8/12/2005

. تحتفل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان باليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يتزامن هذه السنة 2005 مع الذكرى 57 للمصادقة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومع إحياء الذكرى الخمسين لإعلان استقلال المغرب ومع موعد إنهاء هيئة الإنصاف والمصالحة لتقريرها بشأن ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

ويتم إحياء هذه الذكرى في شروط تتميز من حيث الجوهر:

  • دوليا: بالهجوم الإمبريالي الكاسح، في ظل توسيع وتعميق العولمة الليبرالية المتوحشة، على حق الشعوب في تقرير مصيرها وبتكثيف الاستغلال لخيراتها وبضرب المكتسبات في مجال الحريات وحقوق الإنسان. ويجري كل هذا تحت غطاء ما سمي بمحاربة الإرهاب. ولا يحد من هذه الغطرسة سوى الحركة الملحوظة للشعوب وللقوى الاجتماعية التحررية والديموقراطية في مواجهة الاحتلال والعدوان الاستعماري والحروب والهجوم على المكتسبات في مجال الحريات وحقوق الإنسان بمختلف جوانبها.
  • وطنيا: باستمرار الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، رغم بعض المكتسبات الجزئية، مما يؤكد أن بلادنا وبعد خمسين سنة من الإعلان عن استقلال المغرب لم تتمكن بعد من بناء النظام الديموقراطي المنشود المستند إلى معايير دولة الحق والقانون ومجتمع المواطنة بكافة الحقوق.

    وتحتفل الجمعية باليوم العالمي لحقوق الإنسان تحت شعار: “من أجل دستور ديموقراطي ومغرب بدون انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”، وهو الشعار المرفوع منذ المؤتمر السابع للجمعية المنعقد في أبريل 2004، والذي يبرز الأهمية التي توليها الجمعية، من جهة للمسألة الدستورية كمدخل أساسي لبناء دولة الحق والقانون المنشودة، ومن جهة أخرى للمعالجة الديموقراطية السليمة لملف الانتهاكات الجسيمة في المجال السياسي والمدني كما في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ولوضع قطيعة مع الماضي المظلم في هذا المجال وفتح أبواب مستقبل مشرق وجميل أمام الشعب المغربي.

    2. لقد حان الوقت، خمسين سنة بعد الاستقلال، ليعطي مجتمعنا الأهمية المستحقة للمسألة الدستورية بجعل حد لعهد الدساتير غير الديموقراطية في مضمونها والمبلورة بشكل فوقي، بعيدا عن مشاركة القوى الحية في البلاد، والمفروضة بضغوطات وأساليب لا ديموقراطية. لقد حان الوقت لطرح الإشكالية الدستورية بشكل جديد قوامه الديموقراطية من حيث صياغة المشروع التي يجب أن تكون من صلاحية ممثلي مختلف القوى الحية بالبلاد، أو من حيث المصادقة عبر استفتاء ديموقراطي حر ونزيه، أو من حيث المضمون الديموقراطي الذي يجب أن يؤكد بالخصوص على السيادة الشعبية، وعلى الشعب كمصدر لكل السلطات، ويقر بقيم ومعايير حقوق الإنسان الكونية، وبالحكومة كجهاز يتوفر على كافة الصلاحيات التنفيذية، وبالبرلمان كمؤسسة تتوفر على كافة الصلاحيات التشريعية والرقابية، وعلى القضاء كسلطة، وعلى الفصل بين السلط الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية، وعلى الفصل بين الدين والدولة.

    وإن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وهي تؤكد على مطلب الدستور الديموقراطي كبوابة لبناء دولة الحق والقانون، تحذر من مغبة أي محاولة جديدة لإجهاض هذا المطلب الديموقراطي الأصيل باللجوء إلى تعديلات جزئية وظرفية تحافظ على الجوهر الاستبدادي للدستور الحالي.

