2/2/2009

غزة – 2-2-2009 – طالب الأسير السابق والباحث المختص بشؤون الأسرى عبد الناصر عوني فروانة ، اليوم ، بتشكيل لجنة دولية مستقلة للتحقيق في ظروف اعدام قوات الإحتلال بشكل مباشر لعدد من المعتقلين العزُل بعد اعتقالهم خلال الحرب على غزة ، واعدام عدد من المواطنين الأبرياء باشكال عدة وفي أماكن مختلفة ، باعتبارها جرائم حرب ، والتحقيق أيضاً في ظروف مقتل عشرات من المواطنين العُزل وجدت جثامينهم ملقاة على الطرقات أو داخل بيوتهم وشققهم السكنية بعد انسحاب قوات الإحتلال منها.

وقال بأن ما يدفعنا للقلق ويدعونا للمطالبة المستمرة بضرورة التحقيق هو ما يتردد لمسامعنا يومياً من شهادات وروايات عديدة وقصص مؤلمة تقشعر لها الأبدان لحوادث القتل المتعمد ، واصرار ” سلطات الإحتلال ” على عدم التعاون مع منظمة الصليب الأحمر أو الإستجابة لمطالب السلطة الوطنية الفلسطينية فيما يتعلق بالمحتجزين لديها وذلك منذ اليوم الأول للحرب ولغاية اللحظة ، مما يفتح المجال للكثير من الإحتمالات الخطيرة التي تهدد حياتهم ، هذا بالإضافة الى الإستخدام المفرط لوسائل القتال المدمرة خلال الحرب والارتفاع الملحوظ في أعداد الضحايا المدنيين العُزل .

واضاف فروانة بأن العشرات من المواطنين الغزيين لازالوا في عداد المفقودين ، ويُجهل مصيرهم ، ويُخشى بأن تكون قوات الإحتلال قد أعدمت بعضهم خلال الحرب ودفنت جثامينهم في مناطق القتال دون التمكن من انتشالها حتى اللحظة ، أو اقدامها على اعدام بعض من تحتجزهم في أماكن سرية.

وأوضح فروانة بأنه ووفقاً لروايات المواطنين وشهادات كثيرة حصل عليها فان اعدام المعتقلين العُزل أو المواطنين الأبرياء خلال الحرب جرى باشكال عدة ، منها ترك الجرحى والمصابين ينزفون دماً بشكل متعمد ودون رعاية طبية ، ودون السماح لطواقم الإسعاف الفلسطينية من الوصول اليهم مما أدى الى وفاة بعضهم ، وفي أحياناً أخرى تم اطلاق الرصاص بشكل مباشر عليهم أو بالقرب من أجسادهم ، أو على المواطنين الأبرياء من مسافة قريبة بهدف القتل ، وفي حالات أخرى تم احتجاز مواطنين كدروع بشرية مما عرضهم للقتل جراء اطلاق النيران المتبادل .

وتابع انه وفي حالات أخرى تم اعدام عائلات بأكملها بعد هدم البيوت فوق رؤوس من فيها من بشر رغم علو صرخاتهم ونداءاتهم وظهور ما يؤكد وجود أناس بداخله .

وأضاف فروانة أنه وفي حالات عديدة أخرى لاسيما في المناطق الحدودية لقطاع غزة ، تم احتجاز عدد من المواطنين بعد التوغل داخل حدود القطاع ، ومن ثم نقلهم الى أطراف حدود القطاع ، ومن ثم السماح لهم بالعودة لداخل القطاع مشياً على الأقدام وحين ابتعادهم عن الجنود واقترابهم من المناطق السكنية للقطاع أطلقت قوات الإحتلال نيران أسلحتها الرشاشة وقذائف الدبابات عليهم ، كما حصل مع الشهيد ” شادي حمد ” من بيت حانون ، حيث اعتقلته قوات الإحتلال مع مجموعة من المواطنين ، واقتادتهم الى أطراف الحدود وساروا بهم باتجاه شرق جباليا ، ومن ثم أطلقوا سراحهم وطلبوا منهم العودة الى القطاع فساروا غرباً في شارع القرم باتجاه جباليا أمام مرأى الجنود وداخل منطقة تسيطر عليها قوات الإحتلال وعند اقترابهم من مسجد الصديق بجباليا البلد ، أطلقت عليهم النيران بكثافة مترافقة مع قذيفة دبابة ، مما أدى الى استشهاد ” شادي ” ونجاة الآخرين باعجوبة ، فيما لم تتمكن طواقم الإسعاف من انتشال جثمانه ، وبقيت ثلاثة أيام ملقاة على قارعة الطريق ، قبل أن يتمكن المواطنون من سحبها .

واشار فروانة بأن اعدام المواطن سمير رشيد محمد ( 44 عاماً ) من عزبة عبد ربه بالقرب من تلة الكاشف شمال شرق قطاع غزة ، مثال آخر للإعدام الميداني للمواطنين العُزل بشكل مختلف ، حيث وفي مساء يوم الخامس من كانون ثاني / يناير 2009 ، اقتحمت قوة خاصة لبيت الشهيد وحاصرت الأسرة في الطابق الأرضي وأجبرتهم على البقاء فيه ، وقامت باقتياد ( سمير ) الى الطوابق العلوية كدرع بشري لتفتيش باقي المنزل ، ومن ثم اطلقت رصاصة على صدره ، وبعد ساعة نزل أحد الجنود وأبلغ شقيقه “منير” بأن شقيقه أصيب وطلبوا منه الذهاب واحضار سيارة اسعاف ، وحين خروجه من المنزل قابلته قوة أخرى أطلقت النار عليه مباشرة فأصيب ، مما تسببت ببتر اصابع يده اليمنى وامروه بالعودة ، وبعد عودته للبيت مصاباً أبلغ الجنود ودمه ينزف من يده بأنه لا يوجد اسعاف فقاموا بانزال شقيقه المصاب ( سمير ) من الطابق العلوي حيث كان مصابا بعيار ناري مباشر في الصدر ، وهو يحتضر من شدة النزيف دون تقديم أية رعاية طبية له ، وتركوه ينزف حتى فارق الحياة أمام مرأى شقيقه الذي أجبر على عدم البكاء أو الصراخ وإلا سيكون مصيره كمصير شقيقه ، وبعد ثلاثة ايام سُمح لكافة أفراد الأسرة باخلاء المنزل والخروج منه ، بعد أن استخدمتهم قوات الإحتلال كدروع بشرية خلال تلك الأيام ، فيما لم يُسمح لهم بنقل جثمان ابنهم الشهيد معهم ، وبقىّ محتجزاً في البيت لمدة تزيد عن عشرة أيام ، ولم يسمح بنقل جثمانه إلا بعد محاولات عديدة من تدخل طواقم وكالة الأونروا حيث كان يعمل سابقاً ومنظمة الصليب الأحمر الدولية .

ممارسات ليست استثنائية ، انما متكررة في اطار سياسة ممنهجة

وأكد فروانة بأن هناك شهادات كثيرة وروايات مؤلمة لأحداث مشابهة تستوجب المتابعة والتحقيق والتوثيق ، من قبل المؤسسات الحقوقية والإنسانية المعنية ، وتحويل تلك الأرقام والحالات والشهادات الى قصص حية موثقة بالصوت والصورة والكلمة .

وتابع فروانة بان تلك الممارسات ليست نادرة ، أو أعمال فردية واستثنائية ، بل هي مشاهد متكررة لأحداث مشابهة ، تعيد للأذهان ما كان يجري في الضفة الغربية أيام السور الواقي لاسيما في مخيم جنين ، كما ويذكرنا بالفيلم الإسرائيلي الوثائقي الذي عرض الإعدام الجماعي للأسرى المصريين في حربي 1956 و1967 ، وما كان يجري في مخيمات جنوب لبنان ، مما يؤكد على أن اعدام الأسرى والمواطنين العزل خلال الحرب على غزة ليست استثناء ، انما هي تنفيذا لتعليمات قادة عسكريين كبار ، في اطار سياسة اسرائيلية ممنهجة ومتبعة بحق المعتقلين والمواطنين العُزل منذ العام 1948 بشكل جماعي وفردي وتنفذ باشكال عديدة ، مما منح الجنود سهولة ومرونة كبيرة في الضغط على الزناد لقتل المواطنين .

وأوضح فروانة بأن تنفيذ هذه السياسة قد تصاعد بشكل ملحوظ خلال انتفاضة الأقصى لاسيما بعد اقرار محكمة العدل العليا الإسرائيلية أوائل عام 2002 لسياسة التصفيات الجسدية للمواطنين ومنحه الغطاء قانوني ، مما أتاح لقوات الإحتلال الفرصة والضوء الأخضر لاعدام عشرات المعتقلين والمواطنين بشكل مباشر وميداني دون محاسبة أو ملاحقة قضائية .