25/2/2009

*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة

الأسير سليم علي ابراهيم الكيال ( 57 عاماً ) من قدامى الأسرى ، وممن مضى على اعتقالهم أكثر من ربع قرن ، وبعد ثلاثة شهور سيدخل عامه السابع والعشرين داخل الأسر بشكل متواصل ، ويعتبر عميد أسرى قطاع غزة ، وكان قد اعتقل بتاريخ 30-5-1983 بتهمة الإنتماء لحركة فتح وتنفيذ عمليات مقاومة للإحتلال ، وأصدرت المحكمة العسكرية الإسرائيلية بحقه حكماً بالسجن المؤبد ، فيما أن مجموع فترات اعتقاله اقتربت من الثلاثين عاماً .

” سليم الكيال ” ( 57 عاماً ) ، أسير فلسطيني أمضى ( 30 عاماً ) في سجون الإحتلال الإسرائيلي ، بمعنى آخر أمضى سنوات طويلة من عمره في الأسر ، أكثر من تلك السنوات التي أمضاها خارج الأسر ، وكان قد عقد قرانه على زوجته ولم يستكمل مراسيم الزواج ، حيث اعتقل لبضعة سنوات ، وبعد تحرره تزوج منها ، ليعتقل ويترك زوجته حامل في شهورها الأولى ، لتنجب له بنت واحدة وهو في زنازين السجون أسماها ( دعاء ) ، حرم من رعايتها في طفولتها ، كما حرمت هي الأخرى من حنانه وحضنه الدافئ ، فاكتفى بمتابعة نموها ومراقبة ترعرعها في حضن أمها من بعيد جداً ، عبر الفتحات الفاصلة ما بين قضبان سجني نفحة أو عسقلان أو بئر السبع أو ..، وكان يكحل عيناه برؤيتها عبر فتحات شبك الزيارة كل بضعة شهور مرة ، إلا أن توقفت الزيارات منذ سنوات بشكل كامل ، ولم يعُد يراها أو يسمع صوتها ، وان فكر بمراسلتها واهداء بعض الكلمات لها ، فالرسائل لم تصل لأصحابها ، وان كان محظوظاً فإنها تصل بعد شهور وسنوات .

ومع ذلك كان محظوظاً أكثر منها قليلاً حيث انها تمكنت بين الفينة والأخرى ان تبرق له بعض الكلمات وتسمعه صوتها عبر أثير الإذاعات المحلية ، فيما هي لم تسمع صوته منذ سنوات طوال ..!

وكبرت ” دعاء ” وانتظرت طويلاً عودة والدها .. فتارة حلمت باطلاق سراحه ضمن الإفراجات السياسية عقب أوسلو ، وتارة أخرى بصفقات حزب الله ، وانتظرت طويلاً تحرره في اطار صفقة التبادل مع الجندي الإسرائيلي ” جلعاد شاليط ” المحتجز لدى الفصائل الفلسطينية .

بالأمس كانت جنين في رحم أمها واليوم عروس تُزف ، ووالدها لايزال في السجون !

ولكن البنات ليس كالأبناء .. فبالأمس القريب كتبنا عن قصة مشابهة ، ” وسام ” يؤجل زواجه بانتظار اتمام صفقة التبادل على أمل ان ينعم والده الأسير ” محمد الحسني ” الحرية ضمن الصفقة .

ومع ان ” دعاء ” ابنة الأسير ” سليم الكيال ” أجلت موضوع زواجها مراراً ، إلا أنها لم تستطع أن تؤجله لفترة أطول ، ولن تقدم اليوم على فعل ذلك لأسباب عدة ، لتخرج من بيتها وهي تذرف الدموع مستحضرة صورة والدها التي لا تغيب عنها لبرهة واحدة ، وتزف الليلة الى بيت زوجها ، في ظل الغياب القسري لوالدها الأسير ، والذي ربما احتفل بزفافها مع زملائه الأسرى في غرف سجن نفحة الصحراوي ، أو لربما لم ينام الليلة ولن تغمض عيناه حتى بزوغ الفجر .

” دعاء ” طفلته الوحيدة المحبوبة ، فلذة قلبه ، حرم من احتضانها طوال أكثر من ربع قرن مضت ، لتكبر وتزف اليوم لبيت عريسها دون حضوره أو مشاركته لها بفرحتها المفترضة بالصوت أو الكلمة أو حتى برسالة.

وأكثر من ربع قرن مضت دون ان يتمكن من احتضانها بحرية دون قضبان أو مراقبة، أو رؤيتها كاملة دون شبك وزجاج ، أو سماع صوتها دون ضجيج السجان وخرخشة مفاتيح الزنازين والغرف المغلقة .

” دعاء ” حلمت بفرح كبير وليلة زفاف سعيدة بلا حزن أو دموع الفراق ، حلمت بحضور والدها وولي أمرها شاهداً على عقد الزواج ، ومرافقة والدها لها اثناء خروجها من بيتها ، لتنتقل الى بيت زوجها .. كما حلمت من قبل أن تقضي بعض سنوات طفولتها بين أحضانه ، وحلمت .. وحلمت .. ومضت السنين دون أن تتحقق أحلامها ، وستمضي ليلة الزفاف الليلة دون عودة والدها .. ولكنها لازالت تتسلح بحلم لابد وأن يتحقق ، حلم عودة والدها يوماً ما ، ونأمل أن يكون ذلك ضمن صفقة التبادل التي يدور الحديث حولها ، لاسيما وأن ” سليم الكيال ” هو واحد من الأسرى الذين أمضوا أكثر من ربع قرن في الأسر وأعتقد أن لا معنى لأي ” صفقة ” تبادل أسرى يمكن أن تستثني ” سليم ” أو غيره من ” الأسرى القدامى “.

ومع ذلك كان وسيبقى ” سليم ” شامخاً صلباً وعنيداً ، متسلحاً بأمل العودة قريباً الى شوارع غزة وأزقة حي الزيتون الذي تربى وترعرع فيه . والسؤال الذي يقفز لذهن هذا اليوم : اذا كان الإعتقال قد حرم ” سليم ” من رؤية واحتضان طفلته فور ولادتها ، وأن كافة الصفقات والإفراجات السابقة لم تضمن له مشاركة كريمته حفل زفافها .

فهل ياترى ستكفل صفقة التبادل مع ” شاليط ” عودته قريباً ليقدم تهانيه لكريمته الوحيدة بزفافها ، وليتمكن لاحقاً من احتضان حفيده الأول ؟

* أسير سابق وباحث مختص بشؤون الأسرى وموقعه الشخصي ” فلسطين خلف القضبان ”
http://www.palestinebehindbars.org