10/3/2006

الإخوة في رئاسة الجلسة
السيدات والسادة الضيوف والمدعويين
الأخوات والإخوة المؤتمرين والمؤتمرات

باسم المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان أحييكم جميعا، كما أحيي بصفة خاصة ضحايا الانتهاكات الجسيمة وعائلات الضحايا. وباسم المكتب المركزي كذلك، أتمنى للمؤتمر الوطني الثاني للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف النجاح، كل النجاح بما يساهم في معالجة ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتبطة بالقمع السياسي على أسس ديموقراطية ومبدئية، قوامها الحقيقة، والمساءلة، والإنصاف بكل جوانبه، واتخاذ الإجراءات الهيكلية لتشييد مغرب ديموقراطي، لا مكان فيه للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

كم كنا نتمنى ألا يكون لنا منتدى مغربي للحقيقة والإنصاف كنتيجة منطقية للحل العادل والنهائي لملف الانتهاكات الجسيمة ولغياب هذه الانتهاكات ببلادنا. إلا أننا نسجل، وبكل أسف، أننا مازلنا في حاجة إلى المنتدى كتنظيم لضحايا الانتهاكات الجسيمة، وما زلنا كذلك في حاجة إلى هيئة المتابعة لنتائج المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة المشكلة من المنتدى والمنظمة والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ومازلنا في حاجة إلى التفاف كافة القوى الديموقراطية حول هذا الملف.

نعم، لقد اشتغلت هيئة الإنصاف والمصالحة لمدة حوالي السنتين منذ تأسيسها الرسمي في 07 يناير 2004، وأنهت أشغالها رسميا في 30 نونبر 2005 بالإعلان عن تقديم تقريرها النهائي. ورغم ذلك فإن ملف الانتهاكات الجسيمة لم ولن يطوى إلا في أذهان أولئك الذين لم يفتحوه أصلا أو الذين لم يكونوا يرغبون في إعادة فتحه.

إن ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتبطة بالقمع السياسي لازال وسيظل مفتوحا. وهذا ما تأكد لنا خلال ثلاث محطات من صيرورة هيئة الإنصاف والمصالحة:

أولا، بمجرد الإعلان عن إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة من خلال المصادقة الملكية يوم 06 نونبر 2003 على توصية المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في الموضوع، أكدنا في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن إنشاء الهيئة يتضمن جانبا إيجابيا أساسيا هو إعادة فتح ملف الانتهاكات الجسيمة رسميا مع إعادة فتحه على أساس جبر الضرر وليس فقط التعويض المالي. وقلنا كذلك أن إنشاء الهيئة هو تعاطي محدود مع مطالب الحركة الحقوقية وتوصيات المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة، مستنتجين أن الملف سيظل مفتوحا بعد انتهاء أشغال الهيئة لاعتبارات أربعة أساسية : أولها إقرار توصية المجلس الاستشاري باهتمام الهيئة بنوعين من الانتهاكات هما الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي مع استبعاد كافة الانتهاكات الجسيمة الأخرى، ثانيها حصر المدة الزمنية للانتهاكات الجسيمة في 1999 وعدم أخذ ما بعد هذا التاريخ بعين الاعتبار، ثالثها الموقف العدائي من المساءلة التي ربطت بالانتقام والحقد والفتنة، ورابعها الموقف الملتبس من مسألة الحقيقة نفسها والذي تبين من خلاله أن الهدف ليس هو الوصول إلى الحقيقة وإنما إلى أنصاف الحقائق.

ثانيا، من خلال تتبع وسائل استغال الهيئة ومجريات هذا الاشتغال اتضح لنا أن هنالك نواقص أخرى، انضافت إلى نواقص الأرضية التأسيسية للهيئة، تجسدت بالخصوص في ضعف امكانياتها على المستوى القانوني والعملي لفرض الوصول إلى الحقيقة وفي الموقف السلبي من الحركة الحقوقية ومن التعاون معها، وفي عدم التمكن من تحويل ملف الانتهاكات الجسيمة إلى قضية وطنية تحظى باهتمام وانشغال عموم المواطنات والمواطنين.

ثالثا، من خلال النتائج المتواضعة لأعمال الهيئة المتضمنة أساسا في التقرير النهائي، يتضح كذلك أن الملف لازال وسيظل مفتوحا.

