8/9/2007

1- ما هي تطورات الدعوى القضائية ضد قرار إنشاء الشركة القابضة للرعاية الصحية؟

نظرت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة يوم الاثنين 3 سبتمبر 2007 الدعوى المقامة من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (رقم 21665/61) والتي تطعن فيها علي قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 637 لسنة 2007 بإنشاء الشركة المصرية القابضة للرعاية الصحية وتحويل جميع مستشفيات وعيادات التأمين الصحي إلى شركات تابعة لها. وقررت المحكمة تأجيل الدعوى إلى 23 أكتوبر 2007 ليقوم الطرفان بتقديم مذكراتهم الختامية قبل حجز الدعوى للحكم. كانت هذه الجلسة الثالثة منذ رفع الدعوى يوم 17 إبريل 2007.

وقد تضامنت منظمات أخرى مع الدعوى تحت مظلة لجنة الدفاع عن الحق في الصحة، وهي لجنة تضم أكثر من 20 منظمة وهيئة من بينها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تشكلت في مايو فور صدور قرار رئيس الوزراء من أجل التصدي لهذا القرار ومقاومة خطط خصخصة التأمين الصحي بشكل عام. ويقوم مركز هشام مبارك للقانون بتنسيق وقيادة الجانب القانوني من عمل اللجنة.

2- وما هو موضوع الدعوى؟

طالبت الدعوى التي أقامها برنامج الصحة وحقوق الإنسان بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية بوقف تنفيذ قرار إنشاء الشركة القابضة للرعاية الصحية بصفة مستعجلة تمهيداً لإلغائه لصدوره عن غير ذي صفة، ودون عرضه على مجلس الشعب، وانتهاكه لمسئولية الدولة تجاه حماية الحق في الصحة بموجب الدستور المصري وكل من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، واللذين صادقت عليهما الدولة ليصبحا جزءاً من التشريع المصري.

3- لماذا لجأنا للقضاء الإداري؟

تجاوز رئيس الوزراء حدود اختصاصه وتعدى صلاحياته القانونية بإصدار القرار، فهذا القرار يحول أموالاً عامة إلي أموال خاصة، و ينقل ممتلكات هيئة عامة إلى شركة من شركات قطاع الأعمال العام، ويغير من طبيعة العلاقة القانونية لموظفي هيئة التأمين بتحويلهم من موظفين عموميين إلى عمال بإحدى شركات قطاع الأعمال. وهو أيضاً يمنع هيئة عامة من أداء إحدى وظائفها المحددة قانوناً وهي تقديم الرعاية الطبية لمنتفعي التأمين الصحي، ويغل يد مجلس إدارتها عن القيام بمهام عمله المحدد قانوناً من إدارة الأموال والموظفين وتقديم الخدمة وتحويل هذه الاختصاصات والوظائف إلى هيمنة مجلس إدارة الشركة القابضة.

ومن المحدد قانوناً أن أموال الهيئات العامة، ووظائفها، ومهام عملها، وتشكيلات إداراتها، وحدود سلطاتها، والطبيعة القانونية لعلاقات العمل لموظفيها لا يملك رئيس الوزراء تغييرها أو تعديلها أو العدوان عليها أو الانتقاص منها. فهذا لا يمكن إلا بصدور نص تشريعي أو من خلال شخص منحه القانون هذه السلطة، ألا وهو رئيس الجمهورية طبقا لنص المادة 17 من قانون الهيئات العامة رقم 61 لسنة 1963.

4- وما هي مخاطر إنشاء الشركة القابضة على تمتع المواطنين بالحق في الصحة؟

بموجب قرار إنشاء الشركة القابضة يتحول التأمين الصحي الاجتماعي إلى تأمين صحي تجارى، ويشكل ذلك ضرراً كبيراً سيقع على عاتق المنتفعين ولاسيما الفقراء منهم . فعلى العكس من نصوص القوانين السابقة التي حرصت على التعامل مع التأمين الصحي والرعاية الصحية للمنتفعين بالطابع الاجتماعي الذي يقدم الرعاية الصحية المتكاملة للمريض دون النظر لنسبة اشتراكه وذلك من خلال هياكل غير ربحية، يجعل القرار المطعون عليه الخدمة تقدم من خلال شركة ربحية لها وظائف استثمارية، ولها حق شراء أسهم وبيعها وإدارة محفظة مالية (مادة 5 من القرار)، ولها إدارة الأصول والاستثمارات بما يعظم عوائد التشغيل (مادة 7)، وتستهدف الربح (مادة 11) و تقديم خدمة معيارية بسعر مقبول (مادة 7 بند 6، 3). كل هذا يفيد إضافة هامش للربحية على سعر تكلفة الخدمة بشكل سيؤدي لا محالة إلى زيادة أسعارها، فالفرق بين الخدمة بسعر التكلفة والخدمة بسعر القطاع الربحي كبير. والفرق كبير جداً بين أسعار بعض الخدمات الصحية كما تقدم في مستشفيات التأمين وأسعار تقديمها في المستشفيات الخاصة.

5- وما علاقة قرار إنشاء الشركة القابضة بمشروع قانون الـتأمين الصحي الجديد؟

منذ عدة أعوام و هناك بوادر لنية حكومية نحو خصخصة التأمين الصحي وحل الهيئة العامة للتأمين الصحي أو تحويلها إلى مجرد كيان مالي وإداري لا يقوم بتقديم الرعاية الصحية التكافلية. ورغم أن بعضاً من مشروعات القوانين هذه كان قد طرح فعلياً، إلا إنها ووجهت بمقاومة منعت أياً منها من أن يقر حتى الآن . إلا أن قرار رئيس الوزراء رقم 637 لسنة 2007 والذي نشر بالجريدة الرسمية في 21 مارس 2007 بإنشاء الشركة القابضة للتأمين الصحي يعد من بين أخطر هذه المحاولات، فهو يرمي إلي وضع حجر الأساس لخصخصة التأمين الصحي والتعامل مع الحق في الصحة باعتباره سلعة تباع وتشترى بمنطق الربح وليس خدمة تلتزم الدولة بتقديمها كحق للمواطنين على أساس تكافلي وبسعر التكلفة .

يشكل هذا القرار الحلقة الأولي في سلسلة حلقات سوف تكتمل في الدورة البرلمانية القادمة التي ستبدأ في شهر نوفمبر، والتي يتوقع فيها أن تتقدم الحكومة إلى مجلس الشعب بمشروع القانون الجديد بشأن قواعد التأمين الصحي . وتستند تلك القواعد كما تشير تصريحات المسئولين إلى مد مظلة التأمين بشكل وهمي لجميع المواطنين، فهي مظلة قاصرة تشتمل فقط الرعاية الصحية الأولية، أما باقي الحالات من أمراض وجراحات وأجهزة تعويضية فسيحصل عليها المواطنين حسب شريحة التأمين التي يشتركوا بها ولا عزاء للفقراء من أبناء شعبنا – وهم كثر- من مرضى القلب والفشل الكلوي والسرطان والكبد، إلى جانب مشكلات عديدة في فلسفة ونصوص مشروع القانون المقترح أدت إلى معارضته من جانب معظم القوى المدنية والسياسية.

6- ولكن أليس من الضروري إصلاح التأمين الصحي؟

توجد بالطبع تحديات تواجه التأمين الصحي أهمها أن عدد المستشفيات أقل من عدد المنتفعين، وعدد الأطباء أقل من أن يغطي مستشفيات التأمين الصحي التي يعملون بها، إلى جانب غياب الرقابة على الخدمة ومتابعتها، والازدحام الشديد في العيادات الخارجية وقوائم الانتظار. وهذه الإشكاليات لا تحتاج إلا إلي إرادة سياسية لمواجهتها, ويمكن ذلك من خلال زيادة الإنفاق العام على الصحة، وزيادة نسب الاشتراك، تعيين أطباء وممرضين جدد وغيرها من الآليات التي تساعد على بقاء التأمين الصحي الاجتماعي بحزمته الشاملة. إلا أن الجهة الإدارية لا يشغلها إلا الخصخصة وكأنها علاج أبدى رغم النفي الحكومي المتكرر لنية خصخصة التأمين الصحي. والقرار الطعين لا يقدم ما من شأنه تطوير وتجويد خدمات التأمين الصحي وإنما يقدم ما من شانه تغيير شكل الملكية وجهة تقديم الخدمة دون النظر إلى الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين, ودون النظر لتأثيرات ذلك على الحق في الصحة, ودون النظر إلي أن دول أوروبا الغربية وكندا واليابان مازالت متمسكة بتقديم التأمين الصحي الاجتماعي وليس الربحي. كان من أهم الدعاوي والأسباب التي روجت لها الحكومة والتي أدت لاتخاذ هذا القرار هو نقص التمويل والخسائر التي يحققها التامين الصحي، وهي ادعاءات غير سليمة أتاحها لهم انعدام الشفافية وإخفاء ميزانيات التأمين الصحي عن الشعب وحتى عن المشتركين فيه. وتمكنت لجنة الدفاع عن الحق في الصحة من الحصول علي تلك الميزانيات والتي توضح القراءة فيها الحقيقة أن الهيئة حققت فائضاً مالياً في نهاية كل سنة مالية وذلك في الفترة من عام 2001 حتى عام 2006.

ورغم شكوى المواطن من بعض المشكلات في التامين الصحي فإنه يشعر بأهمية الخدمة التي تقدمها الهيئة العامة للتأمين الصحي عندما يصاب بمرض خطير. فقد أظهرت دراسة صادرة عن مجلس الوزراء بعنوان “استطلاع رأى المواطنين في خدمات التأمين الصحي الحكومي” أن نسبة رضاء الجمهور عن خدمات التأمين الصحي ترتفع إلى حوالي 75% عندما يتعلق الأمر بالأمراض الخطيرة.