10/7/2007
اصبحت غرف الاحتجاز باقسام الشرطة المصرية مكانا يتجسد فيه البؤس والانحطاط الخلقي للإنسان كواقع من حقائق الحياة اليومية هناك ، حيث يعامل المواطنون الذين يسوقهم حظهم العاثر للوقوع فى براثن الشرطة ويزج بهم فى تلك الغرف بطريقة اسوء من تلك التى كان يعامل بها العبيد فى غرف قلعة ” المينا” القديمة فى ميناء كيب كوست فى غانا التى كانت مركزا لتجميع العبيد لنقلهم فى سفن تقلهم بعيدا عن ديارهم وأسرهم في أفريقيا. وبعد ان اصبحت تلك القلعة مزارا اثريا للتذكير بمأسى تلك الحقبة المزرية من تاريخ البشرية مازالت غرف الاحتجاز باقسام الشرطة المصرية مرتعا خصبا للوحشية والسادية التى يتمتع بها افراد الشرطة فى غياب الالتزام بمراعاة القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة المحبوسين التى تفترض ان المتهم برئ ويعامل على هذا الاساس ، كما لا يجرى فصل المحبوسين لاسباب مدنية عن هؤلاء المحبوسين لاسباب جنائية ، كما يوضع المواطنين المطلوبين لتنفيذ احكام قضائية مع المتهمين او المشتبه فيهم ، وايضا لا يتم الوفاء بالشروط الانسانية داخل مقر الاحتجاز من حيث المتطلبات الصحية والمساحة الدنيا المخصصة لكل محتجز والاضاءة والتهوية ونظافة المراحيض – ان وجدت – واماكن النوم ….الخ. وعلى الرغم من ان مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز توجب ان يعامل جميع الأشخاص معاملة إنسانية وباحترام لكرامة الشخص الإنساني الأصيلة وان يعامل الأشخاص المحتجزون معاملة تتناسب مع وضعهم كأشخاص غير مدانين. الا انه كثيرا ما يجرى سوء الاستخدام لسلطة الضبطية القضائية التى يتمتع بها افراد الشرطة فيتم وضع المواطنين فى غرفة الاحتجاز بقسم الشرطة على سبيل التأديب وفرض السطوة والنفوذ او كمجاملة لاحد الضباط او المتنفذين فى الحكم.
وتحذر جمعية المساعدة القانونية لحقوق الانسان من تكرار حالات وفاة المحتجزين داخل غرف الحجز باقسام الشرطة او اثناء ترحيلهم فى عربات الترحيلات خاصة فى فصل الصيف ، نتيجة لانعدام الشروط الانسانية وعدم توافر الحدود الدنيا للمعاملة الادمية داخل تلك الغرف. فقد يؤدى تكدس المحتجزين فى تلك الغرف – وصل العدد فى بعض الاحوال الى عدة مئات من المحتجزين فى الغرفة الواحدة – وانعدام التهوية وعدم ملائمة مكان الاحتجاز الى وفاة البعض منهم كما حدث سابقا فى حالات تبنتها الجمعية.
وقد تلقت الجمعية خبرا يفيد وفاة المواطن محمد صلاح عبد الله (27 عاما) بغرفة الحجز بقسم العمرانية كان مقبوضا عليه على ذمة قضية مخدرات ، وكانت غرفة الاحتجاز مكتظة بالموقوفين فى حملة تنفيذ الاحكام التى قام بها افراد شرطة القسم ، وكان للغرفة منفذا وحيدا للتهوية عبارة عن شباك صغير فى اعلى غرفة الحجز ، وعندما شعر محمد صلاح بالاعياء واشتكى من الاختناق قام المتواجدون بداخل غرفة الحجز بالدق علي الباب طالبين سرعة اسعافه ، وبعد مرور حوالى ربع الساعة قام احد ضباط القسم بفتح باب الغرفة ليجد المواطن قد فارق الحياة ، وقد تم نقل الجثة الى مستشفي ام المصريين و ذلك بتاريخ 30/6/2007 ، وجاء بالتقرير الطبي ان الوفاة نتجت عن هبوط حاد في الدورة الدموية ، وتباشر نيابة حوادث جنوب الجيزة التحقيق في الواقعة والمقيدة تحت رقم 4582 /2007 اداري حوادث جنوب الجيزة وتتباع الجمعية مجريات التحقيق.
وفى مركز شرطة شبين القناطر توفي المواطن رضا عواد الطناني (27 عاما) علي اثراختناقه داخل غرفة الحجز ، وتعود الوقائع الى القاء القبض على المواطن المتوفى علي ذمة قضية ايصال امانة وايداعه بغرفة الاحتجاز بالقسم التى تقع تحت مستوي سطح الارض ولا يوجد بها منفذ للتهوية سوى شباك صغير وتنبعث من الغرفة الروائح الكريهة ، وبعد دخول الضحية لغرفة الحجز طلب من افراد الشرطة حجزه فى مكان أخر نظرا لانه مريض بـ”حساسية على الصدر” ولكن احدا لم يستجب لطلبة وظل موضوعا فى تلك الغرفة مما تسبب فى معاودة نوبة الحساسية اليه بسبب شدة الحرارة والزحام داخل الغرفة والروائح الكريهة المنبعثة منها ، ساعتها فقط تم استدعاء سيارة الاسعاف حيث اجريت له الاسعافات الاولية والتنفس الصناعي وبمجرد استقرار حالته الصحية ، قام ضباط الشرطة باعادته الى نفس غرفة الحجز. وقام زملائه المحتجزين باسعافه اكثر من مرة الا انه وفى احدى هذه المرات قد فارق الحياة بعد معاناة وصراع مع الموت بعد يومين من احتجازه وهو ما تعتبره جمعية المساعدة القانونية بمثابة القتل العمد.
وتطالب جمعية المساعدة القانونية لحقوق الانسان بضرورة التحقيق الجدى النزيه فى تلك الوقائع ومحاسبة المسؤلين عن التقصير الذى يفضى الى موت المحتجزين بغرف الاحتجاز باقسام الشرطة او اثناء ترحيل المسجونين والمعتقلين فى عربات الترحيلات. كما تتسائل الجمعية عن المستفيد من عدم تفعيل دور النيابة العامة الرقابي في التفتيش علي السجون وكذا مقرات الاحتجاز داخل اقسام الشرطة ، وعن الغرض من تعطيل قيام لجنة حقوق الانسان بمجلس الشعب بدوره الرقابي بتشكيل لجان تتقصي الحقائق لتحديد المسؤلية عن وفاة المواطنين داخل غرف الحجز باقسام الشرطة وداخل عربات الترحيلات ، وتشدد الجمعية على ضرورة التزام اجهزة الشرطة بمعايير حقوق الانسان وذلك بتخصيص جزء من الميزانية الضخمة لوزارة الداخلية من اجل تحسين غرف الاحتجاز داخل اقسام الشرطة وكذلك توافر الشروط الادمية فى عربات الترحيلات للوفاء بالحد الادنى من سبل التعامل الانسانى الكريم بما يتوافق والمعاهدات والمواثيق الدولية.