19/6/2007
المركز المصري للتنمية والدراسات الديمقراطية
والجمعية المصرية لدعم التطور الديموقراطي
رغم الصعوبات النظرية التي تحوط فكرة تفكك الدولة المركزية بات الأمر في بدايات القرن الحادي والعشرون يمثل تحديا خاصا بالنموذج المصري الذي يبدو انه ينحدر نحو هوة التفكك الدراماتيكي متحديا اطروحات النظريات السياسية في تماسك الدول المركزية ،الأطروحة الأقدم للنظام السياسي المصري .
فجاء المشهد المصري في لحظته الراهنة متناقضا بين استحقاقات الدولة المدنية وشمولية الدولة البوليسية . فلا تعرف إلى أين يتجه النظام في قيادته لسفينة الوطن ، بين شيوع ثقافة الإصلاح واعتماد منظومة حقوق الإنسان وتجذير مفاهيم المواطنة في المجتمع المصري ومحاولة خلق اطر دستورية تكفل ضمانات دولة مدنية حديثه حتى في ظل الإبقاء على نص المادة الثانية من الدستور بصياغتها الحالية . وهامش من الحريات لا نعرف على وجه الدقة متى يتسع أو يضيق طبقا لرغبات الداخل أم املاءات الخارج ؟
فجاء العام 2007 مسجلا المزيد من القيود على حركة المجتمع السياسية والثقافية لصالح التوجهات الأمنية في مواجهه الحريات والحقوق في المجتمع .
سبع سنوات في بداية الألفية الثالثة من عمر الوطن تأرجحت فيها الصورة كثيرا بين أحلام وطموحات القوي الوطنية وتعسف وبطش الجهاز الأمني وسيطرته المطلقة على كافة مناحي الحياة العامة .
فأي مصر نريد أو بالا حري ماذا يريد النظام لمصر؟ تلك الدولة التي باتت على أعتاب ترهل سياسي – اجتماعي تاهت معه أحلام الوطن وتباعد مستقبله في ظل نظام سياسي يصر على التنازل طواعية حتى عن استحقاقات ديمقراطية قد تكون غير ذات تكلفة.
وفي هذا السياق فان المركز المصري للتنمية والدراسات الديمقراطية والجمعية المصرية لدعم التطور الديمقراطي ومن واقع ما تم رصده من فعاليات العملية الانتخابية في الدوائر محل انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى المصري يونيو 2007 نستطيع أن نؤكد بما لا يدع مجال للشك أننا أصبحنا جميعا في ممر معتم لا يصلح لممارسة الديمقراطية ، طالما باتت اداءات النظام المصري على هذا النحو الذي شاهدناه في ممارسات اليوم الانتخابي دون مبرر واضح أو مفهوم يبرر ما ارتكبه الجهاز الادارى والأمني في حق المرشحين خارج نطاق الحزب الوطني .
فالمعروف سلفا أن انتخابات الشورى المصرية لا تلقي قبولا لدي رجل الشارع وبديهيا إذا كانت نسبة مشاركة المواطنين في الانتخابات الرئاسية او البرلمانية الماضية لم تتجاوز في أحسن أحوالها 25 % من إجمالي من لهم حق الانتخاب في مصر رغم التحسن الذي طال المنظومة التشريعية للانتخابات فضلا عن التحسن النسبي في أداء العلام المصري على اختلاف أطيافه على التعامل مع منظومة الانتخابات فما بالنا بانتخابات التجديد النصفي فقط لمجلس الشورى والذي لا يعرف المصريين على وجه التحديد اى دور لهذا المجلس في الحياة السياسية اللهم سوي توفير الحصانة – سيئة السمعة – لاعضاءه هذا فضلا عن إحجام المعارضة المصرية ذات الوزن النسبي في تقديم مرشحين للشورى ( الوفد – الناصري – 2 فقط للتجمع ) وتقديم جماعة الأخوان المسلمين لعدد قليل جدا من المرشحين لا يتجاوز 15 مرشحا ،في ظل تعرض الجماعة لضغوط رهيبة في الآونة الأخيرة -على خلفية نجاح 88 مرشح لهم في انتخابات مجلس الشعب وحادث العرض العسكري بجامعة الأزهر – المتمثل في القبض على العديد من قيادات الجماعة وكوادرها سواء في القاهرة او المحافظات ومصادرة أموال شركات عديدة لقيادات الأخوان وهي حملة لم تتعرض لها الجماعة منذ خمسينيات القرن الفائت، فإذا وضعنا هذه المشاهد بجانب بعضها البعض حصلنا على اللوحة المعنونة “انتخابات مجلس الشورى” لا ينافس فيها الحزب الوطني سوى حفنة قليلة جدا من المعارضة السياسية لا تمثل 5 % من إجمالي مقاعد الشورى. وأغلبية من المستقلين، النسبة الأعظم منهم أعضاء بالحزب تقدموا للمجمع الانتخابي للحزب الوطني وتم رفضهم فترشحوا كمستقلين والمعروف من واقع الخبرات السابقة انضمام هؤلاء المرشحين فور نجاحهم – إذا نجحوا – للحزب الوطني مرة أخري في إطار ترحيب من الحزب بعودتهم إلى صفوفه فتحقيق الأغلبية الساحقة الهدف الاسمي للحزب الوطني أيا كانت الوسائل .
