12/1/2005
جاء توقيع اتفاق السلام بين حكومة الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان ليؤكد أن السلام في السودان ممكن ولكن يجب أن يشمل كافة مناطق السودان التي عانت من التهميش والتجاهل طوال السنوات الماضية، فلاتزال دارفور تعيش في حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي ويقطن غالبية سكانها مخيمات اللاجيئن، وأيضا منطقة شرق السودان لاتزال بعيدة عن الاستقرار وتنتظر بدورها الحل الذي يمكن لقاطنيها العيش في سلام وأمان.
كما أن مؤشرات الازمة فى دارفور امتدت الى اقليم كردفان المجاور حيث وقعت صدامات مسلحة بين عناصر حكومية واخرى محلية، كما لايزال شرق السودان فى حالة من الاستنفار العسكرى الذى يمكن ان ينفجر فى اى لحظة وبالتالى فان الامل فى وضع حلول سريعة لهذه النزاعات الدائرة فى الغرب وتطويق الحرائق المرجح اشتعالها فى الشرق يجب أن يجد طريقه للتحقق.
فهناك العديد من التحديات التى يواجهها السلام فى السودان، ومنها عدم رضاء بعض القوى السياسية فى البلاد على الاتفاق، كما ان الوضع فى الجنوب السودانى يواجه ايضا العديد من التحديات لاتقل عن الوضع فى الشمال السودانى ومنها حالة الاضطراب بين قيادات الحركة الشعبية بسبب تهميش جزء كبير منهم فى العملية التفاوضية والسياسية.
وهناك اطراف من اعضاء الحركة الشعبية والمنتمين الى القبائل الاستوائية الجنوبية ابدوا اعتراضهم على سبل ادارة الحركة الشعبية للمناطق التى تقع تحت سيطرتها، ومن جانب آخر هناك فصائل وميلشيات عسكرية فى الجنوب السودانى غير تابعة للحركة الشعبية او القوات النظامية للجيش السودانى، وهذه الفصائل بدورها ترفض ان يتم اقصاؤها من العملية السياسية والتفاوضية بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية خصوصا ان اتفاق الترتيبات الامنية بين الطرفين يقر بضرورة الغاء بقية الميلشيات المسلحة غير التابعة للحركة الشعبية. ومن بين التحديات التي تواجه اتفاق السلام الحوار الجنوبى- الجنوبى الذى تهمله الحركة الشعبية حيث اصبح من الضروريات حيث ان اتفاق تقاسم الثروة بين الحكومة والحركة الشعبية يجد معارضة كبيرة من جانب بعض قبائل الجنوب التى يتم استخراج البترول من اراضيها، ومن التحديات الاخرى التى يواجهها السودان شمالا وجنوبا تأتي المشكلات الاجتماعية الناجمة عن الحرب وأوضاع النازحين واللاجئين وضرورة اعادة تأهيل ومعالجة اوضاع العائدين من الحرب.
ان المناخ السياسى الذى يتم فيه تطبيق اتفاقية السلام من العوامل الضرورية لاتمام عملية السلام بشكل ناجح، ورغم ان التوصل الى اتفاق فى حد ذاته يعد بمثابة انجاز سياسى للاطراف المشاركة الا ان مرحلة تطبيق اتفاقية السلام لاتقل أهمية عن مرحلة التوصل الى اتفاق، فالاتفاق يتضمن التزامات تبناها الطرفان لتدعم فرص نجاحه بالاضافة الى ضمانات دولية متمثلة فى مجلس الامن الذى ستودع فيه الاتفاقية بنصوصها خصوصا ان مجلس الامن كان طرفا فى الاتفاقية وهذا ما يميز تلك الاتفاقية عن مثيلاتها بالاضافة الى وجود لجنة لمراقبة التزام الطرفين ببنود هذه الاتفاقية.
إن توقيع اتفاق السلام فى السودان يشير الى بدء مرحلة جديدة فى تاريخ السودان تطوى سنوات الحرب والشقاء الا ان هذه المرحلة تتطلب ارادة سودانية خالصة وعمل حقيقى تقوم به جميع فئات المجتمع السودانى من اجل صنع سلام دائم يغلق باب الحرب الى الآبد ولتبدأ مرحلة البناء والتنمية والتعمير لازالة ما خلفته الحرب من دمار فى جميع المجالات.