13/12/2005

جرت الانتخابات البرلمانية 2005 فى جو ينقصه الكثير من الالتزام بالمعايير المتعارف عليها دوليا لضمان نزاهة وشفافية العملية الانتخابية، وقد قسمت عملية الادلاء باصوات الناخبين على مستوى الجمهورية الى ثلاث مراحل بدعوى توفير الاشراف القضائى الكامل على عملية الاقتراع كما ينص الدستور وجاء الاشراف القضائى محل تساؤل. وانتهت الانتخابات بعد ان تكشف هذا الحجم الهائل والمخزى للتجاوزات والخروقات التى تمس فى الصميم جوهر مصداقية تلك الانتخابات ، بل وتشكك فى جدوى اجراؤها فى ظل هذه الظروف التى لا يتوافر فيها الشروط الضرورية والواجبة لضمان تعبير النتيجة التى ستسفر عنها هذه الانتخابات عن كافة الوان الطيف السياسى فى مصر او طموحات المواطنين. وهو ما حدا بالبعض الى مقاطعة اعمال المراقبة التى جرت على عملية الاقتراع فور انهاء المرحلة الاولى منها ، بل والدعوة الى اعادة اجراء تلك الانتخابات تحت اشراف حكومة محايدة او باشراف هيئة الامم المتحدة. وجاء استمرار البعض الاخر فى عملية المراقبة ليثبت بما لا يدع مجالا للشك ان هذه الانتخابات قد جاءت تعبيرا ليس فقط عن ازمة الديمقراطية فى مصر بل وتضع المسؤلية على عاتق نظام الحكم بصفته المسئول عن تحويل العملية الانتخابية من تنافس شريف بين مرشحين يعبرون عن برامج عمل سياسية الى ساحة للنزال بين اصحاب السطوة والنفوذ، وهو ما الجأ بعض القوى السياسية الى استخدام شعارات دينية او اللعب على عواطف واحتياجات المواطنين المغلوب على امرهم.

وقد جاء الغياب شبه الكامل للمرشحين الاقباط من قوائم الاحزاب السياسية او المستقلين بل وخلو المجلس القادم من الصوت القبطى “تقريبا” ليثير العديد من التساؤلات المشروعة وليفتح جدلا واسعا حول الشأن القبطى فى مصر. وبالفعل فقد تناولت الصحافة المصرية هذا الموضوع من زوايا عدة، حيث كان للاحداث العاصفة التى شهدتها مدينة الاسكندرية مؤخرا ومؤتمر اقباط المهجر الذى عقد فى العاصمة الامريكية دورا فى طرح الامر على بساط البحث والنقاش. فجائت تصريحات البعض مطمئنة اكثر من اللازم على طريقة “كله تمام” ، فى نفس الوقت الذى ارتفعت فيه بعض الاصوات التى تحدثت عن “مشاكل للاقباط فى مصر” بعد ان افزعها حصول المرشحون من “جماعة الاخوان المسلمون” على عدد من مقاعد البرلمان لم تتحصل عليه اى من قوى المعارضة الرسمية.

فدارت العجلة الى الوراء لكى يتم فتح النقاش الذى ما كان له ان ينفتح فى تلك اللحظة الحرجة التى تمر بها مصر حاليا. وطرحت نفس الاسئلة التى بقيت معلقة طوال المائة والخمسون عاما الماضية حول هوية الدولة المصرية ، هل نحن بصدد التأكيد على “مدنية” هذه الدولة؟ بما يعنيه ذلك من ترسيخ الحق فى المواطنة لسائر ابناء هذا الوطن دون تمييز على اساس الجنس او العرق او الدين او المكانة الاجتماعية، ام اننا ما زلنا نراوح فى نفس المكان الذى تخطته جماعة الرواد فى اواخر القرن التاسع عشر؟ وهى الجماعة التى حسمت مبكرا ضرورة الاستجابة لمتطلبات العصر من حيث الاعتداد بالتطورات التى راح يشهدها المسرح العالمى حينئذ والتغييرات التى دخلت على طرق ومناهج التفكير عندنا ، بل واهمية التفاعل الحى والخلاق مع كافة الرؤى والاطروحات النظرية التى تجتهد فى خلق واقع ينسجم وما حققته الحضارة الانسانية من قيم التسامح والاخاء والمساواة ، وهو ما تم تتويجه مؤخرا باصدار “الاعلان العالمى لحقوق الانسان” وما تلى ذلك من معاهدات ومواثيق وعهود تكفل – فى حال تطبيقها – الحرية والكرامة لكل انسان.

ان الاستقطاب الحاد الذى دار بين المواطنين انفسهم والذى يمكن اجماله فى التصورات التى يطرحها الرأى العام المصرى حاليا حول السبل المتاحة امام فرص الاصلاح السياسى فى مصر والخيارات المطروحة فى الافق امام القوى السياسية المختلفة ، سيكون من شأنه تجديد الامال المعقودة على استعادة المواطنين لدورهم المفقود فى مناقشة قضايا الوطن والاهتمام الايجابى بالتحديات التى تطرحها عليه المتغيرات الراهنة ، وهو ما من شأنه العمل على الخروج من شرنقة السلبية السياسية التى حبست طويلا قدرات ابنائه. كما ان ثنائية (مدنى/دينى) التى تجلت بها ملامح الازمة الاجتماعية فى خطابات التيارات السياسية والنخب المثقفة فى مصر تضع على عاتق المجتمع المدنى فى مصر وفى القلب منه منظمات حقوق الانسان مسؤلية العمل الدؤوب لترسيخ القيم الديمقراطية والمعانى النبيلة لمنظومة حقوق الانسان بوصفها المرجعية الاشمل لكافة القوى والتيارات السياسية حتى نتجنب احتكاكات اجتماعية قد تنتج شررا وحريقا يلتهم مسقبل هذا الوطن.

