24/6/2008
رام الله – 22حزيران 2008- شدَّد الباحث المختص بشؤون الأسرى ومدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين عبد الناصر فروانة اليوم ، على ضرورة فتح ملف السجون والمعتقلات الإسرائيلية والسماح للمنظمات الحقوقية والإنسانية بالدخول إليها دون قيود ، والإطلاع على حجم الجرائم التي ترتكب بحق الأسرى داخل أقبية التحقيق وغرف السجون والتي لا حدود لها ولا رقيب أو حسيب .
وطالب فروانة بإنشاء لجنة دولية للتحقيق في كل أساليب وصنوف التعذيب المختلفة المتبعة في السجون الإسرائيلية والتي أدت إلى استشهاد المئات من الأسرى الفلسطينيين والأسرى السابقين ، والتسبب بعاهات مستديمة وأمراض مزمنة لآلاف آخرين ، وملاحقة ومحاكمة من مارسوا التعذيب ومن أصدروا الأوامر بممارسته.
وأوضح فروانة بأن الجمعية العمومية للأمم المتحدة كانت قد أقرت في الثاني عشر من شهر ديسمبر من عام 1997 ، يوم السادس والعشرين من شهر حزيران _ يونيو كيوم عالمي لمناهضة التعذيب ومساندة ضحاياه وتأهيلهم ، تحييه و تحتفل به سنوياً ومعها كافة المنظمات والمؤسسات الناشطة في مجال حقوق الإنسان في العالم ، باعتباره يوما لتفعيل اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب التي بدأت بالتنفيذ الفعلي بتاريخ 26 حزيران عام 1987م.
تعريف التعذيب وفقاً لاتفاقية مناهضة التعذيب
ويقصد ‘بالتعذيب وفقاً لما جاء في المادة الأولى من الاتفاقية ” بأنه أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد ، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخصٍ ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث ، على معلومات أو على اعتراف ، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه ، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو ارغامه هو أو أى شخص ثالث – أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب يقوم على التمييز أيا كان نوعه ، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها ” .
التعذيب بدأ مع بداية الإحتلال ويعتبر جريمة حرب
وأوضح فروانة بأن التعذيب في السجون والمعتقلات الإسرائيلية بدأ مع بدايات الإحتلال وكان أول ضحاياه هو الشهيد الأسير يوسف الجبالي الذي استشهد بتاريخ 4 يناير 1968م في سجن نابلس ، وتبعه العشرات ، ومورس التعذيب بأشكال عدة ، نفسية وجسدية ، وفي الغالب يتم المزج بينهما ، ووصلت إلى قرابة ثمانين شكلاً .
احصائيات
وبيّن فروانة بأن الإحصائيات المتوفرة لديه تفيد بأن ( 70 أسيراً ) استشهدوا جراء التعذيب في سجون الإحتلال الإسرائيلي منذ العام 1967 ، وأن كافة المعتقلين تعرضوا لشكل أو أكثر من أشكال التعذيب وأن هناك ترابط جدلي ما بين الاعتقال والتعذيب وليس هناك من شخص بغض النظر عن جنسه أو عمره ، مرَّ بتجربة الاعتقال دون أن يكون قد مرَّ بتجربة التعذيب ، وأن جميع من اعتقلوا تعرضوا للمعاملة المهينة السيئة واللإنسانية وإلى الشتائم وتكبيل الأيدي وعصب الأعين ، وأن 96 % ممن اعتقلوا تعرضوا للضرب ، و94 % تعرضوا للحرمان من النوم ، فيما تعرض 94 % للوقوف فترة طويلة ، و89 % تعرضوا للشبح والحرمان من النوم والطعام والشـراب ، و70 % تعرضوا للبرودة أو الحرارة الشديدة ، و60 % تعرضوا للمكوث ساعات وأيام في ما تعرف بالثلاجة ، وأن أكثر من 50 % تعرضوا للضرب والضغط على الخصيتين ، وهناك أشكال أخرى من التعذيب تعرض لها البعض بنسب أقل ومتفاوت ما بين هذه الفئة أو تلك من المعتقلين مثل التعرض للهز العنيف و التعري والتحرش الجنسي والتهديد بالاغتصاب أو الاغتصاب الفعلي ، والتعرية وإدخال أنبوب أو عيدان ثقاب في الأعضاء التناسلية ، والاعتداء بالهراوات والغاز المسيل للدموع والرصاص ، واستغلال أماكن الإصابة أو الجرح ، الصعق بالكهرباء والحرمان من زيارات الأهل الزيارات والعزل الانفرادي والإهمال الطبي … إلخ .
