6/2007

حقّ التعبير وحريّة الرأي
نصّت المادّة /38/ من الدستور السوي على انّه لكلّ مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحريّة وعلنيّة بالقول والكتابة وكافة وسائل التعبير الأخرى….. وتكفل الدولة حريّة الصحافة والطباعة والنشر وفقا” للقانون. غير أنّ السلطات السوريّة تحتكر كلّ وسائل التعبير ، وفي مقدمتها الصحف ، فجميع الصحف الموجودة في سورية هي صحف حكومية ، ولا تتيح إلاّ للأحزاب الحاكمة النشر فيها فيما يتعلق بالرأي ، ونقد سياسات الحكومة ، ونقد الفساد الحكومي.

وهنالك أدلّة واضحة على صحّة هذه الحقيقة وهو ما حصل لجريدة (( الدومري)) التي أعطيت ترخيصا” من قبل السلطات السوريّة ، غير أنها ما لبث آن أغلقتها بحجة تجاوز الخطوط الحمر ، مع العلم أنّ صحيفة الدومري كانت تعبّر بطريقة ساخرة ، و عن طريق الرسوم في غالب الأحيان ، ولم تدخل في صميم نقد الفساد الحكومي ، ونقد سياسات النظام .

وفي سوريّة اليوم جريدة البعث ، وهي الناطقة باسم الحزب الحاكم، وجريدة الثورة وجريدة تشرين وهي لا تختلف عنها ، وهناك صحف لأحزاب الجبهة الوطنيّة التقدميّة الموالية لحزب البعث الحاكم وهي صحيفة النور ، وصحيفة آفاق ، وصحيفة الوحدوي وصحيفة نضال الشعب ، وهي صحف متخصصّة في مدح النظام الحاكم ، ولم تتمكن لا من حيث الإمكانيات الماديّة و لا من حيث حريّة ملامسة القضايا العامّة أن تلحق بجريدة البعث أو جريدة الثورة أو جريدة تشرين .

وهناك صحف محلية في المحافظات كجريدة الوحدة في مدينة اللاذقيّة وجريدة الجماهير في مدينة حلب ، وجريدة الفداء في مدينة حماة و جريدة العروبة في مدينة حمص، وهي ليست أحسن حالا” من غيرها من الصحف السورية. وهنالك مجلة ابيض واسود وهي مملوكة لابن وزير الدفاع ، وتتمتع هذه المجلة بقدر من الجرأة إذا ما قورنت بغيرها من الصحف ، غير أنها تقتصر في التعامل مع القضايا برأي المجلة نفسها ولا يتمكن المواطن العادي من أن يعبّر عن رأيه فيها .

كما تحتكر السلطات السورية جميع وسائل الإعلام الأخرى كالتلفزيون والإذاعة ,وتخضع وسائل الإعلام لرقابة صارمة من أجهزة الأمن ,لذلك أضحت برامجها متخلّفة ,وتفتقر للإبداع ومواكبة سبل الحداثة,ولم يجرؤ العاملون فيها على طرح مشاكل المواطنين ,ونقد الفساد الحكومي ,الآمر الذي افقدها مصداقيتها ,فعزف المواطنون عن متابعتها ,واتجهوا نحو وسائل الإعلام الأجنبية .

وتحاول السلطات السوريّة اليوم أن تخضع النشر على شبكة الانترنيت لهيمنتها ورقابتها ، ونسمع اليوم عن محاولة لسنّ قانون لمنع النشر على شبكة الانترنيت, وقد سبق للسلطات السوريّة أن أحالت عدّة مواطنين إلى محكمة أمن الدولة العليا الاستثنائية على خلفية دخولهم على شبكة الإنترنت, وقد حكمت محكمة أمن الدولة العليا المواطن السيد عبد الرحمن الشاغوري بالسجن لمدّة سنتين.

