10/6/2005
مثل اليوم الأستاذ محمد عبو أمام الدائرة الجناحية السادسة عشر بمحكمة الإستئناف بتونس برئاسة فائزة السنوسي وذلك بحضور مئات المحامين و على رأسهم العميد و رئيس فرع تونس للمحامين و أعضاء الهيئة الوطنية للمحامين وأعضاء الفرع الجهوي بتونس للمحامين .
وقد وقعت المحاكمة في جو من الإرهاب الذي قل أن يحصل بتونس في مثل هذه المناسبات ، فقد أحيطت محكمة الإستئناف بتونس بعدد كبير من رجال البوليس الذين أغلقوا منذ الصباح الباكر نهج يوسف جعيط المؤدي للمحكمة .
علما بأنه وتحت إلحاح المحامين وقع تعيين الجلسة في ظرف وجيز لم يتعد ثلاثة أيام بعد ترقب دام أربعين يوما من تقديم مطلب الإستئناف .
وتلافيا لرفض المحكمة تأخير القضية فقد تجندت لجنة الدفاع عن الأستاذ محمد عبو للأمر و استعدت للترافع و الدفاع عن زميلهم رغم ضيق الوقت .
وكانت معنويات الأستاذ محمد عبو مرتفعة رغم ما عاناه من مضايقات داخل السجن الذي حلف له بلا شك أمراضا كان بعضها ظاهرا للعيان إذ كان صدغه منتفخا نتيجة دمل استوجب حقنه مدة طويلة بالمضادات الحيوية مما يدل على أن ظروف إقامته بالسجن كانت قاسية للغاية .
وانتصبت الدائرة الجناحية السادسة عشر بمحكمة الإستئناف بتونس صباح هذا اليوم للنظر في قضيتين إثنتين تتعلقان بالأستاذ محمد عبو :
ـ القضية الأولى وهي قضية أجمع لسان الدفاع على كونها مفتعلة تتمثل وقائعها في أن إحدى المحاميات المنتسبات للحزب الحاكم الأستاذة دليلة مراد حاولت إحداث شغب لمنع التئام ندوة انعقدت بمكتبة المحامين بقصر العدالة بتونس يوم 20 جوان 2002 تحت إشراف جمعية المحامين الشبان موضوعها
“التدخل في مسالك توزيع القضايا على المحامين ”
مستعملة بعض عبارات الشتم طالبة إخراج محام سويسري الجنسية من القاعة
وقد حاول زملاؤها إقناعها بملازمة الهدوء أو الخروج من القاعة لكنها أصرت على موقفها الداعي إلى إخراج المحامي السويسري فتولى الاستاذ محمد عبو إخراجها بكل هدوء لكنها قامت بعضه بكل وحشية في صدره علما بأنها لم تكن المرة الأولى التي تحصل فيها مشكلة من هذا النوع إذ سبق أن أقبلت المحامية المذكورة صحبة ثلاثة عشر محاميا ينتمون جميعا إلى الحزب الحاكم إلى مكتبة المحامين ومنعوا يوم 16 ماي 2002 إنعقاد ندوة حول تنقيح الدستور.
ورغم أن الاستاذ محمد عبو كان هو المعتدى عليه من طرف زميلته بالعض الذي أحدث له ندبة كبيرة بصدره بقيت ظاهرة للعيان عدة أشهر ورغم أن لسان الدفاع طلب من حاكم التحقيق العاشر المتعهد بالتحقيق في القضية سماع بعض الشهود الذين حضروا الواقعة وشككوا في حصول الإعتداء على المحامية
ورغم أن جل المحامين اجمعوا على ان الغرض من تقديم الشكاية ضد زميلهم الأستاذ محمد عبو كان غرضا سياسيا بحتا وان القضاء وقع توظيفه لتغليب طرف سياسي على آخر رغم ذلك لم يستجب حاكم التحقيق لطلبات الدفاع ووقع تجميد ملف القضية مدة عامين ونصف لترقب الوقت الملائم لاحالتها على المحكمة .
وفعلا جاء الوقت المناسب بنشر الأستاذ محمد عبو مقالا عن وضع السجون بتونس أحيل من أجله على العدالة لمقاضاته من أجل جريمة عرض كتابات على العموم من شانها تعكير صفو النظام العام وجريمة الاعتداء بالثلب على الدوائر القضائية .
ووقع الترويج صحفيا إلى أن تتبعه جزائيا لم يكن من أجل انتقاده لوضع السجون ومطالبته بالإصلاح وإنما كان تتبعه من أجل الإعتداء بالعنف على زميلته رغم انه هو المعتدى عليه .
