على العدوان على سوريا ولم تحقق معه بهذه التهمة بإعتبار أن الأدلة المحرزة لا تحمل على الاعتقاد بوجود هذه التهمة.

  • ثم أن النيابة العامة ورغم الهودج الضخم الذي حمل فيه الموكل فقد حركت الادعاء بحقه سنداً للمواد 285- 286 – 287 -307-308 بتهمة إضعاف الشعور القومي و وهن نفسية الأمة والنيل من هيبة الدولة وإثارة النعرات الطائفية وعليه فالنيابة العامة لم تعزو للموكل تهمة دفع دولة أجنبية للعدوان على سوريا ولم تحقق معه في هذه التهمة باعتبار أن الأدلة الموجودة في ملف القضية لا تحمل على الاعتقاد بوجود مثل هذا الجرم.
  • وحينما حقق قاضي التحقيق السابع مع الموكل فقد استجوبه وفقاً للأوصاف الجرمية السالفة الذكر قائلاً له : يسند إليك جرم النيل من هيبة الدولة والشعور القومي والنيل من الوحدة الوطنية وأقوال الموكل أمامه كانت ضمن هذا الإطار” منكراً ما اسند إليه وسرد الظروف المأساوية التي رافقت عملية الاعتقال وبسؤاله عن الوثائق التي صودرت منه أكد بأن وثيقة إعلان دمشق و التي طبعها من الانترنت و كذلك ببرنامج الزائر الدولي للولايات المتحدة باللغة الانكليزية وأن ما ورد على لسانه من أنه طلب ضغوط دبلوماسية من أجل احترام الحريات العامة وحقوق الإنسان فقد ورد هذا الكلام في إطار عام و كان بصفته ناشطاً في منظمات و لجان حقوق الإنسان وقد أكد على رفض التدخل الأجنبي العسكري والاقتصادي ورفض العنف بكل أشكاله و رفض العمل السري بجميع صوره وطالب بالإصلاح التدريجي السلمي الديمقراطي الداخلي ثم تحدث عن جولته الاوربية من لندن الى ألمانيا وبلجيكا ثم الولايات المتحدة والتي يشارك فيها على أساس برنامج الزائر الدولي والذي تنظمه وزارة الخارجية الامركية وهو برنامج دائم يدعى له الساسة والمفكرين وأساتذة الجامعة و الباحثين من جميع العالم وأنه دعي عن طريق مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية وأن لقاءاته كانت مع منظمات حقوق الانسان والديمقراطية وأجرى لقاءات متعددة في مكاتب الخارجية الأمريكية وأن هناك انقسام في الرأي في طريقة التعاطي مع سوريا بين تيارين الأول يؤيد الضغط العسكري والآخر يرفضه وأن وجهة نظر الموكل معروفه حول هذا الموضوع ليس فقط من خلال أقواله أمام قاضي التحقيق وإنما من خلال شاشات التلفزة وبشهادة ملايين البشر وعلى الفضائيات وقد قالها جهاراً ناراً وأعادها عشرات المرات بأنه يرفض أي فكرة للضغط العسكري أو الاقتصادي أو العنف وأدان من يهمس بإذن الإدارة الأمريكية بمثل هذا السيناريو وأن على جميع الخيرين الوقوف بوجه اللوبي الصهيوني وتجار السلاح الذين يؤيدون فكرة الحرب و برأيه أن السلطة إذا ما وافقت على فتح حوار باتجاه التحول الديمقراطي التدريجي فإن المعارضة تستطيع أن تحقق ذاتها بقد ما لها من شعبية دون الاستعانة بالخارج وأنه يفهم أن حرية الرأي تتضمن حق الإنسان بالخطأ وأنه كإنسان لا يستطيع العيش بدون حقوقه وإذا ما استطاع الحصول على دعم دبلوماسي من أجل حقوق الإنسان وليس من أجل أي شيء آخر من حقه الاستفادة من هذا الدعم في مواجهة الظلم الذي لاقاه لا سيما إبان سجنه الانفرادي عندما كان يطالب بتطبيق قانون السجون كان يجيبه الضابط أنا القانون هنا ولا قانون لك سواي.” ثم أن الإجراءات التحقيقية التي قام بها قاضي التحقيق السابع كانت تستهدف التحقق من الأوصاف الجرمية الأربعة السالفة الذكر والمتمثلة في وهن نفسية الأمة … وإضعاف الشعور القومي …. و النيل من هيبة الدولة في الخارج …. وإثارة النعرات الطائفية باعتبار أن الأدلة الموجودة في القضية لا تحمل على الإعتقاد بوجود جرم تحريض دولة أجنبية على العدوان على سوريا.

و السيد قاضي التحقيق من خيرة القضاة و قد شعر الموكل بالأمان بوصوله لدائرته حيث سمح له بالاستراحة بعد الاستجواب الطويل وتناول بعض قطع البسكوت بعد أن علم أن حرمان الموكل من الطعام كان قد دام أربعة أيام في دوائر الأمن لم يدخل خلالها لقمة واحدة إلى جوف الموكل وكانت أجواء الاستجواب توحي بالثقة وذلك على الرغم من صدور قرار بالتوقيف واستمرت الإجراءات التحقيقية أمامه على خير ما يرام واستمع السيد قاضي التحقيق للمقابلات التي أجراها الموكل على شاشتي الحرة والمستقلة بحضوره بعد استحضاره من السجن وأعاد استجوابه حول ما جاء فيها وسارت الإجراءات التحقيقية قدماً و كان من أهم الوثائق التي صودرت من الموكل ( برشور ) يتضمن شرحاً عن برنامج الزائر الدولي للولايات المتحدة الأمريكية وهو البرنامج الذي على أساسه قام الموكل بزيارة الولايات المتحدة الأمريكية ، وهذا “البرشور” يتضمن جميع المعلومات التفصيلية عن هذا البرنامج ماهيته و طبيعته و النشاط الذي يقوم به الزائر و الأماكن التي يزورها والشخصيات التي سيقابلها وعدد المشاركين به سنوياً و هل هم من بلد واحد أم من جميع بلدان العالم وأعدادهم البالغ بالآلاف سنوياً وفئاتهم الاجتماعية كنخب من المثقفين و الفنانين والسياسيين وعلماء النفس والاجتماع ومن جميع الفئات والطبقات اللامعة ومن جميع المجتمعات البشرية.

المهم أن السيد قاضي التحقيق أصدر قراره المتضمن تسطير كتاب إلى إدارة الأمن الجنائي لموافاته بمترجم من قبلهم لاستلام الوثائق المصادرة من المدعى عليه محمد كمال اللبواني والمسطرة باللغة الانكليزية ليصار إلى ترجمتها وإعادتها أصولاً وتعليق التحقيق ليوم 15/11/2005.

وبتاريخه حضرت المترجمة أمل عكاوية وتمّ التأكد من هويتها وأفادت أنها مندوبة من إدارة الأمن الجنائي وقد تمّ تسليمها الوثائق المطلوب ترجمتها وبعد تحليفها اليمين القانونية بأن تؤدي الترجمة بصدق وأمانة تم تسليمها الوثائق الانكليزية ووقعت على استلامها وقد تمّ ذلك بتاريخ 15/11/2005.