    3. وبشأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتبطة بالقمع السياسي:

  • لقد أنهت هيئة الإنصاف والمصالحة تقريرها وستعمل الجمعية على دراسته وتقييمه بعد نشره. ومن دون شك أن الجمعية ستسجل المكتسبات الجزئية الواردة في التقرير لتعمل مع شركائها للحرص على تطبيقها وتفعيلها. إلا أن ملف الانتهاكات الجسيمة ــ وكما أعلنت ذلك الجمعية منذ اطلاعها في نونبر 2003 على توصية المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان التي شكلت الأرضية التأسيسية لهيئة الإنصاف والمصالحة ــ سيظل مفتوحا نظرا لعدم معالجة الهيئة لسائر الانتهاكات الجسيمة واكتفاء الأرضية التأسيسية بمعالجة ملفي الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي ونظرا لعدم أخذ فترة ما بعد 1999 بعين الاعتبار ونظرا لموقف الهيئة السلبي من المساءلة وعدم الإفلات من العقاب ونظرا لاكتفاء الهيئة بالبحث عن أنصاف الحقائق وليس عن الحقيقة الكاملة. وسيظل الملف مفتوحا كذلك نظرا للمنازعات التي ستحصل بشأن جبر الأضرار الفردية والجماعية، وبشأن تحديد هوية رفاة الضحايا وتسليمها لذويها، ونظرا لغياب الجديد بشأن ملفات كبرى في مجالي الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري وفي مقدمتها ملف الشهيد المهدي بن بركة، ونظرا لطبيعة التوصيات المتعلقة بالإصلاحات الضرورية لتفادي تكرار الانتهاكات الجسيمة مستقبلا.

    وخلال هذه الفترة اضطلعت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، خاصة من خلال برنامج شهادات بدون قيود من أجل الحقيقة، بدور بارز في تثبيت الرؤيا الموضوعية لمعالجة ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من خلال التأكيد على ضرورة الحقيقة الشاملة والمساءلة والإنصاف المبني على جبر الأضرار الفردية والجماعية والمجتمعية وعلى الاعتراف الرسمي للدولة بمسؤولياتها وعلى اعتذارها للضحايا والمجتمع وعلى حفظ الذاكرة وعلى ضرورة الإصلاحات الدستورية والقانونية والمؤسساتية والتربوية كبوابة نحو دولة الحق والقانون وبالتالي نحو وضع أسس المصالحة بين الدولة من جهة والمجتمع والمواطنين من جهة أخرى.

    ومن المؤكد أن الجمعية ستواصل عملها، في إطار مبادراتها الخاصة، أوبشكل وحدوي في إطار هيئة المتابعة لتوصيات المناظرة حول الانتهاكات الجسيمة لتثبيت المعالجة الصحيحة لملف الانتهاكات الجسيمة وستظل متشبثة بالمطلب المشترك المتعلق بتأسيس “اللجنة الوطنية المستقلة للحقيقة”.

    oo وفيما يخص الانتهاكات الجسيمة المرتبطة بملف مناهضة الإرهاب خاصة بعد أحداث 16 مايو 2003 الإرهابية، إن الجمعية سجلت إيجابية إطلاق سراح 285 من معتقلي ما سمي بالسلفية الجهادية على إثر قرارات العفو المتتالية، وهو ما شكل تصحيحا جزئيا للاعتقالات العشوائية في ظل شروط لم تحترم فيها حقوق الإنسان وخاصة شروط المحاكمة العادلة. وتسجل الجمعية كذلك أن الانتهاكات الجسيمة مازالت سارية في معالجة ملف الإرهاب وهو ما تجلى من خلال الاعتقالات التي طالت ما يسمى بالسلفية الجهادية خلال هذه السنة.

  • وإن أهم التطورات التي عرفها ملف الانتهاكات الجسيمة المرتبطة بملف النزاع حول الصحراء تجسدت من جهة في موجة الاعتقالات التعسفية التي طالت عدد من النشطاء الصحراويين منذ نهاية مايو لهذه السنة وما واكبها من تعذيب (سلط بالخصوص على عضوين من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان) ومن محاكمات غير عادلة، ومن جهة أخرى في الإفراج عن 404 من الأسرى العسكريين المغاربة ظلوا يعانون من الاعتقال والاحتجاز بمنطقة تندوف لمدة تفوق 25 سنة بالنسبة لبعضهم.
  • ولا يفوتنا أن نشير كذلك إلى الحركة التي تعرفها بلادنا من أجل مصادقة المغرب على القانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية حيث تم تشكيل “الإئتلاف المغربي من أجل المحاكمة الجنائية الدولية”. إلا أن السلطات مازالت ترفض هذا المطلب الحقوقي والديموقراطي الذي من شأنه أن يعزز النضال ضد الإفلات من العقاب في مواجهة الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية التي قد ترتكب مستقبلا.
  • وبارتباط مع ملف الانتهاكات الجسيمة، لا يفوتنا أن نشير هنا مسألة الإختطاف بالعراق، ومنذ 20 أكتوبر الماضي للمواطنين المغربيين عبد الرحيم بوعلام وجمال المحافظي مع التذكير بتنديدنا بهذه العملية الشنيعة وبمطالبنا بالإفراج عنهما.