وتدعو جمعية المساعدة كافة القوى الوطنية والمدنية الى بذل كافة الجهود المخلصة بايجابية لا تنال مما تحقق ومازال قليلا ولا تخل بما هو مستهدف وهو كثير على الطريق الى مجتمع يصون كرامة الجميع ويضمن لهم العدل والحرية. وترى الجمعية ان افضل الطرق لمواجهة مشاكلنا الاجتماعية هو اتاحة الفرصة لمختلف الاراء فى التعبير عن نفسها بحرية دون خوف او وجل. واعتماد الديمقراطية سبيلا واحدا ووحيدا لتقريب وجهات النظر للخروج ازمتنا الراهنة .

لقد ثار الجدل اخيرا حول احوال المواطنين الاقباط فى مصر، ولقد زعم من زعم وجود اضطهاد يقاسون من ويلاته ، وراح البعض يقول بوجود مشكلات حقيقية يعانون منها وكأنهم وحدهم ، ونرى نحن اننا فى الهم كلنا “قبط” فضابط الشرطة الذى يعذب لا يفرق بين مسلم ومسيحى كما ان الفقر والبطالة يسحقان احلام الذين يصلون فى الجامع او فى الكنيسة ، ولا يمكن بتر الجسد الوطنى وتحويله الى اشلاء عبر التفرقة بين مواطنيه على اساس دينى وان حسنت النوايا كى لا تطيش الرؤى، ولا بد من مقاربة الشان القبطى فى مصر من خلال نظرة اعم واشمل ترقب الصورة بكافة تفاصيلها وتحلل ملامح الازمة سعيا الى ايجاد مخارج صحيحة لها.

وبنظرة سريعة للبيانات المتداولة على المستوى الرسمى سيمكننا ادراك الاسباب الحقيقة لما يثار حول مشاكل الاقباط فى مصر حيث تصل نسبة مشاركهتم فى الوظائف الادارية والامنية العليا الى نسبة 0.5 فى المائة فى الوقت الذى يمثلون فيه نسبة 10% من تعداد السكان ويحوزون على 20% من الثروة وواقع الحال يشى بما هو اوضح دلالة ، وبالطبع هناك المشاكل والمطالب منها ما يمكن تحقيقه ويجوز الآن وفورا ، ومنها ما يتطلب بذل الجهود الحثيثة من اجل تحقيق العدل والمساواة لكافة المواطنين. يمكننا ان نشرع حاليا فى فتح نقاش جدى وفعال حول مختلف قضايا الاصلاح السياسى فى مصر ومنها ملف الاقباط بمرجعية تصون الحق الكامل فى المواطنة والاستماع بانصات لصوت العقل دون حساسية مفرطة ولا تبسيط مخل، لقد فعلت الانتخابات البرلمانية الاخيرة خيرا حين كشفت للجميع حكومة ومعارضة ومجتمع مدنى حقيقة القدرة على الاصلاح والتغيير، كما وضعت بجدية مسألة الدولة المحكومة بشرعية القانون محل النقاش، وليس امامنا من خيار سوى التصدى بكل حزم للعراقيل التى تحول دون العمل على بناء مجتمع ديمقراطى “سليم” وهو الحلم الذى داعب الحلام المواطنين طويلا. وليس هناك اولى من محاولة فهم مشاكل المواطنين فى مارسة عقائدهم الدينية والروحية دون وصاية من احد وفى اطار من القانون. لقد كفلت المواثيق الدولية لحقوق الانسان حق المواطنة دون تمييز على اساس دينى او عرقى او جنسى بما فى ذلك المشاركة السياسية فى الحكم، وهو ما اظهرت الانتخابات البرلمانية عدم تحققه. وعلينا طرح الموضوع للنقاش بيننا للوصول الى الدوافع والاسباب التى افضت الى ذلك لتلافى هذا مستقبلا. ولنا ان نسائل الوعى الجمعى عن بعض المشاكل التى يعانى منها الاقباط دولة وكنيسة ومواطنين.

وتتشرف جمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان بكم لحضوركم هذه الحلقة الفكرية التى ستبدأ فى تمام السادسة مساء يوم الأربعاء 14 /12 /2005 و سيتم فيها تناول موقف القوى والاحزاب السياسية من المشاركة السياسية للاقباط على ضوء ما اسفرت عنه نتائج الانتخابات البرلمانية 2005 ،من حيث حجم الترشيحات او ما صاحب تلك الانتخابات من جدل واسع عند البعض ومخاوف عند البعض الاخر من ممثلى المجتمع المدنى والاقباط من صعود تيار الاسلام السياسى وتمكنه من الحصول على عدد كبير نسبيا من مقاعد البرلمان. كما سيتم التطرق الى بعض المشاكل التى يواجهها الاخوة فى الوطن المسلمون منهم والاقباط.

جمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان
برنامج حرية الرأى والتعبير بالجمعية

موضوع صادرة عن :
وجمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان
جمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان

[an error occurred while processing this directive]