أما حركة النشر و التأليف وطبع الكتاب فتخضع لضوابط صارمة ، إذ لا بدّ من موافقة وزارة الإعلام, وهذه بدورها ترسل الكتاب إلى أجهزة الأمن لأخذ الموافقة ، ويبقى قرار أجهزة الأمن هو النّافذ في نهاية المطاف . أمّا المراكز الثقافية فهي تحت سيطرة السلطات السورية,إذ تستخدم لشرح سياسات النظام وأيديولوجيته ,وإذا ما كانت هناك محاضرة أو أمسية شعريّة فمعظم الحاضرين والمحاضرين والشعراء هم من أهل النظام ومن سدنته ,أمّا المواطنون المستقلون والمعارضون فمحظور عليهم استخدام قاعات المركز الثقافي إلاّ بمعيّة أهل النظام . وقد شكلّ قانون المطبوعات رقم /50/ لعام 2001 انتكاسة في إطار حريّة التعبير ، إذ حدّد عقوبات صارمة لمخالفة تعليماته قد تصل عقوبة السجن إلى ثلاث سنوات في بعض الأحيان ، والغرامة إلى مليون ليرة سوريّة ، كما انه وضع شروطا” صعبة لترخيص المطبعة ، أو لإصدار المطبوعة .

لقد انعكس كلّ ذلك على الإنسان السوري ، فتراجعت بنيته الثقافيّة والمعرفيّة نتيجة عدم وجود صحف مستقلّة أو معارضة ، ونتيجة محدوديّة المواضيع التي تتناولها الكتب المطبوعة في سوريّة , ونتيجة هيمنة الدولة على وسائل الإعلام.

لقد أدت سيطرة السلطات السوريّة على أجهزة الإعلام ,ودور الثقافة,وبيوت الفن إلى قتل الكثير من مواهب الموطنين وجمود مخيّلتهم المبدعة, ولم تكتف السلطات السوريّة بذلك ,بل راحت تغلق ما تبقى من بيوت الثقافة والفن على نحو ما حدث لصالة الجسر في مدينة حلب ,إذ صدر قرار بإغلاق صالة الجسر عن وزير الثقافة عام \2004\ .

إنّ المنظّمة ترى أنّ الاستمرار في سيطرة الدولة و الأحزاب الحاكمة على وسائل الإعلام كالصحف و الإذاعة والتلفزيون، وتحكم أجهزة الأمن بطبع الكتاب، إنما يشكّل خطرا” على الإنسان لا تقلّ أهميته عن خطر وضعه في السجن.

إنّ الحلّ يكمن بإصدار قانون للصحافة يتيح ترخيص الصحف المستقلّة والمعارضة ، وبتعديل قانون المطبوعات بما يتناسب مع ما وصلت إليه الدول المتحضّرة في هذا المجال ، وباستقلاليّة وزارة الإعلام ووزارة الثقافة عن رقابة أجهزة الأمن .

ويبقى الشيء الأهم ، وهو عدم قدرة المواطن على أن يبدي رأيه في جميع القضايا ذات الطابع السياسي بحريّة ، وعدم قدرته على أن ينتخب من يريد في الانتخابات النيابية أو النقابيّة ، أو الإدارة المحليّة أو انتخاب رئيس الجمهوريّة ، أو في انتخاب لجنة الحي ، والسبب في ذلك هيمنة أجهزة الأمن وسلطتها المطلقة في اعتقال أيّ مواطن وحجزه في أقبيتها دون رقيب أو حسيب .

الحالة الثقافية
في الوقت الذي تشهد فيه البشرية تسارع وتيرة التقدم العلمي والتقني , وبناء مجتمعات المعرفة بوتيرة مذهلة يعاني الشعب السوري من انتهاكات لحقوق الانسان والمواطن في مختلف مناحي الحياة , ومن أبرزها تحكم العطالة الاستبدادية في معظم جوانب التنمية البشرية والثقافية , مما يؤدي إلى إعادة انتاج التخلف الحضاري , من جانب , وتوقف النمو الاقتصادي والعلمي من جانب آخر , ومن أبرز تلك الحقوق المستلبة يبرز الحق الثقافي بجوانبه المتعددة ويمكن لنا هنا أن نشير اختصاراً إلى عددٍ منها :

التعليم والتربية : تتعرض العملية التربوية , وفي إطارها أبناء المجتمع السوري وأجياله المتتابعة , لعدد كبير من الانتهاكات بحق الإنسان , ومن الصعوبة بمكان الإحاطة بها في جزءٍ من تقرير محدد , إذ أنها تحتاج إلى بحوثٍ مطولة , لذلك سوف نكتفي هنا , بالمحاور الرئيسة لها .

فمنذ بداية المرحلة الابتدائية, يقوم المسئولون على التعليم والتربية باحتجاز الأطفال داخل منظمة تابعة للحزب الحاكم. وتدعى منظمة طلائع البعث حيث يتم تلقين الأطفال ما بين سن 9 – 12 أهداف الحزب الواحد والقائد أو بالأحرى شخصنه الوطن والأمة في شخص الأمين العام لهذا الحزب , والتي تفضي إلى نوعٍ ما من عبادة الفرد التي تتنافى وأبسط مبادئ الديمقراطية التي يفترض أن يربَى عليها أولادنا .

واستناداً إلى هذه التربية , يتم الانتقال بأبناء الجيل كاملاً , وفي المرحلتين الإعدادية والثانوية , وضمهم إلى صفوف الحزب الحاكم والمتحكم في البلاد منذ اثنين وأربعين عاماً , دون أي اعتبار لأرائهم أو آراء ذويهم في عملية قسرية قد لا يكون لها مثيلاً إلاَ في الأنظمة الشمولية العاتية , ومن يخالف ذلك وقد يكون نادراً يتعرض للمراقبة الأمنية , والعمل على حرمانه من أي امتيازات مدرسية يحصل عليها زملائه .

وقد وصل الانتقال إلى مرحلة التعليم العالي إلى أزمة حقيقية , وسدت المنافذ أمام معظم الطلاب نتيجة افتقارنا إلى خطة يجري بموجبها استيعاب الأعداد المتزايدة من الطلاب في هذه المرحلة وقصور الجامعات القائمة حالياً والتي توقف العمل عن تطويرها , عن إمكانية التوسع والاستيعاب التي أضحت الضرورة إليها ملحة وعاجلة , إضافة إلى التمييز بين الطلبة أنفسهم وفقاً لمعايير سياسية ومناطقية , يتم من خلالها انتهاك حقوق الأعداد الكبيرة من الطلاب بصورة بينة . ويتابع الاتحاد الوطني لطلبة سورية المهيمن على الحياة الجامعية فصول المأساة , بعد انتقال الطلاب من المرحلة الثانوية , حيث تتم عملية الفصل التعسفي بين الطلاب والأوساط الاجتماعية والسياسية المحيطة بهم , ويمكن للسلطة أن تصل إلى مرحلة استعداء الطلبة على آبائهم , كما حدث في اعتصام المعارضة أمام قصر العدل وساحة المرجة في دمشق في 10 / 3/ 2005

وفي الوسط الجامعي , ثمة العديد من المعايير التي تحكم التعليم بصورة تحرف العملية التعليمية عن أهدافها المتوخاة منها , ومن أبرز هذه المعايير الخاطئة ما أشار إلى قسمٍ منها الدكتور رضوان القضماني ( وهو أستاذ جامعي ) في محاضرة له عن واقع التعليم العالي في سورية في منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي إذ يبين أن أبرز المثل التي تم تغييبها عن الجامعات في سورية هي المثل الأكاديمية ( البحث العلمي والإنماء وبناء الإنسان ) ليحلَ محلها ثلاثة أنواع من القيم بشكلٍ متوازٍ ومترافق : وأولها القيم الحزبية التي صارت البديل الذي يجب أن تنصهر فيه جميع المثل الأكاديمية , وهذه القيم الحزبية لا تشكل في الوقع بديلاً لأنَ حقلها يعتبر حقلاً آخر سياسي , عقائدي , تنظيمي , وسلطوي بحيث تصبح الجامعة بموجبها مؤسسة من مؤسسات الحزب , ومن ثم أضحت جميع مسائل الجامعة تناقش في مؤسسات الحزب أولاً ليتم اتخاذ القرارات هناك , وبعدها يأتي بها حاملوها إلى المجالس الجامعية التي كفت كونها مؤسسات مستقلة أو لديها الصلاحية لاتخاذ أي قرار يخصها بعيداً عن رأي المؤسسة الحزبية , وتسهيلاً لهذا التسلط الحزبي على الجامعات , يجري تعيين رؤساء الأقسام والوكلاء والعمداء والرؤساء بقرار حزبي يوقعه رئيس إداري بغض النظر عن المعايير الأكاديمية المتعارف عليها في جامعات العالم .

وإذا كانت القيم الحزبية تزن كل وازنة في الحقل الأكاديمي فإنَ متابعة هذا الأمر ينجز عبر مجالٍ آخر هو المجال الأمني الذي لا يسمح بمرور أي عمل أكاديمي أو غيره إلاَ من خلاله , وفي هذا تهميش للمجالس الأكاديمية بدءاً من مجلس التعليم العالي , إلى باقي المجالس الأخرى ليتخذ العمل فيها بعداً أمنياً لا علاقة له بكل القضايا التي تتعرض لها الجامعة .

ولا ريب أن هذا البعد الأمني هو الذي يلقي بظلاله الكثيفة والحادة على الحياة الجامعية والعلاقات السائدة بين الطلاب أنفسهم وبينهم وبين الكادر التعليمي , مما ينعكس سلباً على مسار وصحة العملية التعليمية , ويؤدي بالتالي إلى تفكك العلاقات بينهم , وملازمة الطالب طوال حياته الجامعية شعور حاد في القلق على مستقبله المجهول وخاصة أن نسبة البطالة بين الذين أتموا دراستهم الجمعية تبلغ حوالي 30% وهي من أعلى النسب المتعلقة بالبطالة في العالم , إضافة إلى أن ا]متقدم للعمل في إحدى دوائر ومؤسسات الدولة لا يتسنى له ذلك إلاَ إذا حاز على موافقة الأجهزة الأمنية .

وفي حال تكفلت إحدى الكليات بتوظيف من يدرس فيها بعد التخرج منها , فيمكن لها أن تتخلى عن عقدها هذا في أي وقت , ولا يحق للطرف الآخر المتعاقد معها أن يبدي أي احتجاج على ذلك , وهذا ما حدث في كليات الهندسة حيث كانت الدولة تعتبر نفسها ملزمة بتوظيف المتخرجين منها , وفي العام الماضي أعلنت تخليها عن ذلك انتهاكاً منها لحقوق الطلاب في الكلية المذكورة , وعندما تظاهر الطلاب داخل الحرم الجامعي بصورة سلمية احتجاجاً على هذا الإجراء قامت الأجهزة الأمنية باعتقال عدد منهم , كما قامت الجامعة بفصلهم بصورة تعسفية منها وقضت على مستقبلهم , وتابعت المحاكم الاستثنائية قضيتهم وصولاً إلى إصدارها حكماً جائراً بحق اثنين منهم وهما مهند الدبس ومحمد عرب بالسجن ثلاث سنوات مع الأشغال الشاقة وتجريدهما من الحقوق المدنية وذلك بتاريخ 6 / 3 / 2005 , وهذا دليل ساطع على المدى الذي ذهبت إليه السلطة بانتهاك حقوق الإنسان

ثانياً : الصحافة والنشر والإعلام : منذ العام 1963 وبعد استلام حزب البعث لمقاليد الأمور في البلاد أصدر المجلس الوطني لقيادة الثورة البلاغ رقم 4 في 8 آذار من ذاك العام وينص على ” اعتباراً من تاريخه وحتى إشعارٍ آخر يوقف إصدار الصحف في جميع أنحاء البلاد ما عدا الصحف التالية :الوحدة العربية , بردى , البعث . تصدر بقية الصحف بإذنٍ من المرجع المختص في وزارة الإعلام . تتوقف المطابع عن طبع أي نشرة إلاَ بإذنٍ من المرجع نفسه ” والواقع أنَ هذا البلاغ يمثل حالة نادرة الحدوث في تاريخ القوانين المقيَدة لحرية الصحافة , إذ يشكل هذا البلاغ (إضافة للبلاغ الخاص بإعلان حالة الطوارئ في البلاد ) أحد المداميك الأساسية في المنظومة الأدواتية التي وضعها وفعلها حزب البعث خلال سيرورته منذ ذلك الوقت وإلى الآن نحو بناء مجتمع ونظام شمولي بقوم على قاعدة المادة الثامنة الغريبة في الدستور السوري والتي تنص على أن ” حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة

ومع تحول هذه البلاغات إلى حالة دائمة في الحياة الداخلية السورية , منذ اثنان وأربعون عاماً في الحياة الداخلية السورية تم تفريغ واحتواء مؤسسات المجتمع المدني ( الصحف والنوادي والجمعيات والنقابات ) وحوَلت إلى مؤسسات دعائية يرتبط فكرها وتعبيرها وأداؤها بسياسة الحزب الذي ما يزال حاكماً ومنحكماً بتوجهاتها . لقد قامت السلطة بمنع الهيئات المدنية , ومنها الأحزاب السياسية من إصدار مطبوعاتها , بما في ذلك أحزاب الجبهة التي بقيت تطالب بحرية إصدار صحافتها على امتداد خمسٍ وثلاثين عاماً وعندما أعطيت إذناً بهذا الإصدار كانت السلطة قد اطمأنت تماماً إلى أن التوجه العام لهذه الصحف متطابق تماماً مع ما يريده لها الحزب الحاكم .

وبعد أن أقامت السلطة بنيان صحافتها الموجهة والتابعة , سيَجت ذلك البنيان وحصنته بمجموعة من الإجراءات والقوانين , مثل سياسة الإشراف على الصحف وسياسة اختيار المديرين وغير ذلك , لكن يبقى أهم هذه الإجراءات وأخطرها الرقابة التي مورست, وما تزال تمارس على كافة وسائل الإعلام بدون حدود , ووفقاً لتوجهات السلطة في مختلف الميادين مما أدى إلى غياب الثقة بالمواطنين وانطلاق السلطة في هذه المسألة في بلادنا من رؤية ” الشر ” منبثقاً في رأيها من مصدرين رئيسين : 1- الفكر الحر الذي يدفع الناس لئلاَ يكونوا صاغرين طيعين . 2- الآخر الذي قد يكون جماعة معارضة للسلطة المتفردة بالحكم , وهذا ما يفسر تزايد الرقابة طرداً مع عقدة المؤامرتية التي أصيبت بها السلطة بحيث أصبحت ترى في النقد الموضوعي والهادف ما يهدد وجودها , فتقوم بانتهاك حقوق أصحابه الإنسانية دون حدود أو قيود تردعها .

وهذا أدى أيضاً إلى فسح المجال واسعاً أمام إعلام السلطة لممارسة التضليل الإعلامي , والضغط غير المحدود على الصحافيين لممارسة النفاق الإعلامي , مما جعل وسائل الإعلام لدينا متخلفة تماماً عن معطيات العصر الذي يتميز بثورته في المعلوماتية مما هو معروف في ظل هذه الوضعية التي تشكل مناخاً عاماً لانتهاك حقوق الإنسان , وبعد ثمانٍ وثلاثين عاماً تمَ إصدار المرسوم التشريعي رقم 50 بتاريخ 22 / 9 / 2001 المتضمن تنظيم المطابع والمكتبات ودور النشر وأصول منح الترخيص للدوريات وجرائم المطبوعات وأصول المحاكمات المتعلقة بها .

ومن الملاحظ أنَ هذا المرسوم قد خصص 22 مادة منه للعقوبات مما يشير إلى اهتمام واضعيه بالآلية الزجرية والعقابية, وتجدر الإشارة هنا إلى أبرز الملاحظات التي وضعها المختصون عبر مناقشاتهم لهذا القانون:

    • 1. يعترف هذا المرسوم التشريعي ولول مرة بضرورة إصدار مطبوعات وصحف ومجلات دورية غير خاضعة للسلطة السياسية, ويشكل هذا خطوة إيجابية على طريق الإصلاح الإعلامي.

    • 2. لقد تم تقييد حرية إصدار المطبوعات والمجلات والدوريات المنصوص عنها بالمادة 11 من المرسوم بقيد كبير , عندما منح رئيس مجلس الوزراء سلطة استنسابية مطلقة في مجال منح الرخص لإصدار الصحف , وتم وضع قيود إدارية وقانونية قاسية تؤدي إلى تعطيل إصدارها

    • 3. لقد تم وضع قيود زجرية عقابية قاسية تشكل ضغطاً كبيراً على حرية العمل الصحفي وتقتل روح المبادرة ومقومات الإبداع والشعور بالمسؤولية الفردية لدى الصحفيين

    • 4. السلطة الواسعة للإدارة في الرقابة على المطبوعات الخارجية, ويبدو الأمر هنا مثيراً للسخرية وذلك في انتشار الثورة المعلوماتية التي تجاوزت حدود رقابة الدول الشمولية على الإعلام

    • 5. تفوق العقوبات الواردة في هذا المرسوم في تشددها العقوبات المنصوص عنها في القانون العام للعقوبات

    • 6. لقد جاء هذا المرسوم متخلفاً عن مواكبة العصر إلى الدرجة التي اعتبر فيها أنَ جهاز الكمبيوتر وآلة النسخ وأجهزة طباعة الصور تحتاج إلى ترخيص رغم أنها أصبحت في كل العالم جزءاً من المقتنيات الشخصية وأدوات الاستخدام للأطفال

    7. لقد جرى توسيع نطاق الرقابة لتتعدى حدود المادة المطبوعة وتشمل جميع العاملين في الطباعة والنشر حيث يخضع الجميع لضرورة الموافقة الأمنية على ممارسة أعمالهم

وما تزال كافة الأحزاب السياسية المعارضة والمنظمات وهيئات المجتمع المدني التي لم يتم الترخيص لها من قبل الجهات المختصة ممنوعة من الناحية ” القانونية ” من إصدار أو توزيع مطبوعاتها الخاصة بها .

ثالثاً : المراكز الثقافية والمنتديات : ما تزال المراكز الثقافية في سورية تخضع في معظم نشاطاتها لرقابة صارمة من قبل الأجهزة الأمنية إذ لا يجوز لمديريات الثقافة في المحافظات تقديم أي محاضرة ثقافية , وخاصة تلك التي تتعلق بالقضايا الداخلية الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية ,إلاَ بعد الحصول على الموافقة من الأجهزة الأمنية , وبعد التأكد من أنها لا تتناول بالنقد السياسة الداخلية للنظام , وقد تحول أي رئيس مركز ثقافي في أي مدينة أو منطقة على مستوى القطر إلى ما يشبه ” المراقب ألأمني ” الذي يطلب من المحاضر نسخة من المحاضرة قبل إعلانه الموافقة على تنفيذها , وهذا ما جعل العديد من المراكز الثقافية تبتعد عن قبول المحاضرات التي تتوجه بالنقد الجاد والموضوعي لجوانب السياسة الداخلية , خلاصاً من توجيه اللوم لها من الأجهزة الأمنية . وعلى امتداد العقود الثلاثة السابقة , وإلى هذا العام فإن معظم النشاطات في هذه المراكز لا تفيد كثيراً في التنمية الثقافية لدى المواطن مما أدى إلى ضعف ارتيادها من قبل معظم المواطنين .

ومنذ سبع سنوات , وبعد استلام الرئاسة الجديدة مقاليد الحكم في البلاد , قام عدد كبير من المثقفين السوريين في معظم المحافظات بمحاولة توسيع الحراك الثقافي في الأوساط الاجتماعية والثقافية , وذلك عن طريق إقامة عدداً من المنتديات الثقافية في حمص , ثمَ في دمشق وحلب واللاذقية والسويداء والقامشلي وغيرها من المدن السورية , إلاَ أنَ السلطات السورية بادرت إلى العمل على إغلاق هذه المنتديات وتشديد قبضتها الأمنية على المبادرين لإقامتها , وقد وصل الأمر بهذه السلطة إلى حد اعتقال أربعة عشر مثقفاً في حلب من منتدى الكواكبي وتقديمهم إلى المحاكمة لأنهم كانوا ذاهبين للاستماع إلى أحد المحاضرات في المنتدى المذكور , وتم الحكم عليهم بالسجن , وهذا دليل على مدى امتهان الحق الثقافي للمواطنين في بلادنا .

وما تزال محاولات المثقفين قائمة بالرغم من محاصرة الأجهزة الأمنية لها , وما يزال الحراك الثقافي في بلادنا مطارداً في عصر الثورة المعلوماتية , وقد رفضت السلطات المختصة الترخيص لعدد من المنتديات التي تقدمت بطلب الترخيص للجهات المختصة , ومن أبرزها منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي في دمشق , ومنتدى عبد الرحمن الكواكبي في حلب .

د.عمار قربي : رئيس المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سورية