28/4/2008

نظمت مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان في غزة ورشة عمل يوم الأحد الموافق 27/4/2008بعنوان ” الخطاب الإعلامي المحلي ومدي تأثيره علي الرأي العام ” ، وذلك في قاعة فندق المارنا هاوس ، تحدث فيها كل من الدكتور سمير زقوت أخصائي في برنامج غزة للصحة النفسية , و د . عبد الرحمن أبو النصر عميد كلية الحقوق في جامعة الأزهر ، وأ. محسن الإفرنجي عميد في قسم الصحافة والإعلام بالجامعة الإسلامية , والسيد بول ليفوري خبير في حل النزاعات من مؤسسة(RTC) ، وأدار اللقاء أ. خليل أبو شمالة المدير التنفيذي لمؤسسة الضمير لحقوق الإنسان .

وتم في اللقاء الذي حضره عدد من الصحفيين وممثلي الوكالات الأجنبية وناشطين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان, استعراض لواقع الخطاب الإعلامي وأثره الاجتماعي والنفسي , و مدي تأثيره علي نشر ثقافة حقوق الإنسان , وأهم المعايير الدولية والتشريعات المحلية التي ألزمت الصحفي بصياغة رسائله الإعلامية في الخطاب الإعلامي.

وفي مداخلة للسيد محسن الإفرنجي أوضح خلالها إلىأن الخلافات السياسية الفلسطينية انعكست على أداء العديد من المؤسسات الإعلامية و أفرزت أوضاعا غير مقبولة وسجلت عددا من الانتهاكات من أبرزها: منع فضائية الأقصى من العمل في الضفة الغربية و اعتقال و ملاحقة عددا من طاقمها الصحفي و تقديم بعضهم إلى محاكمات لا تستند إلى أي صفة قانونية إلى جانب منع توزيع صحيفتي الرسالة و فلسطين في أرجاء الضفة الغربية و التضييق بصورة واضحة و فاضحة على الحريات الصحفية في الضفة .

وعلى صعيد الانتهاكات ضد الصحافة في غزة أوضح الإفرنجي أنه تم التعرض و الاعتداء على الصحفيين في أكثر من حادثة و موقع كما تم منع طاقم تلفزيون فلسطين في غزة من تغطية الأحداث إلى جانب منع توزيع صحيفة الأيام في غزة .

ولخص تأثيرات التغطية الإعلامية على حقوق الإنسان في تشويه صورة الشعب الفلسطيني أمام العالم و ترسيخ لغة التحريض و التخوين و التكفير و استنزاف الجهود في الرد و الرد المضاد و العمل على توتير الأجواء و تسميمها ومصادرة الحريات و الآراء مع الاعتداء على حق المواطنين في الحصول على المعلومات الصادقة حول مجريات الأحداث .

وتابع بقوله:لقد تم التضحية بالموضوعية و المصداقية و الحيادية لحساب الفئوية و الحزبية مما عمق الخلاف بين أبناء الشعب الفلسطيني و زاد من إثارة النعرات العشائرية و الحزبية .

وتطرق إلى مخاطر التلاعب بالألفاظ و المصطلحات المستخدمة لتوصيف الأحداث خدمة لأهداف خاصة مع العمل على تضخيم بعض الأحداث تحقيقا للإثارة الموتورة و تزييف الحقائق و محاولة تزييف وعي الجماهير علاوة على الابتعاد عن تناول و طرح القضايا الرئيسة و الجوهرية و إهمالها.

وقال الإفرنجي إن الحزبية الضيقة و الفئوية في العمل الإعلامي الفلسطيني كشرت عن أنيابها و استطاعت أن تقهر المهنية و أن الصحفيين بإرادتهم أو رغما عنهم ووجدوا أنفسهم في أتون المعركة الدائرة لدرجة أن بعضهم أصبح جزءا رئيسا من صناعة الأزمة القائمة مما ألقى بتداعياته السلبية على الشارع الفلسطيني.

