25/1/2005

يتابع مركز الجنوب لحقوق الإنسان ببالغ القلق والإستياء تطورات مبادرة الشرق الأوسط الكبير الأمريكية وعلى وجه الخصوص ما نتج عن هذه المبادرة من مشروع شراكة الشرق الأوسط MEPI التابع للخارجية الأمريكية والذى يدفع فى عدد من برامجه ببضعة ملايين من الدولارات لبعض منظمات المجتمع المدنى بالشرق الأوسط تحت دعوى دعم دور تلك المنظمات فى “السعى نحو الإصلاح”.

وكنا قد أشرنا فى بيان سابق لمركز الجنوب فى مارس 2004 حول مشروع الشرق الأوسط الكبير إلى أن “المبادرة لا تهدف إلا إلى الحفاظ على مصالح أمريكا في المنطقة عبر إحداث تعديلات شكلية ولاتمتد أبداً إلى جوهر المشكلات التى تعاني منها المنطقة، وأن غياب الديمقراطية وذيوع الاستبداد وانتهاكات حقوق الإنسان في دول المنطقة بما فيها اسرائيل التي تعتبرها المبادرة الدولة الوحيدة “الحرة” هو نتيجة للرعاية الأمريكية الدائمة لأنظمة حكم تتنافس في انتهاك حقوق الإنسان، منهجها فى الحكم هو قانون الطوارئ وتوريث السلطة برعاية أمريكية وأوروبية.”

والآن، وبعد مرور أقل من عام على إطلاق المبادرة وحيث لاتزال الدولة الفلسطينية المستقلة مجرد وعد أمريكى ولايزال العراق محتل بينما تجرى الاستعدادات لإجراء إنتخابات صورية بهدف تثبيت عملاء أمريكا فى السلطة، وحيث لاتزال أوضاع حقوق الإنسان والديمقراطية فى الشرق الأوسط تسير إلى الخلف، نجد أن عدداً من منظمات المجتمع المدني من المحيط إلى الخليج بدأت تتهافت على الفتات الذى يدفع به الكونجرس الأمريكى للبحث عن عملاء جدد فى الأقليم يضيفهم إلى رصيده من العملاء من الحكومات والأفراد تحت مزاعم “الإصلاح” وكأن كل ما كان يجرى من نقاشات مطولة وخطب رنانة لم يكن سوى جعجعة تنتهى بتهافت مخزى ومحاولة للإلتفاف على الحقيقية. غير أن ما يدعو إلى السخرية بحق أن شروط المنح التى تقدمها المبادرة الأمريكية “للعمالة” من الصراحة والوضوح بما لا يدع لهؤلاء مجالاً للإلتفاف أو الإختباء من فضيحة العمالة. نقول ذلك ونحن متصورون أن رموز المجتمع المدنى فى الإقليم، وفى مصر على وجه التحديد يتمتعون بالحد الأدنى من القدرة على التمييز والإدراك، وهو ما يقطع علينا الطريق لحسن الظن أو الإعتقاد فى جهلهم أوعدم معرفتهم بحقيقة “الإصلاح المزعوم”

إذ تشير الورقة التعريفية لمبادرة الشرق الأوسط (MEPI) بوضوح إلى “أن الإصلاح الذى تسعى له المبادرة له أهمية إستراتيجية بعيدة المدى بالنسبة لمصالح الأمن القومى الأمريكى.”

وفى نداء حديث من المبادرة لمنظمات المجتمع المدنى فى الإقليم للحصول على منحة لمشروع “دعم دور المجتمع المدنى فى الشرق الأوسط فى السعى نحو الإصلاح” يضع النداء عدداً من الشروط لقبول دعم المنظمات أو مواصلة دعمها. من بين تلك الشروط أن يتوافق المشروع والقائمين على المشروع مع المصالح العليا للحكومة الأمريكية. كما يذكر النداء أن مواصلة تمويل المنظمات بعد إنتهاء الميزانية الأولى لن يخضع للمنافسة، وإنما سيكون مشروطاً بالتأكد من أن إستمرار التمويل سيحقق المصالح العليا للخارجية الأمريكية.

هذا كما يتضمن النداء أن هناك أولوية خاصة لقبول المشروعات التى يضم الفريق التنفيذى لها متطوعين أمريكيين، ويجب على المنظمات التى لا تقبل هذا الشرط أن تشرح أسبابها باستفاضة. هذا كما يشير النداء إلى أن المنظمات أو الشبكات والتحالفات التى سيتم قبول مشروعاتها سوف تتعاون بشكل وثيق مع مكتب الخارجية الأمريكية ومكتب شئون الشرق الأدنى NEA/PI والمكاتب الإقليمية لمبادرة شراكة الشرق الأوسط MEPI وكذلك مع السفارات والقنصليات الأمريكية. هذا غير الوعود المتكررة لإقامة علاقات “شراكة” بين المنظمات الحاصلة على التمويل وبين الجهات القائمة على المبادرة.

إن مركز الجنوب يرى أن التوافق مع المصالح العليا الأمريكية يعنى الموافقة على الإحتلال الأمريكى للعراق، وعلى المذابح الأمريكية هناك وعلى بشاعات أبو غريب وجوانتانامو، ويعنى دعم الإحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية وحرمان ملايين اللاجئين من حق العودة، ويعنى مباركة حكومة علاوى القادمة على فواهات المدافع الأمريكية، ويعنى التأييد المطلق لكل حلفاء أمريكا فى المنطقة، والتضامن الكامل مع الديكتاتورية والفساد وانتهاكات حقوق الإنسان، والموافقة على حكم الطوارئ وتزوير الإنتخابات وقمع حرية الرأى والإعتقاد، ويعنى تأييد سياسات الإفقار ونهب أموال الشعوب، ودعم الإرهاب الذى تقوده أمريكا فى حروبها السابقة واللاحقة بدعوى الحرب على الإرهاب، إن المعنى الوحيد للتوافق مع المصالح العليا الأمريكية هو العمالة للحكومة الأمريكية.

إن مركز الجنوب لحقوق الإنسان يؤكد أن تعبيرات الإصلاح الواردة بالمبادرة الأمريكية كلمة حق يراد بها باطل، وأن مقاطعة مبادرة الإدارة الأمريكية تمثل الخطوة الصحيحة نحو الإصلاح الذي ننشده. إن الإصلاح الحقيقي الذى ينبغى على منظمات المجتمع المدنى فى المنطقة السعى نحوه أبعد ما يكون عن التورط فى صفقات مشبوهه مع الحكومة الأمريكية لخدمة المصالح العليا الأمريكية من خلال مشروعات يشترط أن ينفذها متطوعون أمريكان وترعاها السفارات والخارجية الأمريكية.

إن مركز الجنوب لحقوق الإنسان يدعو كافة منظمات المجتمع المدنى فى مصر والشرق الأوسط للعمل على فضح النوايا الحقيقية لمبادرة “العمالة” الأمريكية والتوقف عن التعاون معها نهائياً، فالملايين من المواطنيين الأمريكيين الذين بذلوا كل ما فى وسعهم ليعبروا عن إحتجاجهم على السياسات الأمريكية الداخلية والخارجية وعن رفضهم لحكومة بوش، وكذلك دماء الأبرياء التى تنزف يومياً فى العراق وفلسطين هم خير دليل على ذلك.

كما يدعو مركز الجنوب لحقوق الإنسان منظمات المجتمع المدنى فى مصر أن تبدأ في إعادة النظر فى آليات الإصلاح المنشود وألا تكون منح الكونجرس الأمريكى هى الدافع الوحيد لها نحو تكوين التحالفات وعقد المؤتمرات وورش العمل تحت عنوان الإصلاح الشكلي.

إن مركز الجنوب يرى أن منظمات المجتمع المدنى فى المنطقة عليها عبء كبير فى إحداث التغيير الذى نأمله لمصر ولكافة الدول النامية فى جنوب العالم نحو الديمقراطية وسيادة القانون العادل وتحقيق التنمية المبنية على إحترام حقوق الإنسان والقائمة على مبادئ المشاركة والشفافية والمساءلة والمحاسبة والمساواة، غير أن ذلك لن يتم سوى بالوعى الكامل بالتحديات التى تواجه مجتمعاتنا والإيمان الثابت بأهمية الدور الملقى على تلك المنظمات وبقدرتها على إنجازه، شريطة أن تتحسس جيداً الخطى قبل الإنزلاق في مستنقع العمالة.