20/4/2006
كتبت – ناهد نصر
أظهرت أحداث الأسكندرية المتتالية حجم خطورة التهوين أو التهويل من المشكلة القبطية في مصر، والتهوين هو ما يحاوله التيار الديني ممثلاً في كبرى جماعاته “الأخوان المسلمون” في بيانهم الصادر بشأن الأحداث الأخيرة، وتأكديهم على أن هذه الحوادثَ منعزلةَ وفرديةَ، ويحذرون من تضخيمِ مثلِ هذه الأعمالِ العشوائيةِ الانفرادية بالترويج الزائف عن وجود مشكلة قبطية في مصر، وعلى الرغم من متابعتنا ببالغ الحزن والأستياء للأنباء الواردة من محافظة الاسكندرية بشأن احداث الفتنة التي اندلعت يوم الجمعة الحزينة وتطورت بعدها إلى مواجهات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الشرطة،والتى كشفت عن زيف المعالجة الرسمية لقضايا الأقباط فى مصر، إلا أنه لايجب التهويل من واقع معاناة الأقباط في مصر مثلما حدث في المؤتمر الدولى القبطى الثانى الذى انعقد فى واشنطن ليبرز على الساحة من جديد الجدل حول ما يعرف بالقضية القبطية فى مصر، خصوصاً وأن توقيت إنعقاد المؤتمر تزامن مع عدد من الأحداث التى اضفت على هذا الجدل زخماً مضاعفاً.
فالمؤتمر جاء بعد فترة قصيرة من أحداث العنف التى شهدتها كنيسة مارجرجس بالاسكندرية بسبب مسرحية قيل أنها أسائت للإسلام، وقد سردت المواقف المتعارضة من هذه المسرحية ومن أحداث العنف على نطاق واسع فى وسائل الإعلام ومواقع الإنترنت بما لا يدع مجالاً لإستعادتها هنا.
كما تزامن المؤتمر مع إنتخابات برلمان 2005 التى شهدت فى مرحلتها الأولى والثانية حصول مرشحي الإخوان المسلمين على عدد غير مسبوق من مقاعد البرلمان فى ظل تقليص عدد المرشحين المسيحيين.
وغنى عن البيان كم الانتهاكات التى شهدتها الانتخابات البرلمانية التى جرت فى أجواء من البلطجة والتزوير بينما اتخذت الغالبية العظمى من المواطنين موقف اللامبالاة المعتاد لعدم الثقة في اجراء انتخابات حرة ونزيهة، أما الانتخابات البرلمانية نفسها فجاءت هذه المرة فى ظل كلام كثير دأبت الحكومة على تصديره حول عهد جديد من الإصلاح الديموقراطى الذى وصل إلى أقصى مداه بعد مسرحية تعديل مادة فى الدستور وإجراء إستفتاء على الرئاسة فى ثوب إنتخابات تعددية.
جاء مؤتمر “الأقباط” بعد أن صار جلياً للجميع زيف كل إدعاءات الإصلاح وبعد أن لعقت الدولة وعودها بشأن إعطاء فرص أوسع للمرأة وللمسيحيين ولأحزاب المعارضة فى البرلمان، بينما اضطرت النخبة المسيسة هى الأخرى للعق مرارة أوهامها بشأن الحراك السياسى وفرص المشاركة فى عملية التنمية الديموقراطية بعد فشلها الذريع فى إثبات دعواها بشأن قدرتها على طرح البديل المقبول لدى الشارع الذى غاب عن المشاركة معلناً بعفوية عدم ثقته فى الجميع بما فى ذلك جماعة الأخوان المسلمون الذين رغم حصولهم على عدد كبير من المقاعد إلا أن الأصوات التى حصلوا عليها تظل متواضعة بالمقارنة بالعدد الحقيقي من الناخبين الذين يحق لهم التصويت والذين امتنع غالبيتهم عن المشاركة.
وهكذا بقيت قضايا الأقباط بلامعالجة حقيقية فى ظل واقع سياسى سلبى لا تلبث الدولة فيه أن تعلن عن خطوة للأمام لتسير واقعياً عشرات الخطوات للخلف مضاعفة من انتهاكاتها الصارخة لكافة حقوق المواطنين على اختلافهم من حيث الجنس أو اللون أو الدين، بينما تتجسد القاعدة المعروفة حول أن الحلقات الأضعف فى المجتمع دائماً ما تتعرض لإضطهاد مضاعف، ويتصدر تلك الحلقات فى مصر النساء، وغالبية المجموعات الدينية كالمسيحيين والشيعة والبهائيين وغيرهم، وكذلك عدد من المجموعات الاجتماعية كأبناء النوبة.