ووقع نشر القضيتين معا أمام الدائرة الجناحية الرابعة بالمحكمة الإبتدائية بتونس في نفس اليوم وأصدرت حكمها فيهما معا يوم 28 أفريل 2005 وكان الحكم الذي أصدرته في قضية الإعتداء بالعنف من أغرب الأحكام التي عرفتها العدالة التونسية لم تتوفر في القضية شروط المحاكمة العادلة ووقع فيها الاستخفاف بحق المتهم في الدفاع عن نفسه .
إذ بعد ما يقارب الثلاثة أعوام من بقائه على الرف وقع تقديم الملف للمحكمة في ظرف وجيز دون إشعار الأستاذ محمد عبو بذلك ولم يجد الوقت الكافي لتكليف محام بالدفاع عنه أو الاتصال بهم لاستشارتهم في الموضوع إذ كان محروما من حقه في الاتصال بالمحامين
ووقع نفيه طيلة فترة الإيقاف في القضية الثانية إلى مدينة الكاف ولم يطلع أي واحد من المحامين على قرار ختم البحث الذي كان أساسا للمحاكمة وكان من البديهي ومن المعمول به واقعا وقانونا هو تمكين المتهم من تكليف محام للدفاع عنه وتمكين المحامين من الإطلاع على الملف لإعداد وسائل الدفاع
لكن الدائرة الجناحية الرابعة بالمحكمة الإبتدائية بتونس تجاوزت سلطتها وحرمت الأستاذ محمد عبو من حقه في الدفاع عن نفسه ورغم أنها ذكرت عند سردها للوقائع انه “عند النداء على القضية يوم 28 أفريل 2005 أحضر المتهم موقوفا لغيرها وطلب التأخير لتكليف محام”
ورغم أنه لم تتل على الأستاذ محمد عبو بالجلسة قرار ختم البحث أساس التتبع في القضية ورغم انه لم يثبت أن الأستاذ محمد عبو كان مطلعا على قرار ختم البحث أو على نص الإحالة قبل مثوله أمام المحكمة رغم ذلك رفضت المحكمة الابتدائية طلب التأخير معللة رفضها بما يلي :
“حيث أن القضية مرت بطور التحقيق وسبق للمتهم أن كلف من ينوبه من المحامين وفقا لما هو مبين في إعلامات النيابة المضافة للملف وأتيحت لذلك للسان الدفاع كل الظروف المناسبة للإطلاع على الملف وتنظيم وسائل الدفاع وحيث أضحي لذلك طلب التأخير المقدم بجلسة اليوم غير وجيه لذا قررت المحكمة رفض مطلب التأخير والإذن بمواصلة النظر في الأصل ” .
في حين أن حضور محامين لمساندته أمام التحقيق ليس دليلا على اطلاعهم على قرار ختم البحث الذي لم يصدر الا بعد مرور عامين ونصف على ذلك التاريخ هذا إذا ما افترضنا جدلا انهم كانوا على علم بتعيين القضية وكانوا حاضرين وقتها بقاعة الجلسة كما أن المحامين المذكورين لم يعلنوا نيابتهم ولم يطلعوا على طلبات القائمة بالحق الشخصي التي وقع تقديمها يوم الجلسة ولم يكونوا مطلعين على وثيقة هامة وقعت إضافتها لملف القضية وكانت أساسا لاحالة الملف على المحكمة ويبدو أنها كانت مفتعلة .
وأضافت الدائرة الجناحية الرابعة المنتصبة للقضاء إبتدائيا : “حيث اقتضى الفصل 143 من مجلة المرافعات الجزائية ان : “الرئيس يدير المرافعات ويحفظ النظام بالجلسة ” ونص في فقرته قبل الأخيرة كذلك : “ويختم الرئيس المرافعة عندما يتبين للمحكمة ان القضية توضحت بوجه كافي” .
وحيث أحضر المتهم موقوفا بغيرها ورفض الإجابة وطلب التأخير لإنابة محام للدفاع عنه .
وحيث ان المتهم كان مسنودا بجملة من المحامين عند استنطاقه في كافة أطوار التحقيق حسبما ما هو ثابت بملف القضية .
وحيث نص الفصل 141 في فقرته الأخيرة أن “الاستعانة بمحام وجوبية أمام المحكمة الجنائية ” مما يستنتج مع ذلك أنها غير وجوبية أمام المحكمة الجناحية” .
وبذلك تكون الدائرة الجناحية الرابعة قد اعتبرت انه لا يحق للمتهم أن يكلف محام للدفاع عنه في المادة الجناحية وانه بإمكان المحكمة أن ترفض تمكينه من ذلك ما دامت قد استنتجت خطا أن الاستعانة بمحام غير ضروري في المادة الجناحية حتى ولو طلبه المتهم .