وكنا على الدوام نطالب بإخلاء سبيل الموكل على اعتبار أن التهمة الموجهة ضده جنحية الوصف انطلاقاً من أن المادة المتعلقة بإضعاف الشعور القومي اشترطت: أن تقوم الدعوات التي ترمي إلى إضعاف الشعور القومي في سوريا وذلك بنص المادة /285/ من قام في سوريا في زمن الحرب بدعاوى ترمي …..

كما أن المادة المتعلقة بوهن نفسية الأمة اشترطت أن يكون نقل الأنباء الكاذبة التي من شأنها أن توهن نفسية الأمة في سوريا وذلك بنص المادة /285/ يستحق العقوبة نفسها من نقل في سوريا أنباء يعرف أنها كاذبة…..

وكلتا المادتين الجنائيتي الوصف اللتين أسبلتهما النيابة العامة للموكل لا تنطبقان عليه لأن تحركات الموكل ومقابلات كانت خارج سوريا وظهوره على شاشات التلفزة كان خارج سوريا وعليه فقد سد المشرع السوري الطريق أمامه باتجاه محكمة الجنايات.

والطريق الوحيد الذي بقي سالكاً أمامه هو طريق المواد /287/ والتي نصت على أن كل سوري يذيع في الخارج وهو على بينة من الأمر أنباء كاذبة أو مبالغاً فيها من شأنها أن تنال من هيبة الدولة أو مكانتها المالية يعاقب بالحبس ستة أشهر …

وكذلك المادتين الجنحيتين /307/ و /308/ المتعلقتين بإثارة النعرات الطائفية وكلا المواد السالف ذكرها هي من نوع الجنح وهذا الطريق لا يؤدي لأكثر من محكمة بداية الجزاء.

وعلى اعتبار أن الموكل هو من جاء طائعاً مختاراً الى سوريا حاملاً جميع أوراقه وملفاته وأنه لا خشية من ضياع دليل ولا من فرار الموكل وبالتالي تنتفي مبررات التزود بتوقيفه احتياطياً.

والحقيقة أننا كنا بانتظار مرور الستة أشهر وهي العقوبة التي نصت عليها المادة /287/ وبغض النظر عن قناعتنا بارتكاب الموكل فعلاً يعاقب عليه أم لا إلا أنه كان لابد من مخرج قانوني يكون بمثابة ( فشة خلق للشباب ) كما يقولون وضمن إطار القانون والتهم الموجهة للموكل.

ثم بدأت هذه التهمة تنمو في جو من الضغوط والتدخلات، والطريف بالأمر أن الضغوط لم تكن هذه المرة من تحت الطاولة كما هو المعتاد وإنما كانت علنية ولله الحمد.

ابتدأت بالكتاب الرسمي الوارد من مكتب الأمن القومي رقم 819/7/أق تاريخ 17/11/2005 والصادر عن السيد الرفيق رئيس مكتب الأمن القومي والموجه للسيد الرفيق وزير العدل والمسجل في ديوان وزارة العدل برقم /13648/تاريخ 17/11/2005 والذي سنتلوا ما جاء فيه بالحرف باعتباره أحد وثائق الدعوى في قضية معروضة على محكمة الشهر والعلنية:

إشارة إلى ما عرضته قناة الحرة بتاريخ 28/10/005 في برنامج ضم المدعو البرتو فرناندز من وزارة الخارجية الأمريكية ود: محمود شمام و د: زياد العسلي ود: كمال اللبواني وقد كان الموضوع المطروح للنقاش هو الوضع السوري الداخلي وتأثير المعارضة فيه والوضع الخارجي في ظل الضغوط الأمريكية المتزايدة على سوريا.

فقد جاءت مداخلات السيد كمال اللبواني متضمنة العديد من المخالفات القانونية ومن ذلك إشارة إلى:

    • 1) وصف النظام السياسي في سورية بالنظام الديكتاتوري.

    • 2) إن سورية لا تتدخل بشكل صريح في العراق وليس لها دور مهم في السياسة الداخلية العراقية ولكن يمكن أن نلعب هذا الدور الايجابي إذا تحول النظام الشمولي الاستبدادي إلى نظام ديمقراطي يساعد على استقرار الوضع في العراق ولبنان وفلسطين.

    • 3) سورية النظام غير سورية الشعب والضغوط تمارس على النظام وليس على الشعب.

    • 4) لا مجال لعقد صفقة مع هذا النظام وإذا أرادت الأنظمة الاستبدادية التعاون معه فهي حرة.

    • 5) اليوم يحارب النظام إعلان دمشق الذي يؤكد هوية البلد وإذا كان النظام يريد أن يتصالح فليسمح بعقد مؤتمر وطني وليكن رئيس الجمهورية منتخباً على الأقل.

    • 6) سورية دولة طوارئ منذ عام 1963 وبدون الطوارئ لا يعيش النظام الديكتاتوري الذي لا يستمر الا بإثارة الفتن والمشاكل داخل المجتمع.

    • 7) إن السياسة الأمريكية تقف اليوم موقفاً واضحاً للتحويل والتغيير والنظام يحاول الإفلات من الضغوط الممارسة عليه عن طريق فلسطين ليوحي بانه موجود وأنه يمتلك وسائل التفجير في المنطقة.

    • 8) ليس من مصلحة الشيخ حسن نصر الله أن يقف ويعادي مصالح الشعب السوري ولا ننصحه بالتعاون مع النظام.

    9) يجب على الإيرانيين أن يهتموا بشعوبهم والنظام في سورية لا يستطيع أن يغير شيء في الداخل أو الخارج.

وحيث أن هذه الأقاويل تشكل خرقاً لقانون العقوبات السوري والصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148 لعام 1949 لاسيما المواد 264 والمواد 285 / 286/287 من هذا القانون لذا يرجى التفضل بضم هذه المعلومات إلى اضبارته أصولاً أمام الجهات القضائية والخلود لرسالتنا.
التوقيع – رئيس مكتب الأمن القومي
بدوره سطر السيد الرفيق وزير العدل حاشية على الكتاب إلى السيد المحامي العام الأول بدمشق للإطلاع والعمل على ضم هذا الكتاب إلى ملف القضية الجزائية.

وبالتالي يتضح أن مكتب الأمن القومي هو أول من طالب بتطبيق المادة/264/بحق الموكل وذلك بعد ما يقارب العشرة أيام من توقيفه وتحويله للقضاء وبعد يومين من تحويل ( برشور الزائر الدولي ) للترجمة.

لم يقتصر الأمر عند هذا الحد وإنما استمرت أجواء الضغوط و المتابعة على المستوى الرسمي للسيد قاضي التحقيق لإنضاج التهمة الملفقة بحق الموكل، حيث ورد من اللجنة القانونية بمكتب الأمن القومي في حزب البعث العربي الاشتراكي للرفيق المحامي العام الأول بدمشق كتاب يتضمن ما يلي:

تحية عربية
يرجى موافاتنا ببيان يتضمن ما اتخذ من إجراءات قانونية بحق المدعو كمال اللبواني أمام القضاء العادي وما اسند إليه من جرم ، ليصار إلى مخاطبة وزارة الخارجية من قبلنا.

فسطر السيد قاضي التحقيق بياناً بالدعوى تضمن التهم الموجهة للموكل والتي بموجبها حركت النيابة العامة دعوى الحق العام وهي وهن نفسية الأمة …. و إضعاف الشعور القومي …. والنيل من هيبة الدولة في الخارج إضافة لإثارة النعزات العنصرية ولم يكن من بين التهم تحريض دولة أجنبية على العدوان على سوريا والتي طالب بها مكتب الأمن القومي في كتابه الملمح إليه.

