12/11/2007

قالت هيومن رايتس ووتش والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية اليوم إن على مصر السماح لكل المواطنين بتسجيل دياناتهم الفعلية عند إلزامهم بذكر الديانة في الوثائق الرسمية. وأضافت المنظمتان أن الممارسات التمييزية للحكومة ـ والمتمثلة في عدم السماح سوى بتسجيل إحدى ثلاث ديانات وفي حرمان المتحولين عن الإسلام من إثبات ديانتهم الحقيقية ـ تنتهك طائفة كبيرة من الحقوق وتتسبب في قدر هائل من المعاناة.

وفي تقرير من 98 صفحة يحمل عنوان “هويات ممنوعة: انتهاك الدولة لحرية المعتقد”، قامت هيومن رايتس ووتش والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية بتوثيق امتناع مسؤولي وزارة الداخلية بشكل منهجي عن السماح للبهائيين والمتحولين عن الإسلام بتسجيل معتقدهم الديني الحقيقي في بطاقات تحقيق الشخصية وشهادات الميلاد وغيرها من الوثائق الضرورية. ولا يستند المسؤولون في هذه السياسية إلى أي قانون مصري، وإنما إلى تفسيرهم للشريعة الإسلامية. وتمتد آثار هذه السياسة إلى نواحي عديدة من الحياة اليومية للأشخاص المتأثرين بها، بما في ذلك اختيار الزوج أو الزوجة، وتعليم الأطفال، بل وحتى إجراء أبسط التعاملات المالية وغيرها من التعاملات.

وقال جو ستورك، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “يبدو أن مسؤولي وزارة الداخلية يعتقدون أن من حقهم اختيار ديانة المواطن حين لا تعجبهم الديانة التي يختارها”، وتابع قائلاً “على الحكومة إنهاء رفضها التعسفي للاعتراف بالمعتقدات الدينية للأشخاص. فهذه السياسة تضرب هوية الشخص في مقتل، وتبعاتها العملية تلحق أبلغ الضرر بحياة الأشخاص اليومية”.

ويلزم القانون جميع المصريين لدى بلوغ سن 16 عاماً استخراج بطاقة تحقيق الشخصية. وهذه الوثيقة شديدة الأهمية لإجراء كافة التعاملات الأساسية كفتح حساب بنكي واستخراج رخصة قيادة ودخول الجامعة والالتحاق بوظيفة وتحصيل المعاش. وتختص مصلحة الأحوال المدنية بوزارة الداخلية بإصدار هذه البطاقات بالإضافة لوثائق أخرى مثل شهادات الميلاد، وكلها مطلوب فيها ذكر الديانة. لكن مسؤولي الوزارة لا يسمحون سوى باختيار واحدة من الديانات “السماوية”، وهي الإسلام أو المسيحية أو اليهودية. ولا ينص أي قانون مصري على هذا القيد، لكن المسؤولين يقولون إنهم يتصرفون بناء على فهمهم لمتطلبات الشريعة الإسلامية، مما يؤدي إلى حرمان المصريين البهائيين من هذه الوثائق الضرورية.

وبالمثل، يرفض هؤلاء المسؤولون الاعتراف بتحول أي مسلم عن دينه إلى ديانة أخرى في وثائق إثبات الشخصية، على الرغم من سماح قانون الأحوال المدنية المصري بتغيير أو تصحيح المعلومات في الوثائق الرسمية، بما في ذلك تغيير الديانة، وذلك بمجرد تسجيل المعلومات الجديدة في الوثائق. ويتذرع مسؤولو وزارة الداخلية بحظر الشريعة الإسلامية لأي “ارتداد” عن الدين باعتبار هذا حجة لرفض طلبات تغيير الديانة، حتى بالنسبة للمصريين الذين يولدون مسيحيين ثم يتحولون للإسلام وبعدها يرغبون في العودة إلى المسيحية.

ويوثق تقرير “هويات ممنوعة” الأسلوب الانتقائي الذي تنتهجه الحكومة المصرية في استخدام الشريعة من أجل تبرير حرمان بعض المواطنين من حقوقهم التي يكفلها لهم القانون المصري وقانون حقوق الإنسان الدولي بشأن حرية الاعتقاد الديني دونما تفرقة أو عقوبة.