    4. وبالنسبة لملف الانتهاكات الجسيمة المرتبطة بالجرائم الاقتصادية والمتجسدة في مختلف أوجه الفساد الاقتصادي والمالي من نهب للمال العام وتملص من تأدية الضرائب المستحقة وتمتع بالامتيازات الاقتصادية خارج نطاق القانون، وتبذير للمال العام وسوء التسيير الاقتصادي، إن الجمعية ظلت تعير هذه الانتهاكات أهمية قصوى باعتبارها الوجه الآخر للانتهاكات الجسيمة المرتبطة بالقمع السياسي. وباعتبار انعكاساتها الخطيرة على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنات والمواطنين.

    وإذا كانت الجمعية قد أكدت على أن المعالجة السليمة لهذا الملف يستوجب الكشف عن الحقيقة بشأن نوعية الانتهاكات وحجمها وأضرارها ومرتكبيها والمتابعة القضائية النزيهة والشجاعة للمنتهكين دون أي اعتبار لموقعهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي وجبر الأضرار، خاصة عبر استرجاع الدولة والمجتمع للأموال المنهوبة وللفوائد المترتبة عنها. فإن السلطات الحاكمة ببلادنا قد حصرت معالجة هذا الملف في مبادرات محدودة ومحاكمات شكلية يمكن تصنيفها في إطار “الجعجعة بدون طحين”. وإن القضاء الذي يواجه الملفات ذات الطابع السياسي بسرعة مفرطة وبأحكام خيالية يتلكأ بشكل غريب في ملفات الجرائم الاقتصادية (ملف العفورة – السليماني كنموذج) بل ويصل الأمر أحيانا إلى إقبارها.

    وإن الجمعية تنادي كافة الغيورين على حقوق الإنسان وخاصة منها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إلى إيلاء هذا الملف أهمية خاصة، باعتبار أن معالجته الإيجابية ستساهم بشكل فعال في تنمية البلاد وحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وفي بناء دولة الحق والقانون على مستوى العلاقات الاقتصادية.

    5 بالنسبة للحق في الحياة، تسجل الجمعية الممارسات السلطوية التي أدت إلى إزهاق أرواح عدد من الأشخاص: مقتل 14 من المهاجرين الأفارقة على مشارف سبتة ومليلية في نهاية شتنبر وبداية أكتوبر، مقتل المواطن حمدي المباركي في العيون، ووفاة عدد من المواطنين في ظروف مشبوهة (المضيق، تمارة، مراكش، علال التازي،…). كما تسجل أن القضاء قد أصدر هذه السنة عدة عقوبات بالإعدام وأن الدولة مازالت ترفض الاستجابة للمطلب الحقوقي المتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام من كافة القوانين المغربية وبالمصادقة على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي حول الحقوق المدنية والسياسية والمتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام.

    ونشير هنا كذلك إلى التهديدات الممارسة ضد الحق في الحياة من طرف بعض القوى الأصولية التكفيرية ضد عدد من الصحفيين (حالة سعيد لكحل كنموذج) والقادة السياسيين والتي سبق للجمعية أن أدانتها بشدة.

    وبالنسبة للحق في السلامة البدنية ولممارسة التعذيب لقد سجلت الجمعية إيجابية المصادقة على قانون زجر التعذيب وكذا القرار الحكومي ــ الذي لم يفعل بعد ــ برفع التحفظات عن اتفاقية مناهضة التعذيب، إلا أننا نسجل أن ممارسة التعذيب مازالت سارية المفعول وقد عانى منها بعض أعضاء الجمعية أنفسهم بالعيون وبالحسيمة بالخصوص.

    وبالنسبة للحق في التنقل مازال عدد من المواطنين يحرمون تعسفا من جواز السفر، كما هو الشأن بالنسبة لأحمد البخاري وذلك رغم إصدار حكم قضائي لصالح.