ومن هنا فما هي المبررات لقيام أجهزة الدولة بكل هذه الانتهاكات العاصفة بديمقراطية العملية الانتخابية في بلادنا في معركة هي لن تخسر فيها شيئا ذي بال .
سوي أن الدولة باتت ديكتاتورية بالفطرة لا بالحاجة ، وان الممارسات الشمولية صارت عنوانا للدولة وجزاء لا يتجزأ من كيان النظام فضلا عن استمراره .
وهنا نعرض من واقع قراءتنا لما تم رصده من انتهاكات شابت العملية الانتخابية ، العديد من المؤشرات التي تلقي بظلالها على الواقع المصري في مختلف شئونه:
تعاظم الدور الأمني
دائما ما تلجأ الدول البعيدة نسبيا عن دروب الممارسة الديمقراطية او ذات الصبغة الديكتاتورية إلى استخدام الحل الأمني في مواجهة المشكلات التي قد تتعرض لها او حتى دون تعرضها لمشكلات تذكر بحيث يصبح الجهاز الامنى عصا النظام الأطول ، الذي يوفر له ببساطة السيطرة على المجال الحيوي للنظام، حيث يمثل الحل الأسهل، عديم التكلفة – ظاهريا – نسبيا في ظل نظام لا يبالى كثيرا بصورته أمام الرأي العام فتم تكريس المنظومة الأمنية بكافة آلياتها في العلاقة بين السلطة ( الحكومة ) والشعب، وكنتيجة مباشرة لعجز النظام عن مواجهة العديد من المشاكل فضلا عن تراكمها، بات الحل الامنى الأقل تكلفة بداية من قمع ومصادرة الحريات في المجتمع وصولا إلى تحديد نتائج الانتخابات فقد شهدت انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى تدخلات أمنية أعادت للأذهان الصورة التي ما كادت تنسي في المرحلتين الثانية والثالثة لانتخابات مجلس الشعب 2005 رغم الفارق الشاسع بين المجلسين ودون سبب واضح يكون مبررا لسيل الانتهاكات التي ارتكبتها الأجهزة الأمنية طوال اليوم الانتخابي فيبدو من غير المفهوم – منطقيا – أن يتم تشكيل لجنة عليا لإدارة الانتخابات من الشخصيات المدنية أيا كان حجم اتفاقنا او اختلافنا حول آليات تشكيل اللجنة وبموجب ذلك قانونا تقتصر مهمة وزارة الداخلية على حفظ النظام والأمن وهو الدور الطبيعي لاى جهاز شرطة في العالم، بيد أن الأمر في مصر مختلف تماما حيث تطول سلطات الوزارة كافة الشئون العامة وأحيانا الخاصة ، فأنت لا تستطيع أن تترشح لمجلس إدارة مركز شباب في اصغر وابعد قرية في مصر دون موافقة الجهات الأمنية ومرورا بتعيينات النيابة العامة والقضاء والخارجية والتعيينات في الوظائف العليا وتقريبا كافة النشاطات في المجتمع بحيث صار الجهاز الأمني في مقدمه المشهد السياسي الاجتماعي المصري على اختلاف أطيافه وبات رجل الشرطة هو الأهم والأكثر فاعليه في الواقع المصري .
ومن هنا تجسدت الأهمية العظمى لقيمة النظام الأمني، وطال نفوذ الأمن وصلاحياته كل شئ .
على أن تعاظم الدور الامنى إلى هذه الدرجة يعكس حقيقة ضعف الدولة وقدرتها على التواصل مع المواطنين ويؤكد فقدان المصداقية بين طرفي الدولة الأهم الشعب – السلطة .
إن تعاظم الدور الأمني يعد بمثابة كهنوت الدولة الضعيفة .
التماهى بين الدولة والحزب الوطني
يمثل التدوال السلمي للسلطة في اى بلد عنوان ديمقراطيتها فلا ديمقراطية دون تداول للسلطة تتناوب عليها الأحزاب المختلفة طبقا لبرامجها وما تستطيع أن تحصل عليه من نسبه أصوات في المحافل الانتخابية المختلفة، بيد أن الأمر في مصر يشهد حالة مختلفة تماما حيث يقبض الحزب الوطني على السلطة في مصر منذ عودة الأحزاب للحياة السياسية وحتى ألان وبأغلبية كاسحة في كافة المجالس المنتخبة والمعينة أيضا على اختلاف أهميتها في اصرار يكشف تجاوز الحزب الوطني في دوره وصلاحياته للمفهوم الأكاديمي لمصطلح الحزب ، فأصبح عنوانا للدولة واحد أهم الأجهزة الرسمية فيها ، وهو ما القي بظلاله على التجربة الحزبية في مصر بحيث صارت بقية الأحزاب والتي يقارب عددها 24 حزب غاية أمنيتها التمثيل المشرف في المجالس المنتخبة ،وكنتيجة لعدم اختبار برامجها على ارض الواقع تجمدت هذه الأحزاب وأصبحت عاجزة عن التطور فضلا عن تآكل هياكلها الداخلية وتفرغ أغلبية قيادتها سواء الكبيرة او الوسيطة في صراعات داخليه ، باعتبار أن أفق الحزب لا يتجاوز جدرانه وأقصي طموحاته ليس لعب دور ميز في الحياة السياسية وقيادة الجماهير، إنما فقط الحفاظ على وحدة الحزب وتماسكه فضلا عن ضعف قدرة هذه الأحزاب على اجتذاب جماهير جديدة حيث أن هذه الأخيرة أصبحت لديها قناعة تامة أن إمكانية الصعود السياسي والاجتماعي لا تمم إلا عبر قناة الحزب الوطني، فصار هذا الأخير في العقل الجمعي للامه هو الحكومة وتم تدشين مصطلح حزب الحكومة بديلا عن حكومة الحزب . وهو الأمر البديهي طالما تصر الدولة على تسخير كافة إمكانياتها المادية والبشرية في صالح خدمه مرشحي الحزب الوطني او إذا شئت الدقة مرشحيها فنادرا أن تجد اى قيادة او مسئول في الدولة او في الفاعليات الرسمية المختلفة ليس عضوا بالحزب الوطني بداية في مجالس إدارات مراكز الشباب ومجالس الأحياء والمجالس المحلية وصعودا حتى كافة المناصب العليا في الدولة تقريبا . فصارت حالة التماهي القائمة بين الحزب والدولة وكأنها غير قابلة للانفصام .
تلك الحالة التي تبلور المشهد المصري في حزب واحد مسيطر وأحزاب ضعيفة لا تتجاوز قدراتها أسوار مقراتها على أن الأخطر في هذه الحالة أنها أدت إلى تفريغ الشارع السياسي المصري ، فبين معارضة غير ذات وزن وحزب وطني يمسك بكافة مقاليد الأمور فطبيعي أن يحوي هذا الأخير كافة الطامحين والطامعين في السلطة والتأمين الاجتماعي او حتى الاقتصادي دون اى انتماءات فكرية او إيديولوجية او توجهات سياسية بعينها اللهم سوي ممالئة السلطة . ويبقي التساؤل هل هناك جدوى للحديث عن الديمقراطية دون تداول للسلطة حقيقي او مزعوم إذن أين يقف التطور الديمقراطي من المشهد المصري في اللحظة الراهنة .
