15/11/2007
جو ستورك وحسام بهجت *
ميرا مكرم جبران سيدة مصرية مسيحية ترغب في العودة إلى ديانتها الإصلية بعد أن كانت قد تحولت إلى الإسلام. لكن مسؤولي وزارة الداخلية رفضوا أن يصدروا لها بطاقة الرقم القومي الجديدة التي تحتاجها ما لم توافق على أن تظل مسلمة على الورق. روت لنا ميرا جبران مقابلتها مع الضابط المسئول بمصلحة الأحوال المدنية: “قال لي: ستكون بطاقتك كمسلمة جاهزة قبل أن تنتهي من شرب قهوتك، وسندفن بطاقتك المسيحية هذه كأن لم تكن”. لكنها رفضت أن تكذب بشأن هويتها، وكانت النتيجة أن ملف بياناتها على الحاسب الآلي بوزارة الداخلية – حسب قولها – أصبح يحمل عبارة “مجمد لأسباب أمنية”.
ولا تختلف كثيراً قصة نبيل حبيب، الذي يحاول منذ عام 2001 استخراج بطاقة الرقم القومي. فرغم أنه يحمل الآن بطاقة عائلية ورقية، إلا أن الحكومة تقول إنه مع مطلع عام 2008 سيتم وقف العمل تماماً بالبطاقات الورقية حتى ولو كانت سارية. ونبيل حبيب مدرس التربية البدنية المتقاعد البالغ من العمر 67 عاماً لا يحتاج إلى البطاقة لأسباب شكلية، وإنما لتقاضي معاشه الشهري. حيث يخشى أنه في وقت قريب لن يعود قادراً على تحصيل معاشه ما أن يتوقف العمل ببطاقته الورقية. كان نبيل يبكي وهو يحكي لنا قصته: “كل مسؤول أذهب إليه يقول لي: أنت بهائي، لا يمكننا التعامل معك. نحن نطبق القانون”.
ولكن أي قانون تطبقه وزارة الداخلية؟ صحيح أن قانون الأحوال المدنية الصادر في عام 1994 يلزم المواطنين بأن يسجلوا ديانتهم في بطاقات الرقم القومي وشهادات الميلاد وغيرها من المستندات الهامة التي تعد ضرورية لإجراء أبسط التعاملات الإدارية والمالية. إلا أن القانون لا يأمر المسؤولين بالامتناع عن الاعتراف بالمعتقد الديني الفعلي للمواطن، حتى ولو كان هذا المواطن يعتنق البهائية أو قام بتغيير دينه من الإسلام إلى المسيحية. إن هذه الممارسات تعتبر تمييزاً صريحاً وتضرب حرية المعتقد في مقتل.
وعند رفض المسئولين الالتزام بالقانون فإنهم يتذرعون بالمادة الثانية من الدستور المصري، والتي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. ولا أحد منا يجادل في أن الشريعة الإسلامية تعتبر ترك أي مسلم لدينه ارتكاباً لكبيرة الردة التي لا يقرها الإسلام بأي حال. ولكن فقهاء المسلمين اختلفوا كثيراً ولا يزالون مختلفين حول حق الدولة في أن تنزل عقوبات دنيوية، مدنية كانت أو جنائية، جراء هذه المخالفة الدينية. وفي يوليو الماضي، صرح مفتي الديار المصرية الشيخ علي جمعة، وهو المسئول الديني الأول للحكومة، بالآتي: “إن هجر المرء لدينه إثم يعاقبه الله عليه في يوم القيامة. أما إذا كانت القضية التي نحن بصددها هي لشخص يترك الدين فحسب، فإنه ليس هناك أي عقوبة دنيوية له”.
كما صرح الشيخ جمال قطب، الرئيس الأسبق للجنة الفتوى بالأزهر، أن “الارتداد عن الإسلام يعد إثماً، ولكن أكثر الدلائل من القرآن والسنة تغلب أنه ما من أساس متين للزعم القائل بأن الردة في ذاتها تستوجب إقامة الحد، أي القتل”. ويرى قطب، ومن ورائه العديد من العلماء، أنه “ما من حديث نبوي شريف يؤكد إقامة الحد للردة وحدها. ففي كل حالة تمت إقامة الحد فيها، كانت الردة مشفوعة بخيانة أوتمرد.. وبالنسبة لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ‘من بدل دينه فاقتلوه’ فيمكن اعتباره سياسة قانونية اتخذها النبي بصفته رئيساً للدولة الإسلامية في وقت الحرب. إلا أن النبي نفسه لم يقتل المنافقين الذين كانوا يعيشون وسط أصحابه.”
وبالمثل، فإن ادعاء مسؤولي وزارة الداخلية أيضاً بأن الشريعة الإسلامية لا تجيز حرية الاعتقاد إلا لثلاث ديانات “سماوية”، هي الإسلام والمسيحية واليهودية، هو ادعاء ليس له أساس من الصحة. ويؤدي هذا الزعم إلى الإلغاء التام لوجود المصريين البهائيين الذين عاشوا ويعيشون كجزء من أبناء الوطن منذ أكثر من قرن من الزمان. فعلى الرغم من قلة عددهم فإن البهائيين يعدون أكبر طائفة دينية مستقلة غير معترف بها في مصر ولا تتبع الإسلام أو المسيحية. ومن المهم هنا الإشارة إلى أن أحداً لا ينازع في المعتقد الديني للمسلمين بأن الإسلام هو آخر الديانات السماوية، وبأن اتباع البهائية يعد خروجاً عن الإسلام. غير أنه في واقع الأمر فإن القرآن لم يحصر أبداً حرية الاعتقاد في ثلاث ديانات “سماوية”. كما أن المسؤولين المصريين لم يقدموا لنا دليلاً واحداً من عمل النبي أو الصحابة يثبت أن التعايش في دولة الإسلام الأولى كان مقصوراً على المسلمين والمسيحين واليهود فقط. ثم أن الغالبية العظمى من المصريين البهائيين ينحدرون أصلاً من أسر اعتنقت البهائية على مدى ثلاثة أو أربعة أجيال متتالية.
إن المشكلة هنا ليست في التعارض بين الشريعة وبين المعايير الدولية لحقوق الإنسان. ففي حالتنا هذه لا يوجد في الشريعة الإسلامية أي شيء يمنع المسؤولين من احترام المبادئ الإنسانية كالعدل والمساواة، بدلاً من انتهاك حقوق كثير من المواطنين المصريين والتسبب في معاناة هائلة لهم دون سبب أو مكسب.
في ديسمبر 2006 رفع المجلس القومي لحقوق الإنسان، المنشأ من قبل الحكومة، توصية إلى مجلس الوزراء بإزالة خانة الديانة من البطاقات الشخصية أو إعادة كتابة كلمة “أخرى” في الخانة المخصصة للديانة كما كان مسموحاً به للبهائيين من قبل. وبينما نرى أن حذف خانة الديانة من بطاقات الرقم القومي سيعد بمثابة إشارة إيجابية قوية عن حياد الدولة إزاء الانتماء الديني للمواطنين، ولكن هذا ليس كفيلاً بحل المشكلة. فأساس المشكلة هو إصرار الحكومة على تسجيل ديانة غير حقيقية للمواطنين في سجلاتها المركزية. وهذا هو ما يجب على الحكومة أن تقوم بمعالجته دون إبطاء.
* جو ستورك نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، وحسام بهجت مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية. وقد قاما معاً بكتابة تقرير “هويات ممنوعة: انتهاك الدولة لحرية المعتقد”، الذي صدر مؤخراً عن المنظمتين.