    6. وبالنسبة لملف الحريات العامة تسجل الجمعية:

    ــ مصادقة البرلمان على قانون الأحزاب السياسية الذي اعتبرناه تراجعا حتى بالنسبة للتشريع الجاري به العمل سابقا نظرا بالخصوص لسعيه إلى تنميط وتدجين الأحزاب وإقرار وصاية وزارة الداخلية عليها.

    ــ مصادقة البرلمان على “قانون زجر إهانة علم المملكة ورموزها” والذي من شأنه أن يؤدي إلى توسيع دائرة المقدسات على حساب حقل الحريات مع ما قد يترتب عن ذلك من مس بحرية الرأي والتعبير.

    ــ الهجوم على الصحافة المستقلة والصحفيين: الحكم الجائر ضد علي المرابط، متابعة الأسبوعية الجديدة، الرغبة في اغتيال أسبوعية “طيل كيل”عبر حكمين قضائيين جائرين ضدها،…الخ

    ــ الحرمان والتهميش لعدد من الهيئات (ومن ضمنهم جمعيتنا) على مستوى الاستفادة من الإعلام الرسمي.

    ــ انتهاك حرية التظاهر عبر القمع الأمني المباشر (تماسيت، فكيك، العيون ومدن صحراوية أخرى، إفني، فاس، العرائش، خنيفرة، مراكش، الرباط، إفران، المعطلين بالعديد من المناطق….) وعبر استعمال القضاء (تماسينت العيون، بكارة بالعرائش، تارودانت، تازة، فاس، مراكش، الرباط،كلميم…)

    ــ متابعة عدد من المواطنين بتهمة المس بالمقدسات أو الإشادة بالأعمال الإرهابية.

    ــ الشطط في استعمال السلطة المتمثل في حرمان العديد من الهيئات من حقها في التنظيم والعمل الشرعي بعدم تسليمها وصول الإيداع القانونية.

    ــ مواصلة الإجهاز على الحق الدستوري في الإضراب عبر استعمال الفصل 288 من القانون الجنائي لاعتقال ومحاكمة وإدانة المضربين.

    ــ ترهيب وقمع العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان وفي مقدمتهم أعضاء من الجمعية بتازة والعيون والحسيمة وتاونات وفاس.

    7. فيما يخص ملف القضاء، إن تصرف عدد من الهيئات القضائية في عدد من الملفات، كملفات الفساد والمعتقلين الصحراويين ومعتقلي ما سمي بالسلفية الجهادية وقضايا حرية الصحافة (علي المرابط، ألأسبوعية الجديدة، طيل كيل) وحرية التظاهر (الحسيمة، تازة، تارودانت،…) ونزاعات الأسرة تظهر بجلاء أن عاهات القضاء المغربي المتجسدة في ضعف أو غياب الاستقلالية والنزاهة مازالت قائمة وأنها تشكل عرقلة أساسية أمام احترام حقوق الإنسان وتسييد دولة الحق والقانون.

    كما نسجل، ورغم إلغاء محكمة العدل الخاصة، استمرار أشكال أخرى من القضاء الاستثنائي متمثل في قضاء المقاطعات والجماعات والمحكمة العسكرية والمحكمة الجنائية المتخصصة في قضايا الإرهاب.

    8. وبالنسبة لأوضاع السجون، تسجل الجمعية التدهور العام لأوضاع السجناء، وبالخصوص المضايقات والتعسفات التي يعاني منها المعتقلون في إطار قضايا ذات طابع سياسي والتي أدت إلى إضرابات كبرى وطويلة عن الطعام.

    وتسجل الجمعية كذلك عدم تفعيل اللجان الإقليمية لمراقبة السجون وعدم تجاوب وزارة العدل مع مطالب المنظمات الحقوقية لزيارة السجون. أما عن إجراءات العفو المتخذة من حين لآخر وخاصة منها تلك المتخذة بمناسبة “الذكرى الخمسينية للاستقلال”، تعتبر الجمعية أن هذه الإجراءات رغم إيجابياتها بالنسبة للمعنيين بالأمر فإن مفعولها يظل محدودا في مواجهة إشكالية اكتظاظ السجون مما يستوجب التفعيل المنتظم لكافة الإجراءات البديلة عن سلب الحرية، مع العلم أن إجراءات العفو الأخيرة لم تمس المعتقلين السياسيين الذين نطالب بإطلاق سراحهم.

