14/4/2008

*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة

أذكر في إحدى زياراتي لوالدي في سجن بئر السبع قبل أكثر من ثلاثين عاماً ، إلتقيت بالأسير اسحق مراغة , وقال لي آنذاك ” قريباً ستزول القضبان وستُهدم السجون وسنتحرر أنا وأبوك ” .. كلمات لا زالت في أذهاني .. .

وفي السادس عشر من نوفمبر عام 1983 استشهد الأسير مراغة في السجن ليلتحق بقافلة شهداء الحركة الأسيرة ، ومن بعده إلتحق بهم عشرات الأسرى أذكر منهم عمر القاسم ، وحسين عبيدات ، ويوسف العرعير ، ومحمد أبو هدوان وآخرين . واليوم وبعد أكثر من ثلاثين عاماً مرت على كلمات ” أبى جمال ” ومرور ربع قرن على رحيله .. أتساءل لماذا القضبان باقية ، ولم يرحل السجان ولم تُهدم السجون ..؟ لماذا لم يتحرر الأسرى ويعودوا لأسرهم وأطفالهم سيراً على الأقدام ، لا على توابيت الموت ..؟

وما الأسباب التي أدت إلى بقاء ( 82 ) أسيراً معتقلين منذ أكثر من عشرين عاماً ، منهم ( 13 أسير ) مضى على اعتقالهم أكثر من ربع قرن ، فيما بينهم ( أسيرين ) مضى على اعتقالهم أكثر من ثلاثين عاماً ..؟ أسئلة مشروعة .

وبعيداً عن العاطفة والمكابرة والمزايدة ، الإجابة ببساطة تتلخص في أن قضية الأسرى عموماً لم تعَُد قضية مركزية بالنسبة للشعب الفلسطيني بكافة مكوناته ومؤسساته وفصائله المقاومة ، ولهذا وللأسف تراجع حضورها على كافة المستويات ، وأصبحت قضية شعارات وبيانات للمزاودات السياسية ، بل وتُستغل أحياناً لإستعراض قوة هذا الفصيل أو ذاك … .

وأيضاً لم تعد قضيتهم تحظى بأدنى أشكال الدعم والمساندة على المستويين العربي والإسلامي ، وغياب المؤتمرات الخاصة بها ، واستبعادها من برامج الفضائيات .. وهذا ما أدى الى تراجعها بشكل كبير على المستوى الدولي …

ولابد من التذكير هنا بأن المجلس الوطني الفلسطيني ، قد أقر عام 1974 ، يوم السابع عشر من نيسان ، يوماً للأسير الفلسطيني ، وفاءاً للأسرى وتضحياتهم وتقديراً لنضالاتهم وصمودهم ، يوماً للتضامن من أجل تحريرهم ، ومنذ ذلك التاريخ والشعب الفلسطيني بكافة شرائحه وفئاته ، يحيي هذه المناسبة في كافة أماكن تواجده في الوطن والشتات .

ومع اقتراب الذكرى الرابعة والثلاثون ليوم الأسير ، لم ألمس ما يعكس بأن هناك اهتماماً خاصاً أو تحضيرات لفعل نوعي ومميز ، أولفعاليات تتناسب ومكانة هذه المناسبة ، وما يجري من تحضيرات ما هي إلا شيء عادي جداً ، تقليدي وروتيني ولا يخرج عن نطاق البوستر والإعتصام ، الإحتفال والبيان ، والأنشطة لم تبدأ بعد وكأنها ستقتصر على يوم المناسبة ومن ثم تتلاشى ..!!

وأخشى ما أخشاه من انفجار الأوضاع في غزة ليحدث ما يمكن أن يغطي اعلامياً على قضية الأسرى ويدفنها – – شئنا أم أبينا – ، وكأنها شيء ثانوي ليس ذو أهمية ، وآمل أن لا يحدث شيئاً من هذا القبيل حتى نمنح هذه المناسبة حقها .

فالأسرى ليسوا قضية موسمية ، وقضيتهم تستوجب توحيد الجهود وشحذ الهمم واستنفار الإمكانيات في كل الأزمنة والأوقات ، واليوم مطلوب العمل من أجل اعادة الإعتبار لقضية الأسرى لتغدو فعلاً لا قولاً قضية مركزية وطنية عربية اسلامية ، حينها فقط يمكننا ان نؤثر على المجتمع الدولي ونجبره على التحرك لوضع حد للإنتهاكات الفظة والجسيمة لحقوق الأسرى ،وتحسين ظروف احتجازهم وفقاً لما تنص عليه المواثيق الدولية ، ومن ثم العمل على اطلاق سراحهم كحق مشروع وشرط أساسي لاستقرار الأمن والسلام في المنطقة .

فقائمة الإنتهاكات بحق الأسرى قد طالت وتصاعدت خلال العام المنصرم تحديداً وأوضاعهم تزداد سوءاً وخطورة يوماً بعد يوم ، وبدون مبالغة تفوق ما يجري في غوانتانامو أو ما رآه العالم من صور لأحداث جرت في سجن أبو غريب ، مما يستوجب فعل يوازي حجم الخطورة.

وهذا يتطلب اعادة الإعتبار لقضية الأسرى على كافة المستويات ، ونصرة أكثر من 11500 أسير لا زالوا في سجون الإحتلال الإسرائيلي ، فهؤلاء الأسرى جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني ، وهم من حملوا لواء النضال جنباً إلى جنب مع بقية المناضلين ولم يعرفوا إلا الثورة وطنـًا وهويةً و انخرطوا في صفوف النضال في أصعب مراحله وأحلك لحظاته وقدموا الغالي والنفيس دفاعاً عن كرامة ومقدسات الأمتين العربية والإسلامية، وتركوا عائلاتهم وأطفالهم وأحبائهم وأفنوا زهرات شبابهم خلف القضبان .. وآن الآوان لأن نضحي من أجلهم ومن أجل حريتهم وكفى اعتقال …

فقضية الأسرى ليست أرقام ، فلا هي قضية أحد عشر ألف أسيراً فحسب ، ولا هي قضية الأسرى القدامى المعتقلين منذ ما قبل أوسلو وعددهم ( 350 أسير ) ، كما أنها ليست قضية ” عمداء الأسرى ” الذين أمضوا أكثر من عشرين عاماً وعددهم ( 82 أسير ) بينهم من أمضى أكثر من ثلاثين عاماً .

بل هي قضية شعب بأكامه ، والإعتقال والسجن من المفردات الثابتة في القاموس الفلسطيني ، حيث لم تعد هناك عائلة في فلسطين لم يذق أحد أفرادها مرارة الإعتقال .. قضية الأسرى هي تاريخ ساطع وتجارب رائعة ، وأجسام حُفرت عليها سياط الجلاد وعذابات السجان وأصوات لخفقات قلوب أدماها الحرمان والقهر ، وأمهات ولدت و أطفال كبرت وشيوخ توفيت خلف القضبان ، وللأسرى حكايات مريرة ومجلدات كبيرة تعكس جرائم الإحتلال وصوره البشعة وانحطاطه الأخلاقي والإنساني .

لهذا كله ومع تقديري واحترامي لكل الجهود التي تُبذل من أجلهم ، أجدد دعوتي لكافة أبناء شعبنا في الوطن والشتات ، ولكافة أبناء الأمتين العربية والإسلامية بضرورة اعادة الإعتبار لقضية الأسرى ، وليكن السابع عشر من نيسان الجاري يوماً نجدد فيه الوفاء للأسرى وذويهم ، ونعلن خلاله عن انطلاق مرحلة جديدة لنصرة الأسرى .. لتغدو قضيتهم قضية وطنية عربية اسلامية ، ولنمنح أطفالهم مزيد من الأمل بغد مشرق ، تشرق فيه شمسهم ويوضع فيه حداً لظلام السجن الدامس …. وأملنا كبير دائماً بالغد .. وكما يردد الأسرى دوماً ” غداً ستشرق الشمس ” .

* أسير سابق وباحث مختص بقضايا الأسرى
ومدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين