18/5/2009

غزة – 18-5-2009 – قال الأسير السابق ، الباحث المختص بشؤون الأسرى عبد الناصر عوني فروانة ، اليوم ، بأن الاحتلال الإسرائيلي اعتمد الاعتقالات كسياسة ومنهج وسلوك يومي ، ووسيلة لإذلال المواطنين والانتقام منهم ومحاولة لإفراغهم من محتواهم الوطني والسياسي ، واستخدم بعضهم للمساومة والابتزاز والضغط عليهم لتقديم المعلومات أو للتعامل مع الاحتلال ، وفي كثير من الأحيان كانت اعتقالات عشوائية أو احترازية ذات علاقة بالوضع العام أو تزامناً مع المناسبات الوطنية ، فيما حالات كثيرة تم اعتقالهم واحتجازهم والسيطرة عليهم بشكل جماعي وفردي بهدف اعدامهم ، ومع الوقت أصبحت الاعتقالات تقليد يومي ثابت ، وجزء أساسي من عمل وسلوك المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ، دون وجه حق أو مبرر ، أو حتى دون ضرورة ومبررات تذكر وفقاً لقوانينها الظالمة ، وقد وصل اجمالي من تم اعتقالهم منذ النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني عام 1948 ولغاية اليوم إلى أكثر من ( 800 ألف ) مواطن فلسطيني .

مؤكداً بأنه لم تعد هناك عائلة فلسطينية واحدة إلا وأن مرَّ أحد أفرادها أو جميعهم بتجربة الاعتقال ، فيما عشرات الآلاف من المواطنين قد تعرضوا للاعتقال لأكثر من مرة ولمرات عديدة ، وأن الآلاف منهم قد أمضوا في سجون الاحتلال أكثر من عشر سنوات ، مما يعني أن الاعتقال شكَّل ظاهرة وبات مفرد ثابت في القاموس الفلسطيني وأن آثاره لم تقتصر على الأسير فحسب ، بل امتدت وطالت ذويه ودائرته الإجتماعية .

أكثر من ( 800 ألف ) حالة اعتقال منذ العام 1948
وأضاف بأنه ووفقاً لمفهوم الإعتقال والإحتجاز فان عشرات الآلاف من المواطنين – يقدروا بـ ( 100 ألف مواطن ) – اعتقلوا خلال الفترة الممتدة مابين أعوام 1948– 1967 ، وشهدت هذه الفترة اعتقالات جماعية واحتجاز في أماكن عامة أو معسكرات اعتقال أشبه بمعتقلات النازية أُعدت خصيصاً لذلك في القرى المدمرة والمُهجر سكانها ، أو في بعض السجون التي ورثها الاحتلال عن الانتداب البريطاني ، وأن قوات الاحتلال اعتمدت خلال هذه الفترة على الطرد والإبعاد والتهجير الجماعي والإعدام الميداني عبر المجازر المختلفة حيث شهدت حالات اعدام فردي وجماعي بشكل كبير ووحشي لأولئك المعتقلين ومن قدر لهم البقاء على قيد الحياة طردوا من قراهم .

وبيّن فروانة بأن قوات الاحتلال اعتقلت في الفترة الممتدة مابين العام 1967-ديسمبر 1987 ما يقارب من ( 420 ألف ) حالة اعتقال ، وخلال الإنتفاضة الأولى ( ديسمبر 1987 ولغاية منتصف 1994 ) اعتقلت ما يقارب من ( 210 ألف ) حالة اعتقال .

موضحاً بأن الإعتقالات قد تراجعت بعد أوسلو وقيام السلطة الوطنية في مايو / آيار 1994 ، حيث لم يسجل سوى ( عشرة آلاف ) حالة اعتقال منذ ذلك التاريخ ولغاية سبتمبر 2000 .

وأضاف فروانة بأن معدل الإعتقالات عاد وارتفع بشكل كبير مع بداية انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000 واستمر حتى يومنا هذا ، حتى وصل اجمالي عدد حالات الإعتقال خلال انتفاضة الأقصى الى قرابة ( 70 ألف ) حالة اعتقال ، وبذلك يصل اجمالي من تم اعتقالهم منذ النكبة ولغاية اليوم إلى أكثر من ( 800 أف ) حالة اعتقال ، ومن بين هؤلاء آلاف المواطنات وعشرات آلاف الأطفال .