    9. وبالنسبة لحقوق المرأة، إن الجمعية إذ تذكر بموقفها من مدونة الأسرة – التي شكلت تقدما بالمقارنة مع مدونة الأحوال الشخصية السابقة رغم أن مقتضياتها ظلت دون مطالب الجمعية ودون المعايير الدولية بشأن حقوق المرأة – تعبر عن استنكارها للعراقيل التي تحول دون تطبيق المقتضيات الإيجابية لمدونة الأسرة وتطالب السلطات بتحمل مسؤولياتها لتسهيل الإجراءات وتوفير الإمكانيات البشرية والتأهيلية التي تسمح بتطبيق هذه المقتضيات. وتؤكد الجمعية مطالبتها بمدونة للأسرة عصرية وديموقراطية منسجمة مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.

    كما تسجل الجمعية أن ظاهرة العنف ضد النساء مازالت متفشية بشكل خطير ببلادنا كإحدى المظاهر المشينة لانتهاك حقوق الإنسان مما يستوجب اتخاذ الإجراءات القانونية والتربوية والعملية لجعل حد لهذه الظاهرة الحاطة بالكرامة البشرية.

    وتسجل الجمعية كذلك أن النساء مازلن الأكثر تعرضا لانتهاك حقوق الإنسان عامة وللحقوق الشغلية خاصة.

    10. فيما يخص حقوق الطفل، هناك مؤشرات تبين أن الاستغلال الجنسي للأطفال يتفاقم باستمرار كما أن استغلالهم الاقتصادي ــ في الحقول والمعامل والصناعة التقليدية وكخادمات البيوت، … ــ لم يتقلص هو الآخر رغم رفع سن الأطفال إلى 15 سنة من طرف مدونة الشغل. يضاف لكل هذا تأثير الفقر على تغذية وصحة وتمدرس الأطفال.

    11. وبشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تسجل الجمعية استمرار وتعمق الانتهاكات في هذا المجال نتيجة الاقتصادي السائد وضخامة خدمات المديونية الخارجية وانعكاسات السياسة الليبرالية المتوحشة – خاصة بالنسبة لميزانية الدولة التي أصبحت متعارضة مع التنمية والتشغيل – والخوصصة والانخراط الكامل في العولمة من موقع الضعف (اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي واتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة) والنهب السافر للمال العام والثروات الوطنية مع استمرار السلطات في نهج سياسة الإفلات من العقاب بشأن الجرائم الاقتصادية كما هو الشأن بالنسبة للانتهاكات المرتبطة بالقمع السياسي.

    وبشأن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي قدمت كوصفة لمعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، فقد سجلنا في الجمعية أن هذه المبادرة إذا كانت قد مكنت من إبراز لا جدوى المقاربات السابقة لمواجهة المشاكل الاجتماعية، فإن البلاد مازالت محتاجة من أجل تطوير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلى مقاربة جديدة تنسجم مع حقوق الإنسان عامة ومع المادة الأولى من العهدين الدوليين حول الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بصفة خاصة والتي تنص على حق الشعوب في تقرير مصيرها الاقتصادي والتحكم في ثرواتها.

    12 بالنسبة للحق في الشغل ورغم تنظيم الحكومة للمناظرة الوطنية حول التشغيل التي لم تكن لها نتيجة ملموسة، نسجل استمرار الانتهاكات الخطيرة لهذا الحق المتجسدة بالخصوص في البطالة المكشوفة أو المقنعة لملايين المواطنين والمواطنات، بمن فيهم مئات الآلاف من حاملي الشواهد العليا بل والدكاترة الذين يتعرضون للقمع باستمرار نتيجة إصرارهم على النضال والتظاهر السلمي للمطالبة بإعمال حقهم الإنساني والدستوري في الشغل. ومازال انتهاك الحق في الشغل يولد لدى الضحايا اليأس والإحباط لدرجة تفشي ظاهرة الانتحارات أو التهديد به جماعيا وامتطاء قوارب الموت وما يرافقها من مآسي.

