19/7/2006
*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة منذ أكثر من عشرين عاماً وأنا أحلم بعملية تبادل جديدة ، وبالتحديد منذ العشرين من آيار عام ألف وتسعمائة وخمسة وثمانون ، وأنا أحلم بتكرار عملية الجليل ، تلك العملية التي تحرر بموجبها ( 1150 ) أسير – ومن ضمنهم ” أبي ” بعد أن أمضى أكثر من خمسة عشر عاماً في سجون الإحتلال الإسرائيلي – و التي جرت وفقاً للشروط الفلسطينية وأُعتبرت – ولازالت لحتى الآن – أعظم عملية تبادل شهدها الصراع العربي – الإسرائيلي وأكثرهم زخماً. مُنذ ذاك التاريخ وأنا أحلم بأن يعود الأسرى لبيوتهم ، لأطفالهم ، لأهلهم كما عاد لي أبي … أحلم بأن تلامس أشعة الشمس أجسادهم قبل أن يفارقوا الحياة ، أحلم بأن ينعم أطفال الاسرى بحنان آبائهم وبرؤيتهم صباح مساء وليلتقوا ويتعانقوا بلا قيود وبلا قضبان . فالبندقية صمتت كثيراً وإطلاق النار توقف طويلاً ، وبقي الأسرى رهائن في السجون ، والسجانون يتلذذون بتعذيبهم وقهرهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية ! وأعدادهم في ازدياد مضطرد ووصلت الآن إلى قرابة العشرة آلاف ، ومعاناتهم تتفاقم، وجرحهم يتسع ، والتعنت الإسرائيلي على حاله ، وأملهم بالإفراج دخل غرفة الإنعاش ، وهذا ما دفع البعض من فصائل المقاومة إلى التفكير جدياً في اعادة النظر في سياسة صمت البندقية ، واللجوء إلى أساليب أخرى تجبر حكومة الإحتلال على إطلاق سراح أسرانا . وبعد محاولات عدة ، نجحوا مؤخراً في أسر الجندي ” جلغاد شليت ” بعد عملية بطولية مشتركة لثلاثة فصائل مقاومة أطلق عليها ” الوهم المتبدد ” واستشهد خلالها المقاتلان محمد فروانة ، وحامد الرنتيسي وقتل فيها ثلاثة جنود اسرائيليين وعاد الباقون إلى قواعدهم بسلام ومعهم غنيمة لا تقدر بثمن تلك الغنيمة التي شكلت أملاً للأسرى ، نعم انتعشت آمالنا وآمال الأسرى وتنفس الجميع الصعداء ، مناشدين في الوقت ذاته آسري الجندي بالحفاظ على حياته و التمسك بشروطهم وبضرورة مبادلته بالأسرى خاصة أولئك القدامى ، مع إدراكنا لصعوبة الظروف واختلال موازين القوى . ومع ذلك أعيش كغيري على الأمل والحلم الذي لم يتحقق بعد ! كما وحلمت مراراً بأن يكون لنا أكثر من أبو عمار وجورج حبش وعبد الناصر ، أكثر من أبو علي مصطفى وأبو جهاد ووديع حداد ، أكثر من الياسين والشقاقي ، وأحببت كثيراً تشي جيفارا وكاسترو وكوزموتو ، واليوم أدعو الله أن يحمي لنا سماحة الشيخ المجاهد القائد حسن نصرالله وأن يطيل عمره ، وأحلم وأحلم بأن يكون لأمتنا أكثر من حسن نصرالله ! . ولحسن حظي سنحت لي الظروف قبل شهور بزيارة عمل للبنان زرت خلالها بيروت العاصمة والجنوب المُحرر ، ومخيمات البطولة والعزة ، ومعالم الصمود والإرث المشَّرِف للثورة الفلسطينية ، وتَشرفت بلقاء عدد كبير من الفلسطينيين واللبنانيين صانعي التاريخ الرائع والمشرف ، ومنهم مجموعة من قيادات وأعضاء وأسرى محررين من حزب الله ، فكم كانوا رائعين في استقبالنا وكم كانوا نماذجاً للمقاتلين حقاً ، وكم ازددت فخراً واعتزازاً بهم وبتجاربهم ، وحينما تُحدث كلٍ منهم عن الأسرى في سجون الإحتلال يجيبونك بعبارة موحدة ” قضية الأسرى تقف دائماً على سلم أولوياتنا وعملياتنا ، وننتظر فقط الوقت المناسب والظرف المناسب ونعدكم بأن لا ولن ننسى هؤلاء الأسرى ” . واليوم كما الأمس نشهد بأنكم عظماء ، لقد أوفيتم بوعدكم ” الوعد الصادق ” ، ولا نملك نحن الفلسطينيون إلا التأييد لكم ولمقاتليكم ولمقاومتكم المشروعة للإحتلال ، والتأييد المطلق لعمليتكم النوعية التي حملت عنوان الأسرى وتحريرهم رغم إدراكنا لتداعياتها وعواقبها الخطيرة ، وحتى جنرالات العدو شهدت لكم وأستحضر هنا ما قاله النائب عامي آيالون والذي كان قائد سلاح البحرية ” كنت سأفتخر لو قدت عملية كوماندو كتلك التي قام بها حزب الله ” . ومن غزة البطولة أحييكم وأشد على أياديكم وأعانقكم جميعاً بحرارة الثوار ، وأناشدكم بأن تحققوا حلمنا وأن تكرروا “عملية الجليل ” وأن تجبروا حكومة الإحتلال على الرضوخ لمطالبنا والإفراج عمن تضع فيتو عليهم وتصف ” أياديهم ملطخة بالدماء الإسرائيلية ” ، فهؤلاء الأسرى دافعوا وقاتلوا من أجل قضايا ومقدسات وشرف وكرامة الأمتين العربية والإسلامية ومن واجبنا جميعاً العمل الجاد والدؤوب من أجل تحريرهم من الأسر ، وويل لأمة لا تسعى لتحرير أسراها . وأتساءل أما آن الأوان لأن يتحرر من هُم معتقلون منذ ما قبل أوسلو وعددهم ( 369 أسير ) ، وأن يعود القنطار إلى عائلته في قرية عبية ، وأن يتحرر العتبة وسلمة ، وأن تعانق عائلتي يونس وأبو مخ أبنائهم الأبطال ، وأن تحتضن الجولان المحتلة صدقي وبشر المقت ، وسيطان وعاصم والي ، وأن تستقبل غزة أبطالها حرز والحسني والكيال وبارود ، وأن تحتفي القدس بعودة ابنائها الرازم والمسلماني والبازيان فهؤلاء وأكثر من هؤلاء وبالضبط ( 64 أسيراً ) أمضوا أكثر من عشرين عاماً ولازالوا في الأسر منهم ( 7 أسرى ) أمضوا أكثر من ربع قرن . أضف إلى ذلك هناك ( 117 أسير ) أمضوا أكثر من خمسة عشرة عاماً وأقل من عشرين عاماً ، وهناك ( 246 أسير ) أمضوا أكثر من عشر سنوات وأقل من خمسة عشر عاماً ، وبذلك يصبح مجموع من أمضوا أكثر من عشر سنوات ( 427 أسيراً ) ، وهناك ( 359 طفلاً ) لم يتجاوزوا الثامنة عشر ، وهناك ( 105 أسيرات ) وهناك ( 40 نائباً ) من المجلس التشريعي الجديد و( 8 وزراء ) من الحكومة الفلسطينية ، وهناك العشرات من القادة أمثال مروان البرغوثي وأحمد سعدات وفؤاد الشوبكي وحسام خضر وحسن يوسف وعبد الرحيم ملوح ، وهناك المئات من المرضى وهناك وهناك …. حتى وصل عدد من لا زالوا في السجون الإسرائيلية الى قرابة عشرة آلاف أسير من أصل ( 50 ألف) تم اعتقالهم خلال إنتفاضة الأقصى ، في حين اعتقلت قوات الإحتلال منذ العام 1967 ولحتى الآن قرابة ( 700 ألف ) مواطن فلسطيني . ألم يحن الوقت لأن يتحرر كل هؤلاء وأن ينعم ويفرح شعبهم باستقبالهم ، وأن يوقف الإحتلال عدوانه المتواصل وحربه المجنونة ، وأن ينسحب من أراضينا وتعود لنا حقوقنا المشروعة ، وأن تصمت البندقية حقاً لننعم جميعاً بالأمن والسلام والحرية .. * أسير محرر وباحث مختص بقضايا الأسرى aferwana@gawab.com |