25/1/2006

تعتبر الانتخابات من أهم ركائز أنظمة الحكم الديمقراطي، فمن خلالها يتمكن المواطن من ممارسة حقه في اختيار ممثليه من بين المرشحين في المجلس التشريعي. وهو بذلك يكون قد شارك في صنع القرارات والقوانين الأساسية المتعلقة بشئون حياته المختلفة. والانتخابات هي مطلب كل مواطن فلسطيني حرصا منه على تفعيل ممارسة الديمقراطية، وحفظ وصيانة الحقوق وتحقيق المتطلبات من خلال المشاركة الفاعلة في تجديد وتغيير قيادته وبرامجها وخطط عملها من فترة إلى أخرى عبر الانتخابات.

تهدف الانتخابات إلى تعزيز شرعية الأطر السياسية في أي قطر في العالم، وجعلها مقبولةً اجتماعياً وسياسياً. كما يتم بها ومن خلالها عملية تداول السلطة بشكل سلمي ودوري دون الحاجة إلى الانقلاب أو اللجوء إلى العنف. وهي بذلك تمنح المواطنين الفرصة الدورية لتجديد ثقتهم بالسلطة أو حجب الثقة عنها.

لقد بدأ الحديث عن الانتخابات التشريعية الثانية بعد ما يقارب عشر سنوات من عمر المجلس التشريعي الأول. وذلك عندما أصدر رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية المؤقت روحي فتوح مرسوماً رئاسياً بتاريخ 8/1/2005 حدد فيه 17/7/2005 موعداً لإجراء الانتخابات العامة للمجلس التشريعي الفلسطيني. ولكن بعد الانتخابات الرئاسية، أصدر الرئيس المنتخب محمود عباس مرسوماً رئاسياً جديداً بتاريخ 4/6/2005، قضى بتأجيل موعد الانتخابات التشريعية المقررة في 17/تموز/2005 إلى أجل غير مسمى. إلا أنه وبتاريخ 20/8/2005، أصدر مرسوماً رئاسياً آخراً حدد فيه موعد الانتخابات التشريعية في 25/كانون ثاني 2006.

ولقد جرت أول انتخابات تشريعية فلسطينية في العشرين من كانون ثاني عام 1996، حيث اختار الشعب الفلسطيني أول مجلس تشريعي. وقد تم انتخاب المجلس في حينه بناء على قانون الانتخابات الفلسطيني رقم (13) لسنة 1995 المطبق في ذلك الوقت. والذي جرى تعديله في (الثامن عشر من حزيران، 2005) بقانون الانتخابات المعدل رقم (9) لسنة 2005 والذي جرت على أساسه الانتخابات التشريعية الثانية في 25/1/2006. وقد حمل القانون المعدل في طياته التعديلات التالية: 1. زيادة عدد مقاعد المجلس التشريعي من (88) إلى (132) مقعدا.

2. تبني النظام الانتخابي المختلط، والذي يجري من خلاله توزيع المقاعد مناصفة بين كل من نظام الأغلبية( الدوائر) ونظام التمثيل النسبي( القوائم).

3. ضمان حد أدنى لتمثيل المرأة في القوائم الانتخابية.

النظام المتبع في الانتخابات التشريعية الثانية
أتبع النظام الانتخابي المختلط، والذي تم تبنيه من قبل قانون الانتخابات المعدل، وهو يجمع بين نظام التمثيل النسبي ونظام الأغلبية. فقد تم فيه توزيع المقاعد (132)، مناصفة بين النظامين. يختلف نظام الأغلبية عن نظام التمثيل النسبي في عدد من الأمور أهمها اعتماده على وجود عدد من المرشحين المتنافسين على مقاعد الدائرة الواحدة، بحيث يفوز المرشحون الذين يحصلون على أعلى عدد من الأصوات. أما نظام التمثيل النسبي فيعتمد على وجود عدد من القوائم المتنافسة، التي تفوز كل منها بعدد من المقاعد يساوي نسبة الأصوات الصحيحة التي حصلت عليه.

في نظام الأغلبية يقسم الوطن إلى دوائر حددها القانون ب (16) دائرة، (11) منها في الضفة الغربية، و(5) في قطاع غزة. وهذه الدوائر هي ( القدس، جنين، طولكرم، طوباس، نابلس، قلقيلية، سلفيت، رام الله والبيرة، أريحا، بيت لحم، الخليل، شمال غزة، غزة، دير البلح، خانيونس، ورفح. وعدد المقاعد هي (66) مقعداً موزعة على الدوائر (16)، ويختلف عدد المقاعد في كل دائرة عن الدائرة الأخرى بحيث تم تخصيص عدد من المقاعد لكل دائرة بما يتناسب مع نسبة السكان فيها هذا ويوجد في كل دائرة انتخابية عدد من المرشحين يتنافسون على المقاعد المخصصة لتلك الدوائر، هذا وتم تخصص (6) مقاعد للمسيحيين من المقاعد (66) المخصصة لنظام الأغلبية هذا وتتوزع مقاعد المسيحيين في دائرة القدس (مقعدان)، ودائرة رام الله (مقعد واحد)، دائرة بيت لحم (مقعدان) ودائرة غزة (مقعد واحد). كما يخصص القانون مقعداً واحداً للطائفة السامرية في دائرة نابلس. .

أما في نظام التمثيل النسبي، فيعتبر كل الوطن دائرة انتخابية واحدة، وعدد المقاعد (66) مقعداً توزع على القوائم المتنافسة. تحصل كل قائمة على عدد من المقاعد يتناسب مع نسبة مجموع عدد الأصوات الصحيحة التي حصلت عليها. وتترشح القوائم على مستوى الوطن، وتكون كل قائمة انتخابية قائمة مغلقة. ويتم ترتيب مرشحي القائمة بموجب توافق القائمة على ذلك. ويخصص حد أدنى لتمثيل المرأة في القائمة، بحيث تلتزم كل قائمة بتضمين الأسماء الثلاثة الأولى إسم امرأة واحدة على الأقل، وامرأة واحدة في كل أربعة أسماء تلي ذلك، وامرأة واحدة لكل خمسة أسماء تلي ذلك، كما يجب أن تتضمن القائمة عدداً من المرشحين لا يقل عن (7) ولا يزيد عن (66) مرشح.

الدعاية الانتخابية لمرشحي التشريعي:
الدعاية الانتخابية حق مكفول لكافة المرشحين وفق ما جاء في المادة رقم ( 59) من قانون الانتخابات الفلسطيني المعدل رقم (9) لعام 2005. تتمثل الدعاية الانتخابية بجملة من النشاطات والفعاليات الانتخابية القانونية التي تقوم بها الهيئات الحزبية المسجلة والمرشحون لإيصال وشرح برامجهم الدعائية للمواطنين الفلسطينيين أثناء الفترة المحددة للدعاية الانتخابية وفق القانون.

لقد بدأت الحملة الدعائية الانتخابية لمرشحي المجلس التشريعي يوم الثلاثاء الموافق 3/1/2006، على أن تنتهي هذه الفترة قانونياً يوم الثلاثاء الموافق 24/1/2006. ولن تكون هناك أي مظاهر دعائية يوم الاقتراع المقرر في 25/1/2006. هذا وقد سجل المركز خرقاً واضحاً في عملية الدعاية الانتخابية لمرشحي المجلس التشريعي، حيث شرع بعض المرشحين في البدء بحملاتهم الانتخابية قبل الموعد المحدد قانونياً لها. كما رصد المركز عبر مراقبيه الميدانيين، استمرار الحملة الانتخابية بعد انتهاء فترتها القانونية، حيث استمر البعض في ذلك إلى يوم الانتخابات نفسه في 25/1/2006 داخل مراكز الاقتراع.

كما رصد المركز أن بعض المرشحين للمجلس التشريعي قاموا بعقد جلسات انتخابية داخل مقار المؤسسات الحكومية ومراكز الشرطة، حيث عطلت بعض المؤسسات الحكومية(لبضع ساعات) أعمالها نتيجة اجتماع مرشحين بموظفي تلك المؤسسات. وكما قام مؤازري ومناصري بعض القوائم الانتخابية والمرشحين بتوزيع دعاية إعلامية داخل المساجد. كما استخدمت المساجد كنقاط انطلاق لمسيرات تأييد انتخابية. إن الحملات الانتخابية لبعض المرشحين انتابتها تجاوزات أخرى تمثلت في استخدام السيارات والهواتف الحكومية والمصادر البشرية الرسمية في الحملة الانتخابية، بالإضافة إلى انخراط عدد من مسئولي أجهزة أمنية في حملة بعض المرشحين. وكل ذلك مخالفات واضحة لأحكام ومواد قانون الانتخابات الفلسطيني الذي تمت بموجبه الانتخابات

1- مرحلة الاقتراع لقوى الأمن
لقد جرى اقتراع قوى الأمن خلال ثلاث أيام متتالية تسبق يوم الاقتراع الرسمي وهي الفترة من (21-23) يناير2006. حيث قامت لجنة الانتخابات المركزية بفتح عدد من مراكز الاقتراع الخاصة بقوى الأمن حسب عدد المسجلين في كل دائرة انتخابية. وعليه يحق لكل شخص مدرج اسمه ضمن أفراد قوى الأمن المختلفة، والذين تم تسليم أسمائهم للاقتراع المبكر من قبل وزارة الداخلية شرط أن يكون مسجلاً في سجل الناخبين.

