29/1/2008
الوقائع:
بتاريخ 15\6\2007 اتخذت حكومة الاحتلال الإسرائيلي قرارا بتشديد حصار قطاع غزة.
بتاريخ 19\9\2007 اتخذت حكومة الاحتلال المصغرة قرارا باعتبار قطاع غزة كيانا معاديا, الأمر الذي ترتب عليه منع دخول الاحتياجات الأساسية لقطاع غزة , فضلا عن استمرار العمليات العدوانية ضد السكان المدنيين الفلسطينيين في القطاع.
بتاريخ 19\1\ 2008 اتخذت حكومة الاحتلال الإسرائيلي قرارا بمنع تزويد قطاع غزة بالوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة, و كذلك منع الأنواع الأخرى من الوقود الأمر الذي ترتب عليه توقف الحياة بصورة أفضت إلى كارثة إنسانية و بالتحديد على ” القطاع الصحي”
بتاريخ 21\1\2008 وجه السيد جون غينغ مدير عمليات وكالة الغوث الاونروا في الأراضي الفلسطينية نداء عاجلا إلى العالم للتدخل لحل الأزمة الإنسانية وحماية السكان في القطاع غزة, مناشدا العالم التدخل العاجل لإنقاذ غزة من الظلام الذي تعيشه بسبب توقف عمل محطة توليد الطاقة. كما أعلنت الوكالة أن دولة الاحتلال قد منعت إدخال المساعدات الإنسانية كافة إلى قطاع غزة الأمر الذي سيترتب عليه توقف عمليات الإغاثة كافة.
بتاريخ 22\1\2008 حذرت دوروثيا كريميتساس الناطقة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر من خطر “انهيار كامل” للبنية التحتية في قطاع غزة الخاضع لحصار إسرائيلي, وقالت دوروثيا كريميتساس للصحفيين أن الإجراءات التي اتخذت في إطار هذا الحصار “لها كلفة إنسانية كبرى وقد طلبنا من إسرائيل أن ترفع فورا كل الإجراءات الانتقامية”. وأوضحت أن “الشعب يجد نفسه رهينة هذا النزاع ويعاني من عواقبه الخطيرة”, حيث تواجه المستشفيات بشكل خاص نقصا في المواد الغذائية والكهرباء. وتابعت “هناك نقص في الكثير من الأدوية التي يجب إعادة تشكيل مخزونها, وإلا فان المستشفيات ستضطر لإغلاق أبوابها”.
بتاريخ 12- 22 و صباح 23\2008 بدأت حركة اعتراضات شعبية ضد إغلاق قطاع غزة أخذت شكل عنف في الأراضي الفلسطينية المحتلة و بالتحديد في قطاع غزة تجاه معبر رفح, و بعض الدول العربية و الأوروبية الأمر الذي كان ينذر بخلق حالة من عدم الاستقرار في منطقة من أكثر مناطق العالم توترا واضطرابا تهدد السلم و الأمن.
بتاريخ 23\1\2008 فتح معبر رفح الحدودي أمام مئات الآلاف من السكان المدنين الفلسطينيين للعبور إلى الجانب المصري بهدف التزود بالاحتياجات الضرورية منعا لكارثة إنسانية.
بتاريخ 24\1\2008 قال ماتان فيلناي نائب وزير الدفاع أن إسرائيل تريد أن تقطع صلاتها تماما مع غزة من خلال تسليم مسؤولية إمدادات الكهرباء والمياه والدواء لجهات أخرى. وقال مسؤول أمني إسرائيلي أن على مصر تولي هذه المسؤولية”, وأضاف فيلناي “علينا أن ندرك أنه عندما تكون غزة مفتوحة على الجانب الآخر فإننا نفقد المسؤولية عنها. لذا نريد الانفصال عنها.”
المعالجة القانونية:
تحاول هذه المذكرة الإجابة على التساؤل التالي: ما مدى توافق ما قامت به جمهورية مصر العربية و مبادئ القانون الدولي.