وعلى ذلك الأساس ودون مراعاة لابسط الحقوق ودون اعارة لأي اهتمام بطلبات المحامين في طور التحقيق الذي كان من واجبه البحث عن أدلة البراءة مثلما هو الشان لأدلة الاتهام رغم كل ذلك أصدرت المحكمة الابتدائية بتونس ضد الأستاذ محمد عبو حكما قاسيا يقضي بسجنه مدة عامين من اجل اعتداء بالعنف لا وجود له في الحقيقة وهو حكم قل ان يصدر في قضايا مماثلة .
وحيث ان الحكم المذكور يعتبر معرة في وجه القضاء التونسي ، ذلك أن الأستاذ محمد عبو لم يمكن من حقه في تقديم الأدلة على براءته أمام التحقيق ولم يمكن من حقه في الدفاع عن نفسه في الطور الابتدائي وكان من المتوقع أن يطلب أمام محكمة الاستئناف إبطال الحكم الابتدائي الذي جاء مستهترا بجميع الأعراف و القوانين المحلية والدولية وصدر في ظروف إرهابية استهدفت خلالها المحاماة ووقع الاعتداء فيها على المحامين وبقي الجو مكهربا إلى حدود هذا اليوم في قصر العدالة وفي أوساط المحامين الذين عقدوا جلسة عامة استثنائية انبثقت عنها قرارات هامة .
وقد اجمع المحامون والملاحظون الأجانب على أن الغرض من هذه القضية هو محاولة تحقير الأستاذ محمد عبو ووصفه بالمعتدى وكأنه من ذوي البطش أو من ممارسي العنف وان الغرض من الحكم القاسي الصادر بشأنها هو تحويل الانتباه عن القضية الثانية التي كانت الأساس الواقعي للمحاكمة وهي القضية المتعلقة أساسا بتجريم الرأي والتي وقع اختطافه من اجلها وحرمانه من حقه في إبداء رأيه بشأنه .
ومن أجل ذلك وقع التصريح مسبقا لوسائل الإعلام بأن محاكمة الأستاذ محمد عبو تتعلق بالاعتداء على زميلته وانه لم يقع تقديمه للمحكمة لمقاضاته من اجل آرائه .
وقد كان موقف لسان الدفاع هذا اليوم أمام محكمة الاستئناف بتونس موقفا مشرفا رغم تعرضه منذ الصباح لاستفزاز البوليس ورغم أن المحكمة طلبت منه في مناسبتين اثنتين إخلاء قاعة الجلسة بدون موجب علما بأن المحاكمات في مثل هذه القضايا تكون عادة محاكمات علنية وقد تدخل البوليس لإخلاء القاعة حتى من طرف محامين يلبسون زي المحاماة.
وقد صبر المحامون على الضيم وبقوا يترقبون إتمام المحاكمة لكن عيل صبرهم في نهاية المطاف بعد مرور أكثر من خمس ساعات على بدء الجلسة دون تقدم يذكر ودون الانتهاء من استنطاق الأستاذ محمد عبو في القضية الأولى ، وكان لإخراج المراقبين الأجانب من قاعة المحكمة و محاولة إخراج البعض من المحامين التونسيين من قاعة الجلسة عنوة بواسطة البوليس كغلق باب قاعة الجلسة للحيلولة دون دخول عدد كبير من المحامين النائبين وقع أليم على المحامين الذين كانوا مصرين على الترافع في القضيتين بعد ما تم إعداد وسائل الدفاع وتحرير تقارير
وذلك لإبداء رأيهم للمحكمة لإنارة سبيلها و للرأي العام التونسي الذي لم يمكن من سوء الحظ من تتبع سير القضية لان هيئة محكمة الاستئناف أرادت ان تكون المحاكمة سرية أو الراي العام الاجنبي الذي حضر بكثافة في بداية الجلسة ممثلا في مبعوثي الجمعيات الحقوقية وعمادات المحامين وممثلي السفارات والبعثات الاجنبية الذين اجبروا على الخروج من قاعة الجلسة بتدخل من البوليس الذي اطردهم بطريقة لا تليق ببلاد متمدنة
وهكذا طويت المحاكمة في ظروف أليمة بعد أن قرر عميد المحامين الانسحاب من الجلسة استجابة لطلب عدد كبير من زملائه لعدم توفر ظروف المحاكمة العادلة في حين كان من المؤمل فتح ملف السجون وبيان ان ما ذكره الأستاذ محمد عبو في مقالته المجرمة كان أقل بكثير مما يجب ان يقال.
والجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين تعبر عن استنكارها لما يحدث هذه الأيام بقصر العدالة من استهداف للمحامين والنيل من كرامتهم والاستخفاف بحقوق المواطنين في الدفاع عن أنفسهم والزج بالقضاء في متاهات سياسية والنيل من هيبته واستقلاله واستعماله كأداة من طرف السلطة التنفيذية لتصفية الحسابات مع خصومها السياسيين .
رئيس الجمعية
الاستاذ محمد النوري المحامي