18/9/2005

فى ظل مناخ محكوم بمنظومة قانونية جائرة ومجافية لحقوق الانسان ومعادية للحريات، خاضت النقابات المهنية فى الفترة الاخيرة وعلى رأسها نقابتى المحامين والصحفيين وبعض الأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدنى عدة معارك مطالبة بالاصلاح السياسى والاجتماعى فى مصر.

وقد اصطدمت تلك القوى بعنف أجهزة الدولة والذى تبدى فى أفضح صوره فى الاحداث التى تمت فى يوم الاستفتاء على تغيير المادة 76 من الدستور المصرى يوم الاربعاء الموافق 25 مايو الماضى، وهى الاحداث التى صاحبها التعدى الجسدى على المعارضين – للطريقة التى تم بها تغيير المادة – والتحرش الجنسى وهتك العرض واعمال الضرب والاعتقال للعديد منهم.

وقد شارك القضاة فى تلك المعارك بمطالبهم الخاصة باقرار قانون السلطة القضائية وتحقيق الاشراف الكامل على مجمل العملية الانتخابية الى الحد الذى ارتفعت فيه الاصوات المطالبة بعقد جمعية تأسيسيه وطنية تقرر وضع دستور جديد للبلاد

وتغيير شكل نظام الحكم في مصر إلى شكل برلماني ديمقراطي بعد أن بلغت الأمور حدًا لا يحتمل من توحش السلطة التنفيذية والأمنية وتحكّم الحزب الحاكم في كل شيء، مع استمرار العمل بقانون الطوارئ واتساع دائرة الاعتقال وانتتشار ظاهرة التعذيب التى باتت منهجاً لتعامل اجهزة الامن مع المواطنين.

ومازلت تتواصل حركة المطالبة بالإصلاح والتغيير السياسي والاجتماعي فى مصر، فأصبحت مؤسسات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان طرفاً أساسيًا في تلك المعركة.

ورغم اتساع حركة المطالبة بالإصلاح السياسي والدستوري ورغم تعدد قواها السياسية لم تتحرك الدولة باتجاه التغيير أو الإصلاح بأي صورة من الصور وعلى العكس من ذلك سعت الدولة لتكريس سلطتها وإحكام قبضتها عبر التغييرات القانونية الشكلية والتى تتم بطريقة احادية وفوقية اعتمادا على تمتع الحكومة باغلبية ساحقة داخل المجالس التشريعية ذات السمعة المشوبة بكثير من انعدام الاستقلالية والحياد باعتبار ولائها لنظام الحكم.

ولم تترك الحكومة المصرية مجالاً واحداً او ثغرة واحدة إلا وأصرت على الدخول منها لفرض سيطرتها كأنها لا تحتمل وجود شعب له صوت أو رأى حر، ولا تحتمل وجود نخبة او مجتمع مدني مستقل، فهي التي تدير الإعلام وتدير الفنون وتدير الثقافة وهى الدولة التي تدير البرلمان والنقابات وتتحكم في تأسيس الصحف والأحزاب، بل وتسعى دائمًا لإدارة شئون القضاء بالاضافة الى التدخل السافر فى شئون منظمات المجتمع المدنى.

واعتقدت الدولة أن عليها سحب البساط من تحت اقدام حركة حقوق الإنسان المصرية وذلك بتأسيسها للمجلس القومي لحقوق الإنسان بهدف تجميل صورتها امام الرأى العام محليا ودوليا فقامت باصدار تشريعا هشا يختزل هذا المجلس من الناحية القانونية كما حدث من قبل مع المجالس القومية المتخصصة الى مجرد ” هيئة بريد تتلقى الشكاوى “.

ولا شك فى ان المجهودات التى تبذلها القوى الاجتماعية الحية ومؤسسات المجتمع المدنى يمكنها ان تساعد على انجاح مطالب التغيير لكى تتحول مصر من دولة يحكمها حزب واحد ويسيطر البعد الأمني فيها على كل الأجهزة والمؤسسات بل والتشريعات، إلى دولة مدنية حديثة.

دولة يتساوى فيها الجميع أمام الدستور والقانون، حيث استقلال السلطة التشريعية والقضائية عن السلطة التنفيذية، حيث كل مواطن شريك كامل في صنع السياسات وصنع القرار على قاعدة احترام حقوق المواطنة وحقوق الإنسان في ظل المساواة الكاملة بين المواطنين دون تمييز بسبب الدين أو الجنس أو اللون أو المرتبة الاجتماعية أو المعتقدات السياسية، دولة تحكمها مبادئ الديمقراطية ويشرع لها برلمان ديمقراطي، دولة تتوافر فيها الضمانات الدستورية والقانونية لحرية الرأي والفكر والعقيدة وضمانات التعددية السياسية ويتاح فيها التداول السلمي والديمقراطي للسلطة عبر الانتخاب الحر المباشر، دولة يملك فيها المواطنين حق تأسيس الأحزاب والنقابات والروابط والجمعيات وإصدار الصحف وممارسة حق الاجتماع والتجمع والتظاهر السلمي بحرية كاملة وفق ضمانات دستورية وقانونية واضحة ومحايدة، دولة تنظم الحقوق والحريات لا تقيدها ولا تصادرها ولا تلتف حولها.