وعن التوصيات دعا الإفرنجي مؤسسة الضمير إلى الإسراع بتشكيل اللجنة الفلسطينية لمنع التحريض في وسائل الإعلام المحلية على أن تضم نشطاء حقوقيين و إعلاميين محايدين و نقابين و أكاديميين لتبدأ عملها الجدي بمراقبة أداء وسائل الإعلام بقصد وقف موجة التحريض و تقويم الأداء. مطالبا من كل صحفي فلسطيني إلى طرح مبادرة ذاتية لإصلاح الوضع القائم و تصويب مسار الإعلام الفلسطيني لوقف حالة الانفلات الإعلامي التي تعد أخطر من حالة الانفلات الأمني التي كانت سائدة.ومؤكدا على ضرورة تحييد الصحفيين عن التجاذبات السياسية و الخلافات القائمة حتى نكون بالفعل أدوات فاعلة لضمان احترام حقوق الإنسان بدلا من أن نكون أداة للتوتير و إذكاء الفتن و الخلافات

من ناحيته أوضح د.سمير زقوت بان المرادفات اللغوية المستخدمة في الخطاب الإعلامي المحلي له أثار نفسية واجتماعية وذلك يتضح من خلال استخدام بعض وسائل الإعلام الفلسطينية مرادفات لغوية تحض علي الكراهية وتصف الآخر بالخيانة , و في كثير من الأحيان لم يعد لديها ما تقوله سوى تلك الألفاظ التحريضية, وبالتالي تحول الإعلام إلي إعلام حزبي “.

وأشار زقوت إلي أن اللغة الإعلامية تلعب دورًا أساسيا في منظومة الإعلام في جميع مجالاته السياسية والثقافية والتعليمية , ويمكن القول أن سلوك الجماعات اللغوية هو انعكاس مباشر لما يتلقونه من رسائل إعلامية لغوية . وقد أكد علماء الاجتماع أن اللغة تلعب اللغة دورًا أساسيًا في إحداث التماسك الاجتماعي , فاللغة هي التي تغزل النسيج المجتمعي في شبكة من علاقات التواصل سعيًا لتحقيق الوفاق بين أفراد المجتمع وجماعاته ومؤسساته , فلا وفاق بلا لغة ولا مجتمع معلومات حقيقيًا بلا وفاق ”

ونوه زقوت إلي أن الاستخدامات اللغوية تعكس الأنماط الأيديولوجية الغائرة داخل الكيان المجتمعي , وستظل اللغة ممارسة اجتماعية , أي أنها ليست وسيطًا بريئًا للتواصل , ولا سبيل للكشف عن صورتها الأيديولوجية الكامنة , ومواكبة سرعة التغير الاجتماعي , إلا من خلال رصد اللغة وهي تعمل في سياقها الواقعي , وتحليلها تحليل لغوي ” مؤكدا أن الإعلام مرآة حقيقية للمجتمع والبيئة التي يصدر عنها وفيها ، ينقل هموم الناس وآمالهم ويعالجها ، وهو ما لا نجده في إعلامنا الفلسطيني أحيانا لسبب بسيط جدا أن السياسة هي التي تتحكم في الكلمات والصور التي تنشرها وسائل الإعلام ” موضحا الآثار السلبية المترتبة علي الاشتباك اللفظي في الإعلام بين فتح وحماس قبل أحداث يونيو وأثناءها وبعدها علي كل من الفرد والمجتمع الفلسطيني ، إذ يسجل علي هذه الوسائل الإعلامية لجوئها إلي لغة التحريض وزرع الأحقاد والكراهية وتنمية التعصب ورفض الآخر. وكان من المؤسف أن توظّف تلك الوسائل في بث ما يشبه أعمال الدعاية الحربية. ولعل هذا الدور السلبي كان مقدمة للحرب التي دارت بين الطرفين المتخاصمين , فلا توجد حرب عسكرية دون أن يسبقها حرب إعلامية”.