وأوضح فروانة بأن الاحتلال زج بهؤلاء المعتقلين في سجون ومعتقلات ومراكز توقيف ورثها عن الانتداب البريطاني والحكم الأردني وتم توسيع بعضها عام 1970م ، وفي وقت لاحق شيد عدداً من السجون والمعتقلات بمواصفاته الخاصة، وهذه منتشرة جغرافياً على طول الوطن وعرضه ووصل عددها الإجمالي إلى ما يقارب من الخمسة والعشرين ، ولم تعد هناك بقعة في فلسطين التاريخية إلاَّ وأن أقيم عليها سجن أو معتقل أو مركز توقيف، وغالبيتها العظمى تقع في أراضي عام 1948 ، فيما لا يزال قرابة ( 9500 ) مواطن ومواطنة معتقلين في سجونه ومعتقلاته العديدة .

اعدامات بالجملة
وأكد فروانة على أن كل من مرَّ بتجربة الإعتقال قد تم احتجازه في ظروف لا إنسانية ومأساوية ، وتعرض لشكل أو أكثر من أشكال التعذيب النفسي والجسدي ، والآلاف منهم استخدموا دروع بشرية ، فيما -وحسب ما هو موثق لديه – استشهد ( 196 ) أسير منهم منذ العام 1967 نتيجة الإهمال الطبي والتعذيب والقتل العمد ، فيما قدَّر عدد من استشهدوا قبل ذلك بالمئات لاسيما جراء الإعدام الميداني من قبل عصابات ” الهاغاناة ” وكانت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية قد نشرت قبل شهور صورة لفلسطيني مقيد اليدين أعدم عام 1948 على يد العصابات الصهيونية رميا بالرصاص .

عمليات تبادل أسرى منذ العام 1948
وذكر فروانة بأنه ومنذ النكبة ولغاية اليوم جرت ( 36 ) عملية تبادل أسرى ما بين حكومة الاحتلال الإسرائيلي من جانب وبعض الدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية من جانب آخر ، تم بموجبها إطلاق سراح آلاف المعتقلين الفلسطينيين والعرب من سجون الاحتلال الإسرائيلي ، واستعادة المئات من رفات الشهداء المحتجزة لدى سلطات الاحتلال في ما تعرف بمقابر الأرقام ، مقابل الإفراج عن أكثر من ألف أسير اسرائيلي كانوا محتجزين لدى الجهات العربية والفلسطينية ، وقد بدأتها مصر في فبراير/ شباط 1949 ، فيما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطيني بدأتها فلسطينياً في يوليو / تموز 1968 .

حجازي أول أسير والبرناوي أول أسيرة في الثورة الفلسطينية المعاصرة

وذكر فروانة بأن الأسير السابق ( محمود بكر حجازي ) يعتبر الأسير الفلسطيني الأول في الثورة الفلسطينية العاصرة حيث اعتقل بتاريخ 18 يناير 1965 وتحرر في ثاني عملية تبادل على الصعيد الفلسطيني مع حكومة الاحتلال وذلك بتاريخ 28 يناير عام 1971 ، أما الأسيرة السابقة ( فاطمة البرناوي ) فهي تُعتبر أول مواطنة فلسطينية يتم اعتقالها بعد العام 1967 ، وذلك في تشرين ثاني 1967 وحكم عليها آنذاك بالسجن مدى الحياة ، فيما لم تتمكن أي جهة من توثيق أول أسير وأول أسيرة منذ النكبة ، بالرغم من أن شهادات عديدة أكدت بأن الإعتقالات منذ النكبة لم تكن عشوائية أو احترازية أو مجرد اعدامات جماعية فحسب ، بل أن المئات من الأسرى الفلسطينيين مكثوا في سجون الإحتلال لشهور وسنوات طويلة قبل انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة في يناير 1965 .

وفي هذا الصدد دعا فروانة كافة المؤسسات الحقوقية والإنسانية ومراكز الدراسات والتوثيق الى العمل الجاد والحثيث من أجل توثيق تجربة الإعتقال بكافة مراحلها وأشكالها وما صاحبها من انتهاكات وجرائم.

* أسير سابق وباحث مختص بشؤون الأسرى وموقعه الشخصي ” فلسطين خلف القضبان ”
http://www.palestinebehindbars.org