والجدول التالي يوضح مراكز اقتراع قوى الأمن والتي تم اعتمادها من قبل لجنة الانتخابات المركزية في محافظات غزة:

ملاحظات المراقبين أثناء عملية الاقتراع المسبق لقوى الأمن
خلال تنقل مراقبين المركز داخل مراكز الاقتراع، لاحظوا أن هناك تجاوزات قانونية داخل تلك المراكز. تمثلت تلك التجاوزات في انتشار أعمال الدعاية الانتخابية داخل مراكز الاقتراع من قبل مؤازري القوائم الانتخابية والمرشحين من بين أفراد قوى الأمن. إضافة إلى ذلك، كان دخول بعض القادة الأمنيين لمراكز الاقتراع بصحبة حراسهم يحملون أسلحة نارية. وفي كثير من الأحيان، خلق وجود القادة وحراسهم الشخصيين حالة من الارتباك والفوضى والتدافع داخل مركز الاقتراع.

إضافة إلى ذلك، لم يشاهد المراقبين قوائم المنتخبين معلقة في مكان مخصص، حيث رفضت اللجنة المركزية للانتخابات نشر السجل الانتخابي الخاص بأفراد الأمن الفلسطيني رغم أن القانون الانتخابي ينص في المادة رقم (70) بوضوح على ذلك: ” تعلق نسخة واحدة من جدول الناخبين في مكان ظاهر في مركز الاقتراع لاطلاع الناخبين والمراقبين والمرشحين”. وفي ذلك مخالفة صريحة لمواد قانون الانتخابات المعدل.

2- مرحلة الاقتراع للانتخابات التشريعية (الاقتراع العام):
بدأت الانتخابات التشريعية يوم 25/1/2006، الساعة السابعة صباحاً حتى الساعة السابعة مساءً.حيث حصل الناخب على ورقتي اقتراع مختلفتين، تضم إحدى ورقتي الاقتراع أسماء عدد من المرشحين المتنافسين على مقاعد الدائرة الانتخابية الخاصة بالمقترع. يختار المقترع عدد من المرشحين بما لا يتجاوز عدد المقاعد المخصصة لتلك الدائرة. وتضم ورقة الاقتراع الثانية أسماء القوائم المتنافسة على مستوى الوطن، وعلى المقترع أن يختار قائمة واحدة فقط. هذا. ويوجد داخل كل محطة صندوقين للاقتراع، بحيث توضع كل ورقة اقتراع في الصندوق المخصص لها.

هذا وقد بلغ عدد المرشحين في الدوائر الانتخابية كلها على مستوى الوطن، حوالي(414 ) مرشحاً يتنافسون على (66) مقعداً من مقاعد المجلس والمخصصة للدوائر. منها (24) مقعد في قطاع غزة يتنافس عليها (149) مرشح، من بينهم (4) مرشحات. وقد بلغ عدد القوائم المرشحة للانتخابات على مستوى الوطن (11) قائمة حزبية، تضم (314) مرشح، من بينهم ( 70) سيدة مرشحة يتنافسون على (66) مقعد.

المرشحات وإجمالي عدد المرشحين النهائي في نظام القوائم


هذا وقد بدأ الاقتراع في الساعة السابعة صباحاً بحضور العديد من المراقبين الدوليين والمحلين والهيئات الحزبية. كانت الساعات الأخيرة في عملية الاقتراع تشهد إقبالاً ضئيلاً من قبل الناخبين الفلسطينيين، حيث أن أغلب المقترعين اقترعوا في الساعات الأولى من الصباح. هذا وقد بلغ عدد مراكز الاقتراع في قطاع غزة حوالي (254) مركز، و (988) محطة اقتراع، وقد بلغ عدد المراكز في الضفة الغربية (1008) مركز، و (2,721) محطة اقتراع. في حين بلغ عدد موظفي الاقتراع (17) ألف موظفاً موزعين على تلك المراكز ومحطاتها.

بلغ عدد الناخبين المسجلين في السجل الانتخابي حوالي (1,350,034) ناخباً، منهم (820,103) ألف ناخباً في مدينة القدس والضفة الغربية، فيما بلغ عدد الناخبين المسجلين في قطاع غزة (529,931) ألف ناخباً.

هذا وقد بلغ عدد الهيئات الحزبية المعتمدة للرقابة على الانتخابات التشريعية الثانية (14) هيئة حزبية مراقبة، بعدد من المراقبين وصل إلى (25713) مراقب معتمد من قبل لجنة الانتخابات المركزية. بالاضافة إلى ما يزيد عن (900) مراقباً دولياً. هذا إلى جوار ( 254) هيئة مراقبة محلية يمثلها حوالي (17268) مراقب.

