2/2006

المقدمة
العراق: الصحافيون الرهائن

اتخذت الحرب في العراق منذ بدايتها منحى مأساوياً ودموياً لم يوفّر وسائل الإعلام التي تسعى جاهدةً إلى تغطية الأحداث وإعلام الرأي العام. وقد فرض هذا النزاع نفسه كأكثر النزاعات التي تسببت بخسائر في أرواح الصحافيين منذ حرب فيتنام علماً بأن 79 من بينهم قد لاقوا حتفهم بين 20 آذار/مارس 2003 وكانون الثاني/يناير 2006.

نظراً إلى عدد المختطفين الذي بلغ 38 صحافياً إلى اليوم وعشرات الموقوفين والجرحى، قلّصت وسائل الإعلام الدولية الكبرى عدد الصحافيين الغربيين ميدانياً إلى أقصى الحدود، هؤلاء المحاصرين اليوم في المناطق “المحمية” من العاصمة بغداد. فتتوقف المعلومات على المخاطر التي يرغب الصحافيون ومعاونو وسائل الإعلام العراقيون في التعرّض لها.

يفترض بالصحافيين العراقيين أن يكونوا أقل تعرّضاً للخطر من زملائهم الغربيين نظراً إلى معرفتهم السديدة بالبلاد. إلا أنهم باتوا ضحايا النزاع الأساسيين من بين الصحافيين. فيحمل ثلثا القتلى من الصحافيين منذ العام 2003 الجنسية العراقية وقد تعرّضوا لشتى أنواع الترهيب والتعذيب: فمنهم من اغتيل، ومنهم من اختطف، ومنهم من تعرّض للترهيب من قبل المجموعات المسلّحة المعارضة للوجود الأمريكي والحكومة العراقية الجديدة. إلا أنهم لم يسلموا من رصاصات القوات الأمريكية وقوات الأمن العراقية. فباتت حرية الصحافة اليوم رهينة في هذا البلد بين المقاومة المسلّحة والعنيفة والقوات الأمريكية والعراقية التي غالباً ما تفتح النار دونما أي تمييز وتستجوب الصحافيين دونما أي تبرير.

تعمد القوات الأمريكية إلى توقيف الصحافيين العراقيين بشكل روتيني واعتقالهم لفترات طويلة – للاشتباه بضلوعهم مع المتمرّدين العراقيين – غير أنه ما من سلطة مختصة تجرّمهم أو تصدر الأحكام في حقهم. فلا ينظر في اعتقالهم إلا محكمة خاصة يمكن منازعة إجراءاتها.

تسعى منظمة مراسلون بلا حدود إلى التنديد بهذا الوضع بالتحديد عبر إعداد تحقيق حول الصحافيين الذين تعتقلهم القوات الأمريكية في العراق مع أنها قد أطلقت سراح ثلاثة منهم هم ماجد حميد (رويترز/العربية)، وعلي عمر ابراهيم المشهداني (رويترز)، وسمير محمد نور (رويترز) في 15 و22 كانون الثاني/يناير 2006. ولا يمكن أن يؤدي إطلاق سراحهم بعد أشهر من اعتقالهم من دون رفع أي دعوى بحقهم إلا إلى التشديد على الاستغراب من اعتقال زميلهم عبد الأمير يونس حسين (سي بي أس نيوز CBS News) الذي لا يزال مسجوناً مع أنه يستحيل القبول بسجن ينجم فقط عن ممارسة مهنة شرعية تخدم الصالح العام. كذلك، رغبت منظمة مراسلون بلا حدود في تسليط الضوء على حالة مصوّر قناة الجزيرة سامي الحاج الذي تم توقيفه في العام 2001 ولا يزال محتجزاً في غونتانامو منذ العام 2002.

1- صحافي معتقل في العراق وآخر في غونتانامو
عبد الأمير يونس حسين. سي بي أس نيوز CBS News. معتقل في معسكر بوكا (العراق). رقم السجين: 339 . 172 يبلغ عبد الأمير يونس حسين المولود في الموصل (شمالي العراق) 26 سنة من العمر وكان يعيش أعزباً مع عائلته في ضاحية كردية من المدينة إلى تاريخ توقيفه في 8 نيسان/أبريل 2005 كما كان يعمل منذ ثلاثة أشهر كمصوّر للقناة التلفزيونية الأمريكية سي بي أس نيوز CBS News.

كل من يعرف عبد الأمير يصفه شاباً معتدلاً ودينامياً وملتزماً بالحياة العامة في مدينته. تخرّج من معهد التكنولوجيا في جامعة الموصل ويوفّق ما بين عمله المستقل كمصوّر وعمله في النقابة الوطنية للطلاب والشباب. ويصفه ابن عمه مفوّض الشرطة في الموصل منذ 8 أعوام أحمد رشيد حسين على الشكل التالي: “(…) أعتبر ابن عمي عبد الأمير يونس حسين وهاب البدراني أكثر المقرّبين إليّ. يمكنني أن أصفه كصديق حميم نظراً إلى تقاربنا في السن والعلاقة العائلية المتينة التي تجمعنا. لم يخفِ عليّ أي سر قط أكان ذلك على الصعيد الشخصي أم على الصعيد المهني. (…) أعتبره شاباً نزيهاً ونشيطاً يحب عمله لدرجة أنه قد يبذل المستحيل لينفّذه بأمانة”1.

إصابة، فعلاج، فاعتقال


إنها الساعة الثالثة والنصف من يوم 5 نيسان/أبريل 2005: رن الهاتف في مكتب سي بي أس نيوز CBS News في بغداد. فرفع المخرج الأمريكي بن بليسر Ben Plesser السمّاعة، وعلم من مدير مكتب وكالة الصحافة الفرنسية أن مصوراً يعمل لحساب سي بي أس نيوز CBS News قد أصيب في الموصل.

عمّت الفوضى في البداية لا سيما أن سي بي أس نيوز CBS News تجهل هوية المراسل وطبيعة جروحه. فما كان منها إلا أن اتصلت عدة مرات بقوات التحالف في العراق التي أجابت بعد فترة ببيان صحافي أشارت فيه إلى أن جنوداً من اللواء الأول التابع لفرقة المشاة الخامسة والعشرين تمكّنوا من “إرهابي”. وقد جاء في البيان: “في خلال المواجهة، أصيب رجل بدا وكأنه يحمل سلاحاً ويقف بالقرب من الإرهابي. فتبيّن لاحقاً أن هذا الرجل صحافي يحمل آلة تصوير فيديو”.

علمت محطة سي بي أس نيوز CBS News بأن مصوّرها في مستشفى اليرموق العسكري (الموصل). إلا أنها انتظرت عدة أيام لتدرك أن إصابته في مؤخرته كانت طفيفة.

اتخذت الحادثة منحى مختلفاً تماماً في 8 نيسان/أبريل. وفي بيان ثانٍ، أعلنت قوات التحالف في العراق أنها اعتقلت شاباً أصيب منذ أربعة أيام ويحمل بطاقة صحافية تعود إلى سي بي أس نيوز CBS News. وقد حدد البيان أن قوات التحالف تشتبه بأن يكون هذا الصحافي على علاقة بـ “المتمرّدين العراقيين” فيشكل “تهديداً بالغاً لقوات التحالف”.

في 15 نيسان/أبريل، سافر المخرج العامل في محطة سي بي أس نيوز CBS News راندل جويس Randall Joyce إلى الموصل. وقد سعى على مدى ثلاثة أيام إلى رؤية الصحافي ومشاهدة الشريط المصوّر الذي يظهر فيه ولكنه لم يفلح “لأسباب أمنية”. كذلك، لم يسمح لأسرة عبد الأمير بزيارته بحجة أن هذه الزيارة قد تشكل “سابقة”.

في اليوم التالي، صدر بيان جديد عن قوات التحالف في العراق أشار إلى إيجابية اختبار المتفجّرات الذي أجري على الصحافي واستمرار التحقيق في “التعاون المحتمل بين الصحافي والإرهابيين”.

في 22 حزيران/يونيو، تمكّن المخرج العامل في سي بي أس نيوز CBS News لاري دويل Larry Doyle من مقابلة المصوّر المعتقل في سجن أبو غريب بالقرب من بغداد. فنفى عبد الأمير يونس حسين التهم الموجهة ضده نفياً مطلقاً وروى الوقائع على الشكل التالي:

في 5 نيسان/أبريل، كان في جامعة الموصل عندما وقع الهجوم. وبعد أن سمع دوي انفجار، اتصل بمصوّر زميل له يعمل لحساب وكالة الصحافة الفرنسية. فاتصل به هذا الزميل بعد فترة وأعلمه بموقع الهجوم. ومن ثم، توجه الرجلان إلى موقع الحدث وانفصل أحدهما عن الآخر. كان عبد الأمير يصوّر موقع الإنفجار عندما أصابته إحدى الرصاصات. وأضاف أنه لم يرَ أي متمرّد في المكان وأكّد اعتقاله الأول لحوالى 15 يوماً في الموصل.

في 7 تموز/يوليو، علمت سي بي أس نيوز CBS News بنقل عبد الأمير إلى سجن أمريكي قريب من البصرة معروف بمعسكر بوكا.

في 25 تموز/يوليو، تمكّن مدير مكتب سي بي أس نيوز CBS News في بغداد بن بليسر Ben Plesser والمحامي العراقي طارق حرب من مقابلته. دامت المقابلة حولى نصف ساعة رفض عبد الأمير يونس حسين في خلالها الاتهامات التي توجهها قوات التحالف في العراق إليه مؤكداً عدم استجوابه منذ اعتقاله في الموصل. وقد لاحظ المترجم العراقي الذي يرافق الزوّار أنه فقد بعضاً من وزنه في حين أن عبد الأمير اشتكى من عزله في خيمة في حرارة تقارب الأربعين درجة مئوية وحصوله على المياه عشوائياً. وعندما سأله المحامي عن سبب نمو لحيته لا سيما أنها تمنحه “طابعاً إسلامياً”، شرح له عبد الأمير بأنه ممنوع عن حلقها.

في 25 آب/أغسطس، علمت محطة سي بي أس نيوز CBS News بأن المحكمة الجزائية المركزية في العراق رفضت النظر في ملف عبد الأمير يونس حسين في حين أن قوات التحالف في العراق رأت أنه لن يطلق سراح الصحافي ما لم يبحث المجلس المشترك للمراجعة والإفراج عن المعتقلين (CRRB) في قضيته كونه محكمة سرية مكلّفة بالنظر في مصير الأسرى الذين تحتجزهم قوات التحالف في العراق.

في 20 أيلول/سبتمبر، أعلم المقدَّم غاي روديسيل Guy Rudisill محطة سي بي أس نيوز CBS News بأن المجلس المشترك للمراجعة والإفراج عن المعتقلين (CRRB) “طالب بمتابعة اعتقال السيد حسين لأسباب أمنية إلزامية طبقاً للقرار 1546 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”. وأضاف أنه لن يتم النظر في قضية عبد الأمير قبل 180 يوماً.

محاولة سي بي أس نيوز CBS News “إثبات النفي”


ما إن علمت المحطة الأمريكية بالتهم الموجّهة ضد مصوّرها حتى أخذت تسعى جاهدة لجمع المعلومات الكفيلة بتوضيح القضية مع أن السلطات العسكرية الأمريكية لم تكشف النقاب عن أي دليل من الأدلة التي تدّعي بأنها تملكها ضد عبد الأمير يونس حسين. فلم تتمكن محطة سي بي أس نيوز CBS News من الحصول على الشريط المصوّر الموجود في آلة تصوير الصحافي في 5 نيسان/أبريل علماً بأنه أعلن أن هذا الشريط لا يحتوي إلا على صور تمكن من تصويرها قبل إصابته. كذلك، لم ترفع أي دعوى ضده إلى هذا اليوم. وفقاً لمحطة سي بي أس نيوز CBS News، لم يأخذ الجيش الأمريكي بعين الاعتبار المعلومات الجديدة الناجمة عن تحقيقاته.

استجوبت المحطة ثلاثة شهود مباشرين لحادثة 5 نيسان/أبريل. وقد قدّموا شهادتهم المصوّرة تحت القسم وصدّق عليها المحامي طارق حرب2.

في مكالمة مع منظمة مراسلون بلا حدود في بغداد في 27 أيلول/سبتمبر 2005، شدد بن بليسر Ben Plesser على أن أقوال الشهود الثلاثة تثبت رواية عبد الأمير يونس حسين لدرجة أنهم لم يحظوا بأي فرصة لتنسيق شهاداتهم مع شهادة الصحافي منذ توالي الأحداث.

تؤمن هذه الشهادات عنصراً آخر بالغ الأهمية. فهي تثبت أن عبد الأمير يونس حسين كان في الجامعة عند وقوع الانفجار وتبطل فرضية الجيش الأمريكي التي تقول بمعرفة الصحافي بالانفجار قبل وقوعه.

موقف المحطة


تدين المحطة الأمريكية اعتقال عبد الأمير يونس حسين ولكن الغموض القانوني لا يزال يخيّم على هذه القضية التي تدحضها سي بي أس نيوز CBS News.

بعد تسعة أشهر من الاعتقال، تبيّن أنه لا أساس للاتهامات الموجهة ضد الصحافي غير أقوال قوات التحالف في العراق ويشرح بن بليسر Ben Plesser في هذا الصدد:

“لا تدّعي محطة سي بي أس نيوز CBS News تحديد ما إذا كان عبد الأمير يونس حسين مذنباً أو بريئاً. فنحن لا ندري حتى أي وجوه اتهام تفرض عليه. (…) لا نعتبر أننا نندرج في إطار موضوع التحقيق لأننا نريد معرفة سبب اتهامه لنتمكّن من الدفاع عنه وحسب. فنحن لا نقيم الحجج على القضية نفسها. (…) لم نجد حتماً أي دليل يمكن أن يدينه إلى الآن. إلا أننا لسنا بمكتب تحقيقات. (…) نريده أن يمثل أمام محكمة أكانت عراقية أم أمريكية. (…) نطالب بمزيد من الشفافية”.

ويضيف بن بليسر Ben Plesser أنه نظراً إلى غياب الإجراءات القضائية التي قد تنظّم احتجاز عبد الأمير، يبقى اللجوء إلى محامٍ من دون جدوى لأنه يتعذر عليه التصرّف خارج إطار قانوني محدد بوضوح: “لا نطالب بمعاملته معاملة خاصة لأنه صحافي ولكن بأخذ إجابته “كنت أقوم بعملي” رداً على السؤال الذي يتناول ما كان يفعله عند وقوع الحادث بعين الاعتبار”.

في رسالة ثانية تعود إلى الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2005، توجّه رئيس محطة سي بي أس نيوز CBS News أندرو هيوارد Andrew Heyward إلى السناتور الأمريكي جون مكاين John McCain مشدداً على أن إعلام الجمهور الأمريكي يعتمد على العمل “الدقيق” الذي تقوم فيه محطته ووسائل الإعلام الأخرى المتواجدة في العراق. ويضيف: “إن عمل الصحافيين المحليين أساسي في هذا الإطار. ومن شأن اعتقال عبد الأمير وغيره من الصحافيين العراقيين أن يؤثر سلباً في قدرتنا على استخدام أشخاص كفؤين لإعلام الجمهور. ويبدو الأسلوب المتبع غريباً لإعطاء المثل لبلد تسعى حكومتنا إلى “إرشاده” إلى درب الديمقراطية”.

سامي الحاج. الجزيرة. معتقل في غونتانامو (القاعدة الأمريكية في كوبا) تعتقل الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً مصوّر القناة الفضائية القطرية الجزيرة سامي الحاج منذ 15 كانون الأول/ديسمبر 2001. نقل سامي الحاج من أفغانستان إلى قاعدة غونتانامو الأمريكية (كوبا) حيث لا يزال محتجزاً مع حوالى 600 سجيناً أوقفوا في إطار “الحرب العالمية ضد الإرهاب”. وفي هذا الإطار، قدّم السيد أحمد ابراهيم من قسم التخطيط في قناة الجزيرة تقريراً مفصلاً عن توقيف المصوّر واحتجازه إلى منظمة مراسلون بلا حدود.

يحمل سامي الحاج الجنسية السودانية ويبلغ 36 سنة من العمر ويعمل لحساب قناة الجزيرة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2001. وبعد أن انتهى من دراسته، هاجر إلى الإمارات العربية المتحدة حيث عمل لفترة كموظف في شركة استيراد وتصدير. وتزوّج في العام 1997 من شابة من أذربيجان ورزق بطفل يدعى محمد بات يبلغ خمس سنوات من العمر.

ينتمي إلى فريق عمل الجزيرة الذي أرسل إلى قندهار في أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2001 لتغطية الحملة العسكرية الأمريكية في أفغانستان. إلا أن نظام الطالبان سارع إلى منع القناة عن العمل واستدعاء الصحافيين قبل أن تسقط المدينة بين يدي القوات الأمريكية. وبالعودة إلى باكيستان، توجه سامي الحاج إلى أفغانستان من جديد برفقة فريق من قناة الجزيرة في 15 كانون الأول/ديسمبر 2001. فمدد تأشيرة سفره. ولكن قوات الأمن الباكستانية أوقفته عند الحدود بين البلدين. وفقاً لقناة الجزيرة، تم استجوابه بناء على مذكّرة توقيف باسمه. إلا أن القناة تشير إلى أن رقم جواز السفر المسجّل في هذه المذكرة خاطئ كما أنها تذكر فقدانه جواز سفره في العام 2000 فمن الممكن أن يكون أحدهم قد استخدمه بالاحتيال.

تم احتجازه في شامان (باكستان) مدة 23 يوماً. فتلقى زيارة من ممثل السفارة القطرية الذي لم يتمكّن من الحصول على مزيد من التوضيحات حول اعتقاله. وفي 7 كانون الثاني/يناير 2002، نقل سامي الحاج إلى سجن عسكري يقع في مركز كويتا الحدودي الذي يضم عدداً كبيراً من الأسرى العرب. وفي الليلة نفسها، تم تسليمه إلى القوات الأمريكية التي نقلته جواً إلى القاعدة الجوية باغرام في أفغانستان.

بقي في باغرام من 8 إلى 23 كانون الثاني/يناير وقد اتهم بتسجيل أشرطة فيديو لأوساما بن لادن. إلا أنه ينفي هذه التهم تماماً. وفي مقابلات لاحقة مع محاميه في غونتانامو، يصف ظروف احتجازه في باغرام التي تعرّض فيها للضرب والبرد القارس والحرمان من الطعام والعناية الصحية.

في 23 كانون الثاني/يناير، نقل المصوّر إلى سجن في قندهار حيث احتجز مدة خمسة أشهر واختبر “مستويات لا مثيل لها من المعاملة المهينة تشبه التعذيب الجسدي والنفسي”. وقد سمح للجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة السجن مرة “فتمكّن سامي من الاستحمام للمرة الأولى منذ 100 يوم” وفقاً لمستند أحمد ابراهيم.

في 13 حزيران/يونيو 2002، أرسل سامي الحاج إلى غونتانامو برفقة حوالى أربعين سجيناً وهو محتجز في هذا البلد منذ ثلاث سنوات.

لم تتمكن قناة الجزيرة من الحصول على معلومات عن اعتقال مصوّرها إلا بعد أربعة أشهر. وفي رسالة بعثها إلى زوجته في نيسان/أبريل 2002 بواسطة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أوضح أنه اعتقل في قاعدة غونتانامو الأمريكية على أنه “محارب عدو”.

تولى محامي حقوق الإنسان الشهير بمناهضته الإعدام كلايف ستافورد سميث Clive Stafford-Smith، الدفاع عن عدة معتقلين في غونتانامو ومن بينهم سامي الحاج. وتمكّن من مقابلة موكّله عدة مرات فأشار إلى أن سامي قد خضع للاستجواب أكثر من 130 مرة. وفقاً للمحامي، ذكر سامي الحاج أنه تعرّض للتعذيب والتحرّش الجنسي وقد ظهرت ندبات على وجهه في إحدى مقابلاته. فضلاً عن ذلك، وجّه المستجوبون تهديدات ضد عائلته ولا سيما ابنه. وأعلن الصحافي أنه في الأيام التالية لوصوله إلى غونتانامو، حرم من النوم لأكثر من يومين. أما في ما يتعلق بمحتوى محضر الاستجواب، فيرى “أن معظم الاستجوابات التي خضع لها منذ أكثر من ثلاثة أعوام ترمي إلى إجباره على القول إن صلة تربط بين قناة الجزيرة والقاعدة”3.

وفي اتصال أجرته منظمة مراسلون بلا حدود مع كلايف ستافورد سميث Clive Stafford-Smith، أعلن بأن موكّله مجهد نفسياً ولكنه مسرور بأن أسرته التي تولت قناة الجزيرة أمرها في مأمن في الدوحة. وتمكّن المحامي من رؤية المصوّر في أوائل شهر كانون الثاني/يناير. فبدا له محبطاً نظراً إلى “احتفاله” بالعام الرابع من اعتقاله ولكنه يظهر قوة ملحوظة في الشخصية. ويضيف: “سامي مذهل فهو مراسلي في غونتانامو يكتب الكثير ليعلمني بما يحدث”.

كذلك، يعاني سامي الحاج الحرمان من العناية الطبية التي يحتاج إليها لضرورة خضوعه للعلاج الدائم بسبب إصابته بسرطان الحلق في العام 1998 علماً بأنه شارك في عدة إضرابات عن الطعام للاحتجاج على العنف الممارس ضده وطلب العناية الطبية. وفي رسالة وجهها إلى محاميه في 9 آب/أغسطس 2005، كتب: “لا بدّ من معاودة الإضراب عن الطعام. (…) علينا الاتحاد ولا سيما من أجل الأسرى الخاضعين للمعاملة السيئة في المخيّم 5. آمل البقاء على قيد الحياة. أرجوك أن تعلم زوجتي وابني بأنني أحبهما”.

بحثت محكمة تختص بالنظر في أوضاع المحاربين (CSRT) في حالة الصحافي الذي رفض، بناء على نصائح محاميه، المشاركة في الجلسة. وفي آذار/مارس 2005، أشارت السلطات الأمريكية إلى أنها اعتبرت سامي الحاج “محارباً عدواً”4 واتهمته بالسفر لأسباب غير شرعية، وامتلاك موقع على الإنترنت يدعم الإرهاب، والمتاجرة بالأسلحة، ودخوله أفغانستان بطريقة غير شرعية، وإجرائه مقابلة مع أوساما بن لادن. ولكن الصحافي والقناة التي يعمل لحسابها رفضا هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً.

في 26 تشرين الأول/أكتوبر، أجرت قناة الجزيرة مقابلة مع المحامي5 الذي ذكّر بأن سامي الحاج لا يخضع لأي ملاحقة قضائية وأن محكمة الاستئناف في واشنطن أعادت بحث قضيته فضلاً عن قضية معتقلين آخرين. وفي حزيران/يونيو 2004، سمحت المحكمة العليا في الولايات المتحدة لأسرى غونتانامو بالتقدّم بطلب لتبيان سبب إلقاء القبض على المعتقلين لمنازعة شرعية اعتقالهم أمام المحاكم الفدرالية الأمريكية. إلا أن هذه الإجراءات القانونية طويلة الأمد. ويضيف المحامي: “أرغب في أن تجرى محاكمة لأننا سنحظى على الأقل بفرصة الاعتراض على التهم الفعلية “.

الجزيرة: وسيلة إعلامية في مدى نظر الإدارة الأمريكية


ترى صحيفة غوارديان Guardian البريطانية أن الجزيرة مستهدفة أيضاً عبر سامي الحاج. وفي مقال صدر في 26 أيلول/سبتمبر 20056، أعلنت الصحيفة أن جنوداً أمريكيين مكلّفين استجواب المصوّر وعدوه بإطلاق سراحه ومنحه جواز سفر أمريكياً إذا ما قبل بالتجسس على الجزيرة، وأن بعضاً من الاستجوابات قد جرت بوجود جنود بريطانيين. وترتكز الصحيفة على محاضر زيارات سامي الحاج مع محاميه في حزيران/يونيو 2005 التي أهملها الجيش الأمريكي. ويندرج اعتقال سامي الحاج في إطار عداوة السلطات الأمريكية المعلنة لقناة الجزيرة.

في أفغانستان كما في العراق، تلقّت قناة الجزيرة ضربة قاسية فتعرّضت مكاتبها في كابول لقصف الطائرات الأمريكية في العام 2001 بعد مرور شهر على دعوة وزير الخارجية كولن باول Colin Powell أمير قطر للضغط عليها لتعدّل تغطيتها للنزاع. كذلك، تعرّضت مكاتبها في بغداد للقصف في نيسان/أبريل 2003 فلاقى المصوّر الأردني الفلسطيني الأصل طارق أيوب حتفه. وفي الحالتين، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية أنها ارتكبت خطأين لم تستهدف في خلالهما أهدافاً عسكرية شرعية. أما القناة القطرية فأشارت إلى أنها أعطت الجيش الأمريكي أولاً إحداثيات مكاتبها الصحيحة في كابول وبغداد.

منذ آب/أغسطس 2004، يتعذر على الجزيرة العمل في العراق إثر قرار اتخذته الحكومة المؤقتة العراقية.
في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر 2005، أعلنت الصحيفة البريطانية دايلي ميرور Daily mirror أن الرئيس الأمريكي جورج بوش George W. Bush نوى في نيسان/ أبريل 2004 شن هجوم على مقر القناة القطرية في الدوحة7. إلا أن رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير Tony Blair ردعه عن ذلك بحجة أن قطر حليفة مهمة في المنطقة. وفي هذا الصدد، أعلن الناطق باسم البيت الأبيض سكوت مكليلان Scott McClellan لوكالة أسوشييتد برس: “نحن لا نرغب في إضفاء صفة الجدارة على حدث غريب في غير موضعه”.

ثلاثة صحافيين عراقيين آخرين معتقلين لأشهر في العراق
ماجد حميد. العربية/رويترز. الرقم 179 . 179

كان ماجد حميد الذي يبلغ 21 سنة من العمر الصحافي المعتقل الأصغر سناً في العراق حتى إطلاق سراحه في 15 كانون الثاني/يناير. وقد أوقفه الجنود الأمريكيون في 15 أيلول/سبتمبر 2005 فيما كان يعمل كمراسل مستقل لحساب وكالة رويترز علماً بأنه أحد أبرز المراسلين العراقيين للمحطة الفضائية العربية التي يصفه المسؤولون فيها على أنه “أحد المراسلين الأكثر حيوية ولباقة حالياً في موقع الحدث. وقد ارتبط اسمه بعدة سبقات صحافية في عدة مناطق تجري فيها معارك بين القوات الأمريكية والمجموعات المسلّحة (…). ومؤخراً، كان ماجد الصحافي الوحيد المتواجد على أرض الحدث”. وتضيف المحطة أن تقاريره قد جالت دول العالم كافة لتبادل وسائل الإعلام الدولية لها8.

يعتبر مدير عام العربية المواطن العراقي ماجد حميد “محترفاً” في مجال الصحافة. وفي اتصال مع منظمة مراسلون بلا حدود في 28 كانون الأول/ديسمبر 2005، ذكّر مدير الاتصالات والعلاقات الإعلامية في هذه المحطة جهاد بلوط بأن “السلطات المختلفة تثق به ولا شك في أن هذه الثقة مطلوبة للعمل في العراق ولا سيما من قبل السلطات الأمريكية”. كذلك، عمل ماجد حميد لحساب قناة أبو ظبي. وقبل الحرب، كان يدرس في جامعة الأنبار حيث يمارس مهنة الصحافة لوقت جزئي. وهو أعزب يعيش مع عائلته. اعتقل أثناء حضوره جنازة

في 15 أيلول/سبتمبر 2005، حضر ماجد حميد جنازة أحد أقربائه في الرمادي (غربي بغداد). وفيما تحتشد الجموع، وصل جنود من الجيش الأمريكي واعتقلوا معظم الرجال الحاضرين. وفي هذا الإطار، يرى جهاد بلوط أن القوات الأمريكية كانت تعتبر الفقيد عضواً ناشطاً في العصيان المسلّح. وتبعاً لمعلومات تلقتها المحطة، اعتقلت الفرقة الثامنة المتمركزة في العراق مراسلها واحتجزته في موقع أمريكي في منطقة الرمادي. يضيف الناطق باسم محطة العربية أن القناة لم تتلقَ التأكيد على الاعتقال من السلطات الأمريكية إلا في 21 أيلول/سبتمبر. ففي هذا التاريخ، أشار ناطق باسم القيادة العسكرية المركزية الأمريكية النقيب إريك كلارك Eric Clark على هواء القناة في دبي إلى أن “قوات التحالف تعتقل ماجد حميد لأنها تشتبه بضلوعه في عمليات تمرّد” في العراق. ويضيف: “نملك دليلاً واضحاً أدى بنا إلى اعتقال مراسل العربية”.

اعتقل “سراً”


اعتقلت القوات الأمريكية ماجد حميد مدة أربعة أشهر من دون أن توجه إليه أي اتهام أو أن تبرز أي دليل ضده. وقد أعلنت وكالة رويترز التي يعمل لحسابها أنه “من الضروري ألا يخضع الصحافيون للاعتقال في العراق ما لم يبرره اتهام رسمي”.

في اتصال مع منظمة مراسلون بلا حدود، عبّر مدير مكتب رويترز في بغداد ألاستير ماكدونالد Alastair Macdonald عن علاقاته الطيّبة مع ماجد حميد الذي كان يتوجه مرة في الشهر على الأقل إلى بغداد كما ذكّر بأن متمرّدين في الرمادي اختطفوا الصحافي وعذّبوه مدة يومين.

في 4 تشرين الأول/أكتوبر، نشرت العربية بياناً جديداً عبّرت فيه عن “قلقها الشديد حيال متابعة أسر” مراسلها. وأشارت المحطة إلى أن هذا الاعتقال يشكل عائقاً يحول دون تغطية الأحداث “التاريخية” التي تنتظر العراق في الأسابيع المقبلة تغطية جيدة ولا سيما في ما يتعلق بالاستفتاء على الدستور والانتخابات العامة. وفقاً لمحطة عربية، نقلت القوات الأمريكية ماجد حميد في 2 تشرين الثاني/نوفمبر إلى سجن أبو غريب ومن ثم إلى مركز الاعتقال في معسكر بوكا. وفي خلال احتجازه، لم يتمكن من مقابلة رب عمله أو المحامي الموكَّل لتمثيله أو أي فرد من أفراد عائلته. وقال جهاد بلوط إن “عائلته وبالتحديد شقيقته تتصل بنا باستمرار لتشتكي من رفض طلبات الزيارة”. فالأخبار الوحيدة التي تبلغ المحطة عن ماجد حميد تصدر عن أحد المعتقلين القدامى المحرر مؤخراً. وقد أعلن هذا المعتقل أن الصحافي كان يخضع لجلسات استجواب تدور حول بلوغه، كصحافي، مصادر “لا ترغب فيها” الولايات المتحدة.

موقف العربية
أما في ما يتعلق بمناسبة الاتهامات الموجهة ضد مراسلها فأعرب الناطق باسم محطة العربية عما يلي لمنظمة مراسلون بلا حدود:

“في غياب أي دليل، إنني مضطر للتفكير في أنه لا أساس من الصحة لهذه الاتهامات لا سيما أنه لم يتعرّض يوماً لأي ملاحقة قضائية. وقد أفرج الجيش الأمريكي عن عدد كبير من الصحافيين الذين بدأ باعتقالهم – لأشهر بالنسبة إلى البعض – منذ العام 2003 مشتبهاً بأنهم “إرهابيون” من دون أن يجرّموا. ويبدو لي أنه يفترض بقرينة البراءة أن تظل قائمة إلى أن تثبت الإدانة. (…) وإن تقدّمت السلطات الأمريكية بمعلومات تفيد بتورّط ماجد في نشاطات مؤذية، لا بدّ من أن نتخذ التدابير المناسبة.

يواجه الصحافيون، ولا سيما العراقيون منهم، صعوبات في ممارسة مهنتهم. فهم مضطرون، شرعياً، للتواصل مع أفراد غير مرغوب فيهم، خطأ أو صواباً، في الوضع الراهن. ومن شأن هذا الوضع أن يعيق نشاطهم ويخالف المبدأ العالمي المعروف بحرية الصحافة”.

وفي ما يتعلق باحتمال لجوء القوات الأمريكية إلى سياسة متعمّدة ضد الصحافيين العاملين في العراق، يرى جهاد بلوط:

“لا يحق لي بالحكم في هذا الموضوع حتى لو أظهرت بعض المعلومات منذ بداية الحرب الأمريكية في العراق بعض اللامبالاة بمبادئ حرية الصحافة لاعتبارات سياسية فورية”.

كذلك، أكد أن العربية التمست عون ممثلي وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) المتمركزين في دبي والقيادة المركزية الأمريكية في الدوحة (قطر) ولكنها لم تفلح لا سيما أنها ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها الجيش الأمريكي محطة العربية. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2004، اعتقل مراسلها في الفلوجة عبد القادر السعدي مدة 11 يوماً.

أطلق سراحه بعد أربعة أشهر من الاعتقال


أطلقت قوات التحالف في العراق سراح ماجد حميد في 15 كانون الثاني/يناير 2006 من سجن أبو غريب برفقة حوالى 500 معتقل عراقي آخر. وقد أراح تحريره الجميع بدءاً بعائلته ووصولاً إلى زملائه وأرباب عمله. إلا أن نهاية اعتقاله سلطت الضوء على الظلم الذي وقع ضحيته في خلال أربعة أشهر. وتماماً كما قال جهاد بلوط، لا أساس لصحة اتهامات قوات التحالف التي كان يفترض بها تبرير اعتقاله في غياب الدلائل ضده.

سامر محمد نور. رقم 588 . 155
علي عمر ابراهيم المشهداني. رقم 305 . 077
رويترز
اعتقلت قوات التحالف المصورين العاملين لحساب وكالة الصحافة البريطانية رويترز سامر محمد نور وعلي عمر ابراهيم المشهداني في ظروف مماثلة ولكن بفارق شهرين. فضلاً عن بيانات الجيش الأمريكي النادرة بشأنهما، تعود المعلومات الوحيدة المتوفرة لاعتقالهما إلى شقيقين من أشقائهما اللذين أوقفا في الوقت نفسه. وقد أطلقت قوات التحالف سراح علي عمر ابراهيم المشهداني في 15 كانون الثاني/ينابر 2006 مع ماجد حميد في حين أنها أفرجت عن سامر محمد نور في 22 كانون الثاني/يناير.

اعتقلا في منزليهما
إن سامر محمد نور الذي يبلغ حوالى ثلاثين سنة من العمر متزوج ويعيش مع زوجته وأولاده في تل عفر (شمالي بغداد) حيث كان يملك فيها متجر تصوير قبل اعتقاله ويعمل كمصوّر مستقل لحساب وكالة رويترز. تم اعتقاله في منزله في 5 حزيران/يونيو 2005 في خلال “تفتيش روتيني” في حيه يجريه الجيش العراقي. وقد أطلق سراح أخيه الذي اعتقل في الوقت نفسه بعد ذلك بقليل فأعلن أن الجنود العراقيين قد أوسعوا سامر محمد نور ضرباً حتى فقد وعيه. ومن ثم، سلّموه إلى القوات الأمريكية في الموصل التي حوّلته إلى سجن أبو غريب قبل أن تنقله إلى معسكر بوكا.

أما علي عمر ابراهيم المشهداني فيبلغ 36 سنة من العمر وهو متزوج ولكن لا أولاد لديه ويعيش في مدينة الرمادي مع زوجته وأمه. كان يمارس مهنتي مصوّر وكهربائي قبل أن تستخدمه وكالة رويترز التي عمل لديها مدة سنة مكان المصوّر ضيا نجم المتوفي إثر رصاصة منعزلة أطلقها الجيش الأمريكي في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2004. واعتبر ألاستير ماكدونالد Alastair Macdonald أن علي عمر “أنشأ علاقة ثقة” مع أرباب عمله الذين كانوا على اتصال هاتفي يومي معه. وكان يتوجه مرتين شهرياً إلى مكتب الوكالة في بغداد ليتلقى راتبه.

ألقى الجيش الأمريكي القبض عليه في 8 آب/أغسطس 2005 في خلال “تفتيش روتيني” في حيّه في الرمادي. وقد اعتقل شقيقه في الوقت نفسه ولكنه أفرج عنه بعد أسبوع. فروى توالي الأحداث: كانا في عملية في أحد أحياء المدينة الذي أنطلقت منه نيران متمرّدين عراقيين عندما اقتحم جنود من البحرية الأمريكية المنزل العائلي واكتشفوا معدّات الصحافي وآلة تصوير فيديو وكمبيوتر نقّال. فاحتجزوا معدّات العمل وألحقوا الضرر بآلة التصوير. وقد أعلنت عائلته أن الجنود قد هددوها بعد رؤيتهم الصور على الشريط الموجود داخل آلة التصوير.

اعتقلا سراً
في 24 آب/أغسطس، دعت وكالة رويترز إلى إطلاق سراح علي عمر ابراهيم المشهداني بعد مرور أسبوعين على اعتقاله من دون تسريب أي معلومة شافية عنه. وأعلن المقدّم غاي روديسيل Guy Rudisill المسؤول عن الاعتقالات في قوات التحالف في العراق عن وجود الصحافي في سجن أبو غريب ولكنه “لن يستطيع استقبال الزوّار في خلال الأيام الستين المقبلة”. وتعتبره السلطات العسكرية الأمريكية “معتقلاً لأسباب أمنية” فيما تشتبه بعلاقاته بالمتمرّدين العراقيين.

في 31 آب/أغسطس، نشرت قوات التحالف في العراق بياناً صحافياً أشارت فيه إلى أن المجلس المشترك للمراجعة والإفراج عن المعتقلين نظر في قضية علي عمر ابراهيم المشهداني والأدلة التي تجرّمه فطالب “بالاستمرار في اعتقاله”. ويحدد النص أنه “تم اعتقال الصحافي لأنه يمثل تهديداً لأمن الشعب العراقي وقوات التحالف على أساس معلومات تفيد بأنه على صلة بقوات معارضة للعراق”. وأضافت قوات التحالف في العراق أنها لن تنظر في قضيته قبل 180 يوماً. فنقلت الصحافي إلى مركز الاعتقال في معسكر بوكا. ووفقاً للمعلومات التي نقلتها رويترز إلى منظمة مراسلون بلا حدود، لم يتلقَ إلا زيارة واحدة من شقيقيه في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

وقد رأى سامر محمد نور ملفه الذي يبحث المجلس المشترك للمراجعة والإفراج عن المعتقلين فيه في أواخر شهر أيلول/سبتمبر في حين أن المقدّم غاي روديسيل Guy Rudisill لم يتوانَ عن تكرار أن الصحافي يمثل “تهديداً لأمن الشعب العراقي وقوات التحالف”. فطالب المجلس بالاستمرار في اعتقاله على ألا ينظر في ملفه قبل 180 يوماً.

بقيت الطلبات التي تقدّمت بها وكالة رويترز لاستيضاح دوافع اعتقال الرجلين من دون جواب كما لم يخضعا لأي ملاحقة ولم يوجَّه إليهما أي اتهام. وقد منيت الوكالة برفض طلباتها بزيارتهما.

موقف رويترز
إثر إطلاق سراح صحافيي الوكالة الثلاثة، أعلن رئيس التحرير الدولي في الوكالة دايفد شلسينغر David Schlesinger: “نحن مسرورون بإطلاق سراح كل الصحافيين العاملين لحساب وكالة رويترز في العراق. ولكننا قلقون بشأن الوقت الذي استغرقته هذه العملية لتتم – حوالى ثمانية أشهر في حالة سامر – على رغم غياب الأدلة الجديرة بالتصديق ضدهم”.

في بيان صدر في 15 كانون الثاني/يناير، أشارت قوات التحالف في العراق إلى أن إطلاق سراح حوالى 500 معتقل من بينهم الصحافيين العاملين لحساب وكالة رويترز “يسلط الضوء على التقدّم نحو الإدارة الديمقراطية وسيادة القانون ويبرهن التزام الحكومة العراقية فرض الأمن وتأمين العدالة للعراقيين كافة. فالذين تم اختيارهم لإطلاق سراحهم ليسوا متهمين بجرائم خطيرة – كالتفجيرات أو عمليات الاختطاف أو القتل أو التعذيب – فقد اعترفوا جميعهم بالجرائم التي ارتكبوها وعدلوا عن العنف والتزموا التصرّف كمواطنين صالحين في عراق تحمل لواء الديمقراطية”.

2- اعتقالات تعسّفية؟
المجلس المشترك للمراجعة والإفراج عن المعتقلين

في حديث لمنظمة مراسلون بلا حدود في 6 كانون الثاني/يناير 2006، شرح المقدَّم غاي روديسيل Guy Rudisill أن قضية المعتقل تخضع لدراسة “خلية قانونية” في مركز الاعتقال التابع للفرقة التي اقتيد إليها في الساعات الـ 72 الأولى من اعتقاله. فيحكم قائد الوحدة العسكرية بإطلاق سراحه أو نقله إلى “مركز اعتقال تنفيذي” مثل معسكر بوكا وغالباً ما تطلق القوات الأمريكية سراح 50 بالمئة من المعتقلين بين هاتين المرحلتين.

تتخذ قوات التحالف قرار متابعة اعتقال الصحافيين إثر بحث ملفهم وفقاً لإجراءات المجلس المشترك للمراجعة والإفراج عن المعتقلين9 الذي يشكل سلطة مستحدثة بالتعاون والتنسيق مع الحكومة العراقية وتضم ستة ممثلين عنها (ممثلين عن كل من الوزارات التالية: العدل، والداخلية، وحقوق الإنسان) فضلاً عن ثلاثة ضباط من قوات التحالف في العراق. وقد أنشئت هذه المحكمة في آب/أغسطس 2004، وينبغي أن تتم إجراءات البحث في خلال الأيام التسعين التالية للاعتقال وأن تتواصل على قاعدة إعادة البحث كل 180 يوماً. فهي إجراءات إدارية لا يمثل المعتقلون في خلالها فردياً.

يأمر المجلس المشترك للمراجعة والإفراج عن المعتقلين إما بإطلاق سراح المعتقل – غير المشروط أو المشروط بكفيل – وإما بالاستمرار في الاعتقال إذا ما اعتبر أنه يشكل “تهديداً لقوات التحالف والأمن في العراق”. ويمكن نقل ملف المعتقل إلى المحكمة الجزائية المركزية في العراق10 إذا ما كان الملف ينطوي على عدد كافٍ من “أعباء الإثبات”. ويضيف المقدَّم غاي روديسيل Guy Rudisill أن ملفات بعض الأفراد الخطرين لا تنقل إلى المحكمة. إلا أن المجلس المشترك للمراجعة والإفراج عن المعتقلين لا يملك إلا قيمة استشارية لأن الكلمة الأخيرة تعود إلى القيادة العليا في قوات التحالف في العراق. وفي حال إطلاق السراح المشروط بكفيل، على المعتقل أن يوقّع مستنداً يشير إلى أنه يندد بالعنف ويخضع لقوانين العراق. وبين التأسيس ونهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2005، بحث المجلس المشترك للمراجعة والإفراج عن المعتقلين في حوالى 22000 قضية وطالب بحوالى 12000 إخلاء سبيل وفقاً لأرقام قوات التحالف في العراق.