تراجع الهامش الديمقراطي :
شهد العام 2005 بداية مختلفة للواقع السياسي المصري، تجسدت تلك اللحظة في اقدام رئيس الجمهورية علي تعديل المادة ( 76 ) من الدستور والتي اتاحت بموجب التعديل اختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب الحر المباشر بين أكثر من مرشح بديلا عن الاستفتاء الوهمي على منصب الرئاسة واعتبرت أغلبية المعارضة أن هذا التعديل بمثابة الشرارة التي انطلقت لتدشين عقد اجتماعي جديد في مصر بين السلطة والشعب، صاحب ذلك أيضا التحسن النسبي في منظومة التشريعات ذات الصلة والعملية الانتخابية فضلا عن ازدياد حالة الحراك السياسي في الشارع المصري . وتصاعد نبره الحركات الاحتجاجية ونزولها إلي الشارع المصري بكثافة لم نشهدها منذ فتره طويلة أضف إلي ذلك اتساع هامش الحريات في المجال الإعلامي علي اختلاف أنواعه
وبعيدا عن الدوافع التي أدت بالنظام إلي تغير أدواته التقليدية في التعامل مع المعارضة علي اختلاف توجهاتها ،بات الجميع يدرك أن عهدا جديدا علي وشك أن تبدأ صفحاته وسط تفاؤل بإمكانية إحراز تقدم ملموس في اتجاه إصلاحات ديمقراطية .
نسبيا كانت دلالات انتخابات الرئاسة المصرية سبتمبر 2005 مؤشرا ايجابيا في هذا الاتجاه
علي أن اللحظة الفارقة في هذا المشهد كانت نتائج المرحلة الأولي من انتخابات مجلس الشعب نوفمبر 2005 حيث جرت الانتخابات في ظل حياد امني وإداري ملحوظ ،كانت نتيجتة المباشرة فوز جماعه الأخوان المسلمين بعدد كبير نسبيا من المقاعد في المرحلة الأولي
وهو ما أصاب النظام بحاله من التوجس – وان شئت الدقة – الرعب من الصعود المتنامي للجماعة علي هذا النحو وهو ما ينذر بتحقيقهم اغلبيه كاسحه في المرحلتين الثانية والثالثة مما يشكل تهديدا لوجود النظام نفسه وقناعته في الملكية المطلقة للسلطة في مصر.
كان فوز الأخوان هو التهديد الأخطر علي وجود النظام مما جعله يدور علي عقبيه 180 ويحنث بكل وعوده الاصلاحيه ويؤمم ذلك الهامش الديمقراطي الذي سمح به للمواطنين والجماعات السياسية
وعلي اثر ذلك شهدنا واحده من أسوأ الانتخابات في تاريخ مصر الحديث في المرحلة الثانية والثالثة من الانتخابات البرلمانية 2005 مورست فيها كل أنواع التجاوزات والقيود والقبض المنظم والعشوائي والبلطجة وراح ضحيتها 11 مواطنا سالت دمائهم علي مذبح الصراع بين الدولة والإخوان
ويبدو أن النظام في مصر أدرك مدي هشاشته وتصدع أركانه فعاد علي أدراجه سريعا لأدواته التقليدية ومصادره الحريات وتضيق الخناق علي المواطنين
وبات علي يقين بان المنظومة الامنيه وحدها الكفيلة بالحفاظ علي بقائه واستمراره ، وهو ما تجسد بصورة واضحة في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى حيث تلاشي تقريبا دور اللجنة العليا للانتخابات ،الجهة المسئولة قانونا عن اداره العملية الانتخابية لصالح التوجهات الامنيه صاحبه القدرة في إنجاز نتائج تتوافق ورغبات النظام
إن إشكاليه الصعود المتنامي لجماعه الأخوان المسلمين وهو أمر تتحمل الدولة ضريبته بالأساس كنتيجة لمنظومة القوانين والاداءات الامنيه المقيدة لعمل الأحزاب السياسية يدفع ثمنه – ألان المصريون جميعا من تراجع شديد من جانب النظام في اعتماد ممارسه ديمقراطية، قد تعصف بوجوده ذاته وتضمن وصول الأخوان إلي مقاعد السلطة في مصر
مستوي المشاركة في انتخابات الشورى 2007
يعد انخفاض نسب المشاركة الشعبية على المستوى العام أزمة كبري سياسيا و اجتماعيا و اقتصاديا. فنجد أن المشاركة في أخر انتخابات للمحليات بلغت نحو 2.4% فقط عام 2002 من جملة الناخبين المقيدين في مصر أما المشاركة في انتخابات مجلس الشعب عام 2000 ، 2005 فلم تتجاوز 24.1% ، 27,5% علي التوالي ويمكن إرجاع ذلك الارتفاع في نسب المشاركة إلي كون انتخابات مجلس الشعب تحظي باهتمام المواطنين في ظل أجواء ساخنة وكذلك صدور حكم المحكمة الدستورية القاضي بوجوب أن يكون الإشراف القضائي كاملاً في اللجان العامة والفرعية عند مباشرة حق الاقتراع.
