13\12\2009

مقدمة: قيل ” إن حياة الفرد لا تقوم لها قائمة ما لم يكن منتمياً منذ لحظة ميلاده حتى وفاته لدولة ما ” ( ) ، فهذا الانتماء هو الذي يحقق الوجود القانوني للفرد وإلا كان كالسفينة التي لا تحمل علماً بالرغم من وجودها في المياه الإقليمية لإحدى الدول ، إذ أن الدولة لا تلزم بإيواء من لا يحمل جنسيتها . وهكذا فحق الفرد في المأوى بإقليم دولة معينة رهن بانتمائه إلى جنسية هذه الدولة . كما أنها وإن سمحت له بالدخول إلى إقليمها فهذا لا يعطيه الحق في الإقامة الدائمة ، بل إن للدولة الحق في أن تقوم بإبعاده في أي وقت شاءت . ولا شك أن رابطة الجنسية هي التي تحقق هذا الانتماء وهي المعول عليها في تحديد حقوق وواجبات الفرد سواء داخل الدولة أم خارجها ( ) .

وعلى صعيد المجتمع الدولي فإن حق الفرد في الحماية الدبلوماسية التي تشمل بها الدولة رعاياهاً خارج إقليمها ، رهنالأسباب،انتماء لجنسية الدولة ، فالدولة لا تقوم بحماية من لا يحمل جنسيتها ، إذا ما أصابه ضرر في دولة أخرى من جراء تصرف قامت به هذه الدولة الأخير ، ذلك أن شرط الجنسية يعد من أهم شروط دعوى الحماية الدبلوماسية .

وقد واجه ، المجتمع العربي في العقود الأخيرة من السنوات مشكلة هامة وخطيرة تتعلق بجنسية الأبناء المولودين لأمهات وطنيات وآباء لا يحملون جنسية الدولة سواءً كانوا عرباً أم أجانب .

هذه المشكلة التي تعود بجذورها إلى الأوضاع الاقتصادية السائدة في بعض البلاد العربية حيث يضطر الأهل لتزويج بناتهم لأشخاص لا يحملون جنسية الدولة وغالباً ما يكون هذا الزواج غير جدي في نظر الزوج وسرعان ما تنفصم عراه ، حيث يترك الزوج زوجته أو يتوفى عنها وغالباً ما يترك معها بعض الأطفال الذين كانوا ثمرة لهذا الزواج ويغادر إلى بلده ويبقى الأولاد مع أمهم الوطنية .

هذه المشكلة التي اتسعت في نطاقها مؤخراً نتيجة الانفتاح الذي حصل بين المجتمعات وسهولة الاتصال والانتقال فحدثت زيجات كثيرة من هذا النوع أفرزت لنا المشكلة الخاصة بجنسية أبناء الأمهات الوطنيات( ) الذين يعيشون مع أمهاتهم في وطن الأم الذي لا يعتد بدورها في نقل الجنسية للمولود إلا في نطاق ضيق يكاد يقتصر على حالة حماية المولود من الوقوع في انعدام الجنسية ، بينما جنسية دولة الأم يضن عليهم بالجنسية بالرغم من أنهم يقيمون مع أمهم في وطنها ولا يعرفون لهم وطناً سَواه .

وتزداد حدة المشكلة إذا كانت الولادة قد حدثت خارج إقليم دولة الأم ولم يتسّن للمولود اكتساب جنسية الأب لسبب من الأسباب ، ففي هذه الحالة غالباً ما يقع الطفل بحالة انعدام الجنسية .

وقد ينعكس ذلك على هؤلاء الأولاد من الناحية النفسية فيحقدون على هذا الوطن الذي يعيشون فيه لأنه َضن عليهم بالجنسية ، ولم يعترف بانتمائهم إليه في حين لم يعرفوا وطناً سواه ، وبالتالي قد يصبحون معولاً هداماً في هذا الوطن الذي بخل عليهم بأهم حق للإنسان وهو حق الفرد أن يكون له جنسية ذلك الحق الذي أكدته المواثيق الدولية. وكرسته أحكام القضاء الدولي ، وما القطر العربي السوري إلا شريحة من المجتمع العربي الذي برزت فيه هذه الظاهرة .

أهمية البحث وأهدافه:
تنبع أهمية هذه الدراسة من كونها تسعى لتسليط الضوء على مشكلة هامة من مشاكل الجنسية وهي جنسية أطفال الأمهات الوطنيات اللواتي اضطرتهن ظروفهن للزواج من أشخاص غير وطنيين وأنجبن منهم أطفالاً يعيشون معهن في وطن الأم ، ثم يفاجئون بأنهم لا ينتمون قانوناً لهذا الوطن عن طريق الجنسية وبالتالي قد يؤدي ذلك إلى نتائج غير محمودة بالنسبة للدولة حينما تتولد لديهم مشاعر الكراهية والحقد على هذا الوطن الذي يعيشون فيه وربما لم تطأ أقدامهم وطناً سواه.

كما تهدف هذه الدراسة لإظهار وتفنيد مشكلة التمييز بين المرأة والرجل في مسألة نقل الجنسية للمولود ، وذلك التمييز الذي يتعارض أولاً مع أحد المبادئ الدستورية وهو مبدأ عدم التمييز بين المواطنين بسب الجنس ، كما تهدف أيضاً إلى تنبيه المشرع العربي عموماً والمشرع السوري خصوصاً إلى مشكلة هامة يعاني منها فئة من أفراد المجتمع الذين يعيشون على إقليم الدولة ، ليقوم بالتعديل التشريعي المناسب بحيث يعطي الأم الوطنية دوراً مماثلاً في نقل الجنسية للمولود في حالات معينة على الأقل .

