14 يوليو / تموز 2008
القاهرة
الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان – ANHRI
قانون الفقي أم قانون الحكومة؟
لم يكن كشف جريدة المصري اليوم عن تفاصيل مشروع قانون جديد للرقابة على البث السمعي والمرئي أعده وزير الإعلام أنس الفقي منذ أيام هو المفاجأة الوحيدة ، بل أعقبها مفاجأة أخرى تمثلت في تنصل الحكومة المصرية على لسان المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء “مجدي راضي” من هذا القانون ونفيه لوجود هذا القانون.
وعلى الرغم من أن نفي المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء لم يلفت انتباه الكثيرين ، إما بسبب اعتياد الصحفيين في مصر على عدم تصديق ما يطرحه هذا المتحدث ، أو لأن وجود مشروع القانون بشكل مكتمل قد جعل الكثيرين يلتفتون عن هذه التصريحات.
إلا أن تأكيد رئيس قسم التشريع بمجلس الدولة، أن مشروع القانون لم يمر علي القسم لإبداء الرأي فيه ،جاء ليعزز أقوال المتحدث الرسمي بإسم مجلس الوزراء ، حيث أن عدم عرض أي قانون على قسم التشريع بمجلس الدولة ، يسم هذا القانون أو غيره بالمخالف للقانون.
فضلا عن ذلك فلا يمكن نفي الصلة بين مشروع هذا القانون وبين وثيقة تنظيم البث الفضائي التي ناقشها وزراء الإعلام العرب منذ اقل من ثلاثة أسابيع خلال اجتماعهم الأخير في 20 يونيو الماضي بجامعة لدول العربية ، وهي الوثيقة التي تنسب بجدارة أيضا لوزير الإعلان المصري أنس الفقي.
من هنا أصبح من المحق أن ننسب هذا القانون للفقي لاسميا وانه كان الداعي لقيام كل دولة عربية بتعديل تشريعاتها أو سن تشريعات جديدة في كل دولة تهدف إلى تفعيل وثيقة البث الفضائي ، ومن ثم تم الإعلان عن المشروع الجديد الذي من المؤكد أن لجنة صياغته قد شرعت في إعداده قبل اجتماع وزراء الإعلام بوقت كافي.
وزير الولاء لا وزير الإعلام :
ولأن الواقع في العالم العربي يختلف بدرجة كبيرة عن الواقع في العالم الخارجي أو العالم الديمقراطي ، وحيث أن السمات التي يتطلبها منصب الوزير في مصر و العالم العربي تختلف أيضا عن السمات التي يتطلبها منصب الوزير في العالم الديمقراطي ، إذ يتوجب على من يشغل منصب الوزير في مصر والعالم العربي أن يتسم بالولاء للحاكم وإرضاء للدوائر المسيطرة ، بدلا من وضع مصلحة المواطن وحقوقه نصب أعينه ، وهي القاعدة المعروفة بـ ” أهل الثقة وأهل الكفاءة” .
لذلك فقد كان أنس الفقي هو الأنسب لشغل منصب وزير الإعلام ، بدلا من وزير الإعلام السابق ممدوح البلتاجي الذي لم يستمر في منصبه سوى 17 شهرا (يوليو 2004-ديسمبر2005)، في حين احتل وزير الإعلام الأسبق صفوت الشريف هذا المنصب لمدة ثمانية عشرة عاما التي سبقتها.
ونظرا لتصاعد حركة الديمقراطية في مصر بدءا من عام 2005 والتي كان لوسائل إلا علام دورا كبيرا فيها ، كان لزاما أن يتم تعيين وزير للإعلام قادر على كبح جماح وسائل الإعلام وإعادتها لحظيرة الصمت “كما وصفها موقع إسلام أون لاين” ، والسيطرة عليه ، مع منحه صلاحيات أوسع والحق في تطهير وزارته من أي عنصر يشتبه في مجرد تعاطفه مع حركة المطالبة بالديمقراطية أو انتمائه لما يسمي “رجال الحرس القديم” سواء التابعين لصفوت الشريف أو ممدوح البلتاجي .