لقد طالبت منظمات ومؤسسات المجتمع المدنى فى مصر بتعديل كافة التشريعات بما يتلائم مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي التزمت بها مصر وصدقت عليها ووضعها موضع التنفيذ.

مع ضرورة إلغاء حالة الطوارئ التي تعيشها مصر منذ سنوات متصلة وإلغاء المحاكم الاستثنائية وقصر سلطات الحاكم العسكري على حالات الحروب والكوارث العامة، ووقف كافة اعمال وأشكال التعذيب في أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز الخاصة بجهاز أمن الدولة.

كما طالبت تلك المنظمات بإطلاق حرية تكوين الأحزاب والنقابات والجمعيات وكافة أشكال التنظيمات السلمية والمدنية ووضع الضمانات القانونية والسياسية الكفيلة بحماية استقلاليتها، ووقف التدخل الأمني بكافة صوره وأشكاله في أنشطة مؤسسات المجتمع المدني

بالاضافة الى إطلاق حرية الصحافة وتحرير أجهزة الإعلام من السيطرة الحكومية وإطلاق حرية تملك وسائل الإعلام المسموعة والمرئية وحرية الصحافة، وإتاحة فرصة متكافئة للأحزاب والقوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان وكافة الاتجاهات والتيارات الفكرية والديموقراطية في طرح آرائها وأفكارها في كافة أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية المملوكة للدولة، مع وضع التشريعات والسياسات الملائمة لتوفير ضمانات الانتخابات الحرة النزيهة لفتح المجال أمام التعددية السياسية والمشاركة في السلطة أو تداولها.

وقد طرحت منظمات حقوق الانسان رؤيتها المتعلقة باهمية الاصلاح والتعديل للسياسات الاقتصادية والاجتماعية خاصة المتعلقة بالأجور وأسعار السلع والخدمات الصحية والتعليمية والنقل والاتصالات والمواصلات والمياه والكهرباء وأسعار المساكن والتي باتت تهدد حياة المواطنين وتوسع دائرة الفقر والبطالة

كما عملت تلك المنظمات على وضع خطط بديلة للتنمية البشرية والاجتماعية بهدف تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية وحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لكافة المواطنين.

لا شك فى ان الظروف الدقيقة التى تمر بها مصر حاليا والتردى غير المسبوق لوضعية حقوق الانسان واحتدام الاوضاع الداخلية سواء على الصعيد السياسى او الاقتصادى او الاجتماعى، من شأنه أن يضفى المعقولية على الاصوات الداعية الى التغيير وادخال اصلاحات جذرية على الاداء السياسى والاقتصادى لنظام الحكم بل ويمنحها شرعية ممارسة الحق فى طرح مطالبها وطلباتها.

حيث ترى تلك الاصوات ان هذا النظام قد فقد شرعيته من حيث عدم وفائه بطموحات الاغلبية الساحقة من الجماهير سواء بتحقيق شروط معقولة للحياة او بتوفير الحد الادنى من الحريات العامة تحت دعاوى حفظ الأمن او وجود تهديدات خارجية محتملة.

وهو ما ادى طيلة العقود الثلاثة الماضية الى تفاقم الاوضاع الداخلية فى مصر حيث ارتفعت معدلات البطالة الى نسب غير مسبوقة وزادت جرائم الفساد ونهب المال العام كما ارتفعت اعداد المعتقلين لاسباب سياسية وتفشت ظاهرة التعذيب داخل اقسام الشرطة ومقار امن الدولة وتم مصادرة الانشطة النقابية والحزبية ومؤسسات المجتمع المدنى ولجأ ملايين المواطنين الى اتخاذ المقابر أماكن للسكنى ناهيك عن تردى الوضع الصحى والتعليمى والبيئى.

ومما لا شك فيه ان التعديلات الاخيرة التى اجرتها الحكومة المصرية على الواقع السياسى فى مصر من شأنه ان يفتح شهية قوى المجتمع الحية الى المزيد من تحقيق المطالب الديموقراطية المشروعة.

وترى جمعية المساعدة القانونية لحقوق الانسان ان الانتخابات البرلمانية القادمة فى مصر تمثل فرصة ذهبية امام النظام واختبارا لجديته فى تلبية طموح العديد من القوى الاجتماعية فى مصر والالتزام بمعايير حقوق الانسان لقطع الطريق على خيار اليأس الذى تبناه عدد من فصائل المعارضة الاسلامية خلال الفترة السابقة ويمكن ان يتبناه شباب مفعم بالاحباط واليأس خلال الفترة القادمة.

وللأطلاع علي تفاصيل التقرير اضغط
http://www.ahrla.org/general/rep-election/index.htm

جمعية المساعدة القانونية لحقوق الانسان