أي إطار شرعي للمجلس المشترك للمراجعة والإفراج عن المعتقلين
وفقاً لقوات التحالف في العراق، أنشئ المجلس المشترك للمراجعة والإفراج عن المعتقلين طبقاً للمادة 78 من اتفاقية جنيف الرابعة والقرارين 1546 و1637 اللذين أصدرهما مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة علماً بأن هذين القرارين يسمحان لقوات التحالف في العراق بالتعاون مع حكومة العراق السيّدة “لاتخاذ كل التدابير الضرورية بغية المساهمة في الحفاظ على الأمن والاستقرار في العراق” لا سيما في ما يتعلق باعتقالات الأفراد “لأسباب أمنية ملزمة”. وتلحظ اتفاقية جنيف الرابعة (المادة 43 البند الأول) مبدأ مراجعة وضع المعتقلين كل ستة أشهر.

وعلى رغم إعلان قوات التحالف في العراق العمل في إطار القانون الدولي، غير أنه يبدو أنها لا تطبقه إلا بأسلوب انتقائي: فتلجأ إليه لتبرر تأسيس المجلس المشترك للمراجعة والإفراج عن المعتقلين فيما تتغاضى عن الضمانات القانونية التي يمنحها إلى المعتقل.

أما المادة 3 المشتركة في اتفاقيات جنيف كافة فتطبَّق في العراق مانعةً “إصدار الأحكام وتنفيذها من دون أي حكم مسبق تتقدّم به محكمة شرعية وترفقه بضمانات قضائية ضرورية للشعوب المتحضرة”.

فضلاً عن ذلك، تطبق الصكوك الدولية المتعلقة بحماية حقوق الإنسان والمعايير الاعتيادية المناسبة في أي وقت وفي أي ظروف11. وفي حال النزاع المسلّح غير الدولي، يحق للدول بالإخلال بمعظم الحقوق التي تضمنها الصكوك المذكورة آنفاً باستثناء “نواة صلبة” من حقوق الإنسان12.

في هذا الإطار، أوضحت لجنة حقوق الإنسان التي تضمن احترام الدول للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر في العام 1966، في استعراض للعام 2001، شروط الإخلال ووسّعت محتوى “النواة الصلبة”13. وفي إعلان صدر في العام 1987، أشارت المحكمة المشتركة بين الولايات الأمريكية لحقوق الإنسان التي تعتبر الهيئة القضائية المكلّفة رعاية الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان (عهد سان خوسيه، 1969)، إلى أنه يستحيل تعليق بعض الضمانات ولا سيما تلك الواردة في المادة 8 من الاتفاقية14. ويضمن هذا النص “حكماً عادلاً” لكل فرد أمام “محكمة مختصة ومستقلة ونزيهة”. وتوضّح هذه المادة أنه على المتهم أن يدرك التهم الموجهة ضده كما أنها تذكر إمكانية لجوئه إلى الاستشارة القانونية. فيملك الدفاع حقاً بطلب مثول أي فرد شاهداً كان أو خبيراً من شأنه أن يوضّح الوقائع.

محكمة سرية تنتهك الحق الدولي الإنساني وحقوق الإنسان
يسجّل المجلس المشترك للمراجعة والإفراج عن المعتقلين انتهاكات لبعض المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان: فلا يستفيد المعتقلون من أي مساعدة قانونية كما لا يوجَّه إليهم أي اتهام أو أي دعوى. فالجلسات سرية في حين أن وجود ضباط من قوات التحالف في العراق في المجلس المشترك للمراجعة والإفراج عن المعتقلين لا يضمن “الاستقلالية والنزاهة” الملحوظتين في اتفاقية جنيف الرابعة (المادة 43 البند الأول).
في هذا الإطار، يرى كارستن يورغنسن Carsten Jurgensen من مكتب الشرق الأوسط لمنظمة العفو الدولية:
“تنتهك قوات التحالف في العراق الحقوق الإنسانية الأساسية لعشرات الآلاف من المعتقلين. فكثيرون هم المعتقلون منذ أشهر أو سنوات الذين لم يجرَّموا بعد. وقد وضعت قوات التحالف في العراق إجراءات تجرّد المعتقلين من حقوق الإنسان التي تضمنها المعاهدات الدولية ولا سيما حق المثول أمام قاضٍ وحق منازعة شرعية اعتقالهم أمام محكمة عدل”.

وفي حديث أجري في 6 كانون الثاني/يناير، أضاف المستشار القانوني لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان جايمس روس James Ross: “تؤكد الولايات المتحدة اعتقال أفراد في العراق استناداً إلى المعايير الدولية في حين أنها تعتقل أفراداً من دون أن تطبق مبادئ اتفاقيات جنيف أو حقوق الإنسان”.

3- خلاصات منظمة مراسلون بلا حدود وتوصياتها
الاعتراف الضروري بعمل الصحافيين

يشكل اعتقال صحافي في العراق وآخر في غونتانامو مشكلة أساسية في العلاقة بين القوات الأمريكية ووسائل الإعلام. فلطالما رفض البنتاغون الاعتراف بوضع الصحافيين الخاص الذي يفرض عليهم التواجد على ساحة العمليات. ومن شأن هذا النقص في الدقة أن يشوّش أفكار الجنود المتواجدين على هذه الساحة فيرتكبون انحرافات أحياناً ما تكون مميتة. فيشجع الجيش الأمريكي الصحافيين على “التورّط” إلى جانبها فيما لا يؤمن أي ضمانة أمنية للذين لا يقومون بذلك على رغم ضرورتهم لتغطية النزاع تغطية شاملة.

ينم هذا الموقف عن إهمال قوات التحالف ويدل على جهلها المهن المندرجة في المجال الإعلامي. وفي أسوأ الحالات، تخشى عدة وسائل إعلام أن تنجم عمليات الاعتقال عن إرادة متعمّدة وإجرامية لإعاقة تغطية النزاع. ألم تعلن السلطات الأمريكية أنه يمكن الفوز في النزاع في المجال الإعلامي أيضاً؟

تذكّر منظمة مراسلون بلا حدود بأن الصحافيين مدنيون غير محاربين تبعاً لاتفاقيات جنيف. إلا أنه لا بدّ من ملاحظة أن عشرات عمليات الاعتقال والاغتيال الناتجة من رصاصات أمريكية (11 حالة على الأقل منذ 2003) تطرح أسئلة بالغة الأهمية في هذا الصدد.

تتساءل منظمة مراسلون بلا حدود حول عدم إجراء تحقيق جدي في هذه القضايا. فلم تعرض السلطات الأمريكية أي نتيجة قط كما لم تعيّن أي مسؤول في هذا الصدد ولم تحدد أي مسلك قد تعتمده بوضوح تجاه الصحافيين. ولا بدّ من التذكير بأن منظمة مراسلون بلا حدود كانت قد نددت في أيلول/سبتمبر 2003 بـ”التحقيق الخيالي” الذي أجراه البنتاغون بعد موت الصحافي الفلسطيني العامل لحساب وكالة رويترز مازن دنا. فيبدو بعد أكثر من سنتين أن التوصيات التي تقدّم بها الجيش الأمريكي في ذلك الوقت لم تتبع قط.

فقد آن الأوان لتصدر القيادة العسكرية الأمريكية التعليمات لجنودها على ميدانياً وتوضّح لهم أن امتلاك آلة تصوير فيديو وشريط فيديو وآلة تصوير فوتوغرافية لا يدل على أي نشاط غير شرعي. كذلك، آن الأوان ليدرك الجيش الأمريكي أن آلة التصوير لا تشبه السلاح ويراجع قواعد إطلاق النار.

الحياد وحماية الصحافيين
لا ينبغي استهداف الصحافيين في إطار أي نزاع مسلّح. فمن الضروري أن يخضعوا لحماية خاصة يوفرها إليهم المتحاربون. ولا بدّ من أن يضع الجيش الأمريكي قواعد خطية تخضع للمراقبة ميدانياً قيد التنفيذ.

تتهم السلطات العسكرية الأمريكية الصحافيين الذين تعتقلهم بالتعاون مع المقاومة وفي بعض الحالات بالإطلاع المسبق على العمليات التي تنفذها هذه المقاومة ضدها مع أنه لا أساس لهذا النوع من التهم طالما أن قوات التحالف في العراق لم تكشف النقاب عن أي دليل يسمح بتجريم أي صحافي معتقل. وبدلاً من إصدار الأحكام والإدانة، تؤدي الاتهامات الغامضة غير المستندة إلى أي أساس قانوني إلى سيادة الشبهة المعممة ضد المهنة فتتسم العلاقة بين الجنود الأمريكيين والصحافيين بالخطورة على حياة هؤلاء. إلا أنه لا ينبغي أن يكون الوضع على هذا النحو كما لا يفترض بأن تُقلق رؤية دورية أمريكية صحافياً يحمل بطاقة صحافية ومعالم مميزة أخرى تحميه في فترة النزاع.

مثال سيء للعراق وخطر على حرية الصحافة
في بلد مثل العراق تزعم فيه الولايات المتحدة تشجيع نشوء نظام ديمقراطي بأفعالها، يشكل اعتقال الصحافيين سابقة خطرة ومؤذية للمستقبل. أما السلطات العراقية فلما تبرهن التزامها احترام حرية الصحافة. ومن شأن الممارسات الموروثة من النظام القديم أن تبرر جزئياً بعض السلوكيات (الاعتقالات التعسّفية والرقابة…) علماً بأن موقف الولايات المتحدة في العراق لا يوهن عزم هذه الممارسات.

إلا أن مشروع الدستور العراقي الذي صادق الاستفتاء عليه واضح جداً في هذا الصدد: فهو يمنع الاعتقالات التعسّفية ويضمن استقلالية القضاء وحق المتهمين بالدفاع عن أنفسهم وحرية التعبير وحرية الصحافة (المادة 36). وفي هذا الإطار، تندد منظمة مراسلون بلا حدود بموقف الجيش الأمريكي من وسائل الإعلام وتشدد على أنها لا تحث السلطات العراقية على احترام الدستور المعتمد جديداً.

في هذا السياق، يشكل الحكم على كمال سيد قادر بثلاثين عاماً من السجن مثلاً حديثاً عن أنواع الانحرافات التي لا تحول القوات الأمريكية دونها في العراق. فهو مواطن نمساوي كردي الأصل حكم عليه بهذه العقوبة في 19 كانون الأول/ديسمبر 2005 لافترائه على رئيس منطقة كردستان العراقية المستقلة مسعود البرزاني في مقالات نشرت عبر الإنترنت.

يضاف هذا المثل إلى تصريحات لوس أنجلوس تايمز Los Angeles Times الحديثة والمقلقة. فقد أشارت الصحيفة الأمريكية في مقال صدر في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2005 إلى أن الجيش الأمريكي كان يدفع سراً للصحف العراقية لتنشر مقالات مستقلة تحسّن صورته في إطار الهجوم على المعلومات15. وقد افتتح تحقيق في تأسيس الجيش الأمريكي نادي الصحافة في بغداد وتمويله. وتعترف السلطات العسكرية بأنها تدفع “التعويضات” إلى الصحافيين الأعضاء ولكنها لا تطلب أي تغطية مناسبة في المقابل16.

في حديث لوكالة رويترز في أيلول/سبتمبر 2005، أعلن وزير العدل في الحكومة العراقية المؤقتة عبد الحسين شندل أنه يعارض اعتقال القوات الأمريكية للصحافيين مشيراً إلى ضرورة تمتّع المراسلين بحماية خاصة ليتمكنوا من العمل مع أقطاب النزاع كافة. وقد اعترف الوزير بأنه لا يملك أي سلطة ليحول دون الاعتقالات بوجه قوات التحالف في العراق والمجلس المشترك للمراجعة والإفراج عن المعتقلين قائلاً: “لا ينبغي اعتقال أي مواطن من دون قرار قضائي”17.

إلا أن تصرّفات الجيش الأمريكي في العراق تطرح تناقضات مهمة وعميقة. فعندما سعت سي بي أس نيوز CBS News إلى الحصول على توضيحات حول حالة عبد الأمير يونس حسين الصحية، رفضت قوات التحالف في العراق إعطاءها أياً منها بحجة أن هذا العمل قد يشكل انتهاكاً للسرية الطبية التي يضمنها قانون الولايات المتحدة (طبقاً لقانون مسؤولية وسرية التأمين الصحي HIPAA 1996). وما إن يطالب أحدهم بتقديم ضمانات قضائية إلى المعتقل حتى تتغاضى القوات الأمريكية عن القانون الأمريكي والمبادئ الدنيا الواردة في اتفاقيات جنيف والمعاهدات الدولية التي تحمي حقوق الإنسان.

لا يمكن تجاهل مدى سخرية القوات الأمريكية من المبادئ الواردة في التعديلات العشرة الأولى من دستور الولايات المتحدة (“إعلان الحقوق”) ولا سيما المادة الأولى (التي تضمن حرية التعبير والصحافة) والمادة الخامسة (المتعلقة بحقوق المتهم) في العراق. فهي لا تطبقها على الصحافيين أو المعتقلين الآخرين.

منظمة مراسلون بلا حدود تطالب الولايات المتحدة بتبرير سلوكها حول الاعتقالات المخالفة للقانون
لا تستطيع منظمة مراسلون بلا حدود أن تعلن موقفها من طبيعة الأحداث المنسوبة إلى الصحافيين المعتقلين والتي أدت إلى اعتقالهم. فتكتفي بالتشديد على أنه ما من دليل يثبت إدانتهم. ومن شأن إطلاق سراح ثلاثة صحافيين يعملون لحساب وكالة رويترز بعد أن أمضوا عدة أشهر من دون أن ترفع أي دعوى ضدهم، من شأنه أن يظهر ضعف الاتهامات التي توجهها قوات التحالف في العراق إليهم. فلا يمكن القبول باعتقال صحافيين بلا مبرر ولمدة طويلة بهذا القدر.

في هذا الإطار، راسل الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود روبير مينار Robert Ménard قائد قوات التحالف في العراق الجنرال جون أبي زيد John Abizaid في 25 آب/أغسطس 2005 ليطلب منه شروحات عن اعتقال مصوّر وكالة رويترز علي عمر ابراهيم المشهداني. فلم تحصل المنظمة إلا على رسالة واحدة مؤرخة في 25 تشرين الثاني/نوفمبر من الكولونيل في القيادة المركزية الأمريكية في فلوريدا فراد ت. بريبل Fred T. Pribble ورد فيها السطران التاليان: “اعلموا أن المعتقلين ولا سيما الصحافيين يحظون بمعاملة إنسانية تحترم اتفاقيات جنيف وتتوافق مع السياسة الأمريكية”.

بما أنه يستحيل أن تكتفي منظمة مراسلون بلا حدود بإجابة مماثلة، طلبت من السلطات الأمريكية أن تضع حداً للصمت المطبق المخيّم على اعتقال هؤلاء الصحافيين، وإعلان الأدلة والإثباتات رسمياً، وتجسيد اتهاماتها بالتجريم والملاحقة القضائية إذا ما كانت الأحداث المنسوبة إلى الصحافيين المعنيين تبررهما.

وفي المقابل، تدعو منظمة مراسلون بلا حدود إلى إطلاق سراح الصحافيين المحتجزين في العراق وغونتانامو فوراً.
آن الأوان لتتخطى السلطات الأمريكية إعلانات حسن النية وتسعى إلى وضع حد للتعتيم السائد حالياً لا سيما أن وزير الدفاع دونالد رامسفلد Donald Rumsfeld كان قد أعلن في 29 أيلول/سبتمبر 2005 في خلال جلسة لمجلس الشيوخ أنه سينظر في مسألة اعتقال الصحافيين. وفي اتصال لمنظمة مراسلون بلا حدود في 27 كانون الأول/ديسمبر، أكّد الناطق باسم السفارة الأمريكية في العراق دوغلاس بورتون Douglas Burton أخذ مسألة اعتقال الصحافيين “بجدية” فضلاً عن المسائل المرتبطة بحرية الصحافة. ولكنه أعرب عن عدم معرفته بالحالات التي تذكرها المنظمة.

كذلك، تندد منظمة مراسلون بلا حدود بعزل عبد الأمير يونس حسين في معسكر بوكا وتطلب من السلطات العسكرية الأمريكية السماح بزيارات أسرته ورب عمله ومحاميه وتسهيلها.

منظمة مراسلون بلا حدود تطلق خمسة عرائض لوضع قانون حرية المعلومات قيد التنفيذ
نظراً إلى تكتّم السلطات الأمريكية عن المعلومات حول مصير الصحافيين المعتقلين في العراق وغونتانامو، قررت المنظمة الدولية للدفاع عن حرية الصحافة أن تتقدّم بخمسة عرائض لدى إدارة الدفاع الأمريكية بموجب قانون حرية المعلومات الذي يسمح للأفراد والمؤسسات المتقدمين بطلب بالحصول على المعلومات من الهيئات الحكومية الأمريكية علماً بأن الصحافيين يلجؤون بانتظام إلى هذه الوسيلة في إطار تحقيقاتهم بغية إطلاع الرأي العام على تصرّفات الحكومة الفدرالية الأمريكية.

ترتبط كل عريضة من العرائض الخمس بحالة صحافي معتقل أو أطلق سراحه مؤخراً وقد أودعتها منظمة مراسلون بلا حدود التي تطالب البنتاغون بتسليمها كل المستندات اللازمة المرتبطة بوضع هؤلاء الصحافيين.

في الولايات المتحدة الأمريكية، تدعو منظمة مراسلون بلا حدود أعضاء الكونغرس إلى مواصلة جهودهم الحالية ليتقدّم وضع حقوق الإنسان في العراق ولا سيما حرية الصحافة. وقد وجهت المنظمة رسائل إلى عدة سناتورات وأعضاء من مجلس النواب ترد أسماؤهم مرفقة بهذا التقرير لتطلب منهم تكرار موقفهم من اعتقال السلطات الأمريكية للصحافيين.

كذلك، تتوجه منظمة مراسلون بلا حدود إلى السلطات السياسية والعسكرية الأمريكية علماً بأنها قد راسلت عدة أعضاء من الإدارة في واشنطن وعلى رأسهم رئيس الولايات المتحدة جورج بوش.

في العراق، تطالب المنظمة الدولية للدفاع عن حرية الصحافة السلطات باللجوء إلى الوساطة مع قوات التحالف في العراق لتحسين وضع الصحافيين المعتقلين. وقد راسلت منظمة مراسلون بلا حدود رئيس العراق جلال طالباني.

التحديد رقم 1: وكالة رويترز مستهدفة في العراق
تتواجد وكالة الصحافة البريطانية في العراق منذ عقود خلت. وبفضل حوالى ستين صحافياً منتشرين ميدانياً يساعدهم حوالى أربعين موظفاً آخرين، تعتبر اليوم إحدى أهم وسائل الإعلام الإجنبية في العراق كما أنها تشكل أحد أبرز مصادر المعلومات حول النزاع العراقي.

دفعت وكالة الصحافة هذه ثمناً باهظاً لالتزامها فهي أكثر وسائل الإعلام تضرراً في هذا النزاع. فمنذ بداية الحرب في 20 آذار/مارس 2003، لاقى أربعة صحافيين من صحافييها حتفهم على يد الجنود الأمريكيين، وفقاً لوكالة رويترز نفسها: تاراس بروتسيوك Taras Protsyuk (8 نيسان/أبريل 2003)، ومازن دنا (17 آب/أغسطس 2003)، وضيا نجم (1 تشرين الثاني/نوفمبر 2004)، ووليد خالد (28 آب/أغسطس 2005).

في 28 أيلول/سبتمبر، وجه رئيس التحرير الدولي لوكالة الصحافة دايفد شلسنغر Davis Schlesinger رسالة إلى رئيس لجنة القوات المسلّحة في مجلس الشيوخ الأمريكي السناتور جون وارنر John W. Warner أشار فيها إلى “وضع الصحافيين المحترفين المتدهور في العراق، وإلى الارتفاع الدليلي لعمليات إطلاق النار العرضية، وموجات اعتقال الصحافيين الممددة التي تقدم القوات الأمريكية عليها”. أما في ما يتعلق بموت الصحافيين إثر إصابتهم برصاصات أمريكية، فشدد على أن التحقيقات التي يجريها الجيش الأمريكي اعتبرت موقف الجنود المسؤولين عن هذه الأعمال “مناسباً” أو “مبرراً”. ومن شأن تحقيقات “سرية وعسكرية” مماثلة أن تنشئ شعوراً بالإفلات من العقاب وأن تحول دون كل تعديل لقواعد إطلاق النار طالما أن الجيش الأمريكي لا يطبق ميدانياً، وفقاً لدايفد شلسنغر Davis Schlesinger، التوصيات التي تقدّم بها بنفسه لا سيما إثر التحقيق في موت مازن دنا.

كذلك، يذكّر دايفد شلسنغر Davis Schlesinger بحالة ثلاثة موظفين من موظفيه اعتقلهم الجيش الأمريكي بين 2 و5 كانون الثاني/يناير 2005. و كان هؤلاء المعتقلون قد أعلنوا عن تعرّضهم “للضرب والمعاملات المهينة جنسياً ودينياً” مع أن الجيش الأمريكي رفض إعادة فتح التحقيق وأن الرجال الثلاثة لم يخضعوا لأي استجواب منذ اعتقالهم.

يرى دايفد شلسنغر Davis Schlesinger، أنه “بالحد من أهلية وسائل الإعلام لتغطية الأحداث في العراق بالتمام والكمال وباستقلالية ناجزة، تحول القوات الأمريكية دون حصول المواطنين الأمريكيين إلى المعلومات بلا مبرر (…) ناسفةً الحريات التي تزعم الولايات المتحدة تعزيزها يومياً بتسخير الأرواح والأموال الأمريكية”.

التحديد رقم 2: معسكر بوكا، أكبر مركز اعتقال أمريكي في العراق في بداية شهر كانون الثاني/يناير 2006، بات معسكر بوكا (الواقع جنوبي العراق بين مدينتي البصرة وأم قصر) أكبر السجون للصحافيين في الشرق الأوسط.

تعود تسمية معسكر بوكا إلى إطفائي من نيويورك يدعى رونالد بوكا Ronald Bucca توفي في 11 أيلول/سبتمبر 2001. ويعتبر هذا المخيّم أهم مركز اعتقال تديره الولايات المتحدة في العراق وكان يجمع 7795 معتقلاً في كانون الأول/ديسمبر 2005 أي ما يعادل نصف الـ 14055 فرداً الذين اعتقلهم الجيش الأمريكي في خلال هذه الفترة18.

تشير السلطات الأمريكية نفسها إلى اكتظاظ هذه المراكز بالمعتقلين. فأضيف عدد من الحراس العراقيين الذين درّبتهم قوات التحالف إلى الجنود الأمريكيين الـ 3700 المكلّفين بالاعتقالات.

في 4 نيسان/أبريل 2005، أكّدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن معسكر بوكا كان مسرحاً لاحتشاد شعبي منذ ثلاثة أيام، وذلك إثر زيارة الناطقة باسمها في عمان رنا صيداني في الأول من نيسان/أبريل. وقد أعلمت وكالة الصحافة الفرنسية أن الجنود الأمريكيين لجؤوا إلى الرصاصات المطاطية وأصابوا 14 معتقلاً على الأقل. وأضافت أن الضغوط كانت سائدة في المخيّم عند بدء زيارة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في 27 آذار/مارس. فكان السجناء يشتكون من الاحتشاد تحت الخيم في جو حار في خلال النهار ومن التعرّض للبرد في خلال الليل. كذلك، أشارت الناطقة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى أن عدداً كبيراً من المعتقلين يجهلون سبب اعتقالهم: “يعتبرهم الأمريكيون “معتقلين أمنيين”. فما من إجراء أو مسار قانوني واضح في هذا الصدد. وفي جو مماثل، يكون حادث واحد كافياً ليسبب نزاعاً حاداً”.

فضلاً عن ذلك، إن ندرة الإشارات المتوفرة حول ظروف الاعتقال في السجون التي يديرها الجيش الأمريكي مقلقة. ففي أيار/مايو 2004، نشرت صحيفة وال ستريت جورنال Wall Street Journal محتوى تقرير للجنة الدولية للصليب الأحمر تم تسليمه إلى السلطات الأمريكية في شباط/فبراير. ويذكر هذا التقرير حالات من المعاملة السيئة والتعذيب ويشير إلى أن بعض ضباط الاستخبارات الأمريكية يقدّرون أنه بين 70 و90 بالمئة من المعتقلين في العراق قد اعتقلوا خطأ. أما تقرير اللواء أنطونيو م. تاغوبا Antonio M. Taguba في أواخر آذار/مارس 2004، فيذكر أن معسكر بوكا كان مسرحاً للممارسات المماثلة لتلك المفضوحة في أبو غريب، مكرراً كل ما ورد في تقرير اللواء رايدر Ryder حول عمليات الاعتقال في أفغانستان والعراق الذي انتهى في تشرين الثاني/نوفمبر 2003.

فضلاً عن هذه المشاكل، لا بدّ من الإشارة إلى مشكلة الزيارات. وفقاً لرسالة سلمها المقدَّم غاي روديسيل Guy Rudisill إلى وكالة رويترز، تمنع القوات الأمريكية الزيارات في خلال الأيام الستين الأولى من السجن. وبعد مضي هذه الفترة، يحق للسجناء نظرياً تلقي زيارة أسبوعياً من الأسرة أو المحامي. إلا أن إجراءات التسجيل قسرية. فقد تعرّض الصحافيون الأربعة الذين تم اعتقالهم مؤخراً للعزل في معسكر بوكا لأن عائلاتهم تقطن في غرب العراق وشمالها ويصعب عليها التوجه إلى أقصى الجنوب في أوقات الحرب، هذا إن عرضت عليها وكالة رويترز أو محطة سي بي أس نيوز CBS News تغطية مصاريف الانتقال.

التحديد رقم 3: أي وضع للصحافيين المعتقلين؟ يصعب إعلان موقف واضح من وضع الصحافيين المعتقلين الذين تعتبرهم قوات التحالف “معتقلين أمنيين” خارج إطار قانوني محدد بوضوح. ويعود هذا المصطلح إلى الأحكام الواردة في اتفاقية جنيف الرابعة حول حماية المدنيين في خلال الحرب (1949) التي تضمن حماية “المدنيين المعتقلين”.

بنظر صكوك القانون الدولي الإنساني، يعتبر الصحافيون مدنيين يتمتعون بحقوق ترتبط بوضعهم هذا. وقد أعلنت قوات التحالف في العراق أن الصحافيين المعتقلين لا يحصلون على أي “معاملة خاصة” فيعاملون كأي “معتقلين أمنيين آخرين”.

في حديث لصحيفة لو موند Le Monde في أيار/مايو 2004، أجابت الناطقة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر ندى دوماني بالكلمات التالية حول الإطار القانوني الذي يلف اعتقال القوات الأمريكية للأفراد في العراق:

“ينقسم المعتلون إلى ثلاث فئات: معتقلي الحرب، ومعتقلي الأمن، ومعتقلي “الحقوق المشتركة”. إلا أنه ما من إطار قانوني يرعى هذا التقسيم ولهذا السبب بالتحديد يعتقل هؤلاء لأسابيع بل أشهر من دون أن توجّه إليهم أي تهمة أو أن يحق لهم برؤية محامٍ أو الخضوع لمحاكمة. فيسود التشوّش الذي يؤدي إلى الاستغلال”19.

في خلال مؤتمر صحافي لقوات التحالف في بغداد في الأول من أيلول/سبتمبر 2005، أجاب اللواء ريك لينش Rick Lynch على أسئلة رويترز حول اعتقال صحافييها على الشكل التالي: “يحق لنا اعتقال كل من نظن أنه يشكل تهديداً للأمن في العراق مهما كانت مهنته. (…) إلا أننا نحرص على إعلام المعتقل بسبب اعتقاله. وطبقاً لاتفاقيات جنيف وقرارات مجلس الأمن، لا يحق لمعتقلي الأمن شرعياً بالمساعدة إلى أن يتم تجريمهم. وبالتالي، يدرك (المعتقل) سبب اعتقاله. ولا يحق له بأن يتمثل بأي محام. وتتابع الإجراءات”.

التحديد رقم 4: غونتانامو: إلى نهاية الغموض القانوني؟ في تقرير نشر في 13 أيار/مايو 200520، عرضت منظمة العفو الدولية مراحل نضال معتقلي غونتانامو المتتالية في سبيل الاعتراف القانوني بوضعهم. وتشدد المنظمة على أن الإدارة الأمريكية قد غذّت الغموض القانوني الذي يلفهم وسعت إلى إفقاد الثقة في العدالة ولا سيما المحكمة العليا لصالح السلطات الخاصة المنتقلة إلى السلطة التنفيذية في الحرب.

في كانون الأول/ديسمبر 2001، أعلمت مذكرة من وزارة العدل الأمريكية وزارة الدفاع أنه لا يحق لأي معتقل “أجنبي” من القاعدة البحرية في غونتانامو اللجوء إلى المحاكم الأمريكية لأن “السيادة المطلقة” على غونتانامو تعود إلى كوبا. وتشير الوثيقة نفسها إلى أن أحكام محكمة الولايات المتحدة العليا تقول بالأمر نفسه.

إلا أن هذه المحكمة بالتحديد قدّرت في حكم صدر في 28 حزيران/يونيو 2004 (رسول ضد بوش) أن المعتقلين الأجانب في غونتانامو يستطيعون رفع دعاوى أمام العدالة الأمريكية. فما كان من إدارة بوش إلا أن أنشأت محاكم تختص في النظر في أوضاع المحاربين في تموز/يوليو 200421.

يفترض بهذه المحاكم أن تسمح للمعتقلين بمنازعة وضعهم كـ”أعداء محاربين”. وبين آب/أغسطس 2004 وكانون الثاني/يناير 2005، بحثت المحاكم المختصة في النظر في أوضاع المحاربين في ملفات المعتقلين في غونتانامو، وفقاً للسلطات الأمريكية. كذلك، علم المعتقلون بأنهم يستطيعون، بموجب حكم المحكمة العليا، أن يقدموا طلباً لتبيان سبب إلقاء القبض عليهم أمام محكمة فدرالية بغية منازعة اعتقالهم. وفي نهاية أيلول/سبتمبر 2005، رفع حوالى 160 طلباً من هذا النوع حول 247 سجيناً أمام العدالة الأمريكية. ويستند هذا اللجوء إلى دستور الولايات المتحدة والقانون الدولي الإنساني والاتفاقيات الدولية الراعية لاحترام حقوق الإنسان.

تتألف المحاكم المختصة بالنظر في أوضاع المحاربين من ثلاثة ضبّاط محلّفين ينبغي أن يؤدوا وظيفتهم بنزاهة. ويحق للمعتقل أن يحظى بتمثيل مستشار “قانوني” له. وتستطيع سلطة عليا متمثلة بمدير هذه المحاكم (أميرال بنجمتين) أن يردّ القضية أمام المحكمة إذا ما اعتبر القرار غير مرض. وفقاً للسلطات الأمريكية، حكمت هذه المحاكم في آذار/مارس 2005 في قضايا 558 معتقلاً في حين أنها راجعت وضع 38 سجيناً كأعداء محاربين وأعادت 28 منهم إلى بلادهم الأصلية. إلا أنه وفقاً لمنظمة العفو الدولية، التي تشكك في شرعية هذه المحكمة، لا يحق للمعتقل بالحصول على المعلومات المستخدمة ضده في حين أن محاكم مماثلة تستطيع الاستناد إلى شهادات تحصل عليها تحت الإكراه.

يبحث مجلس المراجعة الإداري في مصير المعتقلين في غونتانامو سنوياً ليحدد ما إذا كان “المحارب العدو” لا يزال “يشكل تهديداً للولايات المتحدة وحلفائها”. ومن الضروري أن يصدّق وزير البحرية غوردون إنغلند Gordon England على توصيات هذا المجلس.

ترى منظمة العفو الدولية، أن “الإدارة الأمريكية تستمر في الدفاع عن موقفها أمام المحاكم لتحول دون كل مراجعة قضائية للاعتقالات أو لتتأكد من بعد مراجعات مماثلة عن الإجراء القضائي قدر الإمكان. وترمي أفعالها إلى المحافظة على الغموض القانوني الذي يلف وضع المعتقلين وترفض حقاً يشكل الضمانة الأساسية ضد عمليات الاعتقال التعسفية، و”الاختفاءات”، والتعذيب، والمعاملات العنيفة الأخرى غير الإنسانية والمهينة. (…) فالمسجونون في غونتانامو معتقلون تعسفياً بشكل غير شرعي”22.

في اتصال مع منظمة مراسلون بلا حدود، بدا محامي سامي الحاج الأستاذ كلايف ستافورد سميث Clive Stafford-Smith متشائماً حيال إمكانية التقدّم في وضع المعتقلين في غونتانامو أمام المحكمة الفدرالية الأمريكية. فهو يرى أن إطلاق سبيل 256 معتقلاً إلى اليوم يعود إلى الضغوط السياسية الممارسة على الولايات المتحدة وليس إلى سبل قانونية. ويذكر بأن طرق الطعن محدودة وطويلة الأمد.

ملاحق
1- شهادات ثلاث تتوافق مع تصريحات عبد الأمير يونس حسين
تمكنّت منظمة مراسلون بلا حدود من الحصول على نسخ عن ثلاث شهادات جمعتها سي بي أس نيوز CBS News فضلاً عن ترجمتها إلى اللغة الإنكليزية. ويرد ملخّص عنها في ما يلي.

خضع الشاهدان الأولان محمد مافاز قاسم (27 سنة من العمر) وأبان إدريس داوود (20 سنة من العمر) للاستجواب في 9 تموز/يوليو 2005 علماً بأنهما طالبين في جامعة الموصل ويتابعان دراسات في الفيزياء والمعلوماتية.

كانا يقفان بالقرب من عبد الأمير في 5 نيسان/أبريل في حرم جامعة الموصل التي تحتفل بذكرى تأسيسها السنوي بالقرب من كلية التربية عندما تلقى عبد الأمير مكالمة هاتفية. فشرح لهما أن انفجاراً قد دوى في المدينة وأنه مضطر للتوجه إلى مكان الحدث للتصوير. وقد علما لاحقاً أنه هجوم انتحاري في سيارة مفخخة ضد سيارة أمريكية من طراز سترايكر Stryker.

يدعى الشاهد الثالث مجاهد محمد يوسف (25 سنة من العمر) ويعمل كمصوّر لحساب وكالة الصحافة الفرنسية في الموصل. وقد شهد تحت القسم في 11 تموز/يوليو 2005 بأنه كان متواجداً في جامعة الموصل في 5 نيسان/أبريل في مكان مختلف.

روى أنه سمع دوي انفحار حوالى الثانية عشرة ظهراً. وبعد الاستعلام، طلب من عبد الأمير يونس حسين أن يوصله إلى مكان الحدث في سيارته علماً بأن الانفجار قد وقع في اليرموق في حي غربي المدينة يعتبر في غاية الخطورة. وعندما وصل الرجلان إلى مكان الحدث، كان صحافيون آخرون متواجدين فيه. فأضاع مجاهد محمد يوسف زميله في حين أن الجنود الأمريكيين طوّقوا المنطقة وأبعدوا الصحافيين عنها. إلا أن جنوداً مستقلين كانوا متمركزين على السطوح. فسعى مصوّر وكالة الصحافة الفرنسية عبثاً إلى الاتصال بعبد الأمير الذي تمكّن من مكالمته بعد عشرين دقيقة ليعلمه بأنه يقف في شارع بعيد عن موقع الانفجار ويشكو له تعذره عن “أخذ لقطات جيدة”. فتوجه مجاهد محمد يوسف مع زميلين له ولا سيما مصوّر من وكالة رويترز إلى الموقع الذي حدده عبد الأمير.

عندئذ، اتصل بهما ليعلمهما بأن رصاصة أمريكية قد أصابته طالباً منهما المساعدة. وحاول الرجال الثلاثة الوصول إلى السيارة إلا أن الحشود منعتهم من ذلك نظراً إلى إطلاق الجنود الأمريكيين النار على عدة أفراد. وبعد عدة محاولات باءت بالفشل، تمكّن مجاهد محمد يوسف من الاتصال بعبد الأمير فسمعه يقول “أنا صحافي، أنا صحافي” رداً على أصوات تتحدث باللغة الإنكليزية بسرعة وبقوة. ومن ثم، انقطع الاتصال.

بعد الانتهاء من شهاداتهم، أشار الرجال الثلاثة إلى أنهم مستعدون لتكرارها أمام سلطة شرعية مختصة. أما ابن عم الصحافي الشرطي أحمد رشيد حسين فوضع نفسه بتصرّف السلطات العسكرية الأمريكية. إلا أنه وفقاً لمحطة سي بي أس نيوز CBS News لم يتصل محققو قوات التحالف في العراق بهؤلاء الشهود وبعائلة عبد الأمير حتى أن منزله لم يخضع لأي تفتيش.

2- رسالة سامي الحاج إلى محاميه
رسالة رقم 11
9 آب/ أغسطس 2005
عزيزي كلايف:
هذه بعض مذكراتي عن الإضراب عن الطعام.
بدأ الإضراب عن الطعام في الثاني عشر من تموز/يوليو الماضي في “المعسكر رقم 4” في ويسكي بلوك Whisky Block تحديداً. واشتملت المطالب على وقف أسلوب اليد الحديدية الذي تمارسه القوات الأمريكية على المعتقلين لا سيما في “المعسكر رقم 5″، وتوفير الرعاية الصحية التي نحتاج إليها إلى حد بعيد.

في 15 تموز/يوليو، وصلت مجموعة من الزائرين إلى “معسكر دلتا” نظن أنهم من الكونغرس الأمريكي. وبسبب الإحباط واليأس الذي يشعر به المحتجزون، شرعوا بالصراخ والحديث بصوت عالٍ على أمل أن يسمعهم الزائرون فيشرحون مشاكلهم. وكان ينادي البعض بـ”الحرية” وآخرون يصرخون “بوش هتلر” وغير ذلك مثل “هذا غولاج”، فكان الجميع يأمل أن يسمعه أحد من العالم الخارجي.

في هذه الأثناء، حاول بعض الزائرين الاقتراب من ويسكي بلوك Whisky Block حتى يتمكنوا من سماع الصراخ على رغم تحذير الحرس لهم من الاقتراب. وقد أبدا بعض الزائرين اهتماماً كبيراً بسماع ما يجري، في حين أن الآخرين كانوا ينظرون إلينا باشمئزاز.

في الساعة الخامسة مساء من 17 تموز/يوليو، أخذت السلطات في “معسكر دلتا” تجلي المعتقلين من ويسكي بلوك Whisky Block رغماً عنهم (نظن أن زيارة تلك المجموعة قبل يومين هي السبب وراء هذا التصرف). وكان ضمن المنقولين أحد موكليك جميل البنا. وعلى رغم عدم إبداء المحتجزين أي مقاومة، غير أن القوات الأمريكة استخدمت قوات تعزيز النظام المعروفة بـ ERF.

كانت أكثر القضايا أهمية بالنسبة إلينا هي إغلاق “معسكر 5” نظراً إلى سوء الظروف السائدة فيه.
جاءنا ضباط عسكريون ووعدونا بتأمين مقصف نشتري منه بعض الحاجات، كما أبلغونا بإمكانية إرسال عائلاتنا أموالاً لنا، ومنح كل شخص لا يملك أموالاً ثلاثة دولارات أسبوعياً.

وكانت مشاكل متواصلة تتعلق بالقرآن تنشأ باستمرار. وعلى سبيل المثال، طلب أحد عناصر الشرطة العسكرية من الشمراني – من اليمن- أمراً ما أثناء تأديته الصلاة، وأجاب بأنه سيقوم بذلك بعد الانتهاء من صلاته. فما كان من الشرطة إلا أن انهالت عليه بالضرب على وجهه حتى غطته الدماء، وأخذوا يركلون القرآن الكريم ويدوسونه. وهذه ليست القضية الوحيدة، فقد قيل لحكيم، من اليمن أيضاً، إنه يمثل خطراً على الأمريكيين لأنه يحفظ آيات القرآن كافة، وهذه إهانة للعقيدة الإسلامية برمتها.

أذكر أيضاً حادثة سعد من الكويت الذي أخذ عنوة إلى الحجز من أجل التحقيق، وقد سبق وأرغم على قضاء خمس ساعات مع امرأة تضايقه جنسياً.

وفي “المعسكر 3″، كان السجناء يؤخذون إلى مكان يدعى روميو Romeo حيث تمتهن كرامتهم ويرغمون على ارتداء البنطال القصير. وعمدت السلطات إلى وقف المياه مدة 24 ساعة من دون أن تجلب لهم الطعام أيضاً.
لذا كان علينا أن نمضي في هذا الإضراب مجدداً، مع أنه أمر لا أطمح إليه ولكن ينبغي علي ذلك، فيجب أن يقف أحدنا إلى جانب الآخر وخاصة إلى جانب أولئك المحتجزين في “المعسكر 5”.
كلي أمل أن أبقى على قيد الحياة، وأرجوك أن تبلغ زوجتي وولدي أنني أحبهما.

صديقك وموكلك
سامي محي الدين الحاج
3- لائحة بالأفراد الذين اتصلت منظمة مراسلون بلا حدود بهم

الإدارة الفدرالية

    • السيد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، جورج بوش Georges W. Bush؛

    • السيدة وزيرة الخارجية، كوندوليزا رايس Condoleeza Rice؛

    • السيد مساعد وزيرة الخارجية، باري ف. لوونكرون Barry F. Lowenkron؛

    • السيد وزير الدفاع، دونالد رامسفلد Donald Rumsfeld؛

    السيد المحامي العام، ألبرتو غونزالس Alberto Gonzales.

أعضاء الكونغرس الأمريكي

    • السيد سناتور أريزونا، جون مكاين John McCain؛

    • السيد سناتور إنديانا، ريتشارد لوغار Richard Lugar؛

    • السيد سناتور ميتشيغان، كارل ليفان Carl Levin؛

    • السيد سناتور فيرجينيا، جون وارنر John Warner؛

    • السيد نائب المقاطعة 12 من ولاية كاليفورنيا، طوم لانتوس Tom Lantos؛

    • السيد نائب المقاطعة 52 من ولاية كاليفورنيا، دانكن هانتر Duncan Hunter؛

    • السيد نائب المقاطعة 6 من ولاية إيلينوي، هنري ج. هاي Henry J. Hyde؛

    • السيد نائب المقاطعة 4 من ولاية نيو جرسي، كريستوفر ه. سميث Christopher H. Smith؛

    السيد نائب المقاطعة 10 من ولاية فيرجينيا، فرانك وولف Frank Wolf.

القوات المسلّحة الأمريكية

    السيد قائد قوات التحالف في العراق، الجنرال جورج و. كايسي George W. Casey الإبن.

السلطات العراقية

    • السيد رئيس الجمهورية العراقية، جلال طالباني؛

    • السيد رئيس الوزراء، ابراهيم الجعفري؛

    • السيد وزير الداخلية؛

    • السيد وزير الدفاع؛

    • السيد وزير العدل؛

    • السيد وزير حقوق الإنسان؛