7/8/2008
*بقلم / عبد الناصر فروانة
الأسير حسن علي نمر سلمه (أبو علي) هو واحد من الأسرى القدامى ، ويحتل مكانة متقدمة على قائمتهم رغماً عنه ، حيث يعتبر ثامن أقدم الأسرى على الإطلاق ، بعد سعيد العتبة ونائل وفخري البرغوثي ، وأكرم منصور وأبو علي يطا ، وفؤاد الرازم وابراهيم جابر ، ولقد دخل اليوم الخميس عامه السابع والعشرين .
ومصطلح ” الاسرى القدامى ” يطلق على مئات من الأسرى الفلسطينيين والعرب المعتقلين منذ ما قبل اتفاقية اوسلو وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية في الرابع من آيار 1994 ، مما يعني أن أقل واحد منهم مضى على اعتقاله أكثر من أربعة عشر عاماً ، فيما أقدمهم مضى على اعتقاله أكثر من واحد وثلاثين عاماً .
وقائمة ” الأسرى القدامى ” تضم أسماء ” 345 ” أسيراً من كافة المناطق الفلسطينية ، بل ومنهم ثلاثة أسرى من الجولان السورية المحتلة ، ولكل واحد من هؤلاء قصصه الطويلة وحكاياته العديدة ومعاناته المريره ، ومواقفه البطولية التي تعكس صموده وشموخه رغم طول سنوات الأسر وقساوة السجان وبشاعته وعنجهيته ..
لكل واحد من هؤلاء تجاربه الخاصة والعامة ، ولو نجحنا في توثيقها ، تدوينها ، نشرها وعرضها بشكل جيد ، سننجح بتحريك مشاعر وضمائر وسواعد أكثر من مليار مسلم ومعهم كل الأحرار في العالم ، وسنجعل من قضيتهم .. قضية رأي عام دولي ، متفهم لمعاناتهم وحقهم بالحرية ، ويمكن حينها الضغط على حكومة الإحتلال لإجبارها على إطلاق سراحهم كمقدمة أساسية للسلام العادل في المنطقة .
وللأسير حسن ” أبو علي ” حكايات طويلة نُسجت خلال ستة وعشرون عاماً من الأسر وحتى ما قبل الأسر ، حكايات يمكن أن تُسطر في مجلدات ، حكايات تعكس نضالات وصمود هذا الرجل القوي ومعاناته ومعاناة أسرته .
ولأنني لست مؤرخاً أو كاتباً محترفاً أو صحافياً ماهراً ، فانني أقر بعجزي في انجاز ذلك ، ولا أمتلك سوى الدعوة لتوثيق قصص وحكايات هؤلاء القدامى تحديداً وتسليط الضوء عليها ، لعلنا نوفق جميعاً في وضع حد لمعاناتهم ومعاناة ذويهم واسرهم .
الأسير المناضل حسن علي نمر سلمة ( 50 عاماً ) من قرية يالو من قرى اللطرون التي دمرت عام 1967 ، وهو من سكان بلدة بيتونيا برام الله ، وولد بتاريخ 8-2-1958 ، وكبر وترعرع في هذه البلدة وتعلم في مدارسها وأنهى الثانوية العامة ، ليلتحق بعدها بجامعة بيرزيت كلية الفيزياء وكان متفوقاً مميزاً وحينما أعتقل بتاريخ 8-8-1982 ، لم يكن متبقي له سوى فصل واحد ، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة وكان حينها يبلغ من العمر ( 24 عاماً ) ، واليوم قد أنهى عامه السادس والعشرين في الأسر ويدخل عامه السابع والعشرين ، وهو بذلك يكون قد أمضى من عمره في الأسر من سنوات أكثر مما أمضى قبل الأسر في رحاب الحرية .
وخلال سنوات الأسر الطويلة تنقل بين العديد من السجون وتعرض لصنوف مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي والإهمال الطبي ، كما تعرض مراراً للعزل الإنفرادي والجماعي ، وشارك اخوانه الأسرى في الخطوات النضالية المختلفة وفي الإضرابات عن الطعام ، وهو موجود الآن في سجن ريمون الصحراوي القريب من سجن نفحة .