للإجابة على هذا السؤال يجب الإشارة إلى أن ما قامت به جمهورية مصر العربية من تمكين السكان الفلسطينيين المدنيين من التزود بالاحتياجات الأساسية يتفق تماما و احترامها لمبادئ القانون الدولي على التفصيل التالي.
أولا: أن الوقائع المشار إليها أعلاه تقيم الدليل بما لا يدع مجالا للشك على وقوع كارثة إنسانية في قطاع غزة, الأمر الذي تطلب تدخلا للحفاظ على حياة هؤلاء السكان المدنيين .
ثانيا: احترام الاتفاقيات الدولية التي تتعلق بمعبر رفح و الالتزامات التي تنشئها:
معبر رفح هو واحد من خمسة معابر سمحت بها سلطات الاحتلال لقطاع غزة وهو المعبر الوحيد بين غزة ومصر و هناك معبرا آخر بين غزة ومصر يخضع لسلطات الاحتلال هو معبر كرم أبو سالم ( كيريم شالوم ).
يتحكم في تنظيم الحركة بالمعبر عدد من الاتفاقيات هي :
- اتفاقية المعابر الإسرائيلية الفلسطينية الموقعة في 15 نوفمبر2005 وهو ما يسمى باتفاقية المعابر.
- اتفاق اسرائيلى اوروبى فلسطيني لمراقبة المعبر وهو اتفاق لاحق للاتفاقية السابقة ومترتب عليها.
- الاتفاق المصري الاسرائيلى الموقع في أول أغسطس 2005ومعروف باسم اتفاق فيلادلفى و المبرم بعد الثاني عشر من أيلول 2005 حيث أنهت دولة الاحتلال الإسرائيلي خطة فك الارتباط أحادي الجانب مع قطاع غزة..
- اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل الموقعة في 29 مارس 1979.
تنفيذا لبنود هذه الاتفاقيات رغم ما تتضمنه من شروط مجحفة فإن كلا من جمهورية مصر العربية و السلطة الوطنية الفلسطينية قد التزمتا ببنود هذه الاتفاقيات. في الوقت نفسه فإن المتتبع لتصرفات دولة الاحتلال الإسرائيلي, يجد إنها، لم تتنازل عن السيطرة على قطاع غزة. إذ لم يعاني الفلسطينيون من وضع اقتصادي, وإنساني واجتماعي متدنٍ خلال 40 سنة من الاحتلال كالذي يعانونه اليوم. إن فرض تقييدات شديدة على تنقل السكان وعلى البضائع من وإلى القطاع، أدت إلى أزمة إنسانية لم يشهدها القطاع خلال 40 سنة من الاحتلال.
كما قامت دولة الاحتلال الإسرائيلي بانتهاك ليس فقط لهذه الشروط الواردة في بنود هذه الاتفاقيات بل أيضا بانتهاك التعهدات الملقاة على عاتقها بتمكين المؤسسات المدنية و الإنسانية و الاغاثية من العمل في القطاع وبتسهيل عملها. إذ أن هنالك التزامات قانونية تتحملها دولة الاحتلال الإسرائيلي تجاه السكان المدنين في قطاع غزة في مجالات الحياة المختلفة التي تسيطر عليها إسرائيل مباشرة أو تؤثر عليها. هذه الالتزامات تحملها المسؤولية وفقًا لقواعد القانون الدولي الإنساني، وقوانين حقوق الإنسان الدولية.
ثالثا: تنفيذ قاعدة الحق في المساعدة الدولية الإنسانية:
في هذا الجانب يجب استيضاح آمرين غاية في الأهمية، أولهما إن نعرف بصفة عامة المساعدة الدولية الإنسانية والتي تعنى “كل عمل مستعجل لضمان بقاء أولئك المتأثرين بنزاع مسلح دولي أو غير دولي أو كارثة أيا كانت طبيعتها “، أما الأمر الثاني ويتمثل في تنوع المصطلحات النظيرة لمصطلح المساعدة الإنسانية والتي حفلت بها الحياة الدولية، ومنها “إمدادات الإغاثة الدولية ” و “عمليات الإغاثة الدولية “و “تسليم الإغاثة الإنسانية ” فان جميعها تعطى نفس المدلول.