وخلال الورشة عرض د. زقوت عبر شاشة العرض مجموعة من الأخبار والصور التي أوردت عبر وسائل الإعلام سواء كانت الصحف أو مواقع الانترنت أو الإذاعات والتلفزيونات المحلية , وكانت اغلبها عناوين رئيسة للأحداث والتي استخدمت فيها كلمات ومصطلحات قد يكون فيها نوع من المبالغة أو تحميل الموقف أكثر مما يحتمل الأمر الذي يمكن وصفه على أنه رسالة سلبية تجعل الإعلام مساهماً في تأجيج التوتر وتعميق الخلافات من خلال إيراد كلمات أو صفات فيها مبالغة وتهويل , مثل كلمة ” فتنة ” لوصف الأحداث التي حدثت في غزة والضفة , وهذا الوصف فيه اجتهاد ووجهة نظر أكثر مما فيه من موضوعية ودقة في وصف الحدث , بل فيه رسالة غير مباشرة يفهم منها أن الوضع بات في مرحلة اللاعودة عن الاختلاف ,فالكلمة تعطي إشارة سيئة ورسالة عامة قد يفهمها البعض بمفاهيم تعزز الانقسام والتوتر والشرذمة”.مؤكدا بان الإعلام هو الوسيلة السهلة في التأثير على الناس المتلقين ، وباللغة التي تتناسب مع قوة ذلك التأثير على عقولهم ، وكيفية اختراقها ، ولاسيما أن تعدد الوسائل الإعلامية أتاح للقائمين عليها حرية الحركة وتحقيق الأهداف , ولغة الحوار مع المتلقين عن بعد ، وبناء عليه وصل الفلسطيني به الحد في صراعه على السلطة إلي انتهاك حرية الصحافة حيث قامت الأجهزة الأمنية بحملات ضد وسائل الإعلام في المنطقة التي تسيطر عليها كل من الحكومتين . وبالرغم من الدعوات المتكررة لم يتوقف التحريض الإعلامي من قبل الساسة الفلسطينيين بل إن هذا التحريض يتفاقم “مستخلصا حديثه بان شطط الساسة في التحريض الإعلامي والسياسي وشطط الإعلاميين في الخروج على الأسس والمبادئ المهنية قد حول الصحفيين بسرعة نحو التحريض بعيدا عن النقل المهني المحايد للحقيقة وفقد كثير من الصحفيين حياديتهم في حمأة الصراع الحالي الدائر , وبالتالي تحول تركيز الإعلام الفلسطيني بشكل عام من التناقض الرئيسي مع الاحتلال إلى تناقضات ثانوية داخلية بين فصائل النضال الوطني من أجل الحرية وتقرير المصير .

وفي ذات الإطار أكد د. عبد الرحمن أبو النصر القواعد القانونية الدولية والمحلية التي ألزمت الصحفي بصياغة رسائله الإعلامية موضحا ذلك بالاتفاقات الدولية التي نصت علي حماية حق حرية الرأي والتعبير , مع تقيد هذا الحق في أضيق نطاق وذلك من خلال احترام حقوق الآخرين وسمعتهم فالهدف من حرية التعبير هو إثارة الرأي العام ومده بالمعلومات المفيدة وليس التعرض لسمعة الآخرين وشتمهم ”

وذكر أبو النصر ” أن حرية التعبير تعتبر تهديدا للأمن القومي إذا ثبت أن هناك علاقة مباشرة بين التعبير واحتمال وقوع العنف , ولذلك قيد العهد الدول في مادته( 20) والتي تنص مادته علي القيود التي تتعلق بخطر الدعاية للحرب والدعوة للكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية أو التمييز العنصري وتجريم نشر الأفكار القائمة علي أساسها ” مشيرا إلي بعض من التشريعات الفلسطينية التي نظمت العمل الصحفي في القانون الأساسي في المادة (19), والمادة (3) التي تنص مادته علي أن تمارس الصحافة مهمتها بحرية في تقديم الأخبار والمعلومات والتعليقات وتسهم في نشر الفكر والثقافة والعلوم في حدود القانون وفي إطار الحفاظ علي الحريات والحقوق والواجبات العامة واحترام حرية الحياة الخاصة للآخرين وحرمتها “.

وعن الدور المهم للخطاب الإعلامي في التأثير علي الرأي العام وعلي المجتمع قال السيد بول خبير في حل النزاعات من مؤسسة(RTC) ” بان الإعلام يلعب دور مهم في كافة مناحي المجتمع و وهذا ما لمسته من خلال واقع تجربتي المهنية ” ووصف بول تجربته بأنها ممتلئة بالقصص التي تبين وتوضح مدي خطورة الإعلام في حال تم استخدامه بهدف التضليل و الدعاية,و أضاف بول بان اغلب النزاعات والصراعات الموجودة في العالم سببها الحزبية والتمسك بوجهة النظر الواحد , وهذا يحدث في كل دول العالم , فالإعلام يخدم مصلحة محددة ” وتحدث بول عن التجربة الإعلامية في( بريطانيا ,وايريلاندا ) حيث الإعلام البريطاني اتهم الايرلاندين بأنهم إرهابيين ومجرمين ولكن وجهة نظر الإعلام السويدي مختلفة فالخطاب الإعلامي نظر للايرلنديين بأنهم مناضلين , وباحثين عن الحرية , وعن تجربة إعلامية أخري في جنوب افريقية , ساهم الإعلام من خلال احد الإذاعات الموجودة في إفريقيا بالتحريض مما أدي إلي مقتل أكثر من 800000شخص ” و اختتم قوله بان الاختلافات واردة ولكن ليس لحد الصراع والعنف , فلذلك يجب أن يكون الإعلام موضوعيا وحياديا “.

وفي مداخلة للمشاركين قال حمدي شقورة من المركز الفلسطيني للحقوق الإنسان ” الإعلام الفلسطيني المحلي إعلام تحريضي , غير موضوعي , ولم يلتزم بنشر الحقيقة للرأي العام ” مضيفا بان هنا يكمن دور مؤسسات حقوق الإنسان في مراقبة وسائل الإعلام , من اجل تعزيز لغة الحوار والقيم الايجابية “.

وعن حدود حرية الرأي والتعبير أشار شقورة ” أن المضامين الدولية والحقوق الاتفاقيات الدولية , بالإضافة إلي القانون الأساسي تحديدا في مادته (19) الذي نص علي حرية الرأي والتعبير , وبنفس الوقت قيد هذا الحق , من خلال قانون العقوبات ” واصفا ” بان تطبيق قانون العقوبات في ظل جسم قضائي مترهل يعرض واقع الإعلام في خطر , وأزمة حقيقية , وهذا ما حدث مع صحيفة الأيام ” معتبرا ديباجة قانون النشر والمطبوعات بأنه مجحف بحق حرية الرأي والتعبير”.

ووصف الإعلامي توفيق أبو شومر ” بان الإعلام الفلسطيني مترهل , ولا يوجد إعلام حقيقي , يؤثر إيجابا علي الرأي العام , ومعللا ذلك بان من يمتلك وسائل الإعلام هم جهلة وغير متخصصين , ولم يحددوا أفق اتجاه المسيرة الإعلامية الفلسطينية”.

بدوره عبر الإعلامي عدنان أبو حسنة عن وجهة نظره حول الخطاب الإعلامي الذي يعاني من ضيق في الأفق وهو نتيجة طبيعية للسمة الجغرافية التي يتميز بها قطاع غزة , فالقطاع عبارة عن سجن صغير كل إمكانياته محدودة , فالصراع والنزاع نتيجة طبيعة لهذه المساحة الصغيرة التي يعيش عليها أكثر من مليون ونصف فلسطيني , مستذكرا تجربته في احد المعتقلات الإسرائيلية التي تتشابه كثيرا بواقع قطاع غزة المغلق “. مؤكدا بان الإعلام يستمد ثقافته من هذا الواقع المغلق , الذي يملك ساسة لديهم انفصام بالشخصية , هم من ساهموا في الأزمة” مشيرا إلي تجربة الإعلام اللبنانية المليئة بالموضوعية رغم النزاعات المستمرة بين الطوائف المختلفة في بلادهم “. مطالبا من مؤسسات حقوق الإنسان أن تقوم بدورها في مراقبة وسائل الإعلام شهريا وتقديم كشف حساب لكل من يساهم في خلق حالة التشرذم , والانقسام “.

وعن تجربته الشخصية قال فتحي صباح بان الإعلامي يجب أن يكون لديه إحساس عالي بالمسؤولية اثنا التغطية الإعلامية , وان ينتقي المصطلحات المناسبة والوسيطة التي تصف الحدث , ولكن هذا نادرا ما يحدث , فواقع الإعلام أصبح هجومي غير موضوعي , ويوجد الكثير فيه من التشهير والقذف المتعمد والغير صحيح “.

وعن الأزمة الإعلامية التي نعيشها وصفها الصحفي عماد الإفرنجي بأنها أزمة أخلاقية , بالإضافة إلي القصور في الخبرة المهنية والمعرفية لدي الاعلامين العاملين في الإذاعات المحلية , وبالتالي هذا الضعف في الثقافة والخبرة ينعكس علي مضمون الرسائل الإعلامية ”

وفي نهاية الورشة أكد خليل أبو شمالة أن قضية الإعلاميين تعتبر من ضمن أولويات عمل المؤسسة , لإدراكها بأهمية الإعلام ، موضحا دور المؤسسة في محاولة سعيها لحماية الصحفيين وتوفير الحماية لهم من خلال الاجتماعات الدورية التي تعقدها مع مجموعة من الصحفيين .

وعن أهم التوصيات التي خرجت بها الورشة

  • عقد اجتماعات متكررة مع الصحفيين لمناقشة أهم المشاكل التي تواجهم .
  • مراقبة أداء وسائل الإعلام المحلية من حيث اللغة المستخدمة في التغطية الإعلامية .
  • تشكيل لجنة من الصحفيين والأكاديميين المستقلين , لحماية الصحفيين والدفاع عنهم .

انتهى
مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان