20/5/2008
دعا الباحث المختص بقضايا الأسرى ومدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين ، عبد الناصر عوني فروانة ، اليوم الثلاثاء ، فصائل المقاومة الفلسطينية والعربية كافة ، لا سيما آسرة الجنود الإسرائيليين في غزة وبيروت ، الى دراسة تجربة عملية تبادل الأسرى التي جرت في مثل هذا اليوم قبل ثلاثة وعشرين عاماً ، و ما عرفت ” بعملية الجليل ” ، والتمعن بها و الإستفادة من دروسها ومساراتها واستخلاص العبر منها .
ووجه فروانة خالص تحياته وتقديره وجل احترامه الى كل من قاد وأشرف وساهم في ادارة التفاوض واتمام تلك ” الصفقة ” بالشكل المشَّرف الباهر التي انتهت عليه ، باعتبارها انتصار تاريخي اكتسبت بُعداً فلسطينياً وقومياً وعالمياً ، وكانت الأكثر ألماً ووجعاً لحكومة الإحتلال بالنسبة لصفقات التبادل .
وانتقد فروانة بشدة كافة الفصائل الفلسطينية لعدم تمكنها من تكرار تلك التجربة ، وعجزها عن تحرير أي أسير منذ ذلك التاريخ مما أبقى مئات الأسرى معتقلين منذ عشرات السنين ، كما انتقد منظمة حزب الله لقبولها بالشروط والمعايير الإسرائيلية بالنسبة للأسرى الفلسطينيين في عملية التبادل التي جرت عام 2004 ، و في الوقت ذاته أعرب عن أمله وثقته في الفصائل آسرة الجنود الإسرائيلين في غزة وبيروت في تجاوز أخطاء الأمس وافصح عن حُلمه وحلم الأسرى وذويهم في تكرار “عملية الجليل ” .
وبيّن الباحث فروانة أن تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي منذ النكبة عام 1948 ، شهد ( 34 ) عملية تبادل أسرى ما بين عدة حكومات عربية وحزب الله ، وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية من جهة ، وحكومة الإحتلال من جهة أخرى ، وسبق وأن أصدر الباحث فروانة دراسة شاملة عن مجمل تلك العمليات تبادل ونشرها على موقعه فلسطين خلف القضبان ، واشار انه تم بموجبها إطلاق سراح آلاف المعتقلين الفلسطينيين والعرب من السجون الإسرائيلية ، موضحاً أن جمهورية مصر الشقيقة هي أول من بدأت عمليات التبادل عربياً وذلك في فبراير عام 1949 ، فيما تعتبر عملية التبادل مع حزب الله بتاريخ 15-10-2007 هي الأخيرة عربياً والتي استعادت بموجبها ” اسرائيل ” جثة أحد مواطنيها ، فيما استعاد حزب الله جثتي مقاتلين من حزب الله استشهدا خلال حرب تموز 2006 ، وأفرج عن الأسير اللبناني حسن عقيل الذي اعتقلته القوات الاسرائيلية خلال ذات الحرب .
أما فلسطينياً فلقد بدأتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، وذلك حينما تمكنت إحدى مجموعاتها من خطف إحدى طائرات العال الإسرائيلية وإجبارها على الهبوط في الجزائر بتاريخ 23-7-1968، وتمكنت حينها من إطلاق سراح ( 37 اسيراً ) كانوا يقضون أحكاماً عالية في السجون الإسرائيلية ، فيما تعتبر ” عملية الجليل ” هي الأخيرة التي يتحرر بموجبها أسرى والتي جرت بتاريخ 20-5-1985 ، فيما تمت بتاريخ 13-9-1991 عملية تبادل أخرى استعادت اسرائيل جثة الجندي الدرزي سمير اسعد التي كانت محتجزة لدى الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ، مقابل السماح للمبعد النقابي علي عبد الله أبو هلال من أبو ديس بالعودة لأرض الوطن ، فيما لم تتضمن اطلاق سراح أي أسير .
واستعرض الباحث فروانة في تقريره أبرز عمليات التبادل فلسطينياً فأشار أن ثاني تلك العمليات كانت بتاريخ 28 يناير 1971 ، وأطلق بموجبها سراح الأسير محمود بكر حجازي وهو أول أسير في الثورة الفلسطينية المعاصرة ، مقابل أن أطلقت حركة فتح سراح الجندي الإسرائيلي ” شموئيل فايز” ، فيما تلتها عملية تبادل الليطاني أو كما سميت ” عملية النورس ” بتاريخ 14-3-1979 والتي أطلق بموجبها سراح ( 76 ) اسيرا من سجون الإحتلال الإسرائيلي من ضمنهم ( 12 أسيرة ) مقابل أن أفرجت الجبهة الشعبية – القيادة العامة عن الجندي الإسرائيلي ( أبراهام عمرام ) الذي كان محتجزا لديها ، ومن ثم عملية قبرص في منتصف شباط 1980 وأطلق بموجبها سراح المعتقل مهدي بسيسو ” أبو علي ” ووليام نصار ، مقابل إطلاق سراح المواطنة الأردنية ” أمينة داوود المفتي ” التي عملت جاسوسة لصالح الموساد الإسرائيلي وكانت محتجزة لدى حركة فتح وتمت عملية التبادل في قبرص وباشراف اللجنة الدولية للصليب الأحمر .
وأضاف فروانة أنه وفي 23 نوفمبر 1983م ، كانت عملية التبادل الكبيرة حيث أطلقت إسرائيل سراح جميع معتقلي معتقل أنصار في الجنوب اللبناني وعددهم ( 4700 ) معتقل فلسطيني ولبناني ، و( 65 ) أسيراً من السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح ستة جنود اسرائيليين من قوات (الناحال) الخاصة أسروا في منطقة بحمدون في لبنان من قبل ( حركة فتح ) .
فيما اعتبر الباحث فروانة أن ” عملية الجليل ” وهي عملية تبادل الأسرى التي جرت بتاريخ 20-5-1985 ما بين الجبهة الشعبية – القيادة العامة وحكومة الإحتلال الإسرائيلي ، هي أعظم عملية تبادل شهدها الصراع العربي- الإسرائيلي ، فهي الأبرز والأكثر زخماً على الإطلاق ، والأكبر من حيث عدد الأسرى الذين تحرروا من سجون الإحتلال المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة ، حيث تمت تلك العملية وفقاً للشروط والمعايير الفلسطينية ، وشكلت رافعة لمعنويات الجماهير العربية والفلسطينية وصفعة قوية للإحتلال .
وبيَّن فروانة أنه أطلق بموجبها سراح ( 1155 ) اسير فلسطيني وعربي من السجون الإسرائيلية منهم ( 883 ) أسير كانوا محتجزين في السجون المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة من كافة المناطق دون استثناء ، بينهم ” الأسير الياباني أوكوزوموتو ” وخُيرَ كافة المحررين حول الجهة التي يرغبون التوجه إليها بعد التحرر ، فاستقبلت القدس والمثلث والجليل ومدن وقرى الضفة والقطاع ومخيمات الشتات أبناءها المحررين ، الذين كانوا يقضون أحكاماً جائرة أدناها عشرات السنين وأقساها السجن المؤبد لمرة أو لعدة مرات ، وأن غالبيتهم العظمى شاركوا في عمليات للمقاومة أوقعت خسائر بشرية في صفوف الإسرائيليين ، و بتعبير شارون ( أياديهم ملطخة بدم الإسرائيليين ) .
وأوضح فروانة أنه بالإضافة لهؤلاء أطلق سراح ( 118 ) أسيراً كانوا قد خطفوا من معتقل أنصار في الجنوب اللبناني أثناء تبادل العام 1983 مع حركة فتح ، و ( 154 ) معتقلاً كانوا قد نقلوا من معتقل أنصار إلى معتقل عتليت أثناء الإنسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان ، مقابل ثلاثة جنود ” اسرائيليين ” كانوا مأسورين لدى الجبهة الشعبية- القيادة العامة .
وفي هذا السياق انتقد فروانة وبشدة كافة الفصائل الفلسطينية على عجزها في تكرار تلك التجربة وفشلها في تحرير أي أسير منذ ” عملية الجليل ” قبل ثلاثة وعشرين عاماً ، كاشفاً في الوقت ذاته عن العديد من المحاولات من قبل بعض الفصائل ، إلاَّ أن جميعها باءت بالفشل باستثناء عملية اسر الجندي الإسرائيلي ” جلعاد شاليط ” الذي أسرته ثلاثة فصائل فلسطينية هي ( حركة حماس وألوية الناصر صلاح الدين وجيش الإسلام ) خلال عملية الوهم المتبدد المشتركة الرائعة في قطاع غزة بتاريخ 25 حزيران 2006 .
وناشد فروانة فصائل المقاومة الفلسطينية التي تأسر الجندي الإسرائيلي ” جلعاد شاليط ” ، الى دراسة تجربة ” عملية الجليل ” و الإستفادة منها قدر الإمكان ، والتمسك بالشروط والمعايير الفلسطينية وعدم السماح لسلطات الإحتلال بفرض شروطها ومعاييرها المجحفة الظالمة المرفوضة فلسطينياً ، ووضع قضية الإفراج عن الأسرى القدامى على سلم الأولويات بدون استثناء أو تمييز من حيث السكن أو الإنتماء أو الحكم أو التهمة ، مؤكداً على أن معيار نجاح عملية التبادل مرهون بمدى شموليتها لهؤلاء القدامى المعتقلين منذ عقود من الزمن .
كما ناشد فروانة منظمة حزب الله اللبناني التي تأسر الجنديين الإسرائيليين ” أيهود غولدفاسير ، إلداد ريجيف ” منذ 12 تموز من العام 2006 ، للإستفادة أيضا من تجربة “عملية الجليل ” وعدم السماح بتكرار ما جرى في عملية التبادل التي جرت في 29 يناير عام 2004 ، بالنسبة للمعتقلين الفلسطينيين حيث أفرجت ” اسرائيل ” في اطارها عن قائمة من المعتقلين الفلسطينيين أعدتها من طرف واحد وفقاً لمعاييرها وشروطها المجحفة ، وضمت ( 431 ) معتقلاً من الضفة الغربية وقطاع غزة فقط واستثنت معتقلي القدس وال48 ، وكانت محكومياتهم قد قاربت على الإنتهاء .
وبهذا الصدد ناشد فروانة منظمة حزب الله اللبناني بضرورة ادراج قائمة الأسرى القدامى المعتقلين منذ ما قبل أوسلو وعددهم ( 349 أسير ) ضمن أي عملية تبادل محتملة ، على اعتبار أن هؤلاء الأسرى ناضلوا وضحوا وأفنوا زهرات شبابهم خلف القضبان من أجل قضية عربية اسلامية مقدسة وبالتالي موضوع مساندتهم وتحرريهم هو واجب وطني وقومي واسلامي .
وناشد فروانة كل من له علاقة بأسر الجنود الإسرائيليين في غزة أو في بيروت بالتمسك بمبدأ التبادلية والعمل على اطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين والعرب لا سيما القدامى منهم والأسيرات والمرضى ، مؤكداً على أن عيون الأسرى ترنوا الى غزة تارة والى الجنوب اللبناني تارة أخرى ، حالمون بتكرار ” عملية الجليل ” ، معرباً عن أمله في أن تشهد الأيام أو الشهور المقبلة ” عملية جليل ” جديدة تضع حداً لمعاناة جزء من الأسرى لا سيما القدامى منهم .