طريقة البحث :
وقد اتبعنا في هذه الدراسة المنهج التحليلي ألتأصيلي المقارن من خلال عرضنا لنصوص التشريع السوري والتشريعات العربية التي تبني الجنسية على أساس حق الدم من الأب بشكل أساسي وحق الأم بشكل احتياطي وثانوي للوقاية من الوقوع في حالة انعدام الجنسية. وقد قمنا بتحليل هذه النصوص ومقارنتها مع نصوص بعض التشريعات لدول أخرى واجهت ذات المشكلة فقامت بتعديل تشريعاتها نظراً لتعارض هذه النصوص مع مبادئ دستورية أسمى كالحق في المساواة بين المواطنين وكذلك ما جاءت به العديد من المواثيق الدولية من حق كل فرد في أن يكون له جنسية .

وخلصنا إلى نتيجة منطقية وعادلة وهي ضرورة أن يقر المشرع بالجنسية لفئة معينة من فئات المجتمع تعيش على أرض الوطن وهي جزء منه لا يتجزأ وهي فئة أولاد الأم الوطنية المتزوجة من شخص غير وطني إذا قام بطلاقها أو بهجرها وترك الأطفال معها في وطنها ، وفي هذا أيضاً ضمان لمصلحة الدولة ذاتها .

السياسة التمييزية بين كل من دور الأب والأم في نقل الجنسية للمولود في القانون السوري :
قضت المادة الثالثة من المرسوم التشريعي رقم 276 لعام 1969 المتضمن قانون الجنسية العربية السورية بما يلي :
يعتبر عربياً سورياً حكماً :
أ‌- من ولد في القطر أو خارجه من والد عربي سوري .

ب‌- من ولد في القطر من أم عربية سورية ولم تثبت نسبته إلى أبيه قانوناً

يظهر من النص المذكور الذي ينظم مسألة الجنسية السورية الأصلية أن الأب له دور مطلق في نقل الجنسية للمولود وسواء أكان الميلاد داخل القطر أم خارجه ( ف1) وهذا هو حق الدم من الأب بشكله المطلق ، أما فيما يتعلق بدور الأم السورية في نقل الجنسية لمولودها نرى أن نص الفقرة ( ب) يشترط أن تكون الولادة في سورية وألا يثبت النسب من الأب بشكل قانوني حتى تستطيع الأم السورية أن تنقل جنسيتها لمولودها ، فإذا هناك ثلاثة شروط يجب أن تتوافر وهي :

  1. أن تكون جنسية الأم سورية لحظة الولادة .
  2. أن تكون واقعة الولادة قد حصلت في الإقليم السوري .
  3. كما يجب عدم ثبوت نسب المولود لأبيه قانوناً.

وعليه فإنه إذا كانت الولادة لأم سورية قد حصلت خارج الأراضي السورية فلا يكتسب المولود جنسية أمه السوري.وفي هذا تقليل من قيمة دور الأم في نقل الجنسية لمولودها . من هنا نلاحظ مدى التمييز الجاري بين كل من دور الأب ودور الأم في نقل الجنسية للمولود في التشريع السوري .

دور الأم في نقل الجنسية للمولود في التشريعات العربية:
إن التمييز الذي أخذ به التشريع السوري سلكته أيضاَ معظم التشريعات العربية ، والتي لو أجرينا دراسة مقارنة حولها لوجدناها تنقسم إلى عدة فئات من حيث مدى الاعتداد بدور الأم في نقل الجنسية لمولودها وذلك على الشكل التالي :
• الفئة الأولى :
وهي التشريعات التي لا تعتد بأي دور للام في نقل الجنسية للمولود ومثالها تشريع الجنسية القطري الصادر بالقانون رقم /2/ لسنة 1961 والذي قضى في المادة الثانية منه بأن الجنسية القطرية لا تثبت إلا لمن ولد لأب قطري سواء داخل الإقليم القطري أم خارجه . رافضاً بذلك أي دور للأم في نقل الجنسية للمولود .

• الفئة الثانية:
وهي التشريعات التي تعلق دخول المولود في جنسية الأم الوطنية على السلطة التقديرية للدولة في جميع الأحوال ومثالها تشريع الجنسية الكويتي الصادر سنة 1959 حيث قضت المادة الثالثة منه المعدلة سنة 1980 وسنة 1987 بأنه : ” يجوز بمرسوم بناء على عرض وزير الداخلية منح الجنسية الكويتية لمن ولد في الكويت أو في خارج الكويت من أم كويتيه وكان مجهول الأب ولم يثبت نسبه إلى أبيه قانوناً ”

• الفئة الثالثة :
وهي التشريعات التي لا تولي للأم دوراً في نقل الجنسية للمولود إلا في حالة الولد غير أجنبية.ضمن شروط معقدة ومثالها قانون الجنسية اللبناني، الذي نص في المادة الأولى منه على أن يعد لبنانياً :1- كل شخص مولود من أب لبناني .

2-كل شخص مولود في أراضي لبنان الكبير ولم يثبت أنه أكتسب بالبنوة عند الولادة تابعية أجنبية .

3-كل شخص يولد في أراضي لبنان الكبير من والدين مجهولين أو مجهولي التابعية

كما قضت المادة الثانية منه بأن الولد غير الشرعي الذي تثبت بنوته وهو قاصر يتخذ التابعية اللبنانية إذا كان أحد والديه الذي تثبت البنوة أولاً إليه لبنانياً ، وإذا كان برهان ثبوت البنوة بالنظر إلى الأب والأم ناتجاً عن عقد واحد اتخذ الابن تابعية الأب إذا كان هذا الأب لبنانياً

فالمشرع اللبناني اعتد بدور الأب بشكل أساسي ، كما قررت الفقرة الثانية من المادة الأولى حكماً قصد به تلافي انعدام الجنسية ,أما المادة الثانية فقررت حكماً يتعلق بالابن غير الشرعي حيث فرق النص بين حالتين :
الحالة الأولى:التي تثبت فيها البنوة خلال فترة كون الابن قاصراً لأحد الوالدين قبل الأخر وكان هذا الوالد لبنانياً ، ففي هذه الحالة تثبت جنسية هذا الوالد اللبناني للابن حتى ولو ثبتت البنوة للآخر في تاريخ لاحق ، وبناءً عليه فإنه لو ثبتت البنوة أولاً بالنسبة للأم وكانت لبنانية فإن الابن يكتسب هذه الجنسية ولو ثبتت البنوة بعد ذلك من الأب وكان أجنبياً . ففي هذه الحالة يبرز دور الأم اللبنانية في نقل الجنسية للمولود .

الحالة الثانية : هي تلك التي يثبت فيها نسب الابن بالنسبة للوالدين عن عقد أو حكم واحد . وفي هذه الحالة نرى أن القانون يفضل جنسية الأب على جنسية الأم فيما لو اختلفت جنسية احدهما عن الآخر. فيكتسب المولود جنسية أبيه إذا كان لبنانياً ، أما إذا كانت الأم لبنانية والأب أجنبياً فإن الابن لا يكتسب الجنسية اللبنانية ، وبهذا فإن القانون اللبناني لا يعطي الأم دوراً في نقل الجنسية للمولود في حالة ثبوت نسب الولد للأب الأجنبي والأم اللبنانية في وقت واحد ، حيث يعتد فقط بدور الأب الأجنبي في نقل الجنسية للمولود ولا يعتد بأي دور للأم اللبنانية في نقل جنسيتها لمولودها ، وفي كلتا الحالتين يجب أن يتم ثبوت النسب والابن لا يزال قاصراً ، فإذا لم يثبت هذا النسب إلا بعد بلوغ سن الرشد فإنه يكون عديم الأثر بالنسبة للجنسية.

• الفئة الرابعة :
وهي التشريعات ا لتي لا تعتد بدور للأم في نقل الجنسية للمولود إلا في حالة الميلاد بإقليم الدولة ودون أي اعتبار لجنسية الأم في حالة الميلاد خارج إقليم الدولة ، ومثالها تشريع الجنسية السوري الذي ذكرناه سابقاً ، وتشريع الجنسية الأردني ، الذي قضى في الفقرة الثالثة من المادة الثالثة بأن يعتبر أردني الجنسية من ولد لأب يتمتع بالجنسية الأردنية . فهنا كرس حق الدم من الأب ، أما بالنسبة لدور الأم فنص في الفقرة الرابعة من المادة الثالثة ذاتها بأنه يعتبر أردنياً من ولد في الأردن من أم تحمل الجنسية الأردنية وأب مجهول الجنسية أو لا جنسية له ، أو لم تثبت نسبته إليه قانوناً .

• الفئة الخامسة :
وهي التشريعات التي فرقت بين دور الأم في حالة الميلاد بإقليم الدولة وبين دورها في حالة الميلاد خارجه ، فاعترفت بدور الأم في نقل الجنسية الأصلية التي تثبت فور الميلاد في الحالة الأولى ، بينما جعلت ذلك وقفاً على السلطة التقديرية للدولة في الحالة الثانية بالنسبة للجنسية اللاحقة. وهناك تشريع الجنسية العراقي الذي نصت المادة الخامسة منه على أن : ” للوزير أن يعتبر من ولد خارج العراق من أم عراقية وأب مجهول أو لا جنسية له عراقي الجنسية إذا اختارها خلال سنة من تاريخ بلوغ سن الرشد / بشرط أن يكون مقيماً في العراق وغير مكتسب جنسية أجنبية .” فالنص يعالج حالة الميلاد لأم عراقية خارج العراق حيث لا يكتسب المولود الجنسية العراقية بقوة القانون بل يعلق منح الجنسية على السلطة التقديرية لوزير الداخلية . وهناك التشريع اليمني كذلك( ) ، مع بعض الاختلاف في الشروط المتطلبة .

• الفئة السادسة:
من التشريعات وصلت إلى وضع أفضل بالنسبة لدور الأم في نقل الجنسية للمولود حيث سوت بين الميلاد بإقليم الدولة وبين الميلاد خارجه ضمن شروط مع بعض الفروق فيما بينها ، ومثالها التشريع الإماراتي ( ) حيث أعتد في الفقرة ( ج و د ) من المادة الثانية بحق الدم من الأم بشكل احتياطي في حالات عدم نسبة الابن لأبيه قانوناً ، أو ميلاده لأب مجهول أو لا جنسية له . وكذلك التشريع البحريني ، الذي نص في الفقرة ( ا- ب- ج) الخارج . وأضاف أنه يعتبر بحرينياً المولود لأم بحرينية سواء ولد داخل إقليم البحرين أم خارجه إذا كان مجهول الأب أو لم تثبت نسبته إليه قانوناً أو كان الأب عديم الجنسية . وكذلك التشريع اليمني والسعودي.