ويأتى المسيحيين فى مصر كواحد من أبرز الأمثلة على ذلك، وقد أجتهد عدد من المراكز البحثية والمثقفين والقوى السياسية فى تحليل وتفنيد صوراً صارخة للتمييز فى التعامل مع المسيحيين فى مصر فى القانون والدستور والتعليم وفرص التمثيل السياسى والمهنى، فضلاً عن التمييز فى ممارسة العبادات.
ولعل تقرير الملل والنحل والأعراق للعام 2005 الصادر عن مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، بالإضافة إلى كتابات أخرى فى هذا الشأن قد لخصت أوجه التمييز التى يواجهها المسيحيين فى مصر من كافة الجوانب. وقد ساقت هذه التقارير والدراسات مظاهر فى معظمها واقعية ومعبرة بدقة عن مشكلات المسيحيين فى مصر. ومن غير المقبول بأى حال تجاهل حقيقة أن هناك تمييز يعانى منه الغالبية العظمى ممن يدينون بالدين المسيحى فى مصر. وهناك بلا شك ضرورة ملحة للإعتراف بهذه الحقيقة دون اللجوء للإلتفاف والتزييف الذى تلجأ له الدولة عادة مستخدمة فى ذلك سياسة التعتيم والكذب والقاء التهم. غير أن اللافت فى التعامل مع هذه القضية “قضية التمييز ضد المسيحيين على أساس الدين” أن هناك خلط كبير يصل إلى حد التناقض من جهة تحليل أسباب هذا التمييز والأطراف القائمة عليه ومن ثم فى “المطالب” التى تساق فى هذا الشأن كحلول لمشكلة التمييز هذه، الأمر الذى يؤدى إلى تعقيد المسألة أكثر مما يعمل على حلها. ويحاول هذا المقال مناقشة عدد من النقاط التى تعد أوجهاً للقصور فى التعامل مع المشكلة.
على الرغم من تفهم كافة المتبنين لمشكلة التمييز ضد المسيحيين فى مصر لحقيقة أن ما يعرف بالأقباط ليسوا مقصورين على من يدينون بالدين المسيحى بل أن هناك أقباط مسلمون وأقباط مسيحيون كما أن هناك بالضرورة مسيحيون من غير الأقباط. إلا أن هناك إصرار غير مبرر على إستخدام تعبيرات من نوع “القضية القبطية” و ” أقباط مصر” فى محاولة لتحويل مشكلة التمييز على أساس الدين التى يعانى منها المسيحيون كما تعانى منها فرق دينية أخرى كالشيعة والقرآنيين وغيرهم فى مصر إلى قضية أقلية مضطهدة لا يجمعها فقط تمييز على أساس دينى إنما يجمعها أيضاً سمات مشتركة ثقافية واجتماعية متمايزة فىحد ذاتها عن السمات العامة لمجتمع “الأغلبية”.
وخطورة التعامل مع مشكلة “التمييز ضد المسيحيين على أساس الدين” من هذا المنطلق أنها بشكل واعى أو غير واعى تقود إلى تكريس حالة التمييز القائمة أساساً. ومن الغريب أن يتبنى مثل تلك الشعارات رموز ليبرالية علمانية تدعو لفصل الدين عن الدولة بينما تستخدم فى الوقت نفسه الدين كأساس لتبنى حقوق مجموعة من المجموعات.
فالعالم العربى ملئ بالأقليات مهضومة الحقوق مثل الأكراد والبربر، بل وأبناء النوبة فى مصر. غير أن السمة المميزة لتلك المجموعات الأقلية أنها على الرغم من تعدد ديانات أبنائها تتميز بعوامل ثقافية وتاريخية مشتركة تتماس أحياناً مع تاريخ وثقافة الدولة التى هم مواطنون بها غير أنها تنفصل فى الكثير من الجوانب. فهؤلاء لهم لغه خاصة بهم كما أن لهم عادات وتقاليد إجتماعية وتراث وثقافة خاصة لا يحق للدولة أن تتجاهلها بدعوى الحفاظ على النسيج الواحد للأمة لأن قوة هذا النسيج تنبع أساساً من تمتع كافة أفراده بالحق فى ممارسة ثقافته بحرية فضلاً عن التمتع بكافة الحقوق الأخرى المكفولة للمواطنين على قدم المساواة.
أما وأن المرحلة القبطية كانت جزئاً من تاريخ هذا البلد لا ينبغى التقليل من شأنه أو القفز عليه فى المناهج الدراسية كغيره من مراحل التاريخ الإسلامى والفرعونى فهو أمر تنبع ضرورته فى إطار الدعوة لعدم تزييف الوعى وهى اللعبة التى تستخدمها الأنظمة عادة لصناعة وعى الجماهير بالطريقة التى تتفق ومصالحها. من هذا المنطلق فقط ينبغى الدعوة لتدريس التاريخ القبطى بالصورة اللائقة فى مناهج التعليم تماماً كما ينبغى عدم تشويه نضالات الشعوب والمدارس الفكرية والفلسفية الهامة التى كان لها أثر بالغ فى الفكر الإنسانى لصالح تكريس أفكار بعينها تخدم مصالح النظام الحاكم. أما أن ندعو لتدريس ” الأقباط تاريخهم و لغتهم و ثقافتهم فى المدارس و الكليات المصرية حيث يدرس أبنائهم و بناتهم.” فهو ما يمكن أن نطلق عليه دعوة لصناعة أقلية. فهل ستتم دراسة ما يعرف بتاريخ ولغة وثقافة “الأقباط” للمسيحيين منهم فقط، أما أن الأقباط من المسلمين ومن غير المسلمين سوف يتمتعون بالحق نفسه. وهل سيتكفل أصحاب تلك الدعوة ببحث كل من ينتسبون “للجنس” القبطى بصرف النظر عن ديانتهم للتمتع بهذا الحق الثقافى الخاص.
لا شك فى أن المسحيين فى مصر يعانون من مشكلات تعليمية لا تتعلق فقط بالفرص المتكافئة فى الإلتحاق بالمؤسسات التعليمية بل وتتعلق أيضاً بمضمون المناهج التعليمية التى تتضمن أفكار تكرس النظرة الدونية للآخر على أساس الدين، غير أن مواجهة هذا التمييز لا يتبغى أن تتم بممارسة تمييز معاكس بل بالدعوة لتشجيع ثقافة قبول الآخر واحترام الحرية الدينية وتكريس المساواة على أساس المواطنة والإنسانية. وأن يتراجع دور الدين ليصبح مسألة تخص الفرد بينما الحكم بين المواطنين هو القوانين الوضعية النابعة من الحقوق والواجبات التى تفرضها المواطنة ومصالح الغالبية العظمى من المواطنين.
وفى السياق نفسه على الرغم من أن أحد قرارات ما يعرف بالمؤتمر “القبطي الدولي الثاني” دعت لتجريم التحريض ضد الأديان وتسفيه المعتقدات الدينية وتشديد العقوبة في حالة التحريض عبر وسائل الإعلام الرسمية و الحكومية ومعاقبة المسئولين في هذه الأجهزة وأجهزة القهر الحكومية. وكذلك تأسيس أقسام للدراسات القبطية بالجامعات المصرية باعتبارها جزءا أصيلا من الثقافة الوطنية .
وهى مطالب يبدو منها تفهم المشاركين فى المؤتمر لأهمية تغليب قضية المواطنة ونبذ تكريس حالة التمييز على أساس الدين، إلا أن حرص المنظمين للمؤتمر على تسميته “بالمؤتمر القبطى” وكذلك على إستخدام لفظ “الأقباط” لوصف المسيحيين فى أكثر من موضع يشير إلى تناقض واضح فى تعامل هؤلاء مع جوهر المشكلة وهو أن هناك تمييزاً يتم ضد المسيحيين على أساس الدين بينما مصطلح “الأقباط” أوسع من حصره فى من يدينون بالدين المسيحى ومن ثم فلا وجود لأقلية إسمها “الأقباط” بينما هناك ملايين من المواطنين المصريين الذين يتعرضون لأشكال من التمييز لأسباب دينية ومن بينهم المسيحيين. وقد بلغ التناقض بالقائمين على المؤتمر مداه فى صياغة ديباجة قرارت المؤتمر والتى تضمنت ضرورة “اتخاذ القرارات اللازمة لضمان الحماية القانونية للأقباط ….. قبل حدوث دارفور المصرية”!
من بين أوجه التناقض التى شابت مطالب وتوصيات بعض المهتمين بقضية التمييز على أساس الدين فى مصر مطالبتهم بضرورة اتاحة “حرية العقيدة لكل المواطنين المصريين ويتضمن ذلك حرية تغيير الديانة” بينما فى الوقت نفسه يطالبون بوضع نهاية لما يطلقون عليه “عمليات اغواء الفتيات المسيحيات من قبل بعض متطرفين مسلمين و ذلك لإجبارهن على التحول إلى الإسلام.” ففى الوقت الذى يدعون فيه لأن تكون العقيدة حرية شخصية نابعة من اختيار الفرد لعقيدته أياً كانت بدون سلطة أو عقاب فإنهم يستخدمون لفظ “الإغواء” وخاصة “للفتيات” المسيحيات من قبل ما يصفونه بالمتطرفين الإسلاميين.
وكأنهم بذلك يتحدثون بلسان حال رجال الدين إذاء تحول أحد أبناء دينهم للدين الآخر. إذ كيف تتفق الدعوة لحرية العقيدة مع استخدام تعبير “الإغواء”. وكيف يتفق دفاعهم عن ضرورة احترام حقوق المرأة والمساواة مع اعترافهم بأن “الفتيات” هم مادة ما يسمونه “الإغواء”. وكأن النساء حين تمارسن حقهن فى تغيير العقيدة فإنهن بالضرورة واقعات تحت الغواية لأنهن لا يمتلكن القدرة على التفكير أو الاقتناع أو الاختيار.
إن إحدى المهازل التى برزت فى العام الماضى فيما يتعلق بقضية تغيير العقيدة حادثة السيدة المسيحية وفاء قسطنطين التى قررت اعتناق الاسلام ثم تراجعت عن قرارها بعد ثورة عارمة من الشباب المسيحى والكنيسة. وبعد تراجع السيدة وفاء عن قرارها برزت ثورة موازية للمسلمين على ما رأوا أنه اجبار لسيدة اعلنت اسلامها على الارتداد عن الاسلام. بينما صاحبت الأزمة تدخلات من الأمن وأجهزة الدولة ورجال الدين إلى حد كان يخشى معه حدوث “فتنة طائفية”.
وقد شهدت أزمة قسطنطين العديد من المقالات والبيانات من قبل مثقفين ووسائل اعلام ومنظمات مجتمع مدنى بل وأحزاب سياسية كان الشغل الشاغل للجميع هو من السبب فى “الإغواء” وكيف يمكن القضاء محاولات “الإغواء”؛ بينما لم تنتقد مثلاً تلك الإجرائات الصارمة واللإنسانية التى ينبغى المرور بها لتغيير العقيدة. وكال الكثيرين اللوم لبطء التحرك الأمنى لوقف فتنة على الأبواب، بينما كال أخرين المديح للأمن وللبابا شنودة على حسن تصرفهم مع الأزمة ولم يهتم أحد بمصير وفاء التى استخدمت ككبش فداء لأمن الوطن.
المهزلة بحذافيرها تكررت فى الأحداث الأخيرة بالإسكندرية مع اختلاف طفيف فى الاحداث. حيث انشغل الجميع بمسألة هل من واجب الكنسية الاعتذار أم لا بينما لم يواجه اعلان الكنسية بتوقيع العقاب على فريق عمل المسرحية بأى نقد يذكر ولا حتى من باب الدفاع عن حرية الابداع، لتذهب إلى الجحيم فى سبيل أمن الوطن. ينبغى حيال الدعوة لحرية تغيير العقيدة الاقتناع بأن مسألة الدعوة لعقيدة ما أو لدين ما هو أمر طبيعى ليس بالضرورة مرتبط بالتطرف وكذلك فإن أسباب الإنتقال من دين لآخر فى الحقيقة لا تخص أى أحد سوى الفرد نفسه لا يتعرض إذائها للمسائلة أو العقاب أياً كان دينه الأصلى وأياً كان الدين الذى يرغب فى اعتناقه. ومن ثم فلا مجال للحديث عن الإغواء والإختطاف وغيرها من القصص التى تستخدم عادة لتوسيع الشقة بين المسلمين والمسيحيين وإثارة النعرات الطائفية. وفى الوقت نفسه ينبغى العمل على التخلص من الحساسية المبالغ فيها حيال التعرض للأديان والذى يؤدى إلى أن شائعة صغيرة أو تحرك محدود وفردى يؤدى إلى ثورة عارمة بين الطرفين. على أن ذلك يتطلب وعياً كاملاً من قبل المهتمين بالقضية من دعاة المجتمع الليبرالى والحرية الدينية، بحيث لا يبدو من خطابهم تحيزاً سلبياً للمسيحيين بوصفهم الذين يتعرضون للإضطهاد.
فالأصل فى الدفاع عن حقوق المسيحيين المنتقصة فى مصر هو السعى نحو تمتعهم بالمواطنة على قدم المساواة مع غيرهم ونبذ التمييز الدينى انتصاراً لحرية الأديان وليس إنتصاراً لحصول أحد الأديان لوضع مميز فى المقابل.
مؤتمر الأقباط الثانى … هل يمثلون المسيحيين حقاً
من الملاحظ أن عدد يمكن وصفه بالغالبية العظمى من المتعرضين لمشكلات التمييز ضد المسيحيين فى مصر يتبعون منحاً خطيراً فى الإشارة إلى المتسبب الحقيقي فى أن يتعرض المسيحيين وغيرهم من المجموعات الدينية الأخرى للتمييز والإضطهاد. ومن المؤسف أن التحليل الخاطئ والقاصر لأسباب التمييز يتبناه عدد كبير من المثقفين ودعاة الحرية الدينية ، كما ينبع أيضاً من مفكرين مسيحيين بينما تجد أثره واضحاً جلياً على ردود أفعال المواطنين مسيحيين ومسلمين. فالمتابع مثلاً لعدد من الكلمات التى القيت فى “مؤتمر الأقباط الثانى” المنعقد هذا الشهر فى واشنطون يفاجئ بكم الهجوم على الدين الإسلامى تارة وعلى المسلمين تارة وعلى تيارات إسلامية بعينها تارة أخرى. فمن زاوية حرية الرأى من حق أياً من كان فى أن يرى ما يرى فى الدين بشكل عام أو فى دين معين أو فى جماعة سياسية أو دينية معينة. غير أن دعوة هؤلاء للحديث فى مؤتمر من المفترض أن يضع اصبعه على مكمن الداء وأن يكسب تعاطف الناس مع المشكلة ويقنعهم بأهمية وضع حلول لها هو العبث بعينه، هذا لو صدقت نوايا القائمين على المؤتمر فى أهدافهم المعلنة لتنظيمه.
إذ من غير المقبول فى مؤتمر يناقش الحرية الدينية فى العالم العربى أن يتبنى المتحدثين فيه خطاباً يدعو لكراهية الإسلام أو المسلمين ليس فقط لأن ذلك يتنافى مع الدعوة لإحترام الآخر ولكن لأنهم بذلك إنما فى الحقيقة يسطحون من المشكلة ويوجهون أنظار الجماعة التى يقع عليها الاضطهاد فى اتجاه العدو الخطأ بينما يفقدون القضية أى متعاطفين من الجمهور المسلم فى الوقت الذى يتيحون فيه الفرصة للمتعصبين وضيقوا الأفق على الطرف الآخر لإستخدام الدفاع عن الدين فى كسب تأييد الناس ضد المسيحيين.
فمن المفهوم أن الدولة عادة ما تستخدم سياسة تأليب جماعة على أخرى دائماً لتوجيه أنظار الناس إلى عدو آخر غيرها وهى التى بسياسات القمع والاستغلال والفساد والديكتاتورية تنتهك حقوق الغالبية العظمى من مواطنيها على حد سواء.
وعادة ما تستخدم الدولة الدين كأداة لقمع مواطنيها. فالدولة وحدها هى المسئولة عن العمل بقوانين تميز ضد المسيحيين يرجع تاريخها إلى الحكم العثمانى، كما أنها المسئولة عن كافة أشكال التمييز فى مجالات التعليم والوظائف والتمثيل السياسى ضد المسيحيين. كما أنها المسئولة عن اتاحة الفرصة أمام التعصب الدينى وكبت حرية الإبداع والحرية الدينية وذلك بترسانة القوانين والتهم التى تلقى بها فى وجه كل ذو فكر مختلف. فهى التى باركت التفريق بين نصر أبو زيد وزوجته، وهى التى ترعى مصادرة الكتب، وترعى قيام المؤسسات الدينية بأدوار رقابية مجحفة لا تدخل فى اختصاصها.
والدولة هى المسئولة عن الدستور الذى يميز ضد المسيحيين والمسئولة عن الإعلام ومناهج التعليم. وهى المسئولة عن حصول جماعة الإخوان المسلمين على هذا الكم من المقاعد فى البرلمان لأنهم يمنحونها فرصة ذهبية فى ابتداع قضايا وهمية تشغل الرأى العام أبعد ما تكون عن قضايا الإصلاح الديموقراطى والتنمية، كما انهم يباركون كل سياستها ضد الفقراء من عمال وفلاحين دون أدنى نقد. ومن ثم فإن الإلتفاف حول رأس المشكلة وهو النظام وتصويب السهام نحو دين أو جماعات دينية سوف يؤدى إلى زيادة القبضة القمعية على الجميع مسلمين ومسيحيين وشيعة وغيرهم. وليس أصدق مثال على ذلك من انحياز الكنسية وعدد كبير من ممثلى الأقباط لإعادة ترشيح الرئيس حسنى مبارك فى إنتخابات الرئاسة المزعومة مبررين ذلك بأنه “الوحيد الذى يمكنه الإمساك وبحزم بهذه الشرذمة الإرهابية المتأسلمة الخارجة على كل عرف وقانون.” مع خالص تمنياتهم ” له بالنجاح فى القضاء على جذور الإرهاب، وليعيد لشعبنا القبطى المسالم كرامته التى ساهم بعلم أو بدون علم فى إنتهاكها.”!! ليكافئهم مبارك بعدها مباشرة وفى الانتخابات البرلمانية بالحرمان من حقهم فى التمثيل النيابى جنباً إلى جنب مع النساء وأحزاب المعارضة بينما يتيح الفرصة واسعة لعشرات من أعضاء الجماعة “المحظورة” لتدخل البرلمان من أوسع أبوابه. بيان سابق لمركز الجنوب حول أحداث الأسكندرية السابقة في 22 أكتوبر 2005
يطالب بتحقيق شامل في أحداث الأسكندرية
واتخاذ خطوات فورية لمنع انتشار الفتنة لمحافظات أخرى
وتضامن المجتمع المدني لترسيخ مبادئ الحرية الدينية
تلقى مركز الجنوب ببالغ الحزن والأستياء الأنباء الواردة من محافظة الاسكندرية بشأن احداث الفتنة التي اندلعت منذ يوم الجمعة الماضي وتطورت بالأمس إلى مواجهات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الشرطة بما أدى إلى مقتل ثلاثة متظاهرين وأصابة 35 شخصاً أخرين من بينهم 20 من قوات الشرطة التي حاولت منع المتظاهرين من اقتحام كنيسة مار جرجس احتجاجا على عرض مسرحية يقولون انها تسيء إلى الاسلام.
وتعد هذه ثاني مظاهرة كبيرة عند الكنيسة بشأن المسرحية منذ الأسبوع الماضي وتأتي بعد يومين من قيام شاب بطعن راهبة ورجل أمن في المنطقة قبل القبض عليه، وقد استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع في محاولة لتفريق الحشد الذي رشق الشرطة بالحجارة وأعاد التجمع في عدة مناسبات بعد أوقات الصلاة طوال يوم أمس، وقد شكلت الشرطة طوقا لمنع المتظاهرين من الاقتراب من كنيسة مار جرجس مما دفع بعض المتظاهرين إلى محاولة اقتحام كنيسة اخرى قريبة واحرقوا سيارة للشرطة وسيارة خاصة وعدة متاجر في المنطقة، واستمرت المواجهات حتى ساعة متاخرة من الليل. إن مركز الجنوب لحقوق الإنسان إذ يدين اللجوء إلى العنف من جانب المتظاهرين والاستخدام المفرط للقوة من جانب قوات الشرطة فإنه يحذر من تفاقم الأوضاع وتدهورها الى منحدر خطير إذا استمر التعامل مع أحداث الفتنة الطائفية في الاسكندرية بطريقة أمنية فقط، ويطالب بفتح تحقيق شامل في هذه الأحداث للتعرف على أسبابها ومحاكمة المسئولين عن تفجرها وتطورها.
إن مركز الجنوب لحقوق الإنسان إذ يرصد تنامي دعوات الفتنة وامكانية انتشارها السريع فإنه يدعو كافة الأحزاب والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني للمشاركة في التصدي لدعوات الفتنة التي تهدد الأمن والحياة ببذل أقصى جهد ممكن من أجل ترسيخ قيم المساواة والتسامح والحرية الدينية، وشل أيادي العابثين الذين يروجون للفتنة بدعوى الدفاع عن الدين الإسلامي لإحباط محاولاتهم الخبيثة حتى لاتسيل دماء المصريين مسلمين أو مسيحيين.