ــ نلمس هذا على مستوى الحقيقة: الهيئة لم تصل سوى إلى بعض الحقائق الجزئية حول نوعية وحجم الانتهاكات المرتكبة. أين الحقيقة حول المقابر الجماعية؟ أين الحقيقة حول أحداث الريف وأحداث إكوفيون لنهاية الخمسينات؟ أين الحقيقة حول اختطاف واغتيال المهدي بنبركة؟ أين الحقيقة حول الطرود الملغومة ليوم 13 يناير1973؟ أين الحقيقة حول اختطاف المانوزي وحول اغتيال زروال وعمر بنجلون والتهاني أمين؟ أين الحقيقة حول الانتهاكات الجسيمة المرتبطة بنزاع الصحراء؟ أين الحقيقة حول اغتيال مصطفى الحمزاوي؟ أين وأين وأين؟
ثم أين؟ الحقيقة بشأن المسؤوليات عن الانتهاكات الجسيمة؟ لماذا تتم محاولة تمييع مسؤولية الدولة؟ لماذا تغييب المسؤوليات الدقيقة لمختلف مؤسسات وأجهزة الدولة؟ ناهيك عن تغييب تحديد المسؤوليات الفردية وهو التغييب المبرمج في الأرضية التأسيسية للهيئة.

ــ نلمس النتائج كذلك على مستوى المساءلة التي تم تغييبها كإجراء سواء كمساءلة قضائية أو حتى إدارية. لكننا نسجل للهيئة تراجعها عن الموقف التبخيسي لمفهوم المساءلة بطرحها لتوصية حول وضع استراتيجية وطنية لعدم الإفلات من العقاب مستقبلا مما يعيد على الأقل الاعتبار للمفهوم.

ــ نلمس كذلك النتائج المتواضعة على مستوى الإنصاف، وهنا يمكن أن نسجل النواقص الأساسية التالية: أولا ضعف عدد المستفيدين من مختلف أصناف جبر الأضرار والذي يصل إلى أقل من عشرة آلاف في حين أن عدد الملفات المقدمة للهيئة يصل إلى 52000 ملف منها 22000 ملف في الآجال المحددة و 30000 خارج الآجال. ثانيا، ضعف مقدار التعويضات المرتقبة، والتي لم تصرف لحد الآن، بالمقارنة مع نتائج هيئة التحكيم المستقلة، ثالثا على مستوى الإجراءات المتعلقة بحفظ والذاكرة، وهنا اسمحوا لي أن أعبر عن احتجاج الجمعية القوي على تخريب الذاكرة المتجسد بالخصوص في تهديم معتقل تازمامارت ضدا على كل المطالب والتوصيات في هذا المجال. رابعا اعتذار الدولة الرسمي والصريح لم يتم لحد الآن. ويدرك الجميع أن هذا الاعتذار لن يكون له معنى وقيمة سياسية وحقوقية إلا إذا تم من طرف المسؤول الدستوري الأساسي عن الدولة وهو في بلادنا الملك وليس الوزير الأول.

ــ نلمس تواضع نتائج أشغال هيئة الإنصاف والمصالحة كذلك من خلال التوصيات المطروحة لعدم تكرار الانتهاكات الجسيمة مستقبلا. إننا في الجمعية نعتبر أن التوصيات إيجابية عموما وهي في الحقيقة تجسيد لعدد من مطالب الحركة الحقوقية والديموقراطية ببلادنا. إلا أننا من جهة، نعبر عن تخوفنا من ضعف الإرادة الرسمية لتجسيدها على أرض الواقع مما يفرض على الحركة الحقوقية والديموقراطية عامة أن تجد الآليات للضغط من أجل إعمالها، ومن جهة أخرى نعتبرها جزئية وناقصة بالمقارنة مع المتطلبات الجوهرية لعدم تكرار الانتهاكات الجسيمة مستقبلا.

إننا في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان نعتبر أن السبب الجوهري للانتهاكات الجسيمة يكمن في سيادة العلاقات المخزية بدل دولة الحق والقانون وسيادة مجتمع الرعايا بدل مجتمع المواطنة.

لذا نحن نقول لكل من يهمه الأمر، وللشعب المغربي وقواه الحية أساسا، خلصونا من العلاقات المخزنية ومن مجتمع الرعايا وأعطونا دولة الحق والقانون ومجتمع المواطنة، أعطونا دستورا ديموقراطيا في خدمة حقوق الإنسان، وقوانين منسجمة مع المرجعية الحقوقية الكونية، وقضاء مستقلا نزيها وكفئا واقتصادا في خدمة المجتمع وكفيلا بضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعموم المواطنات والمواطنين؛ حققوا هذه المطامح الجوهرية، وسيكون لنا، وبكل تأكيد مغرب ومستقبل بدون انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

أيها الإخوة المؤتمرين والمؤتمرات،

أريد أن أؤكد في الأخير، أن ضحايا الانتهاكات الجسيمة، وعموم الحركة الديموقراطية مازالوا في حاجة، أكثر من أي وقت مضى لمنتدى قوي، بمرجعية حقوقية كونية ثابتة، موحد ووحدوي، متبصر ومكافح للمعالجة الديموقراطية لملف الانتهاكات يدا في اليد مع الجمعية والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومع سائر مكونات الحركة الديموقراطية ببلادنا.

لهذه الغاية نحن في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان نتمنى ونريد لأشغالكم أن تسير في اتجاه النجاح الكامل لمؤتمركم الثاني، والسلام عليكم.

عبد الحميد أمين
رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان