5/2/2006
حين قررنا التوجه إلى قرية العديسات بحثا عن حقيقة ما حدث، كان ذلك في يوم الأحد 29/1/2006. لم نكن نملك الكثير من المعلومات عما حدث..وكيف حدث؟..ولماذا حدث؟ فالتغطية الإعلامية كانت محدودة إلي درجة توحي بأن الأحداث لا ترقي لمستوى الاهتمام والهم الوطني.. سافرنا نبحث عن تفاصيل الأحداث وعن الأيدي المنفذة لها وفي ذاكرتنا أحداث قرية الكشح التي تمت علي مرحلتين وكانت أصابع الاتهام تشير إلي تواطؤ أجهزة الأمن بمستوى غير مسبوق أضيف له فيما بعد تواطؤ النيابة وشل يد العدالة.
ذهبنا إذن وفي ذهننا عشرات من علامات الاستفهام حول أحداث كنيسة العذراء بقرية العديسات- الأقصر- ومخاوف من تكرار خبرة الكشح، لكننا فوجئنا بأن الأمر تجاوز الكنيسة لعقاب جماعي للمسيحيين شمل غلتهم ومزروعاتهم وبهائمهم ووصل لبيوتهم وتهديد بناتهم ونسائهم.. مع مؤشرات قوية تدل على أن دور الأمن كان أكبر من التواطؤ بكثير إلي حد وجود شبهات قوية حول كونهم طرف مباشر في الأحداث، سواء من حيث المساهمة في ترويع أقباط القرية، أو من حيث إعطاء الضوء الأخضر للعديسي لجمع وأعوانه من القرية والقرى المجاورة لشن الهجوم، وأخيرا التقاعس في تفريق المهاجمين وإطفاء الحرائق لأربع ساعات متصلة!!
واليكم تفاصيل رحلتنا خطوة بخطوة..
في كنيسة العذراء بالعديسات
علي مدخل القرية وعلي يسار الطريق تصطف ست عربات من عربات الأمن المركزى..تجاهلناها وتوجهنا إلي الكنيسة مباشرة متجاهلين أيضا جنود الشرطة الجالسين ثنائيات علي كل طرف من أطراف الكنيسة..
الكنيسة من الخارج عبارة عن سور طيني عليه لافتة خشبية مثبتة يعلوها صليب مرسوم عليه صورة المسيبح عليه السلام وهو يصلب، ومكتوب على اللافتة أن الكنيسة تأسست عام 1971، 1687 ش (تقويم الشهداء). كان قد سبق هدم الكنيسة في عام 1986 ومتهم في ذلك علي العديسي عضو مجلس الشورى السابق. ثم أعيد بناءها في عام 1971.
لون الجدار الجانبي للكنيسة تحول في معظمه إلى اللون الأسود.. المنطقة المجاورة خارج السور بها عشرات من أشجار النخيل تحولت جذوعها إلي الأسود هي الأخرى وبعضها تفحم لدرجة تآكل أجزاء كبيرة من الجذوع.. بعض المرافقين يرددون: أرأيتم كيف التصقت النار بالجدار والنخيل ولم تصل لداخل الكنيسة. هذه حماية الله لقد حمى الله الكنيسة..لم تكن هناك أدوات مقاومة لا للبشر ولا للنيران ولكن الله هو الحامي..
دخلنا الكنيسة التي شهدت الأحداث الدامية.. يوجد فناء صغير محاط بسور من الطين اللبن تهدمت أجزاء منه من الجهة الخلفية وعلي يمين المدخل حجرة بباب خشبي تؤدي لحجرة الصلاة بها صفوف من الدكك الكنسية التقليدية وفي المواجهة مكان المذبح.. علي الحوائط عدد من الصور القبطية.. لم تكن القاعة خاوية رغم تلك المأساة حيث وجدنا بها بضع عشرات من الرجال من مختلف الأعمار إضافة لاثنين من القساوسة..
جلسنا نستمع إلي شهود الواقعة ونسجل أقوالهم.. إلي أن طلب منهم مغادرة الكنيسة خوفا عليهم من الأمن حيث وصل عدد من الضباط الي الكنيسة..
الأمن كان جاي يمنع الصلاة
يقول رئيس دير القديسين الأب صرابامون الشايب:
كل يوم بالليل كنا ندخل الكنيسة نصلي زي الحرامية وفي اليوم ده كان فيه شرطة في البلد (الأربعاء) وبعد ساعة جه العقيد قاسم حسين وقال خلاص انتو هتصلوا أول قداس. هتصلوه يوم السبت، يعني أول قداس علني. كان لازم الكنيسة تتهدد في اليوم ده (الخميس) قبل ما ييجي القرار الجمهوري. بتوع أمن الدولة قالوا نقدر نحميها لو فيه قرار جمهوري. الزحف على القرية كان من برة. المشكلة مع عضو مجلس الشورى على العديسي وعضو مجلس الشعب السابق ممدوح.
الأمن لا يريد أن يغير السيناريو. هي دي نهاية كل حادثة. يجيب شويه من هنا وشويه من هنا. خلاص اصطلحنا. ديكور إعلامي يعني. إحنا المسيحيين ليس لنا مشكلة مع المسلمين. فيه مسلمين أخطرونا ان بعد صلاة الجمعه هتبقى فيه مذبحة تانية. القرية لها مدخل رئيسي واحد وكان يمكن مراقبتها. لكن البوليس قصر في دوره. لما جه مدير الأمن كلمته بكل أدب. هو سقط في المحظور. قال: احنا مش مسئولين عن حمايتك أو حماية الكنيسة.
احنا مسئولين نمنع الصلاة. قلت له يا معالي الباشا: الفتنة قد حدثت، وأنت أعطيت الإشارة. أمن الدولة اختارت لستة بعناية من الشخصيات القبطية، اتنين منهم درجة أولى وواحد راجل أعمال وواحد موظف وواحد مريض بالسرطان والنيابة أصدرت فعلا أمر بالقبض عليهم ولكن بعد سبع أيام. كانت فين النيابة قبل كده؟ يعني عشان تبان المشكلة فيها توازن بين المسلمين والمسيحيين، لكن المشكلة في الحقيقة اسمها البلطجية والأمن من ناحية والأقباط من ناحية أخرى في سياسة التوازنات المعتادة.
دي مش مشكلة دينية، دي مشكلة ثقافية، المدرسة الحقيقية للإرهاب هي أمن الدولة، المشكلة الحقيقية هي عدم قبول الآخر.. ملفات الكنائس والعبادة والمثقفين والمفكرين.. لابد أن تسحب من أمن الدولة..
بلاش الحد أو الجمعه.. صلوا في وسط الأسبوع!!!!
أحد القساوسة يقول:
العديسات فيها حوالي 250 أسرة مسيحية أرثوذكس.. من شرق النيل من الأقصر الى اسنا حوالي 60 كم فيهم 175 قرية وحوالي 2000 أسرة مسيحية، يعني ييجي عشر آلاف نفر لا يوجد أي مكان يصلوا فيه غير دير القديسين وهذه الكنيسة.
اللي أعرفه ان فيه اتنين استشهدوا، واحد كبير في العمر عنده 45 سنة، انفتحت راسه وطفل عشر سنوات مات بصدمة عصبية.. الطب الشرعي بيقول ان حصل اصطدام بجسم راض صلب وطبعا الجرح في منتصف الرأس لا يمكن أن يحدث غير من آلة قاطعة، زي فاس مثلا.. الهجوم كان جاي من ناحية القصب والمزروعات.. اللي شافوا الحادثة بيقولوا الجمهرة كانت من 700 إلي 1000 شخص، وكانوا ماسكين مشاعل وبتاع المطافي كان بيرش الميه على الكنيسة وهي ما عليهاش نار، وسايب البيوت تتحرق.. الكنيسة اتحمت لأن الهوا كان معاكس والنار كانت في النخل.
الكنيسة دي احنا بنصلي فيها من بدري. جميع البيوت اللي حوالين الكنيسة كلهم أقباط. كأننا في بلدين منفصلين تماما. الأرثوذكس هنا والمناطق المجاورة دول حوالي 8 آلاف، كلهم بيصلوا هنا.. الكنيسة الإنجيلية اللي هنا ما بتتفتحش أصلا، ونادرا ما يحدث فيها صلاة.
الكنيسة اتهدت سنة 1970. برضه طلع الناس بعد صلاة الجمعة هددوها، وقالوا أبو العديسي هو اللي هدها. بعدها اتبنى المكان تاني، كان دايما فيها صلاة، أحيانا كان بيبقى الصبح بدري. يوم الثلاثاء قبل الحادثة كان فيها صلاة، وكنا مبلغين أمن الدولة. مدير الأمن، اسمه محمد نور، حب يشوف الكنيسة. جه يوم الأربع صباحا وكان موجود رئيس دير القديسين. مدير الأمن سأل عن مكان المدبح.. المدبح ده مكان ما بيدخلوش غير الكاهن أو الشماس. ومع ذلك دخلناه.
مدير الأمن بعد ما شاف المدبح قال: لأ، دي مضيفة، مش كنيسة. وقال لأبونا: ما تصلوش فيه. انتم هتعملوا فتنة في البلد. الكلام راح وجه. قال انا مش جاي أحرسكم ولا أحرس الكنيسة. أنا جاي أمنع الصلاة. ابونا قال له: لما انت تقول كده، الناس الموجودة هنا دي هيعملوا فينا ايه؟
حصلت اتصالات مع قداسة الباب ورئاسة الجمهورية واتصلوا بينا بيتوع أمن الدولة، الأستاذ قاسم بيه، وقال مبروك. خلاص. ما تصلوش في السر. صلوا في الكنيسة، وبلاش الجمعه والأحد. خلوا الصلاة في وسط الأسبوع.
يوم الأربع الصبح مشي الأمن وفضل عدد بسيط منهم. ما صليناش يوم الأربع في الكنيسة وصلينا في الدير. يوم الخميس بالليل حوالي الساعة 7 أو 8، فجأة النور انطفا وجه مئات الأشخاص.. كان فيه هتافات ورموا حاجات وولعوا النار حوالين الكنيسة وفي البيوت. كل الشهود قالوا كان فيه بنزين أو جاز.
الأمن للأسف كان بيمنع الناس يطفوا النار. فين لغاية الساعة 12 بالليل على ما جت عربيات الأمن المركزي، وكان فيه ناس اتعورت.
يوم الجمعة الفجر، اتوفى الأخ كمال شاكر وفي المساء اتوفى الطفل جرجس والجنازة طلعت السبت الصبح.
الجنازة حضرها الأنبا هيدرا وكان فيه حوالي 45 كاهن والعدد كان حوالي خمسة آلاف وكان فيه قوات أمن كثيفة جدا. البلد كان فيها ذعر. مش بس كان فيه نار، كان فيه خبط على أبواب البيوت. بيقولوا للستات افتحوا لنا. بعض أبواب البيوت اتكسرت. بس المقصد الأساسي كان هدم الكنيسة وبعدين الموضوع وسع منهم. كان فيه شوم وفاس وحديد، وكان فيه ناس كتير من أكتر من مكان.
فيه أخوة مسلمين من جوه العديسات رفضوا الاشتراك في هذا الأمر وفيه ناس من جوه العديسات واشتركوا مع الناس اللي من بره في الحرق. بعد الأحداث اتضح انه تم حرق 15 فدان حول العديسات كلها مملوكة للمسيحيين ومزروعة قصب وفي وسطها ملكيتين بس للمسلمين.
المسلمين بيقولوا لازم الكنيسة تنهد.. وإن المسيحيين لازم يهدوها بايديهم، وفيه ه منشورات تهديد فيها هذا الكلام، مدينا مهلة لحد آخر الشهر (مرفق نص المنشور).
بعد ذلك تتابعت الشهادات من الموجودين في الكنيسة قبل أن يتركونا خوفا من قوات الأمن التي بدأت تتوافد عليها: الكثيرون أكدوا على أن المخطط كان جاهزا ومعروفا قبل أن يحدث وأنه ليس مجرد ردود فعل عشوائية أطلقها أحد المغرضين لحظة وقوعها..فقد أفاد أحد الشهود أن تحذيرا وصله من جار مسلم بأن “لا تفتح دكانك غدا وأبلغ جيرانك ألا يفتحوا محالهم خاصة محلات الذهب”
وأكد كل من قابلناه من الرجال داخل الكنيسة وبعد ذلك من النساء والأطفال والرجال خارجها أنه قبل الأحداث سأل رجال الأمن عن مصدر للمياه لخراطيم المطافئ..
وفي الساعة الثامنة مساء تقريبا تم قطع خطوط الكهرباء والتليفونات عن المنطقة التي يسكن بها المسيحيين.. وبعدها بدقائق بدأ الهجوم من منطقة المسلمين بالقرية إضافة للمسلمين من النجوع المجاورة..أربعة عشر نجعا..التقوا جميعا في ذات التوقيت..وفي وجود وحماية الأمن..كانوا يحملون بأيديهم الفئوس والعصي ومناجل قطع القصب وشعلات النيران وزجاجات البنزين ..واتجهوا للكنيسة لهدمها.. من الواضح أن الهجوم كان من ناحية الزراعة لأن شارع النصاري والمؤدي الى المدخل الرئيسي للكنيسة لا توجد به أي آثار حريق أو هدم، وهو ما أكدته شهادة الشهود..
وفي الطريق أوسعوا من وجدوه ضربا بأسلحتهم حتى سقط العشرات مدرجين في دمائهم وشجت راس كمال بضربة فأس خرج علي أثرها المخ من جمجمته.. توجهت النيران للكنيسة والمنطقة المحيطة بها دافع عنها عدد محدود من الشباب الذي صعد إلي السطح ومعه الطوب ليفرق به المهاجمين الساعين لهد بيت من بيوت الله.. توجهت جموع المهاجمين إلي بيوت القرية تطرق أبوابها تكسرها تنادى على نساءها بالخروج إليهم كسروا الأبواب والشبابيك..حرقو النخيل والقصب والبهائم..كل ذلك في وجود قوات الشرطة التي أعطتهم الوقت الكافي لاستكمال مهمتهم..أربع ساعات مضت والشرطة تشاهد هذا الفيلم الدامي..حرائق وهدم وجرحى وقتلي وأرض القرية تشرب من دماء أبنائها الذين يروونها بعرقهم لتنبت خيرا لأهل مصر..
تلك كانت كلماتهم لنا:
- يوم التلات الصبح تمت الصلاة ورأسها ابونا صرابامون ويوم الأربع اتصلوا وقالوا مدير الأمن عاوز يشوف الكنيسة وبعد تفقد الموقع مدير الأمن قال دي مش كنيسة، دي مضيفة وقال لا تصلوا فيها. حصلت اتصالات مع قداسة البابا واتصلوا برياسة الجمهورية وأمن الدولة، بعتت جاسم بيه وقال مبروك صلوا في الكنيسة بس بلاش يوم الجمعه والأحد وخلوا الصلاة في وسط الأسبوع. وكان يوم الأربع الصبح لواءات وعقدة وكأنهم هيحاربوا داخلين اسرائيل. بعد كده مشيوا وفضلوا قوات بسيطة، وكان الأمن بيمنع الناس انها تطفي الحرايق.
وبعد حوالي 4 ساعات بعت الأمن قوات الأمن المركزي. يوم الجمعه اتوفى كمال شاكر. الجنازة كانت يوم السبت الصبح. والجمعه بالليل اتوفى الطفل الصغير…..