ومن الحكايات الخاصة بالأسير البطل حسن سلمة ، أنه تزوج قبل اعتقاله بفترة وجيزة ، وربنا رزقه بتاريخ 19-7-1982 بتوأم ( ولد وبنت ) ( علي وسناء ) ، ولم ينعم كثيراً باحتضانهما سوى لفترة تسعة عشر يوماً فقط ، حيث اعتقل بتاريخ 8-8-1982 ، ليحرم من رعايتهما المباشرة و رؤيتهما بلا قضبان وتقبيلهما بلا شبك .
ولكن كبر الأطفال وتفوقا في الدراسة وعملا بوصية الوالد وبرعاية الأم الصابرة الصامدة المثالية والتي تخلت عن متاع الدنيا واغراءاتها من أجل تربية طفليها وصون علاقتها بزوجها الأسير الذي تفتخر به وتعتز بارتباطها به ، فمسيرة ” علي ” تكللت بالنجاح وتخرج من جامعة القدس المفتوحة ليعمل في السلطة الوطنية الفلسطينية ، فيما سناء لا زالت تدرس في الجامعة وتسير بنجاح وتعمل في الوقت ذاته موظفة في وزارة الأسرى والمحررين برام الله ، وكانت قد زُفت الى بيت زوجها قبل عام دون حضور والدها الذي اكتفى بارسال رسالة لها تحمل بعض الكلمات والتهاني وصلتها بعد سنوات ، أما علي فيأمل أن ينعم والده بالحرية ويشاركه حفل زفافه .
وفي اتصال هاتفي معها تقول ابنته ” سناء ” 26 عاماً ، اعتقل والدي وأنا رضيعة وكبرت في حضن والدتي وحرمت من حنانه ، فتعرفت عليه من خلال شبك الزيارة ، ونسجت معه علاقات متينة وقوية ، فهو مفخرة لي واشمخ به أينما ذهبت ، بنضالاته وصموده وثباته، بما يمتلكه من معنويات عالية وتفاؤل كبير ، وأسعى أنا وشقيقي لأن نعمل بوصيته ووفقاً لتوجيهاته وكأنه يحيا بيننا ولربما أكثر من ذلك وصورته ماثلة أمامنا ، عالقة في أذهاننا ، حاضرة في سلوكنا ، ونسعى لأن نكون كما يطمح أن نكون ناجحين ومتفوقين .
وتضيف ” سناء ” مسيرة حياتنا حافلة بالمعاناة كباقي ذوي الأسرى ، ولكن لطول السنين فقد تكون معاناتنا أضعاف غيرنا ، وزياراتنا لوالدنا غير منتظمة تحت ما يسمى ” أسباب امنية ” فوالدتي ممنوعة من زيارة والدي منذ تسع سنوات ويسمع لها أحيانا كل عام ، فيما جدي البالغ من العمر ( 76 عاماً ) ممنوع نهائياً من زيارة ولده ، وأعمامي ممنوعين أمنياً من الزيارة ، وأنا وشقيق نزور كلما أتيحت لنا الفرصة ولكنها تكون محفوفة بالمخاطر وممزوجة بالمعاناة ، فالزيارات ان تمت فهي رحلة عذاب ومشقة.
الأسير حسن علي سلمة هو واحد من قرابة عشرة آلاف أسير فلسطيني يقبعون في سجون ومعتقلات الإحتلال الإسرائيلي ويتعرضون لإنتهاكات فظة لحقوقهم الإنسانية الأساسية ، وهو واحد من قائمة الأسرى القدامى الذين يستحقون الإهتمام من قبل المسؤولين والقادة والفصائل كافة ومؤسسات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام لتسليط الضوء عليهم بشكل خاص وابراز معاناتهم وتفعيل الأنشطة والفعاليات المساندة لقضاياهم العادلة ، والعمل الجدي من أجل اطلاق سراحهم ووضع حد لمعاناتهم المتفاقمة .
* أسير سابق وباحث مختص بقضايا الأسرى ومدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين