19/5/2008

رغم مرور خمسين يوماً على إصدار محكمة القضاء الإدارى حكمها-واجب النفاذ- بقيد مؤسسة دار الخدمات كمؤسسة أهلية وفقاً لأحكام القانون رقم 84 لسنة2002 (وقف تنفيذ قرار وزارة التضامن الاجتماعى الذى قضى برفضها)..فإن الجهات الإدارية والتنفيذية ما زالت تضرب به عرض الحائط، مُصرةً على تجاهله والامتناع عن تنفيذه.

وكانت محكمة القضاء الإدارى قد أصدرت فى الثلاثين من مارس الماضى حكمها فى دعوى الدار رقم 38381 لسنة 61ق بوقف تنفيذ قرار وزارة التضامن الاجتماعى لكونه “بحسب الظاهر من الأوراق قد صدر فاقداً لركن السبب”..كما أنه “يهدر ممارسة حق أساسى من الحقوق التى قررها الدستور وهو الحق فى الاجتماع”..وقامت الدار فى 20 إبريل بإعلان الجهات الإدارية رسمياًُ بالصورة التنفيذية من الحكم..ثم تقدمت بطلب تنفيذ الحكم إلى وزير التضامن الاجتماعى مرفقاً به صورة الحكم..حيث قيد هذا الطلب بالمكتب الفنى لوزير التضامن الاجتماعى تحت رقم 155 ص بتاريخ 5/5/2008.

وكانت دار الخدمات النقابية والعمالية قد تعرضت لسلسلة من الإجراءات المتعسفة الإدارية والأمنية التى تم اتخاذها فى مواجهتها، بدءاً بإغلاق فروعها فى المحافظات..وصولاً إلى محاصرة مقرها الرئيسى فى حلوان بقوات الأمن المركزى، وتشميعه، ونزع عداده الكهربائى دون مسوغ أو سند من واقع أو قانون..ولما كانت السلطات المحلية التى اتخذت هذه الإجراءات قد قالت فى تبريرها أنها جاءت بناءً على مذكرات من مديريات وزارة التضامن الاجتماعى فقد تقدمت الدار إلى هذه الوزارة بطلب قيد جديد لمؤسستها وفقاً لقانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية رقم 84 لسنة 2002 ولائحته التنفيذية..غير أنها قد فوجئت بقرار عدم الموافقة على قيدها.. ، ولما كانت الجهة الإدارية بكافة مستوياتها قد فحصت وراجعت كافة أغراض المؤسسة عشرات المرات أثناء التفاوض معها فى هذا الشأن ، وانتهت إلى التوافق مع الدار على هذه الأغراض.. فإنها لم تجد ما تقدمه سبباً لرفض القيد سوى الإعلان الصريح عن اعتراض الجهات الأمنية!!.

ولعله جديرٌ بالذكر أن هذه الإجراءات الإدارية والأمنية التى تم اتخاذها فى حق دار الخدمات النقابية والعمالية..قد جاءت فى أعقاب حملة الهجوم الضارية التى تعرضت لها الدار، والتى قام بشنها اتحاد نقابات عمال مصر مدعوماً ببعض الأطراف الحكومية التى ألقت على الدار باللائمة فى شأن الإضرابات والحركات الاحتجاجية التى شهدتها الساحة العمالية..حيث شمل هذا الهجوم ألواناً مختلفة من التشهير واتسع لاتهامات ظالمة شتى، وارتبط بمحاولات مستميتة لاستعداء أجهزة الدولة على الدار، ومطالبتها باتخاذ ما يمكن من الإجراءات فى مواجهتها.

كما أنه جديرٌ بالذكر أيضاً أن دار الخدمات النقابية والعمالية قد تأسست منذ ثمانية عشر عاماً، وقد تنامت أنشطتها حتى امتدت أفرعها من القاهرة إلى محافظات الوجه البحرى، والقبلى.. وحصلت على جائزة الجمهورية الفرنسية لحقوق الإنسان عام 1999 تقديراً لدورها المتميز فى الدفاع عن هذه الحقوق على أرض الواقع..غير أنها-رغم ذلك كله- ورغم تقديمها الطلب تلو الطلب لوزارة التضامن الاجتماعى معربةً عن رغبتها فى تأسيس مؤسسة أهلية، رغم تبادل المكاتبات، ومعاينة المقر المخصص للمؤسسة وإبداء الموافقة عليه أكثر من مرة..قد عجزت عن مجرد تسليم طلب قيدها رسمياً لوزارة التضامن الاجتماعى منذ عام 2003 وحتى 13/6/2007..ببساطة لأن موظفى الوزارة يمتنعون عن ذلك ما لم يحصلوا على ضوء أخضر من الأجهزة الأمنية؟!!

هل يمكن لمجتمع تتقلص فيه المساحة المتاحة للعمل الأهلى المستقل إلى هذا الحد أن يعرف طريقه إلى التنمية، وأن يبرح ساحات التخلف ، والتطرف، والعنف إلى مناطق الحوار والمفاوضة المجتمعية؟!!

هل يمكن لمجتمع لا يعجز أفراده ومنظماته ومؤسساته عن المشاركة فى صنع القرار فقط..بل أنـــــــــــــــــهم لا يستطيعون التعرف على مراكز صنع القرار أصلاً ..حيث يصطدمون دوماً فى الجهات والمؤسسات التى تفترض مسئوليتها دستورياً وقانونياً بعبارة ” القرار ليس قرارنا”..هل يمكن لمجتمع لا يعترف لأبنائه بحقهم فى الحركة المستقلة ، ويبسط عليهم كل صور الرقابة المسبقة مفترضاً فيهم القصور وانعدام الأهلية أو سوء القصد والبعد عن السواء..مجتمع محاصر بالقوانين الاستثنائية والجهات الإدارية والأمنية..تختنق فيه المبادرة المستقلة ، وتصبح فيه المشاركة المجتمعية مخاطرة محفوفة بالمخاطر مدفوعة الثمن..

هل يمكن لمجتمع تضرب حكومته وأجهزتها الإدارية والتنفيذية بالأحكام القضائية عرض الحائط متنصلةً من تنفيذها، ومعرضةً عن احترامها والالتزام بها..هل يمكن لمجتمع تتغول فيه السلطة التنفيذية إلى هذا الحد، وتتضاءل فيه فرص اقتضاء الحق، وتحقيق العدالة..هل يمكن لمجتمع كهذا أن يتوازن ، أن يستقر.. أن ينعم بانتماء أبنائه إليه ، ومشاركتهم فى بنائه وتطويره؟!

إن دار الخدمات النقابية والعمالية إذ تطالب بالتنفيذ الفورى لحكم-واجب التنفيذ- بكل ما يفترضه تنفيذه من إشهار قيدها، وتمكينها من فتح مقراتها جميعاً وممارسة أنشطتها دون قيود..إنما تتمسك بكامل حقها فى اعتبار مؤسستها مشهرة قانوناً، ومكتسبة الشخصية الاعتبارية بقوة القانون، وبموجب الحكم القضائى الصادر لصالحها.. وتدعو كافة القوى الحية والفاعليات الديمقراطية ومنظمات ومؤسسات المجتمع المدنى والأحزاب السياسية إلى التضامن معها..وإلى

مطالبة وزارة التضامن الاجتماعى وكافة الأجهزة التنفيذية إلى تنفيذ الحكم القضائى الصادر بقيدها، وتمكينها من استئناف وتطوير أنشطتها وفاعلياتها.