28/12/2006

للمرة الثانية-خلال بضعة أيام قليلة- تكرر وزيرة القوى العاملة هجومها على دار الخدمات النقابية و العمالية فى “حوار خاص” مع مجلة المصور ( العدد الصادر فى 29 ديسمبر 2006، الصفحة الرابعة والعشرون)..وكأنما اتخذت الوزيرة قرارها بإلقاء مسئولية التحركات العمالية الأخيرة التى شهدتها الأسابيع الأخيرة على جهة ما ..مستدعية فى ذلك الطريقة والمفردات القديمة-التى كنا نظن أنه تم الإقلاع عنها- فى البحث عن محرض أو صانع أزمة وراء كل حدث..بدلاً من القراءة الموضوعية للأحداث وأسبابها الفعلية والحقيقية..والحوار المجتمعى المنفتح الذى تشعر من خلاله الفئات والشرائح الاجتماعية المختلفة بقدرتها على التعبير عن نفسها ومصالحها والتفاوض بشأنها على النحو الذى يسمح بتوازن هذه المصالح وبالتالى توازن المجتمع.

هذه المرة فاجأتنا وزيرة القوى العاملة باتهام جديد وهو ارتباط منظمتنا-غير الحكومية- بجماعة الإخوان المسلمين ، فى “علاقة مكشوفة للجميع”-على حد تعبيرها-..وبغض النظر عن الأسباب التى دعت السيدة الوزيرة إلى إلقاء مثل هذا الاتهام الذى كنا نظن أنها تعرف قبل غيرها أنه عارٍ تماماً من الحقيقة-هل هى الرغبة فى تحويل الأمر إلى ملف أمنى ومؤامرة ..وبالتالى إحالة المسئولية من وزارة القوى العاملة إلى وزارة الداخلية؟..أم أن الوزيرة لم تعتد التدقيق فى مواقف الأطراف المختلفة واضعة كافة من لا يوافقونها فى الرأى فى سلة واحدة..فإن هذا الاتهام من شأنه يستدعى رداً وتوضيحاً لعدد من النقاط كما يلى:

1- أن دار الخدمات النقابية والعمالية قد أعلنت موقفها بوضوح إبان الانتخابات النقابية والعمالية وبعدها فيما يتعلق بأسلوب خوض الإخوان المسلمين لهذه الانتخابات وبرنامجهم فيها ، ودعوتهم إلى تكوين الاتحاد الموازى.. وقد كانت الندوة التى نظمتها جريدة الدستور حول الانتخابات بين عددٍ من الأطراف إحدى المناسبات الجلية التى تم توضيح هذا الموقف من خلالها ..كما تم الإعلان عنه خلال مؤتمرى الدار حول الانتخابات فى حضور عدد واسع من الصحفيين والإعلاميين.. حيث يتلخص هذا الموقف فى التالى :

  • أن أداء جماعة الإخوان المسلمين قبل بدء الانتخابات قد اتخذ طابعاً إعلامياً صاخباً..حيث بالغت الجماعة فى قدراتها مبالغة شديدة..حتى أنها أعلنت عن اعتزامها الفوز بخمسين فى المائة من مقاعد النقابات العامة -وهو الأمر الذى تحول دونه عملياً قيود قانونية ليس هنا مجال ذكرها- بينما واقع الحال أن نفوذ الإخوان المسلمين فى صفوف العمال لا يؤهلهم للمنافسة على عدد كبير من المقاعد…كما أن برنامج جماعة الإخوان المسلمين فى الانتخابات العمالية كان من وجهة نظر الدار أشبه ما يكون ببرنامج انتخابات الغرفة التجارية .. ذلك أنه لم يتسع للمطالب العمالية الحقيقية التى تتعلق بشروط العمل ، ولم يتضمن أية نقاط فى شأن دمقرطة التنظيم النقابى.
    رفضت الدار رفضاً واضحاً دعوة الإخوان المسلمين إلى تشكيل اتحاد موازى .. وأعلنت أنها رغم إيمانها العميق ومطالبتها أيضاً بإزالة كافة القيود القانونية التى تحول دون حق العمال المصريين فى تكوين منظماتهم النقابية بحرية دون احتكار أو هيمنة تنظيم واحد على العمل النقابى.. إلا أنها تنادى أيضاً باستقلال النقابات عن الحكومة ورجال الأعمال والأحزاب السياسية جميعها.. ورغم أنها تطالب بالاحتكام إلى الدستور والمواثيق والاتفاقيات الدولية الموقع عليها من الحكومة المصـــــرية فى إطلاق حق تكوين النقابات ..إلا أنها ترفض أن يقوم الإخوان المسلمين أو أية قوى سياسية أخرى بتشكيل اتحادات نقابية موازية من أعلى .. كما ترفض استخدام العمال وحقوقهم النقابية فى اللعبة السياسية مع الحكومة.
  • أن النقابات العمالية-كما أنشأها العمال وكما استقرت عليها خبراتهم وأدبياتهم ، ووفقاً لما تنص عليه مواثيقها- هى منظمات العمال جميعهم دون تمييز على أساس الجنس ، الدين ، الأصل القومى أو الاجتماعى ، الملكية ، الرأى السياسى أو أية أوضاع أخرى..لذلك فإن الدار ترفض إقحام الشعارات الدينية فى برامج عملها أو انتخاباتها-كما جاء فى بيانها الأول الذى أعلنت فيه قيامها برصد أعمال الانتخابات ، والذى نُشر الكثير من أجزائه فى الصحف ، كما تم إرساله إلى جميع النقابات العامة فى الاتحاد العام لنقابات عمال مصر-
  • أن دار الخدمات النقابية والعمالية ترفض تماماً محاولات الربط بين الإضرابات العمالية وبين جماعة الإخوان المسلمين-سواء من جهة الجماعة نفسها أو من جهة بعض الجهات الحكومية- ليس فقط لأن ذلك يعطى الفضل لغير أهله، ولأن من شأنه المبالغة الشديدة فى قدرات الجماعة ، وإبرازها أمام الرأى العام وكأنها البديل القوى القادر على تبنى مطالب الجماهير وقيادة حركتهم .. ولكن لأنه-أيضاً-يؤدى إلى تضليل الرأى العام فى شأن الطابع الحقيقى والأصيل لهذه الحركات العمالية التى يكمن الدافع الوحيد لها فى مطالب عمالية حقيقية جديرة بالدراسة والمفاوضة..ولعله يجدر بالذكر فى هذا المجال أن نائبى مجلس الشعب عن جماعة الإخوان المسلمين اللذين توجها إلى عمال غزل المحلة يوم الجمعة ( ثانى أيام الإضراب) قد قوبلا بغير ترحاب ، وطُلب إليهم مغادرة الموقع ..بينما نجح نائب الحزب الوطنى فى التفاوض مع العمال .. والأمر فى الحالتين لم يكن بسبب أية دوافع سياسية وإنما لأن نائبى الإخوان حاولا إقناع العمال بالحل الأول الذى كانت وزارة القوى العاملة والهجرة قد عرضته وهو أجر واحد وعشرين يوماً ، وهو الحل الذى رفضه العمال .. بينما حمل نائب الحزب الوطنى الحل المرضى الذى كان قد تم التوصل إليه مع وزير الاستثمار.