بعد كل هذه الضغوط الثابتة بالبينة الخطية التي لا مجال لنكرانها و فجأة وكأن شيئاً قد حدث…بدأ بعض أدعياء الدفاع عن حقوق الإنسان بالتصريح و التلويح بتهمة التخابر والتآمرمن خلال تصريحات صحفية هنا وهناك بعدها بدت لنا العدالة على عجلة من أمرها …فجأة أرسـلت الأوراق إلى النيابة العامة دون استكمال الإجراءات التحقيقية وبدون انتظار نتيجة ترجمة “برشور الزائر الدولي للولايات المتحدة الأمريكية ”
عاد الملف من دائرة النائب العام محملاً بمطالبة لقرار كسيح ذلك أنه من المعروف أن الفقرات الحكمية في القرارات الجزائية يجب أن تحّمل على الأسـباب وفقاً لمعايير حسن الاستدلال والاستنتاج.

وحينما تعجز الأسـباب عن حمل الفقرات الحكمية أي حينما نحّمل القرار الجزائي ما لا طاقة له به من فقرات حكمية مغلظة الوصف دون مبررات قانونية وأسباب مقنعة يصبح القرار معتلاً فاقداً لتوازنه لا تقوى أسبابه على حمل فقراته الاتهامية، وما حدث أن النيابة العامة كانت قد طالبت تحمّيل القرار الاتهامي بفقرات حكمية تنوء أسبابه القانونية عن حملها ” تحريض دولة أجنبية على العدوان على سوريا ” على أسـباب و مبررات وأدلة تصرخ جميعها بأن إرادة الموكل اتجهت لتجنيب سوريا الحرب والعدوان.

مطالبة جديدة قصرت مسار الدعوى كلياً نحو منحى آخر جديد لم يخطر ببال أحد ويطرح للمرة الأولى بعد توقيف دام ما يقارب الخمسة أشهر .

و كأن نداء أصحاب ملكة العزيز بمصر بسيدنا يوسف قد عاد صداه من أغوار التاريخ و ليصدح مجدداً في دائرة التحقيق ” هاتوا حجارتكم وتعالوا ارجموا الدكتور اللبواني ”

فعلى الرغم من أن أدلة الدعوى و وثائقها وأوراقها لم تتغير ولم تتبدل ومن العار أن تمتد يد أي كان لتعبث فيها وهي تحت يد وسلطة القضاء، إلا أن ما تغير هو مطالبة النيابة العامة ( الخاضعة بحكم القانون للسيد وزير العدل) لتطالب بتكييف جديد للواقعة أبعدنا كلياً عن أجواء الدعوى وأفقدنا القدرة على الصبر والسلوان. فجأة شعرنا أن المؤامرة السوداء بأجوائها المصطنعة التي عاشها الموكل إبان توقيفه الأولي قد عادت من جديد و هي الآن قد أينعت ثمارها وحان مّر قطافها.

فجأة سـاد منطق المزايدات الثورية …منطق الإجمال المخل والتعميم المضل والخلط المتعمد.
إنه منطق التيار المتشدد – منطق قانون الطوارئ والمحاكم الاستثنائية لكن هذه المرة تحت قبة القضاء العادي بأصوله و ضوابطه.

وهو ما يشكل خطراً مضاعفاً لأن الخطر اليوم خرج من تحت عباءة الموكل ليسبل ظلاله القاتمة على الأمة بأسرها و ليس على شخص الموكل.

لقد اضطرننا النيابة العامة الموقرة للعودة لمفهوم السيادة في عهد الرومان لتبرير أوجه استدلالها على اتهامها للموكل بدس الدسائس لحمل دولة أجنبية على العدوان على سوريا.
و رغم أن وطيفه النيابة العامة إثبات التهمة لا تبريرها .
و رغم أننا طالبنا بعرض المقابلتين علناً لتقوم النيابة العامة الموقرة بالإشارة للمواضع التي استندت إليها في توجيه اتهامها الرهيب للموكل.

ورغم أن قرار محكمتكم الموقرة طالب النيابة العامة بالإشارة للمواضع الواردة في المقابلتين و التي استندت إليها في توجيه اتهامها للموكل بدس الدسائس لدفع دولة أجنبية لمباشرة العدوان. ومن الطبيعي أن لا تجد النيابة العامة أي مقطع في المقابلتين طالب فيه الموكل بالعدوان على سوريا. ومن اللافت أن هيئة الدفاع تمكنت من إحصاء ما يقارب الثلاثين مقطعاً عارض فيها الموكل مثل هذا الخيار وقاتل لتجنبه

لذلك رمت النيابة الموقرة حملها على التاريخ و استمدت من مفهوم السيادة في عهد أباطرة روما حينما كانت الجماعات الأولى تبني كيانها على أساس أسروي ما يعينها على تبرير اتهامها للموكل سنداً للمادة /264/ عقوبات ورغم أن النيابة العامة و من خلفها الهيئة الاتهامية الموقرة تبني اتهامها على الظن والتخمين لا الجزم واليقين.

و رغم أني لا أتمنى أن أرى الهيئات القضائية في بلدي تضطر للجوء للماضي لتبرر للفريق المتشدد غلوه وعتوه. و رغم أني لا أعرف أين سنذهب بنصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ساهمت سوريا في صياغته والذي نص في المادة /17/ على حق كل فرد ف حرية الرأي والتعبير و ضرورة عدم استهدافه لأية مؤاخذه بسيب آرائه أو حقه بالسعي وراء المعلومات والأفكار واستقائها و إذاعتها بمختلف وسائل التعبير المختلفة دون نظر إلى الحدود….. أو المادة /19/ منه التي نصت على حق كل شخص في ادارة شؤون بلاده العامة ، وحق كل شخص في تقلد المناصب و بشروط متساوية… وأن تكون إرادة الشعب هي مصدر السلطات …..أو المادة /26/ منه التي نصت على حق كل شخص في نظام يؤمن في الحقل الاجتماعي والحقل الدولي تحقيق المفعول الكامل للحريات وللحقوق المذكورة في الاعلان …. ورغم أني لا أعرف أين سنذهب بنصوص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية السياسية والمعتمد بقرار الجمعية العامة المؤرخ في 16 /12 / 1966 والذي سبق لسوريا وأن صادقت عليه والذي تتعهد فيه الدول بصريح المادة /2/ بأن تتخذ جميع التدابير التشريعية أو غير التشريعية والتي تكفل فعلا إعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد ، طبقا لإجراءاتها الدستورية و لأحكام هذا العهد .

و بموجب المادة /14/ فإن الناس جميعا سواء أمام القضاء . و من حق كل فرد ، لدي الفصل في أية تهمة جزائية توجه اليه أو في حقوقه و التزامات في أية دعوى مدنية ، أن تكون قضيته محل نظر منصف و علني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية والتي تعهدت الدول المصادقة عليها بموجب المادة /40/ بتقديم بتقديم تقارير عن التدابير التي اتخذتها والتي تمثل إعمالا لحقوق المعترف بها فيه، وعن التقدم المحرز في التمتع بهذه الحقوق وذلك:

    • (أ) خلال سنة من بدء نفاذ هذا العهد ازاء الدول الأطراف المعنية.

