16/3/2008

يعمل مركز النديم منذ أكثر من العامين علي مشروع قانون لتجريم العنف ضد النساء داخل الأسرة، وعلي مدار العامين المنصرمين أقام النديم العشرات من الموائد المستديرة لمناقشة مسودة القانون والتي جرت عليها العديد من التعديلات بعد كل نقاش سواء في مائدة مستديرة أو مؤتمر. وقد اتسعت تلك المناقشات لتصل لكثير من المجموعات النوعية ” محامين، إعلاميين، نشطاء في المجتمع المدني، نساء منتفعات من البرامج التنموية للجمعيات الأهلية..الخ كما اتسعت جغرافيا لتشمل محافظات أخري غير العاصمة حيث عقدت ندوات حوار في الشرقية والإسكندرية والمنيا وسوهاج وشملت الأخيرة مشاركات/ين من أسوان وقنا أيضا.

وعلي المستوى العربي جرت مناقشات لمشروع القانون الذي يجري العمل عليه في عدد من البلدان العربية كان أخرها مؤتمر إقليمي في العاصمة الأردنية عمان حضره خبراء في القانون والتشريع وعلم الاجتماع والطب النفسي بجانب منظمات المجتمع المدني من البلدان العربية التي تعمل في إعداد مشروعات مشابهه.

ومن دواعي الشرف أن عشرات من فاعليات منظمات المجتمع المدني كان لها دورا بارزا في عمل اللجنة التنسيقية التي تراجع كل مسودة وتعيد نقاشها في ضوء المقترحات الواردة من الحوارات الممتدة عبر هذا التاريخ حيث أصبح بحق مشروع المنظمات الحقوقية المصرية وليس فقط مشروع لمركز النديم.

مسار مشروع القانون
بدأ العمل مع مشروع القانون بورقة إعلان مبادئ تحدد أن “العنف ضد النساء مازال يمثل ظاهرة في مجتمعنا، وأنه رغم جهود منظمات العمل المدني في العقدين الأخيرين، مازالت الأصوات تعتبر أن العنف داخل الأسرة شأنا خاصا لا ينبغي الإعلان عنه، وترفض الورقة المبدئية هذا الموروث الذي يؤبد ممارسة العنف ضد النساء في نطاق الأسرة وتطالب باعتباره جريمة مثل كل جرائم الاعتداء علي النفس التي تنص عليها القوانين والدساتير، ومن هنا كان لا بد من العمل من أجل مشروع قانون يجرم هذا العنف ويعاقب مرتكبيه..مع التشديد أن القانون رغم ما يمثله من ردع لا يغني عن الجهود الساعية لرفع الوعي، وتلك المناهضة لكافة أشكال العنف ضد النساء”.

تم إرسال البيان إعلان المبادئ لمنظمات المجتمع المدني ولاقى ترحيبا كبيرا، ووقع علي تلك الوثيقة 85 منظمة وجمعية أهلية.

فلسفة المشروع
يجمع مشروع القانون بين الفلسفة الإصلاحية والفلسفة العقابية. وتبدأ الفلسفة الإصلاحية هذه فيما يسبق عقد الزواج، حيث يطالب مشروع القانون- في مسودته الحالية- بخضوع المقدمين علي الزواج لدورة تأهيلية عن العلاقات الأسرية السوية، واثر العنف داخل الأسرة علي النساء والأطفال، وطرق التواصل وإدارة الحوار بين طرفي العلاقة الزوجية التي يجب أن تبنى علي الاحترام المتبادل واحترام الرأي الآخر…ثم تأتى لنص وثيقة الزواج حيث توصي بأن تنص الوثيقة- نصا- علي عدد من الحقوق الأساسية وتترك مجال الاختيار لشروط أخري يتفق عليها الطرفان. ومن هذه الشروط ” النصية” حق التطليق وحق التعليم والحق في العمل.. ومجرد النص علي تلك الحقوق الإنسانية في عقد الزواج يتحقق شرطين هامين.. أولهما وعي المرأة بحقوقها ورفع الحرج عنها وعن ذويها خاصة فيما يخص حق العصمة. وثانيهما يعطي للزوج أيضا نفس الوعي بأن هناك حقوق للزوجة لا يجوز تجاوزها وأن من حقها تطليق نفسها وهذا في حد ذاته يمثل شقا رادعا للممارسين للعنف.

ثم يتناول مشروع القانون إلي العنف الممارس أثناء انعقاد العلاقة الزوجية فيبدأ أيضا بمحاولات تهذيب السلوك عبر الحكم علي الجاني بالخضوع لدورة أخري مكثفة للعلاج السلوكي..وفي حال العود للمرة الثانية يحكم بأمر الخدمة العامة خاصة في دور المسنين والأيتام وما إلي ذلك فقد يكون الاحتكاك بالفئات الخاصة- والتي في حاجة للمساندة الإنسانية – تحريكا لأفضل المشاعر الإنسانية لدي البشر ومساعدا لهم هل تجاوز السلوكيات العنيفة والمؤذية. وفي حال العود للمرة الثالثة يحكم بالحبس أو الغرامة أو كليهما وفقا لمستوى الضرر الواقع علي المرأة علي أن تعود الغرامة المالية لصالح الزوجة وأبناءها.

وتطبق العقوبات ذاتها في حال وقوع العنف علي أي من النساء داخل الأسرة.

المرجعية
يستند مشروع القانون للمرجعية الدولية الخاصة بمناهضة العنف ضد النساء وخاصة اتفاقية مناهضة كافة أشكال العنف ضد النساء، والإعلان العالمي لمناهضة العنف ضد النساء والتوصيات الملحقة بالاتفاقية خاصة التوصية 19 وبموجب تلك الاتفاقيات يتناول العنف داخل الأسرة كافة أشكال العنف سواء وقع هذا العنف علي الزوجة أو الفتيات أو المقيمات بذات السكن” عاملات النظافة والقريبات”

كما يستند إلي بديهية إنسانية فطرية تنبذ العنف وتتعاطف مع ضحاياه وتنبذ مرتكبيه.

لقد أثارت مناقشات القانون غضب بعض الرجال وتحفظ بعضا منهم ولكن عبر هذا المسار الطويل ساندنا الكثير من الرجال وكانوا خير عون لنا سواء في صياغة القانون أو في ندوات الحوار الدائرة حوله وكل ما أتمناه أن يفكر الرجال جيدا في أنماط مختلفة من الحياة وأنا متأكدة أنهم سيصلون لنتيجة مؤداها: أن الحياة بدون عنف ليست ممكنة وحسب بل أيضا أجمل وأمتع، وأن الحياة الآمنة التي يسودها الحب والود والاحترام هي الحياة التي يستحقها البشر جميعا بصرف النظر عن اللون أو الجنس أو العقيدة.

مركز النديم