21/11/2006

تصاعد وتيرة اعمال العنف غير المسبوق في العراق وتحول الساحة العراقية الى ميدان قتال وصراع طائفي يومي ، جعل مهنة البحث عن المتاعب “مهنة انتظار رصاصة الرحمة” .

وبعد الانتعاش والتطور الكبير للصحافة في العراق وتحررها من قيود السلطة الحاكمة ، عادت لتنتكس من جديد . بعد ان اخذت ارقام من سقطواضحايا العمل الصحفي تتصاعد على نحو ينذر بكارثة.

ويشير مرصد الحريات الصحفية وهو منظمة عراقية تعنى بحريات الصحفيين الى استشهاد ما يزيد عن المئة والخمسين صحفي في العراق الذي عدته منظمات حماية الصحفيين اخطر اماكن العمل الصحفي .

وشهدت الاشهر الاولى لعام ( 2004 ) انتعاشاً كبيراً في العمل الصحفي ، ورأت النورعشرات الصحف ، وتاسس عدد مماثل من الاذاعات والقنوات التلفزيونية الفضائية منها والارضية ، الامر الذي بث روح الامل في الصحفيين العراقيين وجعلهم يقبلون على عملهم باندفاع ورغبة عاليتين .

الا ان احداث العنف واستهداف الصحفيين بالقتل والخطف والاعتقال جعل العمل الصحفي غير مرغوب فيه الى حد كبير ، ما ينذربخطرمصيرها في العراق.

وبعد تحول البحث عن المتاعب الى البحث عن الموت او الخطف والاعتقال و تزايد الهجمات التي استهدفت المؤسسات الاعلامية ومنها تلفزيون ” الشعبية ” وغيرها من المحطات ، اخذ عدد ليس بالقليل من الصحفيين بترك العراق ومغادرته الى غير رجعه ، واخر ترك عمله الصحفي ليبحث عن عمل بديل اكثر امنا .

المراسل الصحفي شوكت البياتي الذي هاجر الى سوريا كنقطة انطلاق الى البلدان الاوربية يجد ان العمل الصحفي هو”فخ الموت” ، ويرى ان العراق تحول الى حلبة صراع مرير يصعب دخول الصحفيين اليها ونقل مايدور بحياد وصدق .

ويضيف البياتي ” تركت العراق بعد ان اصبحت حياتي مهددة بالخطر واصبح العمل مع المؤسسات الاعلامية غير مضمون ، وانعدام التامين من المخاطر التي اتعرض لها في عملي”.

سطوة المليشيات التي اخذت تفرض سيطرتها على الشارع العراقي وتصاعد وتيرة العمليات العنفية يقابلها ضعف اداء الاجهزة الامنية ، جعل العديد من الصحفيين يحتاطون كثيرا قبل النزول الى الشارع او التوجه الى عملهم واخذوا يوفرون لانفسهم طرق الحماية او التخفي من بنادق تلاحقهم .

المخرج فلاح حسن الذي يصر على حمل عدد من الكتب والكراريس وارتداء ازياء تشابه تلك التي يرتديها طلاب الجامعات للتمويه بانه طالب خوفا من استهدافه يقول “ان حياته تحولت الى جحيم ، وان الطريق من منزله شمال بغداد الى مقر عمله وسط العاصمة هو نفق مرعب وكابوس مميت” .

ويتابع حسن ” لا احد يعلم من جيراني بعملي الصحفي الذي اخفيه حتى على اقاربي والمقربين من اصدقائي ” ويضيف ” اخاف ان افشي سري فالصحفي يعامل وكانه جاسوس او عميل لقوات الاحتلال ومصيره الموت”.

ويتردد كثيرا المصور التلفزيوني الذي عرف نفسه بــ (ابي يقين) من اجراء مقابلات ولقاءات مع المواطنين في الشارع او تصوير احداث العنف والانفجارات ويقول ان النزول الى الشارع هو ” اقدام على الانتحار”.

ويضيف انه يفكر حاليا بترك عمله بعد ان شاهد بعينيه كيف اقدم اربعة ملثمون على قتل زميله المراسل الذي كان يرافقه للعمل بواجب وسط بغداد ” وكانت اخر مرة احمل فيها الكامرا ، بعد ان افلت من المسلحين باعجوبة ” .

والى جانب كل هذه المخاطر اليومية ، يضاف غياب القانون الذي يحمي الصحفي اثناء تاديته لعمله في تغطية الاخبار والاحداث وليكون عرضة مرة اخرى للمطاردة والملاحقة ولكن هذه المرة بتهمة القذف اوالتشهير .

ويمثل امام القضاء العراقي الان عشرة صحفيين متهمين بقضايا تشهير رفعت ضدهم من قبل مسؤولين حكوميين على خلفية انتقادات وجهوها لسلطات محلية وادارية و امنية .

ويقول الصحفي احمد عباس المطير الذي ترك عمله الصحفي بعد سجنه لمدة سبعة اشهر بتهم التشهير والقذف ” عندما يعبر الصحفي عن رايه فانه يعاقب بعقوبة جنائية وكانه مجرم “.

وتابع المطير ” القضاء العراقي الحالي يستند الى الكثير من القرارات والاحكام التي صدرت في زمن صدام حسين “. واضاف ” كثير من القضاة والمسؤولين لايتفهمون حرية الراي والتعبير “.

ويطالب المطير بسن قوانين لحماية الصحفيين من التعسف الواقع عليهم ، وتشريع قانون ينظم مهنة العمل الصحفي ويشدد على عدم محاسبة المخالفين كانهم مجرمين .

ويبدو ان طلب المطير سيكون صعب التحقيق ، خاصة بعد ان شملت الحكومة العر اقية وسائل الاعلام والصحفيين بقانون مكافحة الارهاب وراحت على اساس ذلك غلق بعض المؤسسات الاعلامية وتوجيه تهم التحريض على العنف والطائفية للصحفيين العاملين فيها ، كما ويقبع بعض الصحفيين في زنزانة الاعتقال بتهم الارتباط بالجماعات المسلحة او التحريض على العنف .