وقد أجرت هيومن رايتس ووتش والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية أكثر من 40 مقابلة مع الضحايا والمحامين والقيادات الدينية والمجتمعية أثناء التحضير لهذا التقرير. فضلاً عن دراسة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية لملفات 304 دعوى قضائية أقامها الضحايا وذووهم، وكذلك قرارات المحاكم العليا والقوانين ذات الصلة بالموضوع. وكانت هيومن رايتس ووتش قد طلبت عقد اجتماع مع رئيس مصلحة الأحوال المدنية بوزارة الداخلية وتم رفض الطلب. ثم قدمت هيومن رايتس ووتش أسئلة إلى وزير الداخلية حبيب العادلي (ملحقة بالتقرير) لكن لم يتم الرد على أي من الرسالتين.

وقال حسام بهجت مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية: “إن أبحاثنا تثبت بوضوح أنه لا يوجد حكم قطعي وثابت للشريعة الإسلامية إزاء المتطلبات الإدارية الخاصة بذكر الديانة في الوثائق الرسمية للدولة الحديثة”. وأضاف: “وعلى المسؤولين انتهاج سياسة تصون المبادئ الأساسية للعدالة والمساواة، بدلاً من منهج ينتهك حقوق المواطنين بشكل مباشر”.

وقد تفاقمت حدة المشكلة في السنوات الأخيرة على الأخص بعد بدء وزارة الداخلية الاستعانة بالحاسب الآلي في إصدار وثائق “الرقم القومي”. ويقول المسؤولون إنه في المستقبل القريب – ربما في أوائل عام 2008 – سيتوجب على جميع الأشخاص الذين يحملون بطاقات سارية استبدالها بالوثائق الصادرة عبر الحاسب الآلي، وأنه لا يوجد خيارات أخرى يمكن كتابتها في خانة الديانة غير الإسلام أو المسيحية أو اليهودية.

وروى الكثير من المصريين تمت مقابلتهم أثناء إعداد التقرير كيف حاول مسؤولو وزارة الداخلية تهديدهم أو رشوتهم لكي يختاروا الإسلام كديانة ضد رغباتهم المعلنة.

وقد دعت هيومن رايتس ووتش والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية السلطات لإسقاط التهم عن الأشخاص الذين اضطروا إلى تزوير وثائق إثبات الشخصية الخاصة بهم فقط لأن الحكومة رفضت أن تعترف بديانتهم الحقيقية.

وقال جو ستورك: “سياسة وزارة الداخلية الآن هي: إذا كذبت سنعطيك الوثائق التي تحتاجها، لكن إذا قلت الحقيقة بشأن ديانتك فسوف نجعل حياتك تعيسة لأننا سنمنعها عنك”. وأضاف: “إن هذا يعد عقاباً للأشخاص فقط على أساس معتقداتهم الدينية”.

وقد قاوم بعض المصريين هذه السياسات المسيئة عبر إقامة دعاوى ضد المسؤولين أمام المحاكم الإدارية المصرية. ومن المقرر أن تصدر المحكمة الإدارية العليا في مصر قراراً نهائياً في 17 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري حول حق المسيحيين المتحولين إلى الإسلام في العودة إلى المسيحية. ويتوقع أن يكون لقرار المحكمة تأثير بالغ على الوضع القانوني لأنماط أخرى من تغيير الديانة، بل وعلى أوضاع حرية الدين والمعتقد في مصر بشكل عام.

وكان المجلس القومي لحقوق الإنسان، المنشأ من قبل الحكومة، قد رفع مذكرة إلى الحكومة في ديسمبر/كانون الأول 2006 أوصي فيها الحكومة بحذف خانة الانتماء الديني من بطاقات الرقم القومي أو العودة لسياسة كتابة كلمة “أخرى” في خانة الديانة لمن يرغب.

وقال حسام بهجت: “إن حذف خانة الديانة من بطاقات الرقم القومي بمثابة رسالة قوية عن حياد الدولة إزاء الانتماء الديني للمواطنين، لكن أساس المشكلة هو إصرار الحكومة على تسجيل ديانة غير حقيقية للمواطنين في سجلاتها المركزية. وهذا هو ما يجب على الحكومة أن تقوم بمعالجته دون إبطاء”.