• الفئة السابعة :
– تشريعات دول المغرب العربي المتمثلة بالتشريع التونسي والجزائري والمغربي :

حيث نراها خطت خطوة أوسع من جميع التشريعات السابقة ، فلم تكتفي بإعطاء الأم دوراً في نقل الجنسية للابن عند تخلف دور الأب فقط ، بل سمحت للأم بنقل جنسيتها للمولود حتى في حالة وجود أب له جنسية أجنبية محددة ، ولكنها مع ذلك لم تصل إلى حد التسوية التامة بين دور الأب والأم في هذا المجال . فقد نص التشريع المغربي في المادة التاسعة ( فقرة 1) على إمكان اكتساب المولود لأم مغربية وأب له جنسية أجنبية للجنسية المغربية إذا تم هذا الميلاد في إقليم المغرب وبشرط أن يطلب الجنسية خلال السنتين السابقتين على سن الرشد ، وإقامته إقامة منتظمة وفعلية في المغرب وقت طلبه الجنسية . كما اشترط عدم اعتراض وزير الداخلية على دخول هذا المولود في الجنسية المغربية . كذلك فالتشريع الجزائري الصادر سنة 1970 جاء بحكم أوسع لكنه لم يصل إلى حد التسوية التامة بين دور الأم والأب في نقل الجنسية للمولود ، حيث أن المولد لأم جزائرية وأب أجنبي لا تثبت له الجنسية الجزائرية إلا إذا وقع الميلاد في الإقليم الجزائري على عكس المولود لأب جزائري حيث تثبت له الجنسية الجزائرية فور الميلاد سواء وقع الميلاد في الإقليم الجزائري أو خارجه . كما أن الجنسية الجزائرية التي ينقلها الأب الجزائري للمولود لا يجوز التخلي عنها بأي حال من الأحوال على عكس جنسية المولود لأم جزائرية حيث يجوز للمولود التخلي عنها خلال السنة السابقة على بلوغه سن الرشد ( ) أما التشريع التونسي فقد خطى خطوة أوسع في الاعتداد في دور الأم في نقل الجنسية للمولود ، لكنه مع ذلك لم يصل إلى حد التسوية التامة والأب في هذا المضمار. فالابن المولود لأب تونسي تثبت له الجنسية التونسية دون قيد أو شرط أي كان مكان الميلاد ، أما المولود لأم تونسية فالأمر يختلف بحسب ما كان الأب مجهول الجنسية أو عديمها أو مجهولاً ، أو كون الأب له جنسية أجنبية معروفة . فبالنسبة للمولود لأم تونسية وأب غير معروف أو عديم الجنسية أو مجهولها فإن الجنسية التونسية تثبت للمولود سواء وقع الميلاد في الإقليم التونسي أم خارجه ( المادة 5 فقرة 2) أما بالنسبة للابن المولود لأم تونسية وأب له جنسية معروفة فإن تشريع الجنسية التونسي فرق بين وقوع الميلاد في الإقليم التونسي ووقوعه خارج الإقليم . فإذا وقع الميلاد في الإقليم التونسي تثبت الجنسية التونسية للمولود فور الميلاد وبقوة القانون ودون قيد أو شرط . أما إذا وقع الميلاد خارج تونس فالجنسية التونسية لا تثبت للمولود فور الميلاد وبقوة القانون ودن قيد أو 12).أما إذا وقع الميلاد خارج تونس فالجنسية التونسية لا تثبت للمولود فور الميلاد بل يجب أن يطلب اكتسابها من وزارة العدل بعد قيامه باتخاذ موطن مختار في تونس . كما يحق لرئيس الجمهورية أن يرفض منح هذه الجنسية خلال السنتين التاليتين لتقديم الطلب ( المادة 12) .

-قانون الجنسية المصري والتعديلات التي طرأت عليه والانتقادات التي وجهت إليه.رغم أن قانون الجنسية المصري الصادر عام 1929) كان يمنح الجنسية لكل من يولد لأم مصرية فور الميلاد فإن قانون الجنسية لعام (1950) أجل إعطاء الجنسية لأبناء الأم المصرية لحين بلوغهم سن الرشد, عليه, والانتقادات جاء
قانون(1959)ليجعل الجنسية المصرية منحة من الدولة تعطيها أو لا تعطيها, وجاء القانون رقم26 لعام 1975 ليحرم أبناء الأم المصرية من أب أجنبي من الجنسية المصرية, ولأن هذا القانون كان يحوي جوانب كثيرة بها العديد من التشوهات أهمها أن ((تمنح الجنسية لمن ولد لأب مصري دون النظر إلى الأم المصرية,أومن ولد في مصر من أم مصرية وأب مجهول الجنسية, أو لا جنسية له, أو لمن ولد في مصر من أم مصرية ولم تثبت جنسيته نسبة إلى أبيه, أو من ولد في مصر من أبوين مجهولين)).

وأخيرا وبعد جهود مضنية تم تعديل القانون لأبناء الأم المصرية, والأب غير المصري بمنحهم الحق في الجنسية المصرية وفقا للمادة (3) من القانون رقم 154 لعام 2004 . ورغم أن القانون المذكور يعتبر نصرا للإتحاد النسائي التقدمي في مصر منذ عام 1977حيث تقدموا فعليا من خلال نواب التجمع في مجلس الشعب المصري بعد انتخابات1990بمشروع لتعديل قانون الجنسية. إلا أن القانون المذكور تعرض لانتقادات كثيرة ,ومنها أنه ترك لوزير الداخلية سلطة في قبول أو رفض أي طلب تجنس يعرض عليه خلال مدة سنة وبقرار معلل. وفي حال مضي سنة وعدم صدور قرار من الوزير خلال مدة السنة يعتبر مقدم الطلب مصريا بقوة القانون.

نص التعديل الحاصل :
في عام 2004 أصدر مجلس الشعب المصري القانون 154 المعدل لأحكام القانون 26 لعام 1975 الخاص بالجنسية, والذي بمقتضاه:
((يكون مصريا من ولد لأب مصري وأم مصرية)) وقضت المادة (3) المعدلة على ما يلي:
يكون لمن ولد لأم مصرية وأب غير مصري قبل تاريخ العمل بهذا القانون أن يعلن وزير الداخلية برغبته في التمتع بالجنسية المصرية, ويعتبر مصريا بصدور قرار من الوزير, أو بانقضاء سنة من تاريخ الإعلان دون صدور قرار مسبب منه بالرفض)).
أما أولاد الأم المصرية زوجة الأجنبي من مواليد 15\7\2004ومابعدها فيعتبرون من الجنسية المصرية بقوة القانون.
إلا أن الدكتور فؤاد عبد المنعم رياض الخبير القانوني والقاضي السابق في محكمة العدل الدولية, وأحد أعضاء اللجنة التي قامت بتعديل قانون الجنسية الجديد فقد أكد أن القانون 154 لسنة 2004 لم يميز بين المرأة المصرية المتزوجة من فلسطيني أو سوداني أو ليبي أو أردني أو روسي, فالكل سواء, وبالتالي فإن رفض وزارة الداخلية منح الجنسية لأبناء الأم المصرية من زوج فلسطيني يعد مخالفة للقانون وللدستور معا.ويضيف الدكتور رياض أن القانون لا يطبق بأثر رجعي إعمالا لمبدأ عدم سريان القانون على الماضي ولكنه أنصف الأبناء الذين ولدوا قبل صدوره.أما الرسوم والمستندات التعجيزية فلم ينص عليها القانون ولكنها صدرت بمعرفة وزارة الداخلية . وأكد د.فؤاد رياض أنه في حالة صدور قرار منح الجنسية يصبح الابن مصريا أصيلا, وله جميع الحقوق والواجبات (الانتخابات ,الالتحاق بالوظائف العامة ,الترشح لمجلسي الشعب والشورى, التأمين والتملك).

– يتبين من هذا التصنيف العاجل لبعض التشريعات العربية ومنها التشريع السوري . بالنسبة لدور الأم في نقل الجنسية لمولودها ، أن هذه التشريعات لم تأخذ بالنسبة للأم بدور مماثل لدور الأب في نقل الجنسية للمولود والغالبية العظمى منها أخذت بدور محدود وذلك على سبيل وقاية المولود من الوقوع في حالة انعدام الجنسية حينما تكون الولادة في إقليم دولة الأم ، والقليل منها وهي تشريعات دول المغرب العربي كانت أكثر انفتاحاً حيث أعطت للأم دوراً في نقل الجنسية للمولود حتى ولو كان الميلاد خارج الإقليم ولكن بشروط ودون أن تصل إلى حد المساواة التامة بين الأم والأب في هذا الشأن .

أسباب انتقاد موقف التشريع السوري والتشريعات العربية بشأن السياسة التمييزية المتبعة:
– هذا الموقف من قبل التشريعات العربية ( ) عامة والتشريع السوري خاصة مدعاة لانتقاد كبير وذلك لجملة من الأسباب :
• أولا ً: عدم سلامة السياسة التمييزية من حيث نتائجها الاجتماعية والقانونية :
إن هذه التفرقة غير سليمة نظراً لنتائجها من الناحية الاجتماعية والقانونية بشأن أبناء الأمهات الوطنيات اللواتي تزوجن من أشخاص غير وطنيين وتركوهم مع أمهاتهم في وطن الأم ، فهؤلاء يعيشون في كنف الجماعة الوطنية ، وعلى الأرض الوطنية ولا يعرفون لهم وطناً سواه ولكنهم سرعان ما يكتشفون أنهم لا ينتسبون لهذا الوطن م الناحية القانونية ، كما يجدون أنفسهم محرومين من معظم الحقوق الثابتة للوطنيين واللازمة لسير حياتهم كالحق في الإقامة والتعليم والعمل وغيره .