    13. وفيما يخص حقوق العمال، إن الجمعية تستنكر مجددا الانتهاكات الخطيرة التي تطالها، خصوصا بعد دخول مدونة الشغل ــ بما تتضمنه هي الأخرى من سلبيات جوهرية متعلقة بمرونة التشغيل ومرونة الأجور وتهميش دور النقابة على مستوى المقاولة ــ حيز التطبيق، والتي اعتبرت فرصة سانحة بالنسبة لجل المشغلين للإجهاز على حقوق العمال وحتى على مقتضيات المدونة نفسها. وهذا ما يتجسد بالخصوص في إغلاقات المعامل والتسريحات الجماعية التعسفية وعدم احترام الحد الأدنى للأجور ومدة العمل والضمان الاجتماعي ومختلف العطل في قطاعات وازنة مثل الفلاحة والنسيج والسياحة والبناء والأشغال العمومية والصناعات الغذائية ناهيك عن القطاعات غير المنظمة.

    أما بالنسبة للحريات النقابية فقد أصبحت تخرق أكثر من أي وقت مضى على مستوى المقاولة مما أدى إلى ترهيب عمال القطاع الخاص وابتعادهم على العمل النقابي. ولا شك أن القانون التنظيمي للإضراب ــ إذا ما تمت المصادقة على المشروع في صيغته الحالية التي رفضتها الجمعية وجل مكونات الحركة النقابية العمالية ــ سيجهز لا محالة على الحق في الإضراب باعتباره حقا إنسانيا ودستوريا في نفس الوقت.

    14. وبالنسبة للحق في الصحة، فإنه ينتهك بشكل ثابت بالنسبة لجل المواطنات والمواطنين بعد التخلي عن مجانية الخدمات الصحية في المستشفيات العمومية. وإن دخول التأمين الإجباري عن المرض في صيغته الحالية حيز التطبيق لن يكون له تأثير ملموس على تحسن إعمال الحق في الصحة. وعلى عكس ذلك فإن استفادة عدد من الأطباء والممرضين من المغادرة الطوعية بالإضافة إلى المشاكل المزمنة لشغيلة الصحة العمومية قد فاقم الأوضاع في هذا الميدان.

    15. وبالنسبة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأخرى ــ الحق في التعليم، والحق في السكن اللائق، الحق في البيئة السليمة، حقوق ذوي الحاجات الخاصة، الحق في العيش الكريم، الحق في الضمان الاجتماعي ــ فلم تعرف إجمالا وبدورها تقدما ملموسا وهو ما يتجسد في المكانة غير المشرفة للمغرب في سلم التنمية البشرية (124). ولا بد من الإشارة هنا إلى المخاطر بشأن الحق في العيش الكريم المهدد بشكل كبير بسبب غلاء المعيشة المرتقب والذي سيتفاقم مع دخول مقتضيات القانون المالي لسنة 2006 حيز التطبيق.

    16. وبالنسبة لمخلفات زلزال الحسيمة المأساوية، نسجل استمرار معاناة السكان بهذا الإقليم المنكوب وندعو السلطات إلى تكثيف العمل من أجل ضمان السكن اللائق لكافة المواطنات والمواطنين بالمنطقة، وإلى التعامل الإيجابي مع مطالبهم ومع احتجاجاتهم السلمية المشروعة بعيدا عن عقلية الهاجس الأمني التي أدت إلى العنف ضد المتظاهرين وإلى العديد من الاعتقالات والأحكام الجائرة بعقوبات سجنية.

    17 وبالنسبة لقضايا الهجرة تسجل الجمعية أن مآسي المهاجرين من اصل مغربي ــ للبلدان الغربية خاصة ــ تتفاقم نتيجة العطالة والإضطهاد العنصري والربط التعسفي بين الهجرة والتطرف الديني والإرهاب. وإن الجمعية تستنكر الإجراءات المتخذة في عدد من البلدان للتضييق على حقوق المهاجرين ومكتسباتهم.

    كما تسجل الجمعية أن المآسي المرتبطة بالهجرة السرية قد أصبحت أكثر حدة سواء بالنسبة للمغاربة أو بالنسبة للأفارقة القادمين من جنوب الصحراء والمضطرين لولوج المغرب والإقامة به في ظروف لا إنسانية قبل محاولة العبور إلى أوروبا. وقد عرفت بلادنا هذه السنة مواجهة قمعية لا إنسانية للمهاجرين الأفارقة وذلك من طرف السلطات المغربية بتعاون مع إسبانيا وبدعم من الاتحاد الأوروبي. وقد وصل هذا القمع إلى حد مقتل عدد من إخواننا الأفارقة على مشارف سبتة ومليلية في نهاية شتنبر وبداية أكتوبر 2005 وإلى الحصار والتجويع وترحيلهم تعسفا وفي ظروف لا إنسانية إلى بلدانهم رغم ما قد ينتظرهم هناك من مخاطر بسبب الحروب الأهلية والأوضاع السياسية والاجتماعية المتردية. وقد كان للجمعية على المستوى المركزي وعلى مستوى عدد من الفروع موقفا مشرفا حيث فضحت الانتهاكات ونددت بها خاصة من خلال الوقفة الناجحة التي نظمتها بالرباط يوم 13 أكتوبر الماضي.

    18. وبشأن الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية تؤكد الجمعية أن المدخل الأساسي لاحترامها بشكل دائم وثابت، غير خاضع لتقلبات الظرفية السياسية، ولتجاوز الإرتباك الحاصل في تدريس اللغة الأمازيغية وضعف تواجد اللغة والثقافة الأمازيغية على مستوى الإعلام الرسمي وفي مختلف مناحي الحياة المجتمعية، يكمن أساسا في الحماية الدستورية والقانونية لهذه الحقوق.

    19. وبالنسبة للقضايا الدولية، لازالت الإنسانية تعاني من توسع وتعمق العولمة الليبرالية المتوحشة وما ينتج عنها من دوس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعاني من تفاقم السيطرة الإمبريالية وما ينجم عنها من إهدار لحق الشعوب في تقرير مصيرها السياسي والاقتصادي والثقافي ومن حروب واحتلال وتحريف لدور منظمة الأمم المتحدة أو تهميشها.

    كما أن ظاهرة الإرهاب – ومع التمييز الضروري بين هذه الظاهرة المدانة وبين المقاومة المشروعة للشعوب من أجل تقرير مصيرها ــ تتوسع باستمرار (نموذج تفجيرات لندن في يوليوز وعمان في نونبر) وتتغذى بالخصوص من النتائج الخطيرة للعولمة على حياة الناس ومن الغطرسة الإمبريالية ومن الأساليب السائدة في مواجهة الإرهاب والتي تجهز في نفس نفس الوقت على الحريات وحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير المصير.

    وبهذه المناسبة إن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان:

    ــ تعبر عن تضامنها مع كافة الحركات الاجتماعية المناهضة للحرب وللعولمة الليبرالية المتوحشة. ــ تندد بالإرهاب الأعمى الذي يستهدف المدنيين العزل، وتندد بأساليب مناهضة الإرهاب التي تجهز على الحريات وحقوق الإنسان. وفي هذا الإطار جاء تنديد الجمعية بفضيحة معتقل كوانطاناموا والمعتقلات السرية التي تشرف عليها المخابرات الأمريكية بعدد من الدول (“المواقع السوداء”) وبالتراجع على عدد من المكتسبات في مجال حقوق الإنسان.

    ــ تطالب بجعل حد لاحتلال فلسطين والعراق وأفغانستان وتمكين شعوب هذه البلدان من تقرير المصير والاستقلال. وتندد بالضغوطات وبالتحرشات الأمريكية ضد عدد من الدول وفي مقدمتها سوريا وإيران وكوبا وكوريا الشمالية وفنزويلا.

    ــ تؤكد رفضها لما سمي “بمنتدى المستقبل” الذي عقد لقاءه الثاني في البحرين (يونيو 2005) بعد لقاءه الأول بالمغرب (دجنبر 2004) باعتباره وسيلة لإعمال المشروع الإمبريالي الأمريكي المسمى “بمبادرة الشرق الأوسط الكبير”.

    ــ تحيي نضالات القوى الديموقراطية بالمغرب الكبير، ومن ضمنها حركة الدفاع عن حقوق الإنسان، من أجل إقرار الديموقراطية وحقوق الإنسان في هذه المنطقة. وفي هذا الإطار جاء مشروع تشكيل تنسقية مغاربية لحقوق الإنسان الذي نجدد العزم على تسجيده في الواقع وفي أقرب الآجال.

    20. وأخيرا إن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وهي تحيي اليوم العالمي لحقوق الإنسان، تؤكد تