11/12/2007

لعل الأهمية العظمى التي يحوز عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948, تقوم على انه قدّم للبشرية جمعاء وثيقة هائلة هي بمثابة تأسيس لعصر جديد في تاريخ العالم. أما الخطّان الناظمان لهذه الوثيقة فيقوم أولهما على كونها أتت تعبيراً عن إجماع عالمي قلّما حدث مثيل له هنا أو هناك من العالم تاريخاً وراهناً. لكن الخط الثاني يضع قطيعة مع المنظومات الأخلاقية القيمية والفكرية والوجدانية, التي أنتجها البشر وتشابكت فيها المصالح والمواقع والمصائر, وذلك على أساس أن ما يعمل البشر بشراً إنما هو ذاتيتهم وخصوصيتهم.

أما ذاتيتهم فتتلخص في أنهم ناس, وأن الناس هم أعلى الكائنات وأرقاها, وفي أن الإنسان من ثم أثمن رأسمال في العالم , وتفصح خصوصيتهم عن وجودها في أنهم بوصفهم ناساً لا يوجدون إلى مشخّصين في وجود اجتماعي و سيا-ثقافي حقوقي وأخلاقي, أي في مجتمع يستمدون منه وفيه حقوقهم وواجباتهم. وقد اكتشفوا في معمعان صراعات اجتماعية واقتصادية وطبقية وسياسية اخترقت حياتهم انه لا سبيل إلى إغلاق هذه الصراعات, بقدر ما هم مدعوّون إلى ضبطها على نحو مثمر تاريخياً. فكان اكتشاف “العقد الاجتماعي”, الذي يضبط تلك الصراعات سلمياً ولا يلغيها .

لكن القوى الجشعة والتي تسعى للاستفراد بالسلطة وبالثروة وبالإعلام, وبالحقيقة رفضت ذلك, إلا حين كانت القوى التاريخية الحية فاعلة في إعلاء كفة الحرية والعدالة والمساواة. من هنا فرضت تلك القوى على هذه الأخيرة صيغاً من الصراع, خصوصاً ما اتصل منه بالحقوق الإنسانية الأكثر حسماً. لقد شكك أولئك في حق هؤلاء بالحياة وبالعمل وبالحرية وبالمساواة الأولية. وأسّسوا من أجل ذلك “دولاً” نظّمت لهم عملية الاستفراد المذكورة. فاقتحمت الخطوط الحمر, واسقط العقد الاجتماعي. أما الأكثر خطورة من تلك الدول فهي تلك التي تسقط قيم الكرامة والحرية, وتدمر حقوق الحياة والمواطنة وترى في البشر رعايا لا مواطنين, وتقتحم المؤسسات القضائية والجامعية والثقافية والسياسية, لتقيم على أنقاضها هياكل من مؤسسات ترعى بكيفية منهجية عملية أخطبوطية لاستباحة البلاد والعباد, ولنشر الرعب الدائم في نفوس المواطنين, عبر وضعهم على حدّ السيف : إنّكم مدانون دائماً و تحت الطلب ! .

لقد تعاظم الأشرار وراحوا يحاصرون من لا يزالون يراهنون على مواجهة المخرز بالعين. وفي سياق ذلك تحول بعض القضاة إلى منتهكين للقانون, وأصبحت المرجعيات الرسمية موئلاً لحماة الخيانة والرزيلة والتشريد والبؤس. لقد أوصل ” النظام القضائي ” العرب في جُلِّه أصحاب الحقوق إلى حيث لم يعودوا قادرين على المطالبة بحقوقهم المغتصبة, لأنهم إن فعلوا ذلك , عليهم أن يفقدوا مزيداً من حقوقهم وان يقدموا مزيداً من الأموال لأفواه لا يمكن تعريف أصحابها إلا بالعار.

إن احتفاء البشرية بمرور تسع وخمسين سنة على ” إعلان حقوق الإنسان” إنما هو احتفاء بالكرامة والحرية , ودعوة للكفاح من أجل حقوقها المغتصبة. ويتوافق ذلك مع انتهاك حقوق الشعوب في حق تقرير مصيرها سواء أكانت في فلسطين أو في العراق وفي مناطق أخرى من العالم.

إنها لدعوة جديدة مجدّدة من أجل الكفاح في سبيل تحقيق مبادئ الشرعة الدولية, التي تجعل الناس يكتشفون أنهم أكثر قرباً بعضهم لبعض ممّا يعلنه أعداؤهم من أنهم متباعدون. وهي من ثم دعوة لتحقيق أهم ما أعلنته تلك الشرعة على الصعيد العربي : حق المواطنة,و حق التعبير, وحق العمل والتعلم, وحق مقاضاة الذين يعبثون بكرامة الشعوب, وبكفايتها, وبحريتها.

د. طيب التيزيني

عضو مجلس إدارة المنظمة السورية لحقوق الإنسان

رئيس المنظمة السورية لحقوق الإنسان

www.shro-syria.com
alhasani@scs-net.org
963112229037+ Telefax : / Mobile : 0944/373363