22/4/2008
*اعداد/ عبد الناصر عوني فروانة
الثاني والعشرون من نيسان من كل عام ، هو يوم الوفاء لمن أوفوا لفلسطين الوطن والقضية ، ولمن تجاوزوا الحدود وتخطوا الأسلاك الشائكة ، والمناطق المزروعة بالألغام ، ليشاركوا اخوانهم الفلسطينيين في الدفاع عن القضية الفلسطينية باعتبارها قضية عربية إسلامية مقدسة ، وليقاتلوا الإحتلال الإسرائيلي وجهاً لوجه ، من أجل تحرير كافة الأراضي العربية المحتلة من دنسه وبطشه وليعيدوا القدس الى الحضن العربي والإسلامي ..
الثاني والعشرون من نيسان هو يوم الوفاء للشهداء الأسرى من الأشقاء العرب الذين امتزجت دمائهم مع رطوبة الجدران وآهات المعذبين ، فاختلطت مع دماء أبو الفحم ومراغة والقاسم ، دفاعاً عن كرامة وشموخ وكبرياء الأسير الفلسطيني والعربي خلف القضبان ، يوماً للوفاء لعشرات الأسرى الأشقاء العرب من لبنان وسوريا ، من مصر والسعودية ، من الأردن والسودان القابعين في سجون الإحتلال الإسرائيلي وفي مقدمتهم ومن يعتبروا أقدمهم الأسير اللبناني العملاق سمير القنطار ، وأسرى الجولان الأبطال صدقي وبشر المقت وسيطان وعاصم والي .
الثاني والعشرون من نيسان هو يوم الوفاء والتقدير لكافة أسرى ” الدوريات ” المحررين وبدون استثناء ، للأسير السوري ياسر المؤذن والعراقي على البياتي والسوداني موسى نور واللبنانيين أنور ياسين وغيرهم الكثير الكثير .
الثاني والعشرون من نيسان هو يوم للوفاء للاسرى الأردنيين القابعين في السجون الأردنية بعدما أمضوا سنوات طوال في سجون الإحتلال وهم سلطان العجلوني وأمين الصانع وسالم وخالد أبو غليون … وطالما أننا نتحدث عن الأسرى العرب لابد وأن نستذكر الشهيد الأسير هايل أبو زيد من الجولاني المحتلة الذي استشهد بعد أن أمضى عشرين عاماً في الأسر .
لماذا الثاني والعشرون من نيسان .
.؟ الثاني والعشرون من نيسان عام 1979 هو يوم إعتقال الأسير العربي اللبناني سمير القنطار ، وهو أقدم الأسرى العرب وعميدهم في السجون الإسرائيلية ، ولهذا اعتمد يوم اعتقاله يوماً للأسير العربي ليكرم فيه كل الأسرى العرب .. ولقد أكمل القنطار اليوم عامه التاسع و العشرين في الأسر ، ليدخل عامه الثلاثين ، في انتظار وضع حد لهذه السنوات الطويلة خلف الأسر .
وأوضاع الأسرى العرب لا تقل مأساوية عن تلك التي يحياها الأسرى الفلسطينيين ، بل قد تفوق عنهم ، حيث انقطاع الزيارات وكل وسائل التواصل فيما بينهم وبين ذويهم ، ويسمح لبعضهم أحياناً بذلك ، كما يعانون من تقاعس حكوماتهم في التحرك السياسي والدبلوماسي بهدف اعادتهم الى أوطانهم وأهلهم ، وضعف مساندة شعوبهم لهم في الضغط على تلك الحكومات لإجبارهم على التحرك . وكثيراً ما مسكوا هؤلاء الأسرى بزمام ا
لمبادرة ونفذوا عدة خطوات احتجاجية واضرابات عن الطعام ، كما وجهوا الكثير من الرسائل الى الجامعة العربية ، والى السفراء العرب والى وسائل الإعلام المختلفة ، طالبوا فيها تفعيلَ قضيتهم والسماح لهم بزيارة ذويهم وضمان التواصل مع عائلاتهم ، وتحسين شروط احتجازهم .
وبالرغم من أن السلطة الوطنية الفلسطينية أدرجت موضوع تحريرهم ضمن أولوياتها ، شأنهم شأن باقي الأسرى الفلسطينيين ، واستطاعت أن تطلق سراح ( 42 ) أسير منهم في اطار اتفاقية شرم الشيخ في سبتمبر 1999 ، إلا أن جزء كبيراً من هؤلاء بقىّ محاصراً في قطاع غزة ولم يسمح لهم من العودة الى وطنه الأصلي والعيش بين أسرته ، مع العلم أن الفترة التي كان من المفترة أن يمضيها هؤلاء في غزة هي ثلاث سنوات ، لكنها مضت ومضى أضعافها دون أن يسمح لهم بالسفر لأوطانهم ، ولا بد من الإشارة هنا أن غالبيتهم تمكنوا من زيارة ذويهم بعد أن أصبح المعبر الحدودي تحت السيطرة الفلسطينية – المصرية ، عقب انتهاء الوجود العسكري الإسرائيلي المباشر لقطاع غزة في سبتمبر 2005 .
فيما ( 24 ) أسير لبناني قد اطلق سراحهم ضمن عملية التبادل التي جرت ما بين حزب الله وحكومة ” اسرائيل ” في يناير 2004 ، وهؤلاء جميعاً عادوا الى وطنهم لبنان .
و في تموز 2007 وضمن تفاهم خاص ما بين الحكومتين الأردنية والإسرائيلية تم نقل أربعة أسرى أردنيين قدامى ومضى على اعتقالهم قرابة سبعة عشر عاماً من السجون الإسرائيلية ، الى السجون الأردنية لفترات قصيرة ومن ثم سيطلق سراحهم ، يذكر بأن الأسرى الأربعة هم: سلطان العجلوني وخالد وسالم أبو غليون وأمين الصانع، ومحكوم عليهم بالسجن المؤبد منذ 1990 بتهمة قتل الجنديين الإسرائليين ( يهودا ليفيشتس – وبنحاس ليفى ) .
ورغم تلك الإفراجات لا زال هناك العشرات من الأسرى العرب القدامى والجدد ، حيث اعتقلت قوات الإحتلال الإسرائيلي وخلال حربها في تموز الماضي على لبنان العديد من المواطنين اللبنانيين ، كما أنها اعتقلت العشرات من العرب ممن اجتازوا الحدود المصرية الفلسطينية لأهداف متنوعة وعديدة وزجت بهم في سجونها المختلفة .
أسرى ” الدوريات ” العرب .. مفخرة للشعب الفلسطيني ويحظون برعاية تامة من سلطتهم الوطنية
ولا بد من الإشارة هنا بأن السلطة الوطنية الفلسطينية ، ممثلة بوزارة الأسرى والمحررين تولي هؤلاء الأهمية الفائقة وتتعامل مع كافة الأسرى العرب الذين أعتقلوا على خلفية الصراع العربي – الإسرائيلي ، كما تتعامل باضبط مع الأسرى الفلسطينيين من حيث الخدمات المقدمة والكانتينا والرواتب ولا تميز ما بين أسير وآخر ، مهما كانت جنسيته وأينما تقطن عائلته ، وبغض النظر لأي تنظيم ينتمي ، وفي خطوة ذات دلالة معنوية وسياسية فائقة وافق مجلس الوزراء في جلسته الخامسة والعشرين التي عقدت في مقر رئاسة الوزراء برام الله بتاريخ 11-8-2005 على منح مواطنة شرف ووسام القدس للأسيرين العربيين سمير القنطار وسلطان العجلوني ، وصادق على هذا القرار السيد الرئيس أبو مازن ، ليكون ذلك تكريماً للأسرى العرب من أعلى المستويات الرسمية الفلسطينية .
ومن ناحية أخرى هناك الكثير من العائلات الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة والقدس قد تبنوا أسرى عرب ، وكانوا يتعاملون معهم كأبنائهم ، في محاولة منهم لمساهمة في توفير احتياجاتهم ولتعويض ولو جزء بسيط من حرمانهم من ذويهم جراء حرمانهم من زيارة ذويهم.
وقياساً إلى أعداد الأسرى الفلسطينيين في السجون الصهيونية الذي وصل عددهم الى قرابة عشرة آلاف أسير ، فان الأسرى العرب عموماً لا يشكلون رقماً يذكر ، لكن قياساً إلى أوضاعهم الإنسانية السيئة ، وتجاهل حكوماتهم لهم ، وضعف المساندة العربية والفعاليات المناصرة لهم وللأسرى عموماً ، وتدني مستوى الإهتمام الإعلامي لهم الى أدنى درجاته ، وحجم التعتيم الإسرائيلي الكبير عليهم ، يمكن القول إن الأسرى العرب عموماً في سجون الاحتلال الإسرائيلي هم الأكثر ظلماً وقهراً على الإطلاق ، الأمر الذي يستدعي ايلاهم الأهمية الفائقة على كافة المستويات ، وواجب الأمة العربية احتضانهم ورعايتهم وابراز معاناتهم والعمل على اطلاق سراحهم وتأمين عودتهم لذويهم وأوطانهم .
وفي الوقت الذي أعرب فيه عن احترامي وتقديري لقرار القمة العربية المنعقدة في دمشق أواخر الشهر الماضي ، باعتبار يوم السابع عشر يوماً عربياً في كافة الدول العربية للتضامن مع الأسرى عموماً في سجون الإحتلال الإسرائيلي ، فانني أعتقد بأن هذا القرار سيبقى حبراً على ورق إن لم يترافق ويتزامن مع حملة عربية فاعلة وخطوات عملية ملموسة تعيد لقضية الأسرى اعتبارها على المستوى العربي .
ومع كل الإحترام والتقدير لكافة الأسرى العرب السابقين والحاليين ، اسمحوا لنا بأن نسلط الضوء هنا على قدامى الأسرى العرب ، وليعذرنا الباقون ، العشرات ممن لا زالوا في سجون الإحتلال الإسرائيلي ، أوالآلاف ممن سجنوا وتحرروا .. وهذا ليس تقليلاً من شأنهم أو تهميشاً لدورهم وتجاهلاً لمكانتهم، بل بالعكس نكتب هنا وبهذه المناسبة العظيمة لنؤكد ونجدد احترامنا وتقديرنا لهم ولنضالاتهم وتضحياتهم الجسام ، وفخرنا واعتزازنا بهم ، وندعو المؤسسات ذات الإمكانيات الكبيرة ماديا وبشريا الى توثيق تجربتهم .
فمن هم قدامى الأسرى العرب .. ؟
بالترتيب وحسب الأقدمية هم : سمير القنطار .. بشر المقت ، سيطان والي ، عاصم والي ، صدقي المقت .. وهم خمسة من قائمة تضم ( 350 أسيراً ) ويطلق عليهم ” الأسرى القدامى ” ، المعتقلين منذ ما قبل أوسلو ، ليس هذا فحسب بل هم خمسة من قائمة ” عمداء الأسرى ” الذين مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين عاماً .. والأكثر مرارا أن أقدمهم وعميدهم وعميد الأسرى العرب على الإطلاق سمير القنطار قد أنهى اليوم عامه التاسع والعشرين ، ليبدأ غداً عامه الثلاثين ، ومن الجدير ذكره أن القنطار يحتل المرتبة الرابعة على سلم قدامى الأسرى عموماً .
فمن هو عميد الأسرى العرب وأقدمهم على الإطلاق ..؟
ولد الأسير سمير سامي القنطار عام 1962 في قرية عبية في الجنوب اللبناني ، ويبلغ من العمر الآن 46 عاماً ، واعتقل مصاباً وهو ينزف دماً بتاريخ 22 نيسان 1979 ، وكان شاباً لم يتجاوز السابعة عشر من عمره آذاك ، وحكم عليه لاحقاً بالسجن الفعلي لمدة خمس مؤبدات و47 عاماً ، وذلك بعدما قاد تنفذ عملية جريئة مع ثلاثة من رفاقه هم : (عبد المجيد أصلان) و(مهنا المؤيد) و(احمد الأبرص ) ، بهدف الوصول الى مستوطنة نهاريا وإختطاف رهائن من الجيش الإسرائيلي لمبادلتهم بمقاومين معتقلين في السجون الإسرائيلية ، وكانت الحصيلة الإجمالية للعملية مقتل وجرح العديد من الإسرائيليين ، و إستشهد خلال العملية إثنان من أفراد المجموعة هما عبد المجيد اصلان ومهنا المؤيد ، وأعتقل سمير القنطار وأحمد الابرص ، فيما أطلق سراح الأبرص عام 1985 ضمن عملية تبادل الأسرى عام 1985 ، فيما رفضت سلطات الإحتلال ادراج اسم سمير ضمن تلك الصفقة ، أو في صفقات لاحقة ، ولا زالت ترفض ادراجه في أية صفقة لتبادل الأسرى ، وتتمسك به كرهينة سياسية لحين الحصول على معلومات عن الطيار الإسرائيلي المفقود رون أراد ، وكان آخرها تلك التي جرت ما بين حزب الله و” اسرائيل” في يناير عام 2004 ، والذي أطلق بموجبها سراح 24 أسيراً لبنانياً ، كانوا معتقلين لدى سلطات الإحتلال .
سمير القنطار … تجربة كاملة ، متكاملة حافلة بالقصص والمعاناة ، بالآلام والحرمان ، وهي تعكس التجربة الجماعية للحركة الوطنية الأسيرة ، بدءاً من كيفية الإعتقال وما تعرض له من تعذيب قاسي وهو مصاب ودمه ينزف ، ومرورا بظروف الحياة الصعبة داخل السجون والإهمال الطبي الذي يمارس ضده والمعاملة القاسية والمهينة ، والتنقلات المستمرة وليس انتهاءا بحرمانه من رؤية أهله منذ اعتقاله ولغاية اليوم ..
وعلى الوجه الآخر سمير تجربة نضالية رائعة في الصمود والتحدي والمشاركة بالإضرابات عن الطعام والإصرار على التعلم والإلتحاق بالجامعة العبرية وحصل على شهادات متقدمة ، سمير نموذج للقائد المحنك الهادئ الرائع المثقف .. سمير يعكس بذاته صورة الحركة الوطنية الأسيرة بوجهييها المتناقضين المؤلم والمشرق … و من أراد أن يتعرف على الحركة الوطنية الأسيرة ، فليقرأ سيرة حياة سمير القنطار .
وحتى أسرته ووالدته لم تكن أقل منه شأناً وصمودا وروعة ، وهي وبدون مبالغة نموذجٌ رائعٌ لذوي الأسرى الصامدين المبدعين ، الذين اذا تحدثت معهم تشعر وكأن سمير بينهم لا في السجون ، واذا إلتقيتهم منحوك جرعات من الصمود والأمل وكأن سمير اعتقل اليوم وسيتحرر غداً ، رغم مرور قرابة ثلاثين عاماً على اعتقاله .
واسجل هنا فخري واعتزازي بأنني التقيت بهم قبل أقل من ثلاث سنوات في بيتهم في قرية عبية في الجنوب اللبناني ، حقاً عائلة تستحق التقدير .. وهاهي السنوات تمضي يا قنطار ، ونحن بك نزداد شموخاً وبعائلتك فخراً واعتزازاً …