ولكن عادت تلك النسب للتدهور مرة ثانية ففي الاستفتاء الخاص بتعديل 34 مادة من الدستور في 26 مارس 2007 سجلت تقارير منظمات المجتمع المدني تدنى نسب المشاركة والتي لم تتعدى 4% في أحسن حالاتها . ووصلت في بعض المدن إلى 1% فعلى سبيل المثال لم تتعد نسبة المشاركة في محافظة شمال سيناء وجنوب سيناء 2% وارتفعت في بعض المناطق الريفية إلى 4% على الرغم من عمليات التصويت الجماعي .
مستوي الإقبال علي التصويت (السلبية هي الحل)
من المعتاد اتهام المواطنين في مصر بالسلبية والتخاذل في إطار التصدي لقضايا المجتمع . رغم أن هذه المعضلة والإشكالية تتعلق أساسا بأن ثقة المواطنين في القدرة على المشاركة الحرة في الانتخابات دون التعرض لتزوير الإرادة بصورة مباشرة أو غير مباشرة ليست موجودة بالقدر الكافي، وذلك استنادا إلى خبرات أليمة سابقة في أغلب الانتخابات والتي مورست فيها عمليات تزوير فاضحة، وأساليب أمنية حالت دون قدرة المواطنين على مجرد الدخول إلى مقرات التصويت. الأمر الذي شكل لدى غالبية المواطنين أساسا صالحا للنزوع نحو عدم المشاركة بوجه عام، وبما يهدد إفشال أي ممارسة ديمقراطية قادمة فلنا أن نتخيل ممثلين بارعين ومسرح مجهز علي اعلي مستوي بلا مشاهدين كيف ننظر ألي هذا العرض؟؟ .
فأي ضمانات قانونية وعملية يملكها المواطن المصري تحقق درجة من الشفافية والنزاهة. تجعله يشارك
فقد جاء نص الدستور المصري في المادة 62 أن (للمواطن حق الانتخاب وإبداء الرأي في الاستفتاء وفقا لأحكام القانون ، ومساهمته في الحياة العامة واجب وطني …….) وبذلك يكون الدستور منح الحق للمواطنين بل وأعتبره واجبا قوميا ولكن هذا النص ليس كافيا لرفع مستويات المشاركة الفاعلة ويجب أن يرتبط هذا الحق بضمانات عملية تتعلق بطبيعة الإشراف القضائي على العملية الانتخابية، ومدى شمول هذا الإشراف كل مراحلها، أما الشق الثاني يتعلق برقابة منظمات المجتمع المدني التي سوف يُسمح بها بمراقبه الانتخابات.
فماذا حدث لتلك الضمانات العملية في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى يونيو 2007 فقد رصد مراقبو المركز المصري للتنمية والدراسات الديمقراطية والجمعية المصرية لدعم التطور الديمقراطي طوال يوم الانتخابات نسب مشاركة المواطنين في الانتخابات تراوحت مابين 3% ، 5% من جمله من لهم حق التصويت وساعد في ارتفاع تلك النسبة حالات التقفيل والتصويت الجماعي والتسويد التي أطلت بوجهها القبيح بأسوأ أشكالها وصورها من جديد و ليس هناك مفاجأة حقيقية في ذلك فالمواطن المصري يدخل هذه الانتخابات بعد التعديلات الدستورية الأخيرة وهو محروم من المظلة القضائية بعد تعديل المادة 88 من الدستور وبالتالي لا توجد رقابة حقيقة تحول دون توغل السلطة التنفيذية وضمان حيدتها . خاصة والحال في مصر ألان هل نعيش عصر حزب الحكومة أم حكومة الحزب ؟
وزاد الطين بله المنع شبه الكامل لمراقبي منظمات المجتمع المدني من أعمال الرقابة علي الانتخابات بل واحتجازهم وسحب البطاقات الصادرة من اللجنة العليا للانتخابات والتي تم تشكيليها توافقا مع التعديلات الدستورية الأخيرة في مارس الماضي . تحت دعاوى أنها بطاقات مزورة (اتصلنا بمدام انتصار وقالت لنا إن البطاقات دي مزورة -مين مدام انتصار نسيم دي) والطريف إن في مقابل عزوف الناخبين عن المشاركة بالتصويت شهدت الانتخابات إقبالا شديدا وكثيفا من الأجهزة الأمنية علي مختلف مشاربها .ومن المقرر أنْ تُجري جولة الإعادة لهذه الانتخابات يوم الاثنين القادم 18 يونيو الحالي.
فهل يمكن أن ننتظر الأفضل؟؟
المر أه والأقباط في مصر غياب مفهوم المواطنة
جاءت التعديلات الدستورية الاخيره (34ماده ) ورغم اعتراض البعض ورفضه لها علي خلفيه المادتين الأشهر (88/ 179 في محاوله لتحديد مفهوم ألمواطنه وتجاوز اطر سياسيه عفا عليها الزمن، غير أن الدولة تناست -عمدا- أن المواطنه سلوك اجتماعي / ثقافي يستلزم بالضرورة تجديد بنية المجتمع الثقافية واعتماد مفاهيم التربية المدنية وتجاوز مفاهيم البداوة والعصبية القبلية والأعراف الباليه لا مجرد النص عليها في مواد دستوريه لا تلقي أي دعم رسمي او اهلى لتفعيلها ووضعها علي خريطة المجتمع المصري ،فرغم التعديل الذي طال نص المادة 62 من الدستور بالنص على إمكانية تخصيص مقاعد للمراءة في المجالس المنتخبة دعما لمشاركتها السياسية قبل ذلك تأكيد رئيس الجمهورية في برنامجة الانتخابي في انتخابات الرئاسية سبتمبر 2005 دعم المشاركة السياسية للمراءة لم يقدم الحزب الوطني في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى سوى مرشحة واحدة وعدد مستقلين من السيدات بلغ عدد 10 مرشحات فقط وهو ما يعد تواصلا في إحجام مشاركة المراءة عن العمل السياسي المصري وهو ما يتسق ونسبة تمثيل المراءة في المجالس المصرية المنتخبة ليس أدل على ذلك سوى حصولها على عدد 4 مقاعد فقط في الانتخابات البرلمانية نوفمبر 2005 بنسبة تقارب 1% ، ومن يتتبع مشاركة المراءة في الحياة السياسية المصرية منذ حصولها على حقوقها السياسية بموجب دستور 56 وحتى ألان يصاب بخيبة أمل شديدة ، حيث تعكس هذه الأرقام ضعف الوجود السياسي للمراءة وتؤكد على أن المناخ العام في مصر يحتاج إلى تغير الكثير من المفاهيم والسلوكيات وتدشين ثقافة مدنية حديثة لا مجرد نص مجرد في كتاب يسمى الدستور فلابد من إجراء مناقشات جادة من كافة الأطراف الفاعلة في المجتمع في إطار العمل على تطوير المناخ الانتخابي برمته بعيد عن العصبية والقبلية بما يسمح بإجراء انتخابات تجرى وفقا لآليات مدنية يمكن من خلالها أن تتمكن المراءة من المشاركة والإسهام في الشأن العام .
وهو نفس ما ينطبق على الأقباط في مصر فترشح 7 أقباط فقط في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى بما لا يتناسب والوجود القبطي التعدادي في مصر يكشف مدى عجز منظومة الانتخابات عن اعتماد مفاهيم الكفاءة والموضوعية فضلا عن إحجام الأقباط أنفسهم عن محاولة الدخول بقوة إلى معترك بعيد عن الانتماءات التقليدية (الدينية – القبلية ) فعلى اثر خلفية هذا المشهد لم ينجح للأقباط في الانتخابات البرلمانية الأخيرة 2005 سوى مرشح واحد بنسبة 22.% ، يشغل منصب وزير المالية .
على إن تمكين الأقباط في مصر يرتبط ارتباطا وثيقا بترسيخ مفهوم المواطنة الذي يبدو انه مازال غائبا عن مجريات الحياة السياسية المصرية رغم التأكيد علية دستوريا .
إن تراجع قيم الديمقراطية وتقليص مساحات الحريات في المجتمع وتغليب اعتبارات العصبية والقبلية و الثقة على اعتبارات الكفاءة وتدشين المفهوم الجمعي على حساب المبادرات الفردية واعتماد النسق والرؤى الشمولية كأساس للحكم في الدولة ساهم إلى حد كبير في تقليص دور المراءة والأقباط في المجتمع .