لذلك كان تعيين أنس الفقي الذي ينتمي لمجموعة “الفكر الجديد” ويتميز بكونه قادر على مواكبة التغييرات والتعامل معها ، وبالطبع لم يكن في مصر أعلى من صوت حركة المطالبة بالديمقراطية . فتم التحرش والتضييق على المحطات الفضائية والعاملين بها مثل “هويدا طه ، حسين عبدالغني من الجزيرة ، قناة الحوار ، قناة الزوراء ، قناة الحكمة ، قناة البركة ، وثيقة تنظيم البث الفضائي و شركة القاهرة للأخبار ” ثم وأخيرا مبادرة بمشروع قانون البث السمعي والمرئي الذي ينسب له دون منازع.
نظرة على قانون الفقي :
باطل وغير دستوري
تضمن مشروع قانون الفقي عدد 44 مادة ، وكعادة التشريعات الوطنية في مصر التي تتعلق بالشأن العام ، جاءت أغلبها مواد مطاطة ومرنة ، تسمح بتأويلها وفق رؤية أجهزة النيابة العامة وأجهزة الأمن بالشكل الذي يسهل استخدامها فيما بعد ضد المعارضين أو النشطاء أو الصحفيين.
أمثلة لمواد مطاطة وجائرة:
المادة الثانية
يلتزم مقدمو خدمات البث المسموع والمرئي بمراعاة القواعد الآتية:
- علانية وشفافية المعلومات وحماية حق الجمهور في الحصول على المعلومة السليمة.
- حماية المنافسة الحرة بين المتنافسين في مجال خدمات البث المسموع والمرئي.
- حماية حقوق ومصالح متلقي خدمات البث المسموع والمرئي.
- توفير الخدمة الشاملة للجمهور بما يتفق مع التطور الديمقراطي، وضمان إتاحة البرامج الثقافية والتعليمية.
- عدم التأثير سلبًا على السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية ومبدأ المواطنة والنظام العام والآداب العامة.
- التقيد بضوابط وأكواد الخدمة التي تصدر وفقًا لأحكام هذا القانون، وكذلك ميثاق العمل الإعلامي العربي، وكذلك وثيقة الضوابط العامة للبث الفضائي العربي المسموع والمرئي.
- الارتقاء بمستوي الرسالة الإعلامية وتقديم خدمة متميزة تلبي الحقوق والاحتياجات من العملية الإعلامية.
التعليق :
سبعة بنود تضمنتها هذه المادة حفلت بالعديد من هذه الكلمات المطاطة مثل: بند1 –
-
- الإشارة إلى المعلومة السليمة ، دون تحديد الجهة التي تقدم هذه المعلومة وفي غياب قانون ينظم حق تداول المعلومات ، فضلا عن اعتياد الخلط بين المعلومة والتحليل عند محاكم الصحفيين.
بند4-
-
- سهولة اقتناص الإعلاميين بنص هذا البند ، حيث يمكن أن توصف أعمالهم بعدم توافقها مع نوع الديمقراطية التي يطالب بها وزير الإعلام ، خاصة أنه لم يعرف عن مصر ومنذ سنوات طويلة تمتعها بأي قيم ديمقراطية .
بند5-
-
- السلام الاجتماعي ، والوحدة الوطنية ، والنظام العام والآداب العامة ، هذه التعبيرات الكارثية التي يحاكم أغلب صحفيي مصر بموجب تفسيرات غير محايدة أو عادلة لها.
بند6-
- إلزام الإعلاميين بالتقيد بوثيقة البث الفضائي رغم وجود معارضة شديدة لها ليس فقط من قبل المؤسسات المدافعة عن حرية التعبير والإعلاميين ، بل من قبل حكومات عربية مثل قطر ولبنان والإمارات.
جهاز للآلهة أم جهاز لتنظيم البث؟
المواد من 3حتى 33.