- حوالي الساعة 7 أو 8 انقطع النور، المحول اتفصل من عند العامل بتاع المحول.. الناس شافوه. المسئول عن المحول ومعاه الفراش، هم الاتنين كانوا متواجدين قبل الهتاف “لا إله إلا الله، الجهاد في سبيل الله”.. مجرد ما انقطع النور ابتدا الهجوم واستمر لحد الساعة 11، وبعد الساعة 11 انصرفت الجموع واختفوا تماما.. ليه الساعة 11 بالذات؟ليه مشيوا مع بعض زى ما هاجموا مع بعض.
- قفلوا مداخل البلد بالنخل.. مين اللي نقل النخل غير جرارات العديسي لأن جراراته من النوع الأزرق.. احنا الجرارات اللي عندنا من النوع الكبير والحديث (روماني).. المهاجمين هجموا من ناحية ممدوح حسن سعد، عضو المجلس السابق والديوان كان يوميا بيبقى مجتمع فيه ناس.
- كان فيه خبيط على البيوت وكانوا بيقولوا اطلعوا لنا.. لولا ستر ربنا كان ستات كتير انفضحت.. كانوا بيهتفوا “الله أكبر.لا إله إلا الله” “الكنيسة أتحرقت الأسيس مات يا محمد فرق الشربات”
- احنا خايفين نودي البنات المدارس.. البنت راحت قالوا لها الكنيسة انهدت والقسيس مات.
- احنا خايفين ييجي يوم 30 ويدبحونا.
- فيه قايمة مختارة بعناية من سبع افراد مطلوبين من النيابة وده طبعا من أجل الموازنات عشان تبان المشكلة خناقة بين المسلمين والمسيحيين. خدنا من هنا 22 ومن هناك 7 وبعدين التوازنات دي طول عمرها معروفة.
- الشرطة اللي كانت موجودة في المكان تصلح لحرب على الجبهة.
- الأمن منع المصابين يخرجوا من البيوت. لما كان بيمسكوا واحد من اللي بيحرقوا كانوا بيتركوه على أول البلد. أنا شفت واحد حصل معاه كده ورجع من الناحية الثانية.
- إحنا ما فيش بينا وبين المسلمين مشاكل وعمرنا ماقلنا لجيرانا من المسلمين صلوا في المسجد ده وبلاش المسجد ده.. ولا اتدخلنا في مواعيد الصلاة..همه ليه بيتدخلوا في أماكن الصلاة بتاعتنا ومواعيدها.. هو مش من حقنا نصلي زي ما همه بيصلوا؟
خرجنا من الكنيسة وتابعنا السير في القرية المحروقة. بيت مهدوم منه دور والآخر مهدوم منه دورين وثالث مهدوم تماما. البيوت المجاورة طالتها النيران.. أبواب مسكورة.. النخيل محروق والأرض لونها أسود من أثر الحريق. وعلى الطريق كان كل من يقابلنا يحكي لنا ما أصابه في ذلك اليوم.
- سيدة: كنت في البيت ساعة الحريقة.. اترعبت.. خبيت عيالي فوق السطوح.
- سيدة: أنا خبيت عيالي في عشة الفراخ.
- رجل: فيه واحد شاف العامل ومعاه فراش. كانوا موجودين قبل الهتاف.. كانوا بيفصلوا محول الكهرباء.. كمان التليفونات اتقطعت.
- شمروخ (حسن علي حسن) ضرب ناس كتير، ضرب واحدة ست، مرات حفظي، بسيخ حديد
- على العديسي ما علقش على الحادث، ما جاش، رغم انه جالنا أيام الانتخابات عشان ننتخبه، الموقف السلبي ده، دليل إدانة عليه.
- ابن عمي شاف عربيته تحت الشباك بتتكسر، كان بس واقف بيبص عليها.. الراجل اللي بيكسرها قال له: نام مكانك لأدبحك.
- بيت ميلاد سيفين اتدمر في الأحداث وحاولنا نحط الأساس ونعيد البناء، منعونا من البناء، وجه مسئولين من الزراعة والشرطة وشالوا عداد الميه والكهربا. الراجل ده حاليا عايش عند جيرانه ومراته في حتة وأولاده في حتة. الخفرا هم اللي عملوا الفتنة، كانوا حراس على الكنيسة وهم اللي بيودوا الأخبار.
مع أسر الشهداء
جرجس أسعد مات من الخوف
منزل ريفي فقير علي ضلع الزاوية القائمة للكنيسة.. قابلنا أمه متشحة بالسواد لا تنطق بكلمة.. الذهول يحيط بها وتتشرب منه ملامحها ونظراتها..
حكت جدته: بيتنا زى ما انتوا شايفيين جنب الكنيسة علي طول.. الولد شاف النار تحيط بالكنيسة وبالبيت ما نمش ليلتها.. كل ما ينام يقوم من النوم مخلوع ويصرخ النار الحريقة.. تانى يوم كان علي ده الحال لحد ما طب ساكت من الخلعة اللي جته..
تقول أخته: أخويا مات من الخلعة (الفزع). كان معانا، وكان بيرمح وسطينا.. الحرايق استمرت أربع ساعات وفيه منها قعد لحد الصبح، شفناها تاني يوم.. كانت لسه مولعة.. البهايم أكلتها النار.. أخويا حاول ينام ماعرفش. بيقولوا مات من الصدمة العصبية.. أمه لسه مش مصدقة انه مات.. ده عيل لسه في سنه رابعة ابتدائي عمل إيه ده؟..ذنبه إيه؟..هو ربنا يرضي بكده؟..
لحق بنا ابوه. مازالت علي جبهته علامة الإصابة التي لحقت به..سألناه: سلامتك أنت انضربت في راسك؟ قال: أيوه راسي انفتحت وما عرفتش أروح المستشفي غير تالت يوم لما الدكتور شافنى ولقى وشي كله وارم وعنيه مقفولة من الورم قال لازم تروح المستشفي..رحت خيطولى الجرح بدون بنج وقالوا خلاص امشي..أمشى ازاي؟ مفيش علاج؟ مفيش تقرير طبي؟..قالوا لأ خلاص خيطنالك الجرح.. روح وهو حيتحسن بعد كام يوم!!
قدمنا له التعازي فقال: ابني فداء الكنيسة نموت وما تتهدش دي بيت الله وجرجس مع الشهداء..
بيتي اتخرب ..ضيعونا منهم لله
تركنا أبو جرجس وطلبنا زيارة أسرة كمال… وفي الطريق دخلنا عدد من البيوت لنري آثار النيران والدمار الذي لحق بأهل القرية من المسيحيين..فهنا قطع خشب متفحمة.. وهناك دريس البهائم المحترق.. وهذا باب منزل تكسر بأيدي الغزاة وأسلحتهم..وهناك أشجار ونخيل لا زالت أثار الحريق واضحة علي جذوعها وأوراقها..
دخلنا بيت كمال الشهيد الثاني في معركة كنيسة العذراء.. قابلتنا زوجته وبناته الثلاث أمل وأمانى وتريزا. أمل وأماني انتهيتا من الدراسة المتوسطة وتريزا لازالت تدرس بالمرحلة الإعدادية..علمنا بوجود أخ لهن في المرحلة الثانوية..لم يدخل للبيت منذ وفاة أبيه..يهيم علي وجهه غير مصدق..يبات عند اصدقائه او في الدير لا أحد يعلم على وجه التأكيد.. المؤكد الوحيد أنه لا يستطيع دخول البيت والنظر في عيني أمه بعد ما حدث لأبيه.. الأم بلغ بها الحزن مبلغه والخوف مداه فكيف ستربي البنات الثلاث ولم يكن لهم دخل غير ناتج زراعة الأرض.. “خربوا بيتي ..بيتي أتخرب ..ضيعونا منهم لله”
البنات تخشي الخروج من باب الدار خوفا من تربص المسلمين وخاصة وقد تم توزيع منشور بالقرية يطلب من المسيحيين هدم الكنيسة بأنفسهم ان أرادوا السلامة وإلا سيذبحونهم جميعا.. هذا ما أكدته البنتان الأكبر..”المنشور حدد 30 يناير موعد أقصى لهدم الكنيسة وبكره هو اليوم المحدد ..لا يمكن نهدم بيت الله بأيدينا ومش عارفين نعمل ايه؟.نروح فين؟..مين المسئول عن حمايتنا وحماية الكنيسة”….
تريزا الصغيرة رأت أبيها ورأسه مفتوح والمخ يخرج من جمجمته.. لم تعرف وقتها أن هذا الملقى على الأرض هو أبوها فقد كانت الدماء تخفي ملامحه.. عرفت بعد ذلك من عمها إن هذا الإنسان هو أبوها.. خانتنا حصيلتنا من الكلام لم يرد أحد منا علي تريزة.. الموقف أصعب كثيرا من كلمات المواساة والاعتذار.. ماذا يفيد طفلة مثلها رأت ما رأت وإذا بها تعرف بعد حين أنه أبيها..
تقول واحدة من البنات:
كنا في البيت.. كنا فرحانين بالكنيسة.. ابويا جاي يتعشى الساعة 6، وبعدين نزل يزور ابن خاله على ما تحضر العشاء.. وكنا منتظرينه. وحوالي الساعة 7.30 قطعوا النور.. كنا بندور على كبريت عشان نولع الشمع ما لقيناش. بأفتح الشباك سمعت هتافات في الشارع ولقيت جمهور ناس ماسكة نار رافعينها وبيرموها على الكنيسة والبيوت..
الهتافات كانت بتقول “لا إلاه إلا الله.. الجهاد التام في سبيل الله”، وكان فيه ناس بتهتف: “يا محمد فرق الشربات، الكنيسة اتهدت والقسيس مات”. كل الشباب عرف ان فيه شىء وفعلا ابتدى الهجوم ..
قاوا لي ان ابويا كان راجع ضربوه وانفتحت راسه ووقع على الأرض.. عمي شافه وداسوا عليه وفيه ناس جت تشيله قالوا لهم: سيبوه، ده مسيحي.
كانوا عاوزين يكسروا الباب ونزلت وقفت وراه.. الأمن كان واقف والناس طلبت الحماية، قالوا لهم ما عندناش اوامر بحمايتكم.. عندنا أوامر بحماية الكنيسة.. أربع ساعات النار شغالة، تهد جبل، كان معاهم سيوف وفوس وعرفنا ان فيه واحد قطع خرطوم المطافي، وناس شافوه، وسلموا السكينة للنقطة.. كان العدد حوالي ألف، وكانت مساحة كبيرة مليانة ناس.
إحنا مش بننام خالص.. احنا مهددين بالقتل.. وزعوا ورق فيه تهديدات بالقتل يا إما الكنيسة تنهد.
المنشور الذي تم توزيعه بالقرية
الى من يهمهم الأمر وعلى رأسهم ممدوح فيليب،
إن كنت ترغب في سلامة الأخوة المسيحيين في قرية العديسات بحري فافعل ما يطلب منك، هدم المكان المتنازع عليه سواء كان كنيسة أو مضيفة. لا نقاش أو جدال في شئون الأخوة المسيحيين في قرية العديسات بحري لأنهم منذ نشأتهم أخوة متحابين ومتحدين في السراء والضراء. هيا بنا نعود بالتاريخ الى الوراء ونتذكر هل حدث بين المسلمين والمسيحيين أي تشاجر أو نزاع أو خلاف فيما يخص الدين منذ 1971 ميلادية وحتى الآن. ولكن ما أدخلتهم فيه كان عليهم وليس من أجلهم ولك حق الاختيار فيما ينصب عليهم. إن الهدم سوف يكون.. وهذا في تاريخ أقصاه 30/1/2006.
وأخيرا فإن للجمعية المصرية لمناهضة التعذيب تعليق على تلك الأحداث
لم تكن المرة الأولى وللأسف يبدو أنها لن تكون المرة الأخيرة التي تشتعل فيها نيران الفتنة الطائفية في مصر تحت سمع وبصر قوات الأمن بل وبتحريض وتواطؤ منهم.. ..فها هو مدير الأمن ينذر القس بأنه أتى ليس لحماية الكنيسة ولكن لمنع الصلاة لتصل الرسالة للمخططين للأحداث وتعطيهم الضوء الأخضر في الهجوم..ها هم يبحثون عن مصدر للمياه لسيارة المطافئ قبل اندلاع الحرائق وكأنهم يعلمون أن غزوا وحرائق ستحدث.. وها هم يتركون الغزاة يضربون ويقتلون ويحرقون لأربع ساعات دون تدخل..وعندما تبدأ المطافئ في التحرك تسلط خراطيم المياه علي حوائط الكنيسة وليس علي النيران المحيطة بها؟ وها هم يمنعون الجرحى من الانتقال للأقصر للعلاج ويمنعون مواطنا من بناء بيته المتهدم ولم شمل أسرته من جديد… هؤلاء جميعهم لا زالوا أحرارا ولا نعلم لحساب من يعملون أو لماذا اقترفوا ما اقترفوه من جرائم..
لكن ما نعلمه هو أن هناك مجموعة من المسيحيين مطلوبون للتحقيق أمام النيابة ونخشى أن يتحول الأمر مرة أخرى إلى خلاف بين أفراد وينتهي الأمر بتبادل القبلات ما بين القساوسة والشيوخ فيضيع دم من قتلوا ومرة أخرى يغلق الملف. لذلك فإننا نطالب بتعيين قاضي تحقيق محايد يقوم بالتحقيق في أحداث العديسات وذلك مع جميع الأطراف التي خططت لهذا الهجوم و/أو ساهمت فيه سواء بالتواطؤ أو حماية المعتدين أو تجنيدهم أو حشدهم ليقوموا بتلك الجرائم والذين تقاعسوا عن حماية مواطنين مصريين
وكذلك التحقيق مع هؤلاء المحشودين من القرية نفسها ومن القرى الأخرى مدفوعين إما بالخوف من البوليس أو بالعنصرية ضد الأقباط فلم يتركوا أخضرا ولا يابس ولا ميزوا بين حرمة بيت أو دار عبادة ولم ينج منهم لا كبار ولا صغار، ونخص بالذكر تلك الرتب الأمنية التي تدخلت مرة لمنع الصلاة ومرة لتنظيمها تبعا للدواعي الأمنية وليس تبعا لقواعد الأقباط في تنظيم صلاتهم
وأخيرا وليس آخرا لابد من توحيد قانون دور العبادة.. فلا يعقل في ظل دستور ينص على المساواة بين المواطنين أن يملك المسلمون حق الصلاة في أي مكان، عام أو خاص، في الزاوية أو المسجد أو الشارع ، على حين يمنع الأقباط من نفس الحق، وكأننا نعيش في زمن محاكم التفتيش حيث يضطر الأقباط إلى ممارسة طقوس عبادتهم في السر وإلا تعرضوا للقتل والحرق.
قانون موحد ومساواة في الحقوق وعلى رأسها حق الاعتقاد والتعبير، وإلا فسوف تبقى النار تحت الرماد، يشعلها المسلمون المتعصبون مرة وقوات الداخلية مرات وليسقط المزيد من الضحايا بلا ذنب سوى عنصرية يغذيها القمع والجهل ومصالح من يعيشون على اشتعال الفرقة بين المواطنين.. قانون موحد ومساواة في الحقوق وإلا سوف يأتي يوم لن ينفع فيه تبادل القبلات.