    • (ب)ثم كلما طلبت اللجنة اليها ذلك.

    • 2- تقديم جميع التقارير إلى الأمين العام للأمم المتحدة، الذىيحيلها إلى اللجنة للنظر فيها.ويشار وجوبا في التقارير المقدمة إلى ما قد يقوم من عوامل ومصاعب تؤثر في تنفيذ أحكام هذا العهد.

    • 3- للأمين العام للأمم المتحدة، بعد التشاور مع اللجنة، أن يحيل إلى الوكالات المتخصصة المعنية نسخا من أية أجزاء من تلك التقارير قد تدخل في ميدان اختصاصها.

    • 4- تقوم اللجنة بدراسة التقارير المقدمة من الدول الأطراف في هذا العهد. وعليها أن توافي هذه الدول بماتضعه هى من تقارير، وبأية ملاحظات عامة تستنسبها. وللجنة أيضا أن توافي المجلس الأقتصادى والإجتماعى بتلك الملاحظات مشفوغة بنسخ من التقارير التي تلقتها من الدول الأطراف في هذا العهد.

    5- للدول الأطراف في هذا العهد أن تقدم إلى اللجنة تعليقات على أية ملاحظات تكون قد أبديت وفقا للفقرة 4 من هذا المادة…..

فإني أطمئن نفسي و أطمئن الموكل و جميع الغيورين على سوريا (الحضارة والأرض والإنسان) بأننا تحت قبة محكمة الجنايات بجذورها الراسخة أصالة وقيماً.
ولن نسـمح للمتشددين بقطع الشجرة كي يصلوا إلى الثمرة
مهما كان شبقهم لإنزال الردع العام بالموكل وجعله عبرة و موعظة فإنهم لن يستطيعوا حرف هذه القضية عن مسارها و العودة بنا لمفاهيم عف عنها الزمن.
حتى ولو كانوا أصحاب غايات مشروعة ( على فرض ذلك )
حتى لو تذرعوا بضرورة الزجر العام و الردع العام من وجهة نظرهم.
سنقول لهم إن كان لديكم غايات مشروعة فحققوها بوسائل مشروعة.

أما القضاء فهو ليس وسيلة لأحد و لا هراوة بيد أحد و لا مرتكزاً لأحد لأن حسن سير العدالة الجنائية هو أهم مرفق في أي مجتمع متحضر يعرف للعدالة قيمة وللكرامة الإنسانية معنى. لأننا نسـتجير اليوم بحصن القضاء العالي الذي لن تهزه أفانين المبطلين .

ولأن الحضارة هي العدالة والعدالة هي الحضارة وخارج أسوار العدالة لا يمكن أن نجد إلا كل أشكال البغي و العتو والغلو و الاستبداد و جميع صور الهمجية والطغيان.

و لأن الدولة حضارة بأسرها استجمعت نفسها وعبرت عن ذاتها في مرافق و مؤسـسات و لعل أهم تلك المرافق على الإطلاق هو مرفق العدالة .

وهو المهدد في حال إنتصار أصحاب المنطق الكارثي – منطق الحقد و الضغينة – منطق الغالب والمغلوب
حضرات السادة الأفاضل
إن ما جاء في بعض فقرات قرار الاتهام كان خيال بأجنحة – لا أقول مبالغات وإنما مغالطات – و إلى الآن لا نعرف السبب بذلك:

لماذا عاد أصحاب التشدد ليحاولوا احتلال الساحة مجدداً بعد أن وصل الموكل لساحة العدالة و ميدان الحق والقانون أمام القضاء العادي.

هل لأن الرئيس الأمريكي ” جورج بوش ” ذكر الموكل في أحد خطاباته.

أم لأن محكمة بداية الجزاء لا تفي بالغرض كمحطة نهائية لهودج الخيانة والعمالة الذي أرادوا أن يحّمل الموكل عليه ، أم أنهم وجدوا أن محكمة بداية الجزاء لا تكفي لإشاعة الردع العام في نفوس كل من تسول له نفسه من المعارضين بأن يعبر عن موقف واضح للمعارضة الداخلية في مضمار العلاقات الدولية.

الله أعلم لكن سرعان ما صدر قرار قاضي التحقيق باتهام الموكل بموجب المادة /264/ من قانون العقوبات طالباً محاكمته أمام محكمتكم الموقرة.

لن أنسى أبداً مقام قاضي التحقيق حين مراجعتي له بعد صدور القرار الاتهامي بحق الموكل ، دخلت دائرته فلم ينبس ببنت شفة إلا أن ضمائرنا تخاطبت بلغة الأسى عن بعد واكتفى بالقول ” أستاذ راجع الديوان ”

حينها بكيت ثلاثاً :
مرة من أجل الدكتور اللبواني وأسرته التي مازالت بحاجة إليه.
و مرة من أجل كاتب القرار وأنا أكن له وافر التقدير والاحترام.
و مرة من أجل وطن ما ينبغي أن يعامل فيه خيار الناس بهذه الطريقة.

    • و لم يكن حظ الموكل أمام قاضي الإحالة بأحسن حالاً فقد فصلت القضية خلال أيام معدودة من وصول الملف لدائرته وبعد أول مراجعة لم تكتمل من قبلنا.

  • واليوم نحن أمام عدالة محكمتكم الموقرة – محكمة الشهر والعلنية والرقابة الشعبية – والتي أنكر أمامكم الموكل ما أسند له من تهمة ملفقة مفادها تحريض دولة أجنبية على العدوان على سوريا وأضاف : أنا لم أتصل مع أي دولة أجنبية لهذا السبب لم يسألني أحد عن هذا الجرم لا في دائرة قاضي التحقيق ولا في دوائر الأمن ولا في أي جهة أخرى ، كما أن النيابة العامة لم تحرك الادعاء علي بهذا الجرم وعن جنحة إثارة أنباء كاذبة تنال من هيبة الدولة أفاد بأن هذا الادعاء غير صحيح وأن ما طرحه هو آراء يدلي بها جهاراً نهاراً وفي كل مكان وليست أنباء كاذبة وبرأيه أن الدولة التي تحترم آراء مواطنيها وحرياتهم هي دولة ذات هيبة وأكد على ضرورة عدم طمس المسافة ما بين مفهومي السلطة والدولة و رغم كل الظلم والغدر الذي أحاق بالموكل إلا أن آخر طلباته كانت المحبة وفي استجوابه العلني أكد الموكل أن لغة الاستئصال غير صحيحة وأن البلد بحاجة لجميع أبنائها وأنهم في المعارضة الوطنية الديمقراطية يؤمنون بالعمل السلمي العلني الشفاف ولهذا السبب جاء بكامل أوراقه ولم يخفي شيئاً ولهذا السبب تحدث على الملأ وفي الفضائيات جهاراً نهاراً مشـدداً على معارضته الحلول العسكرية واختتم استجوابه بالقول الوطن أسرة وأنه في الأسرة يجب أن لا تسود إلا روح المحبة والتراحم “

لقد أريد من الضغوط حمل الموكل الذي تحدث باسم المعارضة الوطنية الديمقراطية في محاولة منه لبلورة موقع لها على خارطة العلاقات الدولية حالها كحال جميع المعارضات في العالم، أن يحمل على نعش العمالة والخيانة بعد لصق رقم المادة /264/ على ظهره ثم تحويله إلى رقم بعد ذلك…إلى كتلة منسية في جوف السكون الأزلي في قعر المؤسـسة العقابية في صحراء عدرا.