وهذه المواد تتعلق بإنشاء جهاز يسمى” الجهاز القومي لتنظيم البث المسموع والمرئي” وهذا الجهاز وعبر أكثر من عشرون بندا يمتلك صلاحيات واسعة تتضمن منح التراخيص ،وحل النزاعات ،تحديد الشروط الواجب توافرها في من يقدم خدمة البث ، وقواعد المنافسة وغيرها …. الخ ، ويتشكل هذا الجهاز من عدد لا يزيد عن عشرون عضوا من الشخصيات العامة ذات المشاركة الفعالة في النشاط الفكري الديني والفني والعلمي والثقافي والصحفي والاقتصادي والهندسي والمالي والقانوني والمهتمين بنشاط الشباب والمرأة والطفولة ، لم يذكر أي كلمة عن الشخصيات الناشطة في المجال السياسي ، وبالطبع وكعادة الحكومة المصرية في تكوين هذه المجالس المنشأة مؤخرا ، فسوف يكون أغلبهم ليسوا فقط من أعضاء الحزب الوطني الحاكم والسائرين في ركبه ، بل سوف يكون أغلبهم ممن يتبعون مدرسة أو اتجاه” الفكر الجديد”.
الرقابة بشكل صريح:
ضمن بضع كلمات محدودة في المادة 11 وبشكل ماكر وشرير ، يؤكد القانون في هذه المادة على ممارسة الرقابة على الإذاعة المسموعة والمرئية ثم يعقبها بكلمات ناعمة، لكن تؤكد هذا التوجه الرقابي الصارم ليطال حتى المواد التي يحصل عليها مقدم الخدمة من الخارج.
الحكومة هي المسيطرة ، والصحفيون يمتنعون !
يعود القانون ليؤكد مرة أخرى سيطرة الحكومة على هذا الجهاز عبر تكوين مجلس يدير هذا الجهاز ممثل من مسئولين رسميين بينهم مسئول من وزارة الداخلية والأمن القومي وبعض الوزارات الأخرى ، دون أي إشارة لنقابة الصحفيين ، ليصبح الجهاز ومجلس أمناءه ومجلس إدارته تحت إمرة السيد الفقي كرئيس لكل هيئاته ، والمتحكم الأوحد في كل ما يخص الإعلام بما فيها تحديد المكافآت وتوزيع المناصب!
تقارير الجهاز والشفافية ، حسب الظروف!
تحدثت المادة 16 عن التزام هذا الجهاز بإصدار تقارير دورية تراعي الشفافية ولكن …. كلما اقتضت الضرورة ذلك ،، وهو ما يفتح الباب واسعا للتراخي عن إصدار هذه التقارير وإهدار حق المواطنين في التعرف على نشاط هذا الجهاز ودوره ، فقط لأن ” الحاجة لم تقتضي ذلك” .. من وجهة نظر الجهاز نفسه.
رئيس مؤبد للجهاز :
نصت المادة 18 على أن رئيس الجهاز يعين من قبل رئيس مجلس الوزراء بناء على اقتراح السيد الفقي “باعتباره الوزير المختص” لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد ،،،، دون حد أقصى ، وهو ما يفتح الباب واسعا لأن يظل هذا الرئيس قابعا في منصبه دون إفساح المجال لغيره ،، فقط اذا حاز على قبول السيد الفقي ، كوزير مختص!
العقوبات
المواد من 33 حتى 44
مضى عهد نشر كليبات التعذيب أو فيديوهات توثيق الفساد أو حتى الأفلام والأغاني على المواقع أو المدونات وغيرها من أدوات الإنترنت.
فقد توسع قانون الفقي في توزيع العقوبات والتشدد فيها لتشمل كل بث مسموع أو مرئي ، بغض النظر عن ماهية الوسيلة التي تبث أو المادة التي يتم بثها ، ودون الأخذ في الاعتبار بمواد الدستور المصري ، خاصة المتعلقة بحرية التعبير التي شملت حق كل مصري في التعبير عن رأيه بأي وسيلة بما فيها التصوير والكتابة والقول أو أي وسيلة أخرى”المادة47″ .
ومن يضرب بمواد الدستور عرض الحائط ، يسهل له الضرب بالقوانين المكملة للدستور وبغض النظر أنها صادرة عن توافق دولي أو غيره ، مثل المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدني والسياسية ، الذي يعد قانونا داخليا منذ عام 1981 ، التي تنص على حق كل شخص في ” التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها” .
وقد تعددت العقوبات وتنوعت بدءا من الغرامة والمصادرة ، وصولا للحبس لمدد تصل إلى ثلاثة سنوات.
