15/10/2006

طالب المشاركون في فعاليات اليوم الثاني للملتقى الفكري العاشر للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان والذي عقد يوم الاثنين 16/10/2006بضرورة ضمان الإشراف القضائي الكامل على العملية الانتخابية وخضوع جميع مراحله وإجراءاته لرقابة قضائية فعالة بدءاً من إعداد الجداول الانتخابية ،وتقسيم الدوائر وفتح باب الترشيح ،وتحديد مقار اللجان وعمليات الإدلاء بالأصوات وفرزها وإعلان النتائج ، وضرورة النص في الدستور على تشكيل لجنة تشرف على الانتخابات في مراحلها المختلفة وينتخب أعضائها بالاقتراع السري بواسطة الجمعية العمومية لمحكمة النقض، وتخضع قراراتها لرقابة مجلس الدولة.

ولكن المشاركون اختلفوا حول طبيعة النظام الانتخابي الأمثل لمصر ، فالبعض رأى أن النظام الفردي هو الأفضل،في حين فضل آخرون نظام القائمة النسبية المفتوحة ، ورأى فريق ثالث أنه يمكن الجمع بين النظامين، ولكن الآراء الثلاثة أكدت في ذات الوقت على أن لكل نظام انتخابي مزاياه وعيوبه، ولايمكن إدانة نظام معين لأنه نجح في دولة ما وفشل في دولة أخرى، فكل نظام لابد من أجل نجاحه وإمكانية تطبيقه أن يصل المجتمع إلى درجة معينة من الرقي والثقافة، فضلاً عن أي نظام انتخابي لابد أن يحقق الأهداف الرئيسية المرجوة منه وهي عدالة التمثيل، وتكافؤ الفرص، مع الحفاظ على شرطي الدستورية واستحقاقات الملائمة مع الأحزاب التي لاتملك إمكانيات كبيرة ،مطالبين بضرورة القضاء على الظواهر السلبية المصاحبة للعملية الانتخابية في مصر ومن أمثلتها التزوير، وتزايد معدلات العنف،وظهور العصبيات والتحالفات والتربيطات السياسية،والانتهازية،ونفوذ المال، فهده جميعها ظواهر يمكن أن تصاحب النظام الانتخابي سواء كان فردياً أو قائمة.

وجاءت الجلسة الثالثة تحت عنوان “تطور النظام الانتخابي المصري منذ الثمانينات حتى الآن”وترأسها د.محمد صفوت العالم الأستاذ بكلية الإعلام بجامعة القاهرة مشيراً إلى أن الجلسة تتضمن ثلاثة محور ، وسيحدثنا في المحور الأول د.وحيد عبد المجيد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عن “النظم الانتخابية في الدول المختلفة والحالة المصرية” .

أشار د. عبد المجيد إلى أن هناك تنوع كبير في النظم الانتخابية على مستوى العالم إلا أنه يمكن القول أن أهم النظم السائدة بصفة عامة هي النظام الفردي ونظام القائمة والنظام المختلط ، مؤكداً أن مصر في تاريخها لم تعرف سوى النظام الفردي ، إلا أنها خرجت عن هذا النظام في انتخابات 1987،1984 حيث أجريت الانتخابات بنظام القائمة . وأوضح د.عبد المجيد أن الجدل حول النظام الانتخابي الأمثل لمصر موجود على الساحة السياسية المصرية منذ عام 1923، ثم تجدد عام 1952 ، وفي الأغلب كان الجدل ينتهي بالإبقاء على النظام الفردي ، مضيفاً أنه يفضل النظام الفردي معللاً ذلك بقوله أنه يتيح مساحة أكبر من الحرية أمام الناخب في اختيار مرشحه في دائرة صغيرة الحجم، بخلاف نظام القائمة الذي يختار فيه الناخب عدد من القوائم ، فضلاً عن أن التنوع في النظام الفردي محدود نسبياً وأهم تنوع فيه الحصول على عدد أكبر من الأصوات لكن نظام القائمة به الكثير من التنوع .

وأكد د.عبد المجيد أن النظام الانتخابي الأفضل لمصر خلال الفترة المقبلة هو النظام الفردي ، ولكن قبل أن يتم تغيير النظام الانتخابي فإنه يجب الاهتمام بقضية أخرى على نفس الدرجة من الأهمية آلا وهي المشاكل المصاحبة للعملية الانتخابية ومن أمثلتها الجداول الانتخابية والإشراف القضائي، كما طالب بإطلاق حرية تكوين الأحزاب السياسية وجعلها متاحة للجميع وأن يكون تأسيس الأحزاب بالإخطار فقط .

اختلف مع د.عبد المجيد في الرأي د.صلاح سالم زرنوقة أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس مشيراً إلى تفضيله نظام القائمة النسبية بشرطين ، أولهما: أن تكون القائمة هي القائمة المفتوحة التي لا تلزم الحزب بتقديم مرشحين في كل الدوائر ولا تلزمه بعدد معين في أي دائرة وهي مفتوحة لأي تحالفات أو قوى أو عناصر فردية،وثانيهما :أن يكون حجم الدوائر متوسطاً ، إذ يمكن ضم كل دائرتين أو ثلاثة من الدوائر الموجودة الآن في النظام الفردي لتشكيل دائرة واحدة .

وعن النظام الانتخابي في مصر بين القائمة والفردي ، أوضح د.زرنوقة أن إثارة موضوع تعديل النظام الانتخابي أو تغييره ليس بأمر مستغرب ، فهو نابع من حالة الجمود السياسي التي سيطرت على كافة مناحي الحياة في مصر ، وقارن د.زرنوقة بين النظام الفردي ونظام القائمة للوصول إلى النظام الانتخابي الأنسب في ضوء ثلاثة محاور رئيسية هي : عدالة التمثيل، وتكافؤ الفرص، ودرجة الفعالية ، مشيراً إلى أنه حينما نتطرق إلى أي النظامين أفضل فإنه لابد أن نحدد في البداية مدى ملائمة هذا النظام لظروف هذا البلد الذي يطبقه في المرحلة التي يمر بها أي لابد من استدعاء الخصوصية بكل مفرادتها ، فضلاً عن كون هذا النظام سوف يؤدي إلى تحقيق الأهداف المرجوة منه في هذه المرحلة بما في ذلك تحاشي عيوب النظم الانتخابية السابقة .

وأَضاف أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس أنه ليس من العدل أن نحمل نظاماً معيناً عيوب خصوصية التطبيق ، كما لا ينبغي أيضاً أن نحمله خطايا الحياة السياسية التي لا دخل له فيها ، ومن أمثلتها التزوير والعنف وظهور العصبيات والتحالفات والتربيطات السياسية والانتهازية ونفوذ المال ، وهذه جميعها ظواهر يمكن أن تصاحب النظام الانتخابي سواء كان فردياً أو قائمة ، مؤكداً أن هناك عدة سلبيات يعاني منها النظام الانتخابي المصري وتتمثل في ضعف الأحزاب ، وتصاعد ظاهرة المستقلين ، وعدم التكافؤ بين الحزب الوطني وأحزاب المعارضة ، والتداخل بين الحزب الوطني وأجهزة الدولة ، وغياب عدالة التمثيل بين القوى السياسية ، وسطوة أو نفوذ المال ، وحرمان الناخبين من حق التصويت ، وضعف المشاركة السياسية ومحدوديتها .

بخلاف الرأي الأول والثاني ، أكد د.مصطفى النشرتي الأستاذ بكلية الإدارة والاقتصاد أن النظام الأفضل لمصر هو النظام الانتخابي الذي يجمع بين النظام الفردي بالأغلبية المطلقة والنظام بالقوائم المصحوبة بالتمثيل النسبي ، مضيفاً أن لكل نظام انتخابي مزايا وعيوب ، فالفردي يؤدي إلى توثيق الصلة بين الناخب والنائب الأمر الذي يؤثر على استقلال النائب عن جمهور الناخبين ويجعله أسير لهم يعمل وفق رغباتهم ووفق مصالح الدائرة الانتخابية لا وفق الصالح العالم ، كما أن هذا النظام يسهل التأثير على الناخبين عبر الضغط أو الرشوة نظراً لصغر الدائرة الانتخابية ، أما نظام القائمة فأدى إلى استقلال النواب عن جمهور الناخبين ، كما يؤدي كبر الدائرة في ذلك النظام إلى تحقيق التدخل في الانتخابات وصعوبة التأثير على جمهور الناخبين ، ويساهم في زيادة الخبرات والكفاءات في مجلس الشعب ، ويحقق العدالة بين الأحزاب فيكون لها وجود داخل البرلمان.

وطالب د.النشرتي بتعديل مواد الدستور من أجل إصلاح النظام الانتخابي ، من قبيل إلغاء نسبة الـ50% من مقاعد مجلس الشعب للعمال والفلاحين ، وكذلك تعديل المادة 93 من الدستور، بحيث يتضمن التعديل المقترح النص على اختصاص محكمة النقض بالفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس الشعب ولا تعتبر العضوية باطلة إلا بقرار تصدره الجمعية العمومية لمحكمة النقض بأغلبية أعضائها .

وجاءت الجلسة الرابعة تحت عنوان “آليات إدارة العملية الانتخابية في مصر” وترأسها المستشار محمود الخضيري رئيس نادي القضاة بالإسكندرية مؤكداً أن الإشراف القضائي هو حديث الساعة الآن ، وهناك بعض الآراء تعارضه معللةً ذلك بقولها أن الإشراف في الفترة الماضية حال بين القضاة و بين عملهم في الفصل في القضايا السياسية لذا يجب عدم الزج بهم في تلك النوعية من القضايا الشائكة ، مشيراً إلى أن رجال القضاء من أكثر الأفراد تعرضا للمشكلات وهذا ما حدث في الانتخابات البرلمانية لعام 2005 ، قائلاً أنه كان رئيس لجنة الإشراف على الانتخابات في نادى القضاة وقد لمس مدى المعاناة والجهل و التدخل في شئون الانتخابات من قبل الحكومة وعدوانها على القضاة، حيث تدخلت السلطة التنفيذية بشكل سافر في إدارة العملية الانتخابية.

وأوضح الخضيري أن الانتخابات البرلمانية كانت يمكن أن تجرى بدون تدخل من جانب الأجهزة الأمنية حتى نصل بالفعل إلى نواب حقيقيين يعبرون عن المجتمع، ولكن ما حدث غير ذلك .

واستهل د.جمال زهران عضو مجلس الشعب حديثه بالقول أن العملية الانتخابية في مصر تدار بقوة غيبية وهناك عوامل كثيرة تؤثر في إدارة هذه العملية ، مضيفاً أنه برغم ما نشهده من إشراف قضائي على الانتخابات إلا أنه إشرافاً شكلياً فقط ، ولذلك لا بد أن يتم تفعيل آليات الإشراف القضائي على الانتخابات ، وأن يمتد إلى خارج مراكز الاقتراع .

و أكد د. زهران أن طريق الإصلاح يحتاج إلى نضال طويل, و يجب أن يكون الجمهور شريكا أساسيا في العملية الإصلاحية حتى نصل إلى انتخابات تساهم في عملية تداول السلطة بشكل سلمي ، فتداول السلطة سيحول دون تحول النظام في مصر إلى نظام شبه ملكي أو ما يسمى بالنظام الجمهوركى.

و علق د. جمال على المشاريع الإصلاحية المطروحة على الساحة حاليا بقوله أنها مشاريع طموحة, فهي تبدأ من بعض التعديلات الدستورية و تصل إلى إعداد دستور جديد للبلاد, إذا كنا راغبين حقا في الإصلاح , و الحقيقة أن سلامة مصر تحتاج إلى نظام سياسي برلماني حقيقي, و هذا يدخلنا في أن العملية الانتخابية لن تدار بطريقة صحيحة إلا عن طريق نظام سياسي ديمقراطي، و هذا لن يتحقق إلا من خلال إعداد دستور جديد يحيد الأجهزة الإدارية و يفصل المناصب القومية عن الحزبية, و ضرورة إشراك الشعب في عملية الإصلاح ، فالشعب يصبح وسيلة ضغط على الحكومة و الحزب الحاكم, و إذا لم يكن هناك عقل لهذا النظام فالعصيان المدني هو الحل.

ومن جانبه ، أكد أ. أحمد عبد الحفيظ المحامي بالنقض أن الانتخابات في مصر على امتداد تاريخها يشوبها عمليات التدخل السافر من قبل السلطة التنفيذية لتزويرها بمختلف الوسائل، وهذا يكون بالأساس نتيجة قرار سياسي لتحقيق أهداف سياسية معينة تهدف إلى تشكيل المجلس النيابي على النحو الذي يريده القائم على شئون الحكم ، ولعل هذا ما جعل النخب السياسية المصرية المعارضة طوال عقدي الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي تصر بشكل كبير على فكرة الحكومة المحايدة لإدارة الانتخابات, إلا أن فكرة وجود هيئة مستقلة لإدارة الانتخابات لم تكن غائبة عن الفكر السياسي المصري على امتداد العقدين الماضيين, و حين أخذت الدولة بهذه الفكرة مؤخرا فإن الخبرة جاءت سلبية بالكامل, فلم يؤد تشكيل لجنة الانتخابات الرئاسية و لجنة الانتخابات العليا إلى تقدم حقيقي يزيل أي قدر من مظاهر الانتهاكات التي صاحبت الانتخابات المصرية البرلمانية بالذات. و من واقع هذه الخبرة فان التحدي الحقيقي الذي يواجه مثل هذه الفكرة إنما يتعلق بالضمانات التي تكفل قيام هذه اللجنة بشكل يضمن لها استقلالا حقيقا سواء من حيث التشكيل أو من حيث الاختصاصات.

و شدد عبد الحفيظ في حديثه على ضرورة العودة إلى المعايير المتعلقة بنزاهة الانتخابات، وحق كل فرد في المشاركة في حكومة بلده عن طريق ممثلين يتم اختيارهم بحرية، وتوفير فرص متكافئة للمرشحين في عرض وجهات نظرهم، وعدم حرمان أي مواطن من حق الانتخاب أو الترشيح إلا وفق معيار موضوعي يخضع لتقدير جهة قضائية مختصة, وكذلك إنشاء آلية محايدة و متوازنة و غير منحازة للقيام بإدارة الانتخابات، مطالباً بالإشراف القضائي الكامل على الانتخابات مع تحويله إلى إشراف مؤسسي كامل على سائر أوضاع العملية الانتخابية بدءاً من إعداد الجداول وحتى إعلان النتائج النهائية و الفصل النهائي في جميع المنازعات, مضيفاً أنه في حال الاتفاق على قيام الهيئة المقترحة فإن الأمر يقتضي قيام هيئة تنسيقية تضم ممثلي الأحزاب و النقابات المهنية و العمالية و منظمات المجتمع المدني, والمدى الزمني المقترح لإنشاء هذه الهيئة (3 سنوات مثلا) من أجل مناقشة جميع الضمانات المطلوبة وإعداد و تدريب الهياكل الإدارية والفنية اللازمة لقيام مثل هذه الهيئة.

وعقب السفير ناجى الغطريفى رئيس حزب الغد بقوله أن الاتجاه الغالب على الحديث هو مسألة الإشراف القضائي ، ولكن نزاهة الانتخابات لا تتوقف على هذا الإشراف فقط ، فنزاهة الانتخابات هي قرار سيادي بالأساس ، وإذا لم تتوافر إرادة حقيقية للتغيير لن تكون الانتخابات نزيهة، ولن تأتي بما يدعم المنظومة الديمقراطية ، مؤكداً أنه برغم أن الانتخابات الماضية قد شهدت إشراف قضائي، إلا أننا في ذات الوقت قد شهدنا مجموعة من التجاوزات والسلبيات ولعل أبرزها التزوير وهو ما أكده القضاة أنفسهم، وكذلك سيطرة أجهزة الأمن على مقار الاقتراع العامة بما يحول دون وصول ناخبين معيين إلى صناديق الاقتراع ، ولذلك يجب علينا أن نفكر ملياً قبل إقحام القضاة في هذه الأمور ، فإذا كان الإشراف القضائي الفضل في ضبط الانتخابات إلى حد كبير ، إلا أنه يجب عدم وضعهم في قلب العملية السياسية .وأنهى السفير الغطريفي حديثه بالتأكيد على رفضه لقضية التوريث في مصر ورفضه أن تتحول البلاد إلى دولة شبه ملكية .