إن الدفع بانطباق قاعدة الحق في المساعدة الإنسانية في حالة فتح الحدود بين جمهورية مصر العربية و فلسطين (قطاع غزة)، فان الأمر يتطلب إذن إيجاد الأسس القانونية لهذه القاعدة، وذلك على اعتبارها منطلق أساسي لمعالجة أي موضوع قانوني بصفة عامه، فأنه باختصار أساس الحق في المساعدة الإنسانية يأخذ معنى سبب وجوده، بمعنى لماذا وجد؟
أنصار هذا الحق قدموا الكثير من المبررات الأخلاقية والقانونية باعتبارها أساس بموجبه يعمل بقاعدة الحق في المساعدة الإنسانية، فمن المبررات الأخلاقية التي ساقوها وعلى رأسها أيضا اعتبار الحق في المساعدة الإنسانية التزاما أخلاقيا ينبع من الشعور بالعاطفة الإنسانية الخالية من أي مصلحة، على اعتبار إن العون المتقدم غايته خدمة هدف نبيل، ويضيفوا بأن ما يجعل من المساعدة الإنسانية ضرورة أخلاقية تجسيدها من خلال مبدأين أساسين في القانون الدولي أولهما مبدأ التضامن، ومبدأ الكرامة الإنسانية.
أما المبررات القانونية تتمثل أساسا فيما جاء النص عليه في الميثاق الأمم المتحدة وخصوصا المادة الأولى الفقرة الثالثة من ضرورة تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل ذات الصبغة الإنسانية، وكذلك يؤكد أنصار الحق في المساعدة الإنسانية بان التزام الدول باحترام حقوق الإنسان يعد أساس ومبرر قانوني له.
و عليه فإنه في الوقت الذي يعتبر تدخل جمهورية مصر العربية لمنع وقوع كارثة إنسانية في قطاع غزة على النحو الوارد بيانه هو إعمالا لمبدأ الحق في المساعدات الإنسانية, يعتبر مؤشرا على عدم احترام دولة الاحتلال الإسرائيلي لحقوق الإنسان الأساسية رغم مطالبتها تسهيل عمل المنظمات الدولية و الاغاثية في إدخال وتقديم المساعدات الدولية. و كذلك يعتبر دليلا على تدهور حالة احترام حقوق الإنسان في قطاع غزة رغم أن غاية الحق في المساعدة الإنسانية هي التخفيف من معاناة الإنسان.
رابعا: العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:
قرار جمهورية مصر العربية يتفق و نص المادة (11) و المادة (12) من العهد الدولي حيث تنص المادة (11)
1. تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية. وتتعهد الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لإنفاذ هذا الحق، معترفة في هذا الصدد بالأهمية الأساسية للتعاون الدولي القائم على الارتضاء الحر.
2. . واعترافا بما لكل إنسان من حق أساسي في التحرر من الجوع، تقوم الدول الأطراف في هذا العهد، بمجهودها الفردي وعن طريق التعاون الدولي، باتخاذ التدابير المشتملة على برامج محددة ملموسة واللازمة لما يلي:
-
- (أ) تحسين طرق إنتاج وحفظ وتوزيع المواد الغذائية، عن طريق الاستفادة الكلية من المعارف التقنية والعلمية، ونشر المعرفة بمبادئ التغذية، واستحداث أو إصلاح نظم توزيع الأراضي الزراعية بطريقة تكفل أفضل إنماء للموارد الطبيعية وانتفاع بها،
- (ب) تأمين توزيع الموارد الغذائية العالمية توزيعا عادلا في ضوء الاحتياجات، يضع في اعتباره المشاكل التي تواجهها البلدان المستوردة للأغذية والمصدرة لها على السواء.
