2/6/2005
الإنسان منا لا يرغب يوماً الإعتقال ، ولكن إن حصل يبقى متسلحاً بأمل التحرر إما بإنتهاء فترة محكوميته لمن يقضون فترات قصيرة ، أو ضمن عملية تبادل أسرى أو من خلال عملية سياسية حقيقية لمن يقضون فترات حكم قاسية وطويلة ، وهذه هي أشكال تحرير الأسرى.
وأسرانا ليسوا بشواذ عن هذه القاعدة فتاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي شهد كلا الحالتين ، وتحرر بموجب ذلك آلاف الأسرى ، و كانت عملية تبادل الأسرى عام 1985 هي الأكثر زخماً والأكثر إضاءة وسطوعاً .
وخلال إنتفاضة الأقصى كان للأسرى حضوراً مميزاً فيها ، وأدرج هدف تحريرهم ضمن برنامجها وأهدافها ، فتحرير الإنسان هو هدف وطني كما تحرير الأرض ، فهم – أي الأسرى – تبنوا قضايا الشعب وعلى الشعب وقيادته تبني قضيتهم … والسلطة الوطنية الفلسطينية وكافة القوى الوطنية والإسلامية لم يخيبوا ظنهم
وفي مقدمة هؤلاء كان الرئيس ” أبو مازن ” حين وقع على وثيقة لمنظمة أنصار الأسرى خلال حملته الإنتخابية تعهد فيها بأن لا يوقع على أي اتفاق سياسي لا يتضمن حرية الأسرى ، معتبرين جميعاً أن أي اتفاق لم يشمل الإفراج عنهم لن يكتب له النجاح .
وما أن بدأ التحضير لعقد قمة شرم الشيخ في الثامن من فبراير حتى انتعش الأسرى ونما في داخلهم أمل غائب – كاد أن يدفن – بالعملية السياسية ورأوا نوراً حقيقياً في نهاية النفق المظلم ، فلعبوا دوراً مميزاً ومؤثراً داخل تنظيماتهم لإنجاح التهدئة
والتي كان من أهم شروط تثبيتها واستمرارها هو إطلاق سراحهم في الوقت الذي رفضوا فيه أن تتحقق حريتهم على حساب أي من الأهداف الوطنية المشروعة لشعبنا ، والمعادلة تقول أنه إذا ما صمتت البندقية وتوقف إطلاق النار وأبرمت الإتفاقيات السياسية ، يفترض الإفراج عن كافة الأسرى .
وبعد مرور قرابة أربعة شهور على قمة شرم الشيخ بدأ ذاك الأمل بالتلاشى وأخذ ذاك النور بالخفتان ، وعاد يتسرب لهم شعاع من الشك بجدوى الهدنة وبالعملية السياسية ، وبدأ يتردد لمسامعنا أصواتاً قادمة من خلف القضبان تطالب القيادات السياسية بإعادة النظر في موضوع الهدنة إذا ما استمرت حكومة الإحتلال في تجاهل موضوع حريتهم والإفراج عنهم .
هذا الشعور لم يولد من فراغ فمنذ قمة شرم الشيخ لم يحدث أي تطور يمكن أن يُشكل بارقة أمل لتحريرهم ، بل على العكس تماماً ما حصل خلال الفترة المنصرمة قضى على أمل كبير ولد مع قمة شرم الشيخ ، ولذلك أسبابه أهمها أنه اتفق على تشكيل لجنة وزارية مشتركة لبحث موضوع الإفراج عن الأسرى وتغيير المعايير الخاصة بذلك
بالإضافة أن حكومة الإحتلال أعلنت آنذاك أنها ستفرج عن 900 أسير من طرف واحد دون التنسيق مع الجانب الفلسطيني وضمن شروط ومعايير اسرائيلية وأفرج عن 500 معتقل منهم في 21 فبراير و400 أسير سيفرج عنهم غداً .
ولو افترضنا أنه تم الإفراج عن الدفعة الثانية وفي قراءة سريعة للقائمة سنجد أن الغالبية العظمى ممن أفرج أو سيفرج عنهم أوشكت فترات محكومياتهم على الإنتهاء ، وبالأرقام يتضح أن ( 652 أسيراً ) ممن كانوا يقضون أحكاماً أقل من 5 سنوات ، و( 129 أسيراً ) كانوا يقضون أحكاماً أكثر من 5 سنوات وأقل من 12 عام ، في حين أن القائمة اشتملت على ( 119 معتقلاً إدارياً ) أي بدون تهمة أو محاكمة .
وحول الفترة الزمنية المتبقية للأسرى المحكومين ( 781 أسيراً ) يتضح أن ( 469 أسيراً ) منهم كان متبقي لهم أقل من عام ، و( 277 أسيراً ) متبقي لهم من عام وحتى 5 أعوام ، في حين أنها اشتملت فقط على ( 35 أسيراً ) كان متبقي لهم أكثر من 5 سنوات وأقل من تسع سنوات .
ومن ناحية ثانية نجد أنها لم تشمل على الأسرى المعتقلين قبل أوسلو وممن أمضوا فترات طويلة ، ولم تشمل أحداً من القيادات السياسية أو أيٍ من المعتقلين العرب أو معتقلي المناطق التي احتلت عام 1948 ، كما لم تتضمن أيٍ من الأسرى الذين يعانون من أمراض مزمنة ، بمعنى أنها أعدت وفقاً للشروط والمعايير الإسرائيلية الظالمة والمرفوضة فلسطينياً .
فهذه خطوة أحادية الجانب لا تلبي الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية ، فقبل شهور أفرجت وبنفس المعايير عن 500 أسير ، واعتقل بدلاً منهم قرابة 750 أسير ، وغداً ستفرج عن 400 أسير وخلال فترة وجيزة ستعتقل أكثر منهم ، وهذا أمر غير مقبول بالنسبة لنا كفلسطينيين .
فالإستخفاف الإسرائيلي بقضية الأسرى والمماطلة والتجاهل في الإفراج عن الأسرى خاصة أولئك من هم معتقلون قبل أوسلو ومن أمضوا فترات طويلة في السجون والأطفال وكبار السن والأسيرات والمرضى ، هذا التجاهل سيقضي على أمل الإفراج عنهم ضمن العملية السياسية ، وسيكون بمثابة رسالة لشعبنا تددفعه للتخلي عن الهدنه والتفكير جدياً في إيجاد سبل ووسائل أخرى لتحريرهم والتجارب السابقة أكدت نجاعتها وأجبرت حكومة الإحتلال على الخضوع للشروط والمعايير الفلسطينية .
وبالتالي إذا ما أرادت حكومة الإحتلال المحافظة على أمنها ووجودها فعليها أن تنسحب من مدننا وأرضنا وأن تطلق سراح أسرانا الذين هم بوصلة الأمن والإستقرار في المنطقة ، وإلا نحن قادمون على مرحلة جديدة ، وشعبنا لن يترك أسراه يموتون خلف القضبان ولن يمنح الأمن للإحتلال قبل أن ينعم أسرانا بالحرية وهو مستعد لانتفاضة جديدة عنوانها ” انتفاضة الأسرى ” .