لكننا اليوم ونحن نقف أمام ثلاثة من أنزه وأشجع مستشاري سوريا وبعد قراركم الإعدادي السابق بالاستجابة للعديد من مطالب جهة الدفاع، وبعد إتاحة الفرصة للدفاع بتلاوة دفاعها، نحن على يقين أن كل تلك الضغوط لن تنتزع من نفوسكم العامرة بالإيمان حركة استجابة أو استكانة أو رضوخ .

فالسجن يا سيدي القاضي لم يخلق لأمثال الموكل من المعتصمين بمثالية أملت عليهم أن يجهروا بما يرونه الصواب السجن يا سيدي محرقة للعود السيئ والهشيم اليابس يهذبها الوقاد فيعيدها لمجتمعها عوداً أخضر يانعاً إذا ما اتسمت السياسة العقابية فعلاً بالخير والصلاح

أما الموكل ورفاقه من عيون المعارضة الوطنية الديمقراطية فهم ورود يانعة نقطف منها فكراً وثقافة…. نقطف منها أدباً وشعراً وفناً….. نقطف منها أيضاً ديمقراطية وحقوق إنسان.

والهيئة القضائية صاحبة اليد القوية المؤتمنة من المجتمع على كرامات وحريات أبناءه وعليها أن تعيد العدل لنصابه والحق لأصحابه .

إنني من هنا ومن أمام محراب عدالتكم في قلب عاصمة بني أمية أذكركم بمقولة الفاروق عمر ( القوي ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه والضعيف قوي عندي حتى أعيد الحق له ) وأنا هنا يا سيدي القاضي ضعيف والموكل في سجنه أضعف مني و بمقدار ضعفنا بمنطق القوة المجردة بمقدار قوتنا و بأسنا من منطق الحق والقانون …. والقانون تحت هذه القبة يعلو ولا يعلى عليه …. ومنطق الحق من منطلق دستوري يعلو و لا يعلى عليه …. ومنطق الحق من خلال شرعية دولة القانون والمؤسـسات يعلو ولا يعلى عليه…. وهو ما يعيد الأمل لي ولموكلي بقرب الفرج القريب وليس ذلك على الله ببعيد.

رابعاً : في المناقشة والتطبيق القانوني


نلتمس من عدالة المحكمة الموقرة بداية السماح لنا بتسليط بعض الضوء على المادة /264/ من قانون العقوبات التي انحرف الاتهام نحوها بعد ما يقارب من خمسة أشهر على توقيف الموكل وللسوابق القضائية في هذا المجال و كيف تعامل الفقه الجنائي الدولي مع هذه الحالة ، لما في ذلك من ضرورة للوصول للحقيقة التي يشكل استجلائها هدفاً لمحكمتكم الكريمة.

تنص المادة /264/ عقوبات على ما يلي ” كل سوري دس الدسائس لدى دولة أجنبية أو اتصل بها ليدفع بها إلى مباشرة العدوان على سورية أو ليوفر لها الوسائل إلى ذلك عوقب بالأشغال الشاقة المؤبدة وإذا أفضى فعله إلى نتيجة عوقب بالإعدام”

لا يخفى على مقامكم أن لكل جريمة ركنين ( مادي ومعنوي ) وعلاقة سببية تربط الفعل بالنتيجة

” : فيما يتعلق بالركن المادي في هذه الجريمة بشكل عام :

أ‌. دس الدسائس لدى دولة أجنبية أو الاتصال بها.
يفهم من الدسائس لجوء الفاعل لوسائل الحيلة والخديعة وإصلاء المكائد بالمكر والتآمر للوصول لغاياته المتمثلة في عدوان تلك الدولة على سوريا ، وهذه الوسائل ( الدسائس) لا يمكن نسج خيوطها إلا في الظلام وفي أجواء السرية والخفاء لأنها باختصار دسائس ، فأين تجلت تلك الأجواء.

هل تجلت أجواء السرية والظلام على شاشة فضائية الحرة أم على شاشة فضائية المستقلة أم ربما تجلت في برنامج الزائر الدولي الذي ثبت بالدليل الخطي أن المشاركين به من كل دول العالم يتجاوز الأربعة آلاف وأربعمائة شخص كل سنة من مختلف الاختصاصات ونضيف لما ورد في البيان الوارد من السفارة الأمريكية حول هذا البرنامج أن عمر هذا البرنامج قارب الخمسين عاماً و أن كثيراً من الشخصيات التاريخية ( كحواهر لال نهرو ) كانوا قد شاركوا به و برأيي الشخصي أنه لم يكن من الضروري بالنسبة للأمن الجنائي أن يتمنع عن إرسال ترجمة ( البرشور) على مدى أكثر من سنة ونيف لأن البرنامج كاملاً موجود تحت الشمس ولكل راغب بالإطلاع على شبكة الانترنت والأمر لا يكلف أكثر من المرور على أي مقهى انترنت لكل من لا يملك جهاز كمبيوتر منزلي ليعرف ما يريد عن هذا البرنامج .

على كل الأحوال : أين تجلت أجواء الظلام والسرية والتي تمثل الحاضنة الطبيعية للدسائس والمكائد التي قام بها الموكل إبان زيارة …..هل كانت من خلال شاشات الفضائيات أم كانت من خلال برنامج الزائر الدولي …… سؤال مفتوح و يبقى مفتوحاً بإنتظار قرار محكمتكم الموقرة.

ب‌. بالعودة إلى نص المادة /264/ دس الدسائس لدى دولة أجنبية أو الاتصال فقد جاءت الاتصال بها معطوفة على الدسائس ، الأمر الذي يفترض إتصالاً يمس بأمن الدولة بمعنى : ليس أي اتصال معاقب عليه و إلا لتحول نصف سكان سوريا إلى سجن عدرا المركزي ….. السؤال هو : أي اتصال عناه المشرع من عطفه على الدسائس في متن المادة /264/ إنه بدون أدنى شكل الاتصال المرتبط بأجواء الدسائس الماسة بأمن الدولة ومما يمكن تصوره في هذا المجال على اعتبار أن المشرع السوري أورد هذه المادة في باب الخيانة : يمكن تصور تبادل الرسائل مع هذه الدولة الأجنبية والتي أراد من خلالها الجاني دفعها لممارسة عدوانها على سوريا أو إرسال المخططات لها التي تسهل لها احتلال سوريا أو الخرائط والمعلومات عن أماكن توزع الوحدات أو القطعات على جبهات القتال تمهيداً لعدوان تلك الدولة على سوريا، أو تسليم المؤن والذخائر والعتاد الحربي بمعنى أن يكون الهدف من الفعل المادي الذي يقوم به الجاني تأمين أو تسهيل العدوان على سوريا فهل ثبت أن اتصال الموكل مع الدول الأجنبية التي زارها كان لهذا الغرض …..سؤال آخر يبقى مفتوحاً بإنتظار قرار محكمتكم الموقرة.

ت‌. وعلى اعتبار أنه يجب علينا استنباط إرادة المشرع من هذه المادة بشكل تساند فيه القناعة بعضها بعضاً فعلينا أن نحدد الجهات المقصود بالتواصل معها لأن ذلك يلعب دوراً هاماً.

وعلى اعتبار أن الأمر يتعلق بعدوان وتهيئة الوسائل له فلا يتصور أن يكون التواصل مع أدباء أو شعراء أو برلمانيين أو سفراء أو نشطاء مجتمع مدني أو حتى سياسيين……المنطق والعقل يفترض أنه لا بد أن يكون التواصل مع ضباط مخابرات تلك الدولة الأجنبية أو ضباط وزارة الدفاع ( البنتاغون ) مثلاً وتحت جناح سياج كثيف من الخفاء والكتمان حتى يتعذر كشف أمر هذا الخائن أو الجاسوس الذي يعمل لمصلحة الدولة الأجنبية …..فهل ثبت ذلك في قضية الموكل الدكتور كمال اللبواني هل ثبت أن اتصالاته كانت مع جهات استخباراتية أو ضباط البنتاغون وتحت سياج الخفاء لتمكينهم من العدوان على سوريا …. سؤال آخر مفتوح ويبقى مفتوحاً بإنتظار قرار محكمتكم الموقرة.

ث‌. نعود لنص المادة /264/ دس الدسائس لدى دولة أجنبية أو الاتصال بها لدفعها لمباشرة العدوان على سوريا أو توفير الوسائل لذلك ….. العدوان …. إذا يجب أن تكون النية لدى المتهم هي دفع الدولة الأجنبية لمباشرة العدوان …. الأمر الذي يفتح الباب أمامنا على مصراعيه للحديث عن الركن الثاني الذي لا تقوم الجريمة إلا به وهو الركن المعنوي

وفيما يتعلق بالركن المعنوي لهذه الجريمة :
هذه المادة بالذات لا يكفي في قيامها توافر القصد الجرمي العام ، بل لا بد فيها من إثبات توافر القصد الجرمي الخاص.
هذه المادة بالذات تستلزم بجلاء و وضوح إثبات أن هدف الفاعل من وراء دسائسه و اتصالاته كان محصوراً في دفع تلك الدولة لمباشرة العدوان على سوريا أو تهيئة وسائله والتي لا يمكن تصورها إلا من خلال إسداء العون أو تيسير السبل لمرور القوات أو تسليم خرائط و معلومات… إلخ
أو بتعبير آخر لا بد من إثبات أن النية الجرمية لدى الفاعل من دسائسه واتصالاته لم تكن تهدف سوى لدفع تلك الدولة لمباشرة العدوان على سوريا.

وباعتبار أنه لا يجوز التوسع في تفسير النصوص الجزائية فلا يجوز التوسع في تفسير لفظ العدوان.
فإن كان الفاعل قد قصد من دسائسه واتصالاته ( وذك على فرض وجود دسائس واتصالات ) فرض عقوبات اقتصادية على بلاده مثلاً فلا يمكن تطبيق هذه المادة ….و إن كان قصد الفاعل من دسائسه ومؤامراته منع تلك الدولة من عقد تحالف عسكري أو اتفاق تجاري مع سوريا فلا تتحقق تلك المادة.

وإن كان الفاعل يقصد من دسائسه ومكائده ضرب حصار سلمي على سوريا أو فرض حصار دبلوماسي عليها فلا مجال لتطبيق هذه المادة.

يجب إثبات أن الغاية التي حملت الفاعل على دس الدسائس وإصلاء مكائده هي تحقيق نتيجة معينة واحدة نص عليها المشرع السوري و لا يجوز بحال من الأحوال التوسع بها هي ( العدوان ) و فقط ( العدوان )
والدليل القاطع والبرهان الساطع على براءة الموكل مما أسند اليه بموجب هذه المادة كنتم قد استمعتم إليه في الجلسـة العلنية وتحت قبة هذه القاعة ومن الخصم العادل والشريف – من النيابة العامة الموقرة – التي أقرت على الملأ وأمام الرقابة الشعبية الموجودة في هذه القاعة إلى أن : هدف الموكل لم يكن دفع دولة أجنبية للعدوان على سوريا وإنما كان ممارسة الضغوط السياسية والدبلوماسية.
و لا أجد نفسي مضطراً لشرح الفرق ما بين ( العدوان ) والذي يعرف نفسه بنفسه إنه الحرب … الغزو … الاجتياح العسكري برأ و بحراً وجواً بما يرافقه من قصف المدن و استخدام الأسلحة الفتاكة والغازات السامة.
و ما بين ضغوط دبلوماسية أو سياسية من أجل احترام الحريات العامة وحقوق الإنسان

وبغض النظر عن مفهوم السيادة الذي تبنته النيابة العامة و فيما إذا كان مستمداً من رحم التاريخ أم قعره… وفيما إذا ما استعارته من عهد روما أم قدماء المصريين .
وبغض النظر فيما إذا كان الموكل يصلي الدسائس والمؤامرات في الظلام أم من خلال شاشات الفضائيات. و بغض النظر فيما إذا كان الموكل يعبر عن رأيه و رأي الطيف المعارض السوري جهاراً نهاراً أمام الملأ وعلى مرأى ومسمع الملايين أم كان يستعرض الخرائط و البيانات عن قواتنا المسلحة وقوامها وتعدادها وأماكن تمركزها..!!.

و بغض النظر عن العشرات من ممثلي المجتمع المدني أو غير المدني الذين كانوا و مازالوا يتوجهون سنوياً و دورياً للبرلمان الأوربي للإدلاء بشهاداتهم فيما يتعلق بالشراكة الأوربية مع سوريا. وبغض النظر عن برنامج الزائر الدولي الذي على أساسه توجه الموكل للولايات المتحدة والذي يشترك به سنوياً أكثر من أربعة آلاف وأربعمائة زائر من مختلف دول العالم و من جميع الاختصاصات من الأدباء و الشعراء والمفكرين والسياسيين والمعارضين ويلتقون بنظرائهم ويتعرفون أكثر على عاداتهم في إطار التبادل الثقافي والفكري و من بين هؤلاء أعضاء في الحكومة السورية الحالية ( وبغض النظر عن أسمائهم ) و أعضاء في الحكومات السورية السابقة و عدد من المحافظين.

و بغض النظر عن شـهادات تسعة شهود التقاهم الموكل أثناء زيارته وجميعهم من البرلمانيين الأوربيين و الأمريكان و الذين أرسلوا شهاداتهم المكتوبة والممهورة بتوقيعهم وأبدوا استعدادهم للشهادة بشكل رسمي أمام المحاكم الموجودة بدائرتهم وإرسالها مصدقة عن طريق وزارة العدل لمحكمتكم الموقرة إحقاقاً للحق وإعلاءاُ لرايته و حتى أن بعضهم ابدي استعداده للحضور والمثول أمام محكمتكم الموقرة فيما لو اقتضت الضرورة ذلك.

و بغض النظر عن مقابلات الموكل التي عرضت أمام الهيئة الموقرة والتي عارض فيها الموكل فكرة العدوان بأكثر من ثلاثين موضعاً و التي أكد من خلالهما على الرفض المطلق لأي عدوان على سوريا والرفض المطلق للعنف والتأكيد على الشفافية المطلقة والوضوح و نبذ العمل السري والإزدواج في الخطاب السياسي والتأكيد على الديمقراطية و ممارسة الحقوق الأساسية الواردة في الدستور والقانون والمواثيق الدولية .. وأن التآمر مرفوض … والعمل السري مرفوض …والضعط العسكري مرفوض…وأدان بعض أصناف المعارضة الخارجية التي تهمس بإذن الإدارة الأميركية لتشـجعها على سيناريو مشاربه للعراق …وأنه قاتل ضد هذا الخيار وسيفعل ما بوسعه لتجنبه…وأن البعثيين هم أهلنا وأخوتنا وأبنائنا… وعارض نبذ الأخر وشدد على حق المشاركة المصان دستورياً )

بغض النظر عن كل البراهين و جميع الأدلة الخطية والسمعية والتي تناقشنا فيها مع النيابة العامة الموقرة كخصوم في المحاكمة العلنية وأمام الرقابة الشعبية وتحت إشراف الهيئة الموقرة ، تلك البينات والأدلة التي أوجب المشرع السوري الأخذ بها و عدم تجاهلها أو الالتفات عنها.

يجب أن نعترف وبكل روح رياضية أن المشرع السوري قلب أمام النيابة العامة الموقرة ظهر المجن في محاولتها تطبيق هذه المادة على الموكل لعجزها عن إثبات أن إرادة الموكل كانت قد اتجهت لدفع حكومات تلك الدول التي زارها لمباشرة العدوان وإقرارها أمامكم وبالدليل الخطي أن هدف الموكل لم يكن دفع تلك الدولة لمباشرة العدوان على سوريا وإنما كان قد اتجه للضغوط الدبلوماسية أو السياسية من أجل احترام الحريات العامة وحقوق الإنسان فيها ( على فرض صحة ذلك ) .

وبغض النظر عن صحة ادعائها أم بطلانه لكنه إقرار من قبلها بأن نية الموكل لم تتجه أبداً في يوم من الأيام لدفع تلك الدولة الأجنبية لمباشرة العدوان على سوريا في حين أن المشرع السوري في المادة /264/ اشترط أن تتجه نية الفاعل لمباشرة العدوان و لا شيء غير العدوان
والسؤال هنا : هل يمكن التوسع بتفسير النص الجزائي لنطمس المسافة ما بين العدوان ….. و الضغط الدبلوماسي أو السياسي ….. سؤال مشروع يجيبنا عليه الفقه والقانون والاجتهاد القضائي :

  • يقول الفقه الجزائي :
    أنه لا يجوز التوسـع في تفسير النصوص الجزائية وأن القاضي الجزائي مقيد بالنص فلا يتوسع بتفسيره كي لا يخلق جرائم وعقوبات من عنده أو يضيف حالات أو شروط أو عناصر لم بتضمنها النص.

    كما لا يجوز له إطلاقاً تطبيق مبادئ القانون الطبيعي أو قواعد العدالة وغني عن البيان أنه يمنع عليه إبداء الآراء أو الميول السياسية أو الاشتغال بالسياسة في حياته العادية بموجب قانون السلطة القضائية ، فكيف يمكن أن نتصوره يقوم بذلك في قراراته القضائية.

    من ناحية أخرى لا يخفى على مقامكم أن القياس محظور في النصوص الجزائية لأنه وسيلة للتوسع بتطبيق النص على حالات لم ينص عليها المشرع صراحة وبالتالي يمكن أن يشكل ذلك خروجاً على المبدأ الدستوري والقانوني المتمثل في شرعية الجرائم والعقوبات.

    يقول الدكتور جلال ثروت في شرح هذا المبدأ في كتابه القسم العام في قانون العقوبات ما يلي :
    لا يجوز بحال من الأحوال إعطاء القاضي سلطة التجريم والعقاب عن طريق القياس ، إن هذا المبدأ سياج لحرية الأفراد و ضمان لتصرفاتهم وأماناً لقلوبهم ضد احتمال البطش بهم في وقت من الأوقات.
    ومهما كانت المصلحة الاجتماعية عالية وهامة إلا أنها لا تبرر على الإطلاق إهدار الحريات الإنسانية وإعدامها ، فلا زال الفرد أساس المجتمع ، و احترام حريته تعبير عن احترام الجماعة التي ينتمي لها وتأكيد لحقوق الإنسان التي كافحت البشرية طويلاً للحصول عليها وهذا هو السر الذي يجعل الكثير من التشريعات الحديثة تنص على هذا المبدأ في دساتيرها وتقرنه بالحريات الشخصية للمواطن فيها

و يقول المشرع السوري :
في باكورة قانون الجنايات ، في المادة الأولى منه : لا تفرض عقوبة و لا تدبير احترازي أو اصلاحي من أجل جرم لم يكن القانون قد نص عليه حين إقترافه.
ولا يؤخذ على المدعى عليه الأفعال التي تؤلف الجرم وأعمال الاشتراك الأصلي أو الفرعي التي أتاها قبل أن ينص القانون على هذا الجرم.

  • و يقول الإجتهاد القضائي :
    وفقاً لما عبرت عنه محكمة النقض السورية حينما رفضت القياس بالقول : إن الجرم عبارة عنه فعل ما نهى عنه القانون أو لامتناع عن فعل ما أمر به القانون ومردى ذلك أن رغبة الشارع في الأمر والنهي يجب أن تكون صريحة و بموجب نص واضح لدلك جاء في المادة الأولى من قانون العقوبات أنه لا تفرض عقوبة من أجل جرم لم يكن القانون قد نص عليه حين اقترافه وانطلاقاً من هذا المبدأ فإنه لا يسوغ القياس في الأمور الجزائية.
    إذا : الفقه والقانون والاجتهاد القضائي متفق على عدم جواز طمس المسافة ما بين مفهومين مختلفين هما ( العدوان ……. الضغوط الدبلوماسية أو السياسية)
    على عدم جواز القياس في الأمور الجزائية
    على عدم جواز التوسع في تفسير النصوص الجزائية

    إضافة لما استقر عليه الفقة والقانون و الاجتهاد القضائي فقد احتفظ لنا تاريخ الفضاء بمجموعة من السوابق القضائية أوردها الدكتور المرحوم محمد الفاضل في كتابه ” الجرائم الواقعة على أمن الدولة ” والتي منها :

    الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية العليا بمصر بتاريخ 6/8/1940 في القضية العسكرية رقم /4/ لعام 1940 و قد اتهم المتهم في هذه القضية بأنه تخابر مع أحد مأموري دولة أجنبية في ميناء جنوة بألمانيا ليوفر لها الوسائل لمحاربة مصر و الإعتداء عليها ، بأن قدم لها معلومات عن سير البوارج و المعدات الحربية بميناء الاسكندرية والمطار الحربي بابي قير للغرض المتقدم ذكره ، وقد قضت المحكمة العسكرية العليا ببراءة المتهم من هذه التهمة وجاء الحكم : ان هذه الجرية المنصوص عليها في المادة /78/ من قانون العقوبات المصري والتي تقابل المادة /264/ من قانون العقوبات السوري تتطلب قصداً خاصاً و هو قصد حمل الحكومات الأجنبية على محاربة مصر والعدوان عليها كما يتضح جلياً من النص ، ولم يكن لدى المتهم هذا القصد بل انصر قصده المستنتج من أقواله وأقوال زميله بالتحقيقات أن يتكسب من ذلك مالاً أو يضر بفرنسا أو يخدم المانيا ولعله يكسب ثقة الألمان فيوظفونه في خدمتهم ، فقصد الإستعداء على مصر منتف عن المتهم على وجه اليقين فيتعين براءته من التهمة الموجهة ضده. نلاحظ : أن المتهم تخابر مع الحكومة الألمانية ليوفر لها الوسائل لمحاربة مصر بأن قدم لها معلومات عن سير البوارج والمعدات الحربية بميناء الاسكندرية والمطار الحربي .

    وحينما تحرت المحكمة عن قصده الجرمي الخاص وجدت أنه لم يكن حمل الحكومات الأجنبية على محاربة مصر وإنما التكسب من وراء ذلك وخدمة الألمان لعلهم يوظفونه لديهم و رغم بشاعة الصورة المقدمة لمتهم يعطي معلومات عسكرية واستراتيجية لقوات غازية و في حالة حرب مع بلاده لكن القانون يعلو ولا يعلى عليه و المشرع كان قد اشترط أن يكون قصد المتهم هو دفع تلك الدولة للعدوان على بلاده والقاضي الأمين على النص القانوني لم يحاول تسييسه أو فبركته وإنما تحرى قصد الفاعل بكل أمانة و وجد أن قصده كان التكسب لا العدوان على بلاده لذلك أصدر حكماً ببرائته.

    في حين من الأمثلة التي صدر فيها أحكام على الخيانة ودس الدسائس في بلجيكا حيث طبق نص المادة /114/ من قانون العقوبات البلجيكي وهي المطابقة للمادة /264/ عقوبات سوري على بعض الأفراد الذين قاموا قبيل الإعتداء الألماني على الحدود البلجيكية في 10/5/1940 حينما قام بعض البلجيك بالإتصال مع بعض المنظمات العسكرية الألمانية من أجل تزويد الجيش الألماني بأفراد من الرجال يعرفون منطقة الحدود معرفة تامة ، و يستطيعون حالما يشن الجيش الألماني هجومه على أراضي الدولة البلجيكية ، أن يساعدوا على سرعة تقدمه عبر الحدود بإحباط مفقول الخطط العسكرية التي وضعها الجيش البلجيكي للدفاع عن حدود بلاده ، كإزالة الألغام مثلاً من طريق الجيش الألماني و ما شابه.

    وكذلك القرار الصادر عن محكمة النقض بباريس حينما اتصل نفر من التجار الفرنسيين بممثل شركة معامل كروب الألمانية و وقعوا معه عقداً على توريد كميات كبيرة من مركبات الحديد مع علمهم بأن هذه المقادير من المعادن معدة خصيصاً لتصنيع ذخائر ومعدات حربية لحساب ألمانية لتستخدمها في حربها ضد فرنسا .

    على خلفية أمثال هذه الوقائع المادية قامت النيابة العامة بتحريك دعوى الحق العام وفقاً لهذه المادة ، فأين هذه السوابق القضائية من مختلف دول العالم …. و القضية المنظورة أمام محكمتكم الموقرة والمتعلقة بالموكل الذي عبر عن رأيه بعلنية و شفافية معلناً رفضه الإزدواج بالخطاب السياسي مندداً بالعمل السري مطالباً بالديمقراطية والمشاركة و الحقوق الأساسية للمواطن السوري معلناً رفضه الصريح والعلني للضغط العسكري والإقتصادي مؤكداً أن البعثيين أهلنا وأخوتنا وأن المصير المشترك و رغبة العيش المشترك عامل يضم كل ألوان الطيف السوري و و

    لتطالعنا النيابة العامة وبعد أن طلبت منها المحكمة الموقرة الدلالة على المواضع التي استندت إليها في توجيه تهمة الخيانة للموكل بموجب المادة /264/ بإقرارها أن الموكل لم يكن يهدف للعدوان وإنما لفرض ضغوط دبلوماسية أو سياسية ثم أشفعت ذلك بأن ذلك مس بالسيادة وأن المس بالسيادة عدوان

    أيها السادة :
    لقد أزفت ساعة الحقيقة…. لقد آنت ساعة العدالة….إنها ساعة المواقف المشرفة …الساعة التي يكتشـف فيها الرجال بعضهم بعضاً …الساعة التي يكتشف فيها الأبطال بعضهم بعضاً … أولئك الذين أدهشوا زمانهم وسيذكرهم التاريخ شواهد نور ومعالم فخر و اعتزاز على طريق السير نحو دولة الحق والعدل والقانون.

    لقد آن الأوان لرفع رأس البلاد وصون سمعة القضاء واثبات أن القضاء في بلادي ليس وسيلة للتشفي ولا ألعوبة بيد أحد وأن من بين قضاتنا رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ثم لم يبدلوا تبديلا.
    رجال لا يلبسوا الحق بالباطل ويكتموا الحق وهم يعلمون
    رجال يتقوا الله في حمل الأمانة ويذكرون قوله عز من قائل:

    بسم الله الرحمن الرحيم
    “فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ”
    صدق الله العظيم

    حضرات السادة الأفاضل
    إن سلطة القضاة إذا ما توسعت لتدخل دائرة التشريع تتحول مباشرة إلى سلطة طغاة ، لأن القاضي في هذه اللحظة يبدأ بإنشاء جرائم و سن عقوبات بطريق القياس، ولعال أسوء ما يمكن أن تواجه العدالة الجزائية هي أن يقوم القاضي بإخراج قوانين من عنده و فرض عقوبات على أفعال لم تكن جريمة في قانون سابق على ارتكابها استنباطاً من العلل المشتركة للأحكام أو التصورات الذهنية التي ما أنزل الله بها من سلطان فيطيح بالمبدأ الدستوري أن ” لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص ” كما أن من أكثر الصورة التي يمكن رسمها للعدالة قبحاً هي أن يتحول القاضي إلى محلل سياسي و هو المنزه بحكم القانون عن العمل في السياسة و صولاً لإقرار عقوبة غير مستحقة بالمتهم.

    سيدي الرئيس – حضرات السادة الأفاضل
    تكتسب الأحكام احترامها من اعتبارها عنوان للحقيقة وبالتالي يجب أن تكون مدعاة لإطمئنان النفوس إليها للمحافظة على جلال القضاء و وقاره ، أما إذا كان هذا الاعتبار نظري و لم يؤيده الواقع الثابت على الأرض فإننا بذلك نهدم القاعدة التي من أجلها و حدها قررت القوة للأحكام وبذلك نهدر الحدود المفروضة لإحترام الأحكام و نحولها إلى وسيلة من وسائل التشفي و في هذه الحالة لا سبيل مستقبلي للإطمئنان لما يصدر عن الأحكام و هذه أكبر طعنه في الصميم و إساءة في العمق لجلال القضاء و وقاره.

    حضرات السادة الأفاضل
    و باسم المحبة التي عمرت قلب الموكل بالإيمان وجعلته عصياً على الحقد وباسم الحق الذي نراه جميلاً لأننا من محبيه و من المضحين لأجله نرفع صوتنا عالياً
    لن نرضاها منكم اليوم أيها السادة إلا صرخة حق مدوية في مواجهة ظلم طويل وعنيد لن نرضاها منكم إلا عدالة كاملة تعيد العدل لنصابه والحق لأصحابه.
    فالعدالة اليوم أيها السادة هي العزاء الأخير الذي سيبقينا معاً.

    و ســلام عليكم أيها السادة
    وبكل تقدير و احترام

    بالوكالة
    المحامي مهند الحسني