3/5/2008
يأتي يوم الثالث من أيار- مايو كيوم للاحتفال العالمي بيوم حرية الصحافة ليكرس المفهوم الإنساني والدولي لضرورة الحفاظ على مفهوم الحرية بوصفها حاجة إنسانية ضرورية لمواصلة مسيرة الحياة البشرية التي ومنذ تكوينها حملت لواء الحرية والتحرر ، ودفعت من روحها ودمها الكثير الكثير من أجل إبقاء لواء الحرية عاليا بوصفه يمثل ذروة السمو الإنساني نحو الارتقاء والتطور ، وفي قلب هذا السمو كانت وما زالت حرية الكلمة تشكل عصب الحرية الإنسانية ،ورأس الحربة في مواجهة عمليات القهر والكبت والقمع والقتل التي ما زالت سارية حتى يومنا هذا في العديد من الدول والمجتمعات ، رغم الإرث الإنساني والمهني العريق المتراكم منذ آلاف السنين دفاعا عن حرية الكلمة التي قدستها مختلف الشرائع والأديان ، غير أن الواقع الممارس والمعاش يعكس صورة مغايرة لذلك .
لقد كان حظ منطقتنا العربية ومجتمعاتنا ودولنا النامية في الشرق الأوسط والأدنى عاثرا في احترام كرامة الصحافة وحرية الكلمة والتعبير، إذ سجلت النسبة الأعلى في العالم في انتهاكات حرية الصحافة والصحفيين ، وقد تجلت تلك الانتهاكات في عمليات التقييد والمنع والاعتقال والمحاكمات غير العادلة والإغلاق والقتل.
وتمر اليوم ذكرى اليوم العالمي لحرية الصحافة على فلسطين وهي في أسوا أيامها ، فقد تعرض العمل الصحفي وحرية الصحافة لمجزرة حقيقية في ظل اشتعال الصراع الداخلي بين مختلف الفرقاء ، والذي كان أول ضحاياه الصحفيين والإعلاميين والمؤسسات الإعلامية وحرية التعبير. لقد شهدت فلسطين خلال العام المنصرم والحالي إلى يومنا هذا اللحظات الأشد قسوة في تاريخ حرية الصحافة الفلسطينية العريق ، إذ طالت الانتهاكات والخروقات والاعتداءات كافة مناحي العمل الصحفي في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة وتحول الجسم الصحفي إلى هدف رئيسي للأطراف المتصارعة على المستوى الداخلي ، فمارست الأطراف عمليات القتل ضد الصحفيين وكذلك عمليات الحرق والنهب والاستيلاء على الممتلكات الصحفية ، وعمليات الإغلاق والمنع والاستدعاء والتهديد والحبس ، كما شهد الاعلام الفلسطيني حالة من الفوضى والانفلات الإعلامي بقيامه بعمليات تحرض على القتل والفوضى وتكميم الأفواه وتعميق ثقافة الانقسام وتكريس التمييز وإشاعة مناخات الإرهاب الفكري والسياسي والحض على الكراهية والعنصرية، وكذلك شهدت منظومة الخطاب الإعلامي حالة من التدني والفوضى الإعلامية وصلت إلى درجة من الانحطاط والتحلل القيمي الإنساني والمهني ضاربة بعرض الحائط كافة القوانين الناظمة لقواعد العمل الإعلامي والقوانين العامة والخاصة الضابطة والناظمة لحرية العمل الصحفي. وكذلك شكلت الاعتداءات الإسرائيلية وممارسات جيش الاحتلال عبئا كبيرا على حرية العمل الصحفي من خلال قيام قوات الاحتلال بقصف وقتل الصحفيين والاعتداء عليهم بالضرب والمصادرة والاعتقال والتوقيف ، لقد مارست قوات الاحتلال الإسرائيلية العديد من الجرائم والانتهاكات ضد الجسم الصحفي الفلسطيني والمؤسسات الصحفية ، فقامت بإغلاق العديد من المؤسسات الصحفية في الضفة الغربية ومصادرة أدواتها ، وكذلك قامت قوات الاحتلال بالقرصنة على وسائل الاعلام الفلسطينية في الضفة وغزة عبر الدخول على موجات البث عنوة لبث رسائل خاصة بجيش الاحتلال ، كما منعت قوات الاحتلال وعبر إجراءاتها العسكرية القاسية وغير القانونية وصول العديد من الطواقم الصحفية الأجنبية والإسرائيلية إلى الضفة الغربية وقطاع غزة لتغطية الأحداث تحت طائلة القوانين العسكرية وعبر فرض الحصار الشامل على قطاع غزة والذي حرم الصحفيين الفلسطينيين من حرية الحركة والسفر والتجوال.
لقد شكل الصراع الداخلي والاحتراب السياسي وتاليا الإعلامي بالإضافة إلى ممارسات قوات الاحتلال الإسرائيلية ثقلا كئيبا على حرية الصحافة مما حول هذا العام إلى عام أسود على الصحافة والصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين. إننا في المرصد الوطني للإعلام والاتصال وفي هذه المناسبة الغراء المتمثلة باليوم العالمي لحرية الصحافة ندعو أطراف الصراع الداخلي وبالذات حركتي فتح وحماس إلى تحمل مسئوليتهم الوطنية والأدبية بالتوقف عن كافة الممارسات المعرقلة لحرية العمل الإعلامي من خلال السماح لكافة المؤسسات الإعلامية باستعادة نشاطها ،والتوقف عن عمليات الإغلاق والمنع والسماح بطباعة وتوزيع الصحف في كل من غزة والضفة ، وكذلك التوقف عن عمليات الاستدعاء والترهيب البوليسي للصحفيين ، كما نطالب الطرفين بالوقوف بمسئولية أمام الانتهاكات وتعويض الضحايا والمؤسسات التي تضررت في المرحلة السابقة.
وفي هذا السياق وبمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة يتوجه المرصد الوطني للإعلام والاتصال إلى كافة المؤسسات الصحفية الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان للضغط على دولة الاحتلال الإسرائيلية من أجل إلزامها بمراعاة القوانين الدولية لتوفير الحماية وحرية العمل الصحفي للصحفيين الفلسطينيين والأجانب في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، ومحاسبة دولة الاحتلال في المحافل الدولية على عمليات القتل والقمع والتقييد التي تمارسها بحق العمل الصحفي. إننا في المرصد الوطني للأعلام والاتصال نتطلع ليكون العام القادم عام الحريات الصحفية في فلسطين والعالم من خلال تضافر كافة الجهود لحماية الحريات الصحفية من المخاطر التي أحدقت بها في العام الماضي ، إن تطلعنا هذا سيكون الهدف والمهمة الرئيسية للمرصد الوطني للإعلام والاتصال في فلسطين.
لتبقى حرية الصحافة دوما خفاقة في كنف الحرية الإنسانية.
المرصد الوطني للإعلام والاتصال