انخفاض عدد الشهداء جراء التعذيب لا يعني انخفاض وتيرة وقسوة التعذيب
وأشار فروانة الى ان انخفاض عدد الشهداء من المعتقلين جراء التعذيب خلال انتفاضة الأقصى إلى ثلاثة شهداء ، لا يعني أن انخفاضا قد حدث على وتيرة وقسوة التعذيب ، أو طرأ تحسناً على حقوق الإنسان المعتقل ، مؤكداً على أن التعذيب مُورس بشكل أكثر قسوة وشراسة خلال انتفاضة الأقصى ولكن بأساليب جديدة أكثر ألماً ولا تؤدي للموت المباشر واللحظي ، وذلك حتى تتجنب دولة الاحتلال المسؤولية المباشرة عن موتهم ، وان انتهاكات حقوق الأسرى قد تصاعدت بشكل ملحوظ وأن السجون الإسرائيلية باتت بدائل حقيقية لأعواد المشانق ، وأن ( 72 ) معتقلاً قد استشهدوا خلال انتفاضة الأقصى جراء التعذيب والإهمال الطبي والقتل العمد بعد الاعتقال التي تصاعدت بشكل غير مسبوق خلال انتفاضة الأقصى ، من مجموع ( 195 ) معتقلاً استشهدوا منذ العام 1967 ولغاية اليوم .
مئات الأسرى استشهدوا بعد التحرر بسبب التعذيب
وأشار فروانة الى أن تجارب التعذيب وآثارها مؤلمة وقاسية في حياة المُعَذَب ، وشبحها يبقى راسخاً في ذاكرته يلاحقه أينما ذهب ، وبالتأكيد كلما تذكرها ازداد معاناةً و نما لديه شعوراً بالثأر و الإنتقام .
موضحاً بأن هناك الآلاف من الأسرى السابقين لا سيما الذين تعرضوا للتعذيب الشديد أو الذين أمضوا سنوات طويلة في الأسر ، لا زالوا يعانون من أمراض مختلفة ومزمنة ورثوها عن سجون الإحتلال وما يجري بداخلها من تعذيب ، والمئات منهم استشهدوا جراء ذلك وبعد تحررهم بسنوات وعلى سبيل المثال لا الحصر الشهداء وليد الغول ، هايل أبو زيد من الجولان ، فايز بدوي ، مراد أبو ساكوت وشيخ المعتقلين أبو رفعت نعيرات ، عبد الرحيم عراقي من الطيرة .
وأكد فروانة أن التعذيب في السجون والمعتقلات الإسرائيلية انتهاك أساسي لحقوق الإنسان ، وهو جرم فظيع وبشع يرتكب بحق الإنسانية ، وشّكل نهجاً أساسياً وثابتاً وممارسةً مؤسسيةً ، وجزءاً لا يتجزأ من معاملة المعتقلين اليومية ، ويهدف إلى تدمير الإنسان جسدياً ومعنوياً ، وتحطيم شخصيته وتغيير سلوكه ونمط تفكيره وحياته ، ليغدو عالة على أسرته ومجتمعه وعبرة لغيره .
تجربة شخصية
ويقول فروانة أنه لا يمكن الحديث أو الكتابة عن التعذيب دون الاستحضار الاضطراري للتجربة الشخصية حيث أنني عايشت أكثر من تجربة ، ولكن أقساها كانت في سبتمبر عام 1989م، وتعرضت لصنوف مختلفة وبشعة من التعذيب آنذاك لمدة مائة يوم متواصلة في أقبية التحقيق وزنازينها وثلاجاتها ، ورغم مرور قرابة عشرين عاماً إلا أن ذكرياتها لا زالت ماثلة أمامي وصور المحقق المُعَذِب وهو يستمتع بتعذيبي لا زالت أمامي ، مما يولد لدىّ شعور بالألم والمرارة ، ويحضرني صور آلاف الأسرى الذين عُذِبوا ولا زالوا يُعذبون في السجون الإسرائيلية مما يدفعني للعمل أكثر فأكثر لمساندتهم .