كما تنص المادة (12)
1. تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه.
2. تشمل التدابير التي يتعين على الدول الأطراف في هذا العهد اتخاذها لتأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق، تلك التدابير اللازمة من أجل:
-
- (أ) العمل علي خفض معدل موتي المواليد ومعدل وفيات الرضع وتأمين نمو الطفل نموا صحيا،
-
- (ب) تحسين جميع جوانب الصحة البيئية والصناعية،
-
- (ج) الوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها،
- (د) تهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض.
لكل ما سبق:
- فإن قرار جمهورية مصر العربية بالسماح للسكان المدنيين الدخول إلى أراضيها للتزود بالاحتياجات الأساسية, و عدم السماح بتجويعهم كما ورد على لسان رئيس الجمهورية يتفق و مبادئ القانون الدولي و الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة, و أن أي محاولة من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي بتفسير الأمر على غير حقيقته, أو استغلاله بما يتفق مع أهدافها العدوانية تجاه السكان المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة هو محاولة بائسة لا يمكن أن يعتد بها ولا يمكن أن يعفيها من التزاماتها بموجب القانون الدولي و القانون الدولي الإنساني.
- أن أقوال فلنائي الإسرائيلي ، بضرورة تكفل جمهورية مصر العربية بالشؤون الإنسانية تجاه سكان قطاع غزة ينطوي على محاولة نقل أعباء نتائج انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني التي ارتكبتها دولة الاحتلال إلى الغير غير آبهة بالالتزامات المترتبة عليها جراء هذه الانتهاكات, فضلا عن كونه ينطوي على مخاطر كبيرة على مستقبل القطاع السياسي.
- أن اجتياز السكان المدنيين للحدود المصرية جاء نتيجة طبيعية للحصار الإسرائيلي المشدد ضد هؤلاء السكان وحرمانهم من التزود بالمواد الأساسية و من ابسط حقوقهم المتمثلة في حرية التنقل والسفر وتلق العلاج.
- أن قطاع غزة لازال يقع تحت الاحتلال الإسرائيلي الحربي وأن دولة الاحتلال ملزمة بموجب القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة بالوفاء بالتزاماته المتعلقة بحماية المدنيين ومراعاة احتياجاتهم الإنسانية وعدم المس بأي حق من حقوقهم المكفولة نصا في القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني تنفيذا الشرط القانوني المعروف ب “السيطرة الفعلية” التي تمارسها على قطاع غزة من خلال:
- السيطرة على المعابر للعالم الخارجي في القطاع.
- السيطرة على الأرض من خلال دخول القوات العسكرية إلى القطاع والخروج منها وخلق “مناطق عزل” يُمنع السكان من دخولها أو التنقل داخلها.
- السيطرة الجوية التامة على قطاع غزة.
- السيطرة التامة على المياه الإقليمية.
- السيطرة على السجل السكاني الفلسطيني (بما في ذلك السيطرة على تعريف من هم “سكان” غزة”).
- السيطرة على قدرة السلطة الوطنية الفلسطينية باستعمال صلاحياتها السلطوية.
- السيطرة على الضفة الغربية التي تشكل امتدادًا لقطاع غزة، وتعتبران وحدة جغرافية واحدة.
- أن الهدف من وراء تصريحات فلنائي هو محاولة لترسيخ للفصل السياسي والجغرافي لقطاع غزة عن الضفة الغربية”، الأمر الذي يستدعي ضرورة إفشال هكذا محاولة من خلال التمسك بالمبدأ القانوني أن الضفة الغربية وقطاع غزة و القدس هي وحدة جغرافية وسياسية واحدة يجب عدم المساس به تحت أي ظروف.