باريس في 28/7/2004
بعد قرابة ثلاثين عاما من الملاحقة والاعتقال والتشريد داخل وخارج حدود العراق، بعد صدور أكثر من نعوة بوفاة كاتب ومناضل خلف القضبان، بعد المبادرة لأكثر من عصيان وأكثر من صيغة للتمرد على الدكتاتورية، خرج عدي الأعسم، النجفي الذي سبقت ولادته بقليل إعلان الجمهورية في العراق، وتعرف عليه القارئ في كتابه (المعقول واللا معقول) في منتصف الثمانينات، خرج فيما عرف بآخر عفو صدر في ظل سلطة صدام حسين. منهك الجسد تعب الذاكرة يحمل جروح الحرب والمعتقل والنفي والملاحقة المستدامة، لا يملك سوى عزة النفس وإباء القلم الحر. واحتاج الأمر لأشهر لكي يستعيد الأعسم قواه البدنية والحد الأدنى من الصحة الذي يسمح لهذا الحسيني المتربع فوق الطائفية وابن الحوزة الذي نال درجة الاجتهاد واختار الفلسفة منهجا. ابن الموزاييك العراقي الذي دافع عن وحدة الإنسان، وحفيد الوردي والجواهري والصدر الذي لا يقبل بأقل من استقلال العراق عنوانا للكرامة. يسمح له بالعودة للمشاركة في بناء عراق حر.
لم أقابله ولا أعرفه، ولكن سمعت عن أسطورته في أفواه المواطن البسيط الذي لم يرتزق لا من النظام السابق ولا من البنتاغون. كانوا يستشهدون به باعتباره من أحياء انتفاضة رجب وأحياء المقاومة السرية والناجين من موت السجون شبه الحتمي والذي بقي على جملة واحدة لا يقبل مساومة لها أو مساوية لها بحال: المقاومة. وقد أصدر مؤخرا (فلسفة الخطف والمقاومة) ليشرح وجهة نظره فيما يحدث في العراق. من التفاهة، أمام هذا المفهوم الفلسفي والديني للمقاومة أن يتحدث موظف من الدرجة الثالثة عن تحريض يقوم به الأعسم لقتل الأبرياء. ومن المضحك أن يتهم عند خصوم السلطة السابقة بالتواطؤ معها، ومن السخف أن يصبح حق المقاومة، بالمعنى الواسع للكلمة، دعم للإرهاب.
إنني أتوجه إلى كل الحقوقيين والمثقفين في العالم، للتضامن مع عدي الأكسم، الملاحق حاليا في العراق، والذي يعيش من جديد تجربة السرية والاضطهاد، بتهمة التشجيع على الإرهاب.
حياة من ناضل من أجل الحرية هي الضمان الأفضل لبناء صرح الحرية التي لا تقام بأشباه العبيد.
باريس في 28/7/2004
الدكتور هيثم مناع
المتحدث باسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان (منظمة دولية تتمتع بالصفة الاستشارية في المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة)
المشرف على موسوعة الإمعان في حقوق الإنسان، مؤلف 28 كتابا بعدة لغات