ولو تحرينا الدقة لقلنا إن قيام تلك المشكلة في سورية يعود إلى عدم مواكبة التشريع السوري للواقع الاجتماعي في سورية ولظروف المجتمع السوري الذي تطور في السنوات الأخيرة حيث انفتح على غيره وأصبح مألوفاً أن تتزوج السورية من شخص غير سوري وخاصة من أبناء البلاد العربية وتنجب منه أطفالاً وبعض هذه الزيجات قد لا يتسم بطابع الجدية في نظر الزوج الذي يعود إلى دولته تاركاً زوجته وأولاد منها ، وإزاء ذلك لم يتنبه المشرع السوري إلى ضرورة توفير الأمان القانوني لهؤلاء الأبناء والاعتراف بهويتهم كأعضاء في الجماعة السورية وذلك بنقل جنسية الأم السورية إليهم فور الميلاد . فمشرعنا حرص على أن يكون دور الأم محدوداً بحيث لا يتعدى حماية الابن من الوقوع في حالة انعدام الجنسية ، وعليه فالمولود لأم سورية وأب يحمل جنسية أجنبية لا يدخل في الجنسية السورية بحجة أنه يكتسب جنسية الأب الأجنبية وأن تأثير الأب الأجنبي سيحول دون انتمائه الحقيقي للجماعة السورية . وقد فات المشرع السوري أن تمتع الأب بجنسية أجنبية لا يعني حتماً إمكانية نقلها للمولود ، لأن هناك من الدول ما لا تأخذ بحق الدم ، كما أن ثبوت جنسية الأب الأجنبية للمولود لأم سورية في سورية ليس من شأنه حتماً الإضعاف من انتمائه للجماعة السورية ، إذ قد تكون الصلة بينه وبين دولة الأب منقطعة .

وتزداد حدة الخطورة إذا كان الميلاد لأم سورية قد وقع خارج الإقليم السوري ( ) وعلى سبيل الصدفة أثناء سفر عارض للأم خارج البلاد ، وخاصة في دولة لا تمنح جنسيتها بالميلاد على إقليمها إذ سيؤدي ذلك حتماً إلى انعدام جنسية المولود ، ذلك أن المشرع السوري يرفض ثبوت الجنسية السورية في هذه الحالة حتى لو كان الأب مجهولاً أو عديم الجنسية أو مجهولها.

• ثانياً : تخلف نهج التشريع السوري عن مواكبة التشريعات المقارنة بشأن دور الأم في نقل الجنسية للمولود :
– الحقيقة أن ظاهرة زواج الوطنيات من أشخاص غير وطنيين لم تكن خاصة بالدول العربية بل ظهرت في العديد من الصينية”.ً لسهولة الاتصال والانتقال، ولكن سرعان ما هرعت هذه الدول لعلاج تلك المشكلة من خلال القيام بتعديل تشريعاتها بهذا الخصوص. لكن المشرع السوري لم يعالج هذه المشكلة بشكل كاف بالرغم من الحاجة الماسة إلى ذلك .

– فهناك تشريعات بعض الدول الإفريقية نجد أن منها ما أدخل تعديلات جذرية ليعطي الأم دوراً مماثلاً لدور الأب في نقل الجنسية للمولود ، من ذلك التشريع جنسية دولة زائير الذي عدل عام 1981 ونص في مادته الخامسة على أن جنسية زائير تثبت فور الميلاد لكل من ولد لأب زائيري أو لأم زائيرية دون تفرقة .

– كذلك بالنسبة لتشريعات الدول الأسيوية النامية نأخذ مثالاً عليها تشريع الجنسية التركية الذي عدل سنة 1981 ونص على أنه : ” يعتبر تركياً من ولد لأب أو لأم تركية بالداخل أو بالخارج ” دون أن يفرق بين الأب والأم .

– كذلك تشريع الجنسية الصيني سنة 1980 قضت المادة 44 منه بأنه ” يعتبر صينياً كل من ولد بالصين لأب أو لأم صينية” .

– كما قضت المادة الخامسة منه بأنه: ” يعتبر صينياً كل من ولد بالخارج لأم صينية بشرط عدم دخوله في جنسية الدولة التي ولد بإقليمها “.

– ولو القينا نظرة على بعض تشريعات دول أمريكا اللاتينية ذات الظروف السكانية والاقتصادية المتشابهة مع ظروف معظم البلاد العربية كالتشريع المكسيكي ، لرأينا أن المشرع نص في المادة 30/1 من الدستور الصادر سنة 1969 على أنه : ” يعتبر مكسيكياً كل من ولد لأب أو لأم مكسيكية ” .

– ولو تعرضنا لبعض التشريعات الأوربية لوجدنا أنه في إيطاليا طرح الأمر على المحكمة الدستورية العليا الإيطالية التي قضت في حكم هام بتاريخ 9/2/1983 بعدم المساواة بين الجنسية المنصوص عليه في الدستور الإيطالي . وأثر ذلك قام المشرع الإيطالي بتعديل قانون الجنسية ليسوي بين دور الأب ودور الأم في نقل الجنسية للمولود وذلك بالنص على أنه : ” يعد إيطالياً من ولد لأب إيطالي أو لأم إيطالية “.

– وبالمثل فعل المشرع الفرنسي إثر تعديل سنة 1973 وتشريع الجنسية البلجيكي الصادر سنة 1984 والتشريع الألماني سنة 1979 ( )
فهذه التشريعات نراها قد استجابت لمبدأ المساواة الذي يقضي بعدم التفرقة بين المواطنين في مجال الحقوق ، وأهم هذه الحقوق حق الفرد ( ذكراً كان أم أنثى ) في نقل جنسيته لمولوده .

• ثالثاً : مخالفة التشريع السوري للمبادئ الدستورية :
وبذلك يكون التشريع السوري قد خالف أحد المبادئ الأساسية في الدستور السوري
وهو الأمر الثالث الذي ننتقد به التشريع السوري، فلو عدنا إلى المادة /25/ بفقرتها الثالثة من دستور الجمهورية العربية السورية الصادر سنة 1973 والمعدل بالقانون رقم /6/ لعام 2000 لرأينا أنها تنص على أن:” المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات “. وكلمة المواطنون تشمل الذكور والإناث.

وكذلك ما ورد في المادة /26/ من الدستور بشأن حق كل مواطن في الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، ولا شك أن الحق في الإسهام في الحياة الاجتماعية يشمل حق المرآة في نقل جنسيتها لمولودها الذي يعيش على أرض الوطن سيما وأن رحم الأم هو الوطن الأول للجنين ، قبل أن يرى النور .

وكذلك فالأسرة هي خلية المجتمع الأساسية التي تحميها الدولة ( فقرة 1 مادة 44 من الدستور السوري ) ، وأدنى درجات الحماية إسباغ الجنسية على أطفال الأسرة .

وبما أن من واجب الدولة حماية الأمومة والطفولة ( فقرة 2 مادة 44 من الدستور السوري ).

لذلك فإن أدنى درجاتها أن نعطي للأم دوراً في نقل جنسيتها لمولودها وان نسبغ على المولود جنسية أمه .وبذلك يكون المشرع السوري قد أكد على التزامه بالاتفاقيات الدولية الخاصة بالطفولة

وبهذا فإن تشريع الجنسية السوري بتميزه بين دور كل من الرجل والمرأة في نقل الجنسية للمولود قد خالف نص المادة /25/ من الدستور الذي يقضي بأن المواطنون يجب أن يكونوا متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات وأول هذه الحقوق يجب أن يكون حق الأم في نقل جنسيتها للمولود أسوة بحق الأب في ذلك .

ولذلك فإن النصوص في قانون الجنسية التي لا تسوي بين كل من دور الأم والأب في نقل الجنسية للمولود تعتبر نصوصاً غير دستورية ، فالدستور كما نعلم أبو القوانين وهو في مرتبة أسمى من القانون وبالتالي يجب ألا يحتوي القانون على نص يخالف نصاً دستورياً .

• رابعاً : مخالفة السياسة التمييزية في القانون السوري للمواثيق الدولية وأحكام القضاء الدولي :
إن الأمر الرابع الذي ننتقد به التشريع السوري هو أنه يتعارض مع ما جاءت به المواثيق الدولية وما أكدته أحكام القضاء الدولي من حق الفرد في أن يكون له جنسية ما.

أ- مخالفة السياسة التمييزية للمواثيق الدولية :
فلو نظرنا إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10/12/1948 وما جاءت به المادة /15/ منه من أن كل فرد له الحق في الحصول على جنسية ولا يجوز حرمان أحد من جنسيته بطريقة تحكمية ولا يجوز حرمانه من حقه في تغيير جنسيته .

فهنا نجد أن الإعلان العالمي ارتفع بتنظيمه لجنسية الفرد إلى مصاف الحقوق الأساسية للإنسان وذلك بإقرار صريح من الجماعة الدولية .

– كذلك لو نظرنا إلى الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي تم وضعه وإقراره من الجمعية العامة. للأمم المتحدة وكذلك البروتوكول الاختياري في 12/12/1966 الذي دخل حيز التنفيذ في 16/12/1966 لرأينا أن المادة 24/3 نصت على: ” حق كل طفل في اكتساب جنسية “.

– وبالمثل لو نظرنا إلى اتفاقية محو كل أشكال التمييز في مواجهة المرأة التي صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8/12/1979 ودخلت حيز التنفيذ في 3/9/1983 لرأينا أن الفقرة الثانية من المادة /9/ منها نصت على أن تمنح الدول الأطراف للمرأة حقوقاً متساوية مع الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالهما .

فهذه الاتفاقية تضمنت مبدأ يقضي بالمساواة بين الرجل والمرأة في نقل الجنسية للأطفال بواسطة النسب .

– كذلك تضمن قرار المجلس الأوربي رقم 77 لسنة 1977 دعوة الحكومات لاتخاذ إجراءات معينة في مجال الجنسية ومنها فيما يتعلق بجنسية الأطفال ، حيث أوصى القرار في الفقرة /13/ منه حكومات الدول الأعضاء بأن تمنح جنسيتها منذ الميلاد للأطفال الذي يولدون من الزواج إذا كان الأب أو الأم وطنياً ( )

ب- مخالفة السياسة التميزية لأحكام القضاء الدولي :
إن تلك المواثيق الدولية التي قررت أن لكل فرد حق التمتع بجنسية ما, يثير التساؤل حول تحديد الدولة المدينة للفرد بهذا الحق .

– ولو عدنا إلى أحكام القانون الدولي لوجدنا أن المبدأ التقليدي الذي ظل مهيمناً على تنظيم الجنسية حتى الحرب العالمية الثانية والذي يتجلى بحرية كل دولة في مجال جنسيتها وتحديد من ينتمي إليها ، لرأينا أن هذا المبدأ أخذ يتقلص وينحصر منذ نهاية هذه الحرب ليفسح المجال للمبدأ الذي ذكرناه وهو حق كل فرد في أن تكون له جنسية ما ، وكذلك لمبدأ أكدته أحكام القضاء الدولي وخاصة حكم محكمة العدل الدولية الشهير الصادر عام 1955 في قضية المدعو فريدريك نوتبوم Nottebohm والذي جاء بمبدأ يتلخص في أنه لكي يعترف للفرد بجنسية دولة معينة في المجال الدولي يجب أن تقوم بين الفرد وهذه الدولة رابطة حقيقية وفعلية Genuine link. مع أن لكل دولة حريتها في مجال جنسيتها ضمن حدود إقليمها، ولكن نفاذ هذه الجنسية في المجال الدولي رهن بوجود هذه الرابطة الحقيقية والفعلية بين الفرد والدولة المانحة لهذه الجنسية. ( )

فإذا ما قمنا بإعمال المبدأين السابقين ، وهما حق كل فرد في أن يكون له جنسية الذي أكدته المواثيق الدولية ، وضرورة قيام الجنسية على رابطة حقيقية وفعلية والذي أكدته أحكام القضاء الدولي لظهرت لنا الأبعاد العملية لحق الفرد في أن يكون له جنسية وثيق الصلة بالتزام دولة معينة بالذات ، بأن تقوم بمنحه جنسيتها ولا يمكن أن تكون هذه الدولة سوى الدولة التي ارتبط فعلياً وواقعياً بجماعتها ، ولا يجوز لهذه الدولة أن تتنصل من هذا الالتزام بحجة أن حق الفرد في أن يكون له جنسية هو الحق لا يقوم في مواجهة مدين معين ، وبالتالي لا يجوز الاحتجاج به في مواجهة دولة معينة . والسبب أن أية دولة لا تربطها بهذا الفرد رابطة حقيقية وواقعية لا يحق لها من الناحية الدولية أن تقوم بمنحه جنسيتها ، وهي إن قامت بذلك سوف لن يعترف بهذه الجنسية على الصعيد الدولي .

وعليه فإن حق كل فرد في أن تكون له جنسية يعني في حقيقة الأمر التزام كل دولة بمنح جنسيتها لمن يرتبط بمجتمعها وينتمي إليه بشكل حقيقي وفعلي ، وإلا فالقول بغير هذا سيجرد حق الفرد في الجنسية الذي أكدته المواثيق الدولية من كل مضمون ومعنى .

دعوة المشرع السوري للقيام بالتعديل المنشود :
وبالنتيجة فإن أبناء الأم السورية المقيمين معها في وطنها يرتبطون بهذا الوطن بشكل فعلي وواقعي ولم يعرفوا لهم وطناً سواه من الطبيعي أن يكون لهم الحق في حمل الجنسية السورية بناءً على إعمال المبدأين سالفي الذكر.

وعليه فإننا نناشد المشرع في سورية أن يقوم بتعديل صياغة الفقرة /ب/ من المادة الثالثة من المرسوم 276 لعام 1969 وذلك لتصبح على الشكل التالي :
م. (3) : يعتبر عربياً سورياً حكماً : أ- ….
” ب : من ولد في القطر أو خارجه من أم عربية سورية.

فهذه الصياغة تأتي على قدر الضرورة ، فالضرورة تقدر بقدرها ، وهذه الجنسية تكون جنسية أصلية للمولود ، فالرابطة التي تربط هذا المولود لأم سورية الذي يعيش مع أمه في وطنها ، لا تقل بحال عن الرابطة التي تربط الابن بمجتمع دولة الأب ، فالأم هي التي تتولى تربية وتنشئة المولود في سنوات حياته الأولى من الناحية الوجدانية وخلالها يتحدد انتماؤه ومشاعره ، ورحم الأم هو الوطن الأول للطفل قبل أن ترى عيناه النور ، وبالتالي فمن الضروري إنصاف هذه الفئة من أفراد المجتمع وهم أبناء الأم الوطنية المتزوجة من شخص غير وطني والذين انفصل أبوهم عن أمهم وهم يعيشون مع أمهم في وطنها ، فلا بد من منحهم الجنسية السورية الأصلية ، ولا يغني عن ذلك منحهم بعض المزايا والإعفاءات كحق الإقامة والعمل والتعليم وغيره دون الاعتراف لهم بجنسية الأم فمثل هذا الحل يتغاضى عن الأبعاد الحقيقية للمشكلة ، بل ويتعارض مع مصالح الدولة ذاتها حيث ستوجد فئة داخل الجماعة الوطنية لا تنتمي سياسياً وقانونياً لهذه الجماعة بالرغم من أنها جزء لا يتجزأ منها وهذه الفئة التي تحس بعدم الانتماء لهذا الوطن وبالغربة ، وأي انتماء وقد رفضت الجماعة الوطنية وأبت عليها حمل جنسيتها وهذا من شانه أن يثير السخط والكراهية على هذه الجماعة الوطنية وبالتالي بدلاً من أن تكون هذه الفئة عامل بناء وإعمار قد تصبح معولاً هداماً للوطن وهذا يتنافى مع مصلحة الدولة من غير شك .

كذلك فالاعتراف لهم بالجنسية سيتماشى مع المبادئ التي أكدت عليها المواثيق الدولية من حق كل فرد في أن تكون له جنسية كذلك النصوص الدستورية تنص على مبدأ المساواة بين المواطنين.

المحامي-صلاح شامية
-عضو مجلس إدارة المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان
-المكتب القانوني للمنظمة