– ملاحظات المراقبين أثناء عمليتيّ الاقتراع والفرز
شهدت الساعات الأولى لعملية الاقتراع إقبال المواطنين بكثافة عالية على عملية الاقتراع. وبالنظر إلى طبيعة التجاوزات التي حدث في بعض محطات ومراكز الاقتراع فإنها لا تؤثر في نزاهة الانتخابات بشكل عام. فالانتخابات التشريعية الثانية في فلسطين بلغت درجة عالية جداً من النزاهة والشفافية والدقة والموضوعية.

وخلال تنقل مراقبي المركز بين مراكز الاقتراع، اتضح استمرار مؤازري ومؤيديّ المرشحين بالدعاية الإعلامية لهم سواء كانوا ضمن القوائم أو من المستقلين. وهذا مخالفة صريحة لمواد قانون الانتخابات الفلسطينية والذي أوجب على ضرورة انتهاء عملية الدعاية الإعلامية للمرشحين قبل (24) ساعة من يوم الاقتراع. كما تمثل هذا التجاوز في أن بعض الفصائل الحزبية قد أرسلت رسائل إلكترونية عبر جهاز الجوال في يوم الاقتراع لحث المواطنين على انتخاب قائمة معينة.

بالاضافة إلى ذلك فقد لاحظ المراقبين أن عدد من المواطنين المسجلين في السجل الانتخابي، لم يجدوا أسماء هم في الأماكن التي سجلوا بها. مما أدى إلى حرمان بعض المواطنين من الحق في الاقتراع. حيث أشارت إحدى المواطنات وهي من سكان منطقة معسكر جباليا شمال مدينة غزة أنها لم تجد اسماً لها في المدرسة القريبة من منطقة سكناها حيث قامت بالاتصال على الرقم المجاني للجنة الانتخابات المركزية وأبلغوها بأن أسمها يوجد في المحافظة الوسطى في مخيم البريج. بالاضافة إلى ذلك أن هناك عدد من المواطنين لم يجدوا أسماء البتة لا في مراكز ومحطات الاقتراع التي سجلوا فيها ولا في غيرها.

بالإضافة إلى ذلك، فقد لاحظ مراقبي المركز أثناء عملية الفرز أن أجهزة الإنارة الإضافية لدى فرق العمل في محطات الاقتراع غير كافية من حيث العدد والحجم. فقد انفصل التيار الكهربائي في إحدى مراكز الاقتراع، ولم يكن هناك أجهزة إنارة طارئة (بطاريات) تكفي لإضاءة محطة الاقتراع أثناء الفرز. وهذا الأمر استدعى إحضار أجهزة إنارة إضافية من قبل المراقبين من المناطق القريبة من مركز الاقتراع.

كما لاحظ مراقبي المركز، وفي أحد مراكز الاقتراع في شمال غزة، حدوث لإطلاق الأعيرة النارية داخل مركز الاقتراع بصورة فردية. وقد تدخلت قوى الأمن، و تم تجاوز تلك المشكلة.

التوصيات:

  • بداية يثمن مركز غزة للحقوق والقانون الدور المركزي والريادي الذي قامت به لجنة الانتخابات المركزية من أجل إنجاح الانتخابات التشريعية إدارة وتنظيماً وتنفيذاً. فالملاحظ تميز دورها في الانتخابات التشريعية الثانية وتطوره عنه في الانتخابات السابقة سواء الرئاسية منها أو المحلية.
  • يثمن المركز دور المواطن الفلسطيني الذي ساعد بشكل كبير في إنجاح عملية الاقتراع. وهذا يعود إلى عمل تراكمي من العديد من المؤسسات الأهلية والحقوقية بجوار اللجنة المركزية للانتخابات في خلق الوعي الانتخابي القانوني من خلال التدريب والتوعية والتثقيف للمواطنين قبل عملية الاقتراع.
  • يثمن مركز غزة للحقوق والقانون دور قوى الأمن وتعاون كل من الهيئات الحزبية وهيئات المراقبة المحلية والدولية في إنجاح تلك الانتخابات.
  • يناشد مركز غزة للحقوق والقانون الهيئات الحزبية بضرورة عدم ممارسة الدعاية الانتخابية بعد انتهاء المدة المقررة قانونياً لها، وكذلك لجنة الانتخابات المركزية العمل على إنهاء هذه الظاهرة من خلال تفعيل وتطبيق القواعد الجزائية في قانون الانتخابات الفلسطيني يصدد تلك المخالفة.
    انتهى