2- أن الطريقة التى تعمد إليها السيدة / وزيرة القوى العاملة فى تفسير حركة العمال كادت أن تؤدى فعلياً إلى سد أبواب التفاوض وبالتالى حل مشكلة عمال المحلة .. وذلك فى تصريحـــــاتها الأولى التى أعلنتها صباح الخميس (اليوم الأول للإضراب) من أنها لن تستجيب لحركة العمال خارج القنوات المشروعة ، وأنها ترفض الخضوع لمطالب العمال !!.. بينما كان أداء وزير الاستثمار مختلفاً .. ببساطة .. لأنه وإن كان حريصاً على الاستثمار، ومصالح المستثمرين ، والشركات..إلا أنه-فى نفس الوقت- لا يقف أسير الطريقة القديمة التى لا ترى فى حركة العمال سوى مؤامرة.. فالرجل بحكم ثقافته يدرك أن الحركة العمالية والنقابية فى كل مكان فى العالم هى جزء من عملية مفاوضة اجتماعية تجرى بين الفئات والشرائح الاجتماعية المختلفة ، وأن هذه العملية هى ضرورية لتحقيق التوازن الاجتماعى ..حيث لا ينبغى تجاهلها أو التعامل معها بطريقة بوليسية.

3- أن السيدة / وزيرة القوى العاملة والهجرة تصر على أنها الجانب الوحيد الذى يمتلك المعرفة والحل .. ويبدو أنها تستقى معلوماتها بطريقة غير دقيقة.. فهى فى حديثها تذكر أن ” أحدهم ظهر فى برنامج العاشرة مساءً يلوح بدليل الإجراءات التفاوضية الذى طبعته الوزارة”.. وواقع الحال أن المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية / كمال عباس..كان قد ظهر فى العاشرة مساءً وفى يده صورة القرار الصادر عن الشركة الإيطالية المالكة لشركة أسمنت حلوان ، وطرة الأسمنت (إيطالى شمنت) بتاريخ 21/3/2006 بعد اعتصام عمال الشركة فى 19/3 حيث قرأ منه إحدى الفقرات للتدليل على تعسف إدارة الشركة وعلى استخدامها مفردات من المستحيل استخدامها فى إيطاليا.. حيث جاء ذلك رداً على ممثلة وزارة القوى العاملة فى البرنامج التى ذهبت إلى القول بأن اختلاف ثقافة العمال فى مصر عن الثقافة الإيطالية ربما كان سبباً للأحداث .. بينما يبرهن الواقع أن الشركة الإيطالية لا تحتكم إلى تراث العمل النقابى والمفاوضة فى إيطاليا فى تعاملها مع العمال المصريين..بل أن العمال المصريين بدوا الأكثر تحضراً فى حركتهم التى شهد الجميع لها بذلك.

وأخيراً .. لا نظن أن إصرار السيدة / وزيرة القوى العاملة والهجرة على هذه الطريقة من شأنه تطوير الحوار المجتمعى والمفاوضة الاجتماعية ..كما أنه لا يتفق مع الجدال الاجتماعى الدائر فى بلادنا .. بل هو محاولة لقطع الطريق عليه.لا ينبغى أن تصدر عن أحد شاغلى المواقع التنفيذية.

دار الخدمات النقابية والعمالية