10/12/2004

يحتفل المجتمع الدولي بالذكري السادسة والخمسين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وسط خضم من المعاناة الإنسانية في مختلف بقاع العالم؛ وتتجلي أبرز صور هذه المعاناة في الممارسات العنصرية الاستيطانية التي ترتكبها قوات الإحتلال الإسرائيلي في فلسطين؛ وما يتعرض له الشعب العراقي من إرهاب واضح من قبل قوات الاحتلال بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية؛ والتي لايزال العالم يعيش تحت صدمة صور الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها جنودها بحق السجناء والمعتقلين؛ والقصف العشوائي للمدنيين وتعمد التدمير والتخريب لبنى العراق التحتية والدور السكنية والمستشفيات والمرافق العامة، يضاف لكل ذلك ما يتعرض له كثير من البشر في أفريقيا من مآسي بسبب الحروب الأهلية والنزاعات السياسية والعرقية. إضافة إلى انتشار الفقر والمرض والجهل في العديد من بقاع العالم.

إن الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان وهي تشارك منظمات حقوق الإنسان في دول العالم الإحتفال بهذه الذكرى المجيدة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي الوقت الذي تثمن فيه الإنجازات العديدة والتوقيع على عدد من اتفاقيات ومواثيق حقوق الإنسان منذ انطلاقة المشروع الإصلاحي لجلالة ملك مملكة البحرين، فإنها لا زالت تستشعر بالكثير من الإحباط على عدة أصعدة والمتمثلة في عدم إحراز أي تقدم في موائمة القوانين والتشريعات الحالية مع التزامات المملكة الناجمة عن التوقيع على المعاهدات والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتبعاً لهذا التناقض فقد تعرضت الحريات العامة إلى طائلة قوانين تعود إلى عهد قانون أمن الدولة المقبور، وسيق عدد من العاملين في مجال الصحافة إلى المحاكم، وانتهكت حرية الناشطين ومؤسسات المجتمع المدني ومن بينها الإغلاق الإداري لنادي العروبة وحل مركز البحرين لحقوق الإنسان. كما تعرضت بعض المسيرات والتجمعات إلى إجراءات أمنية وقضائية لا تتناقض فحسب مع المعاهدات والإتفاقيات الدولية بل إنها تتناقض حتى مع مواد دستور المملكة وروح ميثاق العمل الوطني التي تضمن حرية الرأي والتعبير.

ومن جهة أخرى صدم المجتمع المدني بالاتجاهات السلبية الرامية إلى تقييد حرية النشاط السياسي والأهلي والمتمثل في محاولة فرض قوانين تنتقص من الدور المأمول للجمعيات الأهلية والتنظيمات السياسية وتقيد حرية التجمع وذلك بمحاولة إصدار قانون الجمعيات السياسية وقانون الجمعيات الأهلية وقانون التجمعات. مما يقوض تطلعات مجتمعنا إلى المزيد من المشاركة السياسية ويحرمه من أهم أدواته الفاعلة على صعيد مراقبة الأداء السياسي العام .

وفي غمرة الاحتفال بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ فإن الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان تسجل بكل أسف التباطؤ الملحوظ من قبل السلطة التنفيذية في التصديق على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالرغم من الوعود الصادرة بذلك؛ يضاف إلى ذلك الإمتناع عن التصديق على النظام الإساسي للمحكمة الجنائية الدولية .

إن هيئات المجتمع المدني لازالت تتطلع منذ بداية انطلاقة مسيرة الإصلاح إلى غلق ملف ضحايا التعذيب، وتهيب بالسلطة التنفيذية إلى عدم التأخر في محاكمة المتسببين في التعذيب وتعويض ضحاياهم وتأهيلهم جسدياً ونفسياً، مما يساهم في تحقيق المصالحة الوطنية أسوة بالسلوك الحضاري الذي أقدمت عليه المملكة المغربية وجمهورية جنوب أفريقيا وبعض الدول في أمريكا الجنوبية. وما لم تبادر السلطة التنفيذية إلى ذلك فإن الملف سيظل مفتوحاً حيث أن أعمال التعذيب والأرواح التي أزهقت ستظل تؤرق ضمير المجتمع والعدالة، وخاصةً أن تلك الممارسات لا تسقط بالتقادم ما لم يتم محو آثارها عن طريق تبني آلية الحقيقة والمصالحة.

أن مجتمعنا وهو يحتفل بالذكرى 56 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لازالت تؤرقه محدودية حرية الصحافة؛ وما يتعرض له الصحافيون من مضايقات بموجب قوانين لا تتناسب ومعطيات المرحلة والانطلاقة المأمولة لوطننا، وتدعو إلى تبني قانون متقدم للصحافة والنشر يضمن حرية الصحافة والطباعة والنشر ويساهم في تعزيز حرية الرأي والتعبير، ويمَكِّن الصحافة من أداء دورها المنشود، ويبعد شبح الملاحقات والسجن والغرامات للكُتاب والعاملين في الحقل الصحافي.

وتثمن الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان ما تحقق من تطور في مجال العمل النقابي، وتتطلع إلى إزالة جميع العقبات لتشكيل النقابات في القطاع العام أسوة بما تحقق للقطاع الخاص، كما تدعو إلى تحسين الوضع المعيشي للمواطنين والحد من معدلات الفقر والبطالة وإزالة كافة أشكال التمييز بين المواطنين، والتوقف عن التجنيس السياسي حفاظاً على تماسك المجتمع ووحدته. كما تدعو هيئات المجتمع المدني والجهات الرسمية إلى إبداء اهتمام أكبر بقضايا العنف الذي تتعرض له المرأة والطفل والعمالة المنزلية. وتدعو إلى إصدار قوانين عادلة تضمن للمرأة حقوقها بما يتناسب مع إلتزام البحرين تجاه معاهدة القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو). كما تدعو إلى تعديل قانون العمل ، كما تدعو إلى استكمال الإنضمام لمعاهدات ومواثيق منظمة العمل الدولية المتعلقة بالعمال بما يصون الحقوق المهنية والإنسانية ويعزز كرامة جميع العمال بما في ذلك العمال الأجانب.

إن الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان وهي تحتفل مع مثيلاتها في دول العالم تذكر بما يتعرض له المعتقلون في غوانتنامو، ومعتقلي الرأي في المعتقلات والسجون في مختلف دول العالم. كما تحث الجهات المعنية في الدولة إلى بذل المزيد من الجهود لضمان سلامة مواطنيها المعتقلين في الخارج وبالأخص في غوانتانامو والعمل على إطلاق سراحهم وعودتهم إلى أهاليهم وذلك انطلاقاً من مسئولية الدولة تجاه مواطنيها .