وزارة شؤون الأسرى والمحررين تولي ضحايا التعذيب من الأسرى وعائلاتهم الأهمية الفائقة وأكد فروانة بأن وزارته تولي ضحايا التعذيب من الأسرى وعائلاتهم الأهمية الفائقة وتسعى جاهدة لخدمتهم ومساعدتهم وإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع الفلسطيني من خلال العديد من الخدمات النفسية والاجتماعية والإرشادية والصحية والمساعدات المادية وغيرها من الخدمات والبرامج التي تقدمها للأسرى المحررين بشكل عام وضحايا التعذيب بشكل خاص ، وتسعى جاهدة من خلال نشاطاتها وعلاقاتها الدولية لحث المؤسسات الدولية لممارسة دورها والضغط على ” إسرائيل ” لوقف تعذيبها للأسرى في سجونها ، واتخاذ الإجراءات الجدية لحظر التعذيب لما له من نتائج نفسية واجتماعية سلبية على الفرد والمجتمع .
حكومة الإحتلال شرَّعت التعذيب أمام سمع وبصر العالم
ووصف فروانة السجانين والمحققين الإسرائيليين وكل من يعمل في المؤسسة الأمنية من أطباء وممرضين وإداريين ورجال شرطة أو عمال ، بأنهم ليسوا بشراً طبيعيين ، بل أناس مجردون من الضمير الإنساني وليسوا أصحاءً نفسياً ، حيث يسعون دائماً لإبتكار أبشع الأساليب لإلحاق الألم والأذى بالمعتقلين ، بحجة أنهم ” قنابل موقوتة ” ، وأحياناً يمارسون التعذيب لمجرد التسلية والاستمتاع والتباهي فيما بينهم ، ويضحكون ويبتسمون وهم يراقبون عذاب وآلام المعتقلين .
واستهجن فروانة استمرار الصمت الدولي بمؤسساته المختلفة تجاه ما أسماه ” منح الشرعية والغطاء القانوني للتعذيب في سجون الاحتلال ” ، مؤكداً على أن دولة الاحتلال هي الوحيدة في العالم التي شرَّعت التعذيب علناً في مؤسساتها الأمنية ومنحته الغطاء القانوني ومنحت ممارسيه الحصانة القضائية ، مما أدى إلى هبوط حياة الأسير الفلسطيني إلى أدنى مستوياتها عند المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية بالرغم من إدانة المجتمع الدولي للتعذيب باعتباره جرماً يُرتكب في حق الكرامة الإنسانية، وحرمه القانون الدولي تحريماً قاطعاً أياً كانت الظروف.
واعتبر فروانة أن استمرار التعذيب في السجون الإسرائيلية بمثابة وصمة قبيحة تندس ضمير الإنسانية، ووصمة عار على جبين الحضارة العصرية والديمقراطية المنشودة والسلام المأمول ، تستوجب رفع الأصوات وتفعيل النشاطات وتكثيف الفعاليات على كافة المستويات تنديداً باستمرار التعذيب ، ومطالبة بإنهائه وملاحقة مرتكبيه في إطار مكافحة الجرائم ضد الإنسانية بوجه عام .
ويضيف فروانة أنه مهما حاولت “اسرائيل” خداع العالم بأنها دولة ديمقراطية وانسانية ، فإن مئات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين والعرب الذين ذاقوا مرارة التعذيب في سجونها سيبقون شواهد حية على كذب وزيف ديمقراطيتها وادعاءاتها ، وعلى الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية كافة العمل الجدي والتحرك الفوري لاتخاذ اجراءات فعلية مؤثرة تكفل حظر التعذيب في سجون الإحتلال الإسرائيلي ووضع حد له وملاحقة مجرميه ومرتكبيه ومن يحرضون عليه ويصدرون القرارات لممارسته ، ومساندة ضحاياه عامة وتأهيلهم ورعايتهم وتعويضهم بشكل مناسب، وضمان حياة كريمة لهم ولأسرهم .