والمفاجأة الكارثة أن العقوبات تطال أي شخص قام بإعادة البث حتى لو كان بتصريح من الجهة التي أنتجت المادة التي يتم بثها ، حيث يشترط قانون الفقي موافقة الجهاز على تنازل الجهة صاحبة الحق على التصريح للغير ببثها!
الجهاز مقدس وممنوع النقد:
نصت المادة 41 على عقوبة الحبس بمدة لا تقل عن شهر ، وبدون حد أقصى لمن ” أفصح أو أدلي ببيانات أو معلومات لا يجوز الإفصاح عنها أو الإدلاء بها متى تعلقت بنشاط الجهاز أو بالمرخص أو بالمصرح لهم سواء كان علمه بها بسبب عمله أو لأي سبب آخر”.
وهي إضفاء لقدسية وتجريم لا تتمتع بها أي جهة في مصر سوى القوات المسلحة ، التي قد تغض النظر أحيانا عن بعض الموضوعات التي تتناولها . لكن نص هذه المادة الشديدة العمومية تجعل هذا الجهاز شبيها بلجنة الكاتب العالمي كافكا في مسرحية المحاكمة ، أو لجنة صنع الله إبراهيم في روايته المعروفة ” اللجنة”.
الخلاصة
طرح قانون جائر في مصر ليس شيئ جديد ، فهو يحدث منذ سنوات طويلة ،خاصة مع توافر الخبرات لدي العديد من رجال القانون ممن أطلق عليهم القانوني الراحل كمال خالد “ترزية القوانين”.
وأن يصدر هذا القانون الآن ، فهو منطقي في ظل تصاعد الحركة المطالبة بالديمقراطية وسيادة القانون كما أسلفنا ،و الرغبة في حصارها.
لكن الجديد هنا أن يكون هذا القانون ماسكا لهراوة البوليس في تعامله مع الإعلام ،و في ظل ثورة تكنولوجية شديدة القوة تتعلق كلها بتغير الأنماط الإعلامية والاتصالات والبث الغير مقيد.
فنحن نكاد نجزم أن عدد من شاهد الفيلم الوثائقي “وراء الشمس” لإعلامية قناة الجزيرة هويدا طه ، على موقع يوتيوب أو المدونات قد فاق من شاهدوه على قناة الجزيرة نفسها.
وكذلك فيديو تعذيب السائق عماد الكبير ، الذي لم تبثه كاملا أي قناة تليفزيونية أو فضائية وتم نشره على الانترنت ، قد شاهده الملايين في أنحاء العالم من خلال المدونات المصرية والدولية التي نقلت عنها.
إذا فمبادرة الفقي بطرح هذا القانون ، هي مبادرة فقيرة وبائسة ، لن يكتب لها النجاح على أرض الواقع ، رغم نواياه الصادقة في تكبيل الإعلام وفرض الحصار عليه .
ورغم أن حالة من الرضا المؤكدة ، يعيشها الآن من يسعى الفقي لإرضائهم “وهم من المؤكد ليسوا المواطنين في مصر أو المهتمين بحرية التعبير” ، إلا ان تأكيد الولاء والعمل على تأكيده شيئ وأن تكون وزير إعلام هو شيء أخر.
فحرية الإعلام لن تنال منها هراوة الشرطي أو قضبان السجون ، حرية الإعلام هي قيمة يعمل على ترسيخها من يؤمن بها ، وهم ولحسن الحظ ونتيجة لظروف القهر ، ملايين ممن سئموا خنق الكلمة وتكبيل الصورة ووأد الرأي.
ومعركة الدفاع عن حرية الصحافة التي بدأت في مصر ، بدأت تتسع لتشمل حرية الإعلام ، يساند القائمين عليها ناشط جديد غير قابل للسيطرة هو الانترنت ، وصحفيين وإعلاميين لا يخافون سجون رجال الفكر الجديد في مصر ، وضمنهم الحاظي بالرضا ، السيد أنس الفقي.
نص مشروع القانون :
http://qadaya.net/node/437
لمزيد من المعلومات برجاء الاتصال ب:
جمال عيد
المدير التنفيذي
الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
شارع 105 ميدان الحرية – المعادي – القاهرة – مصر
ت / فاكس : 5249544
إيميل : gamal4eid@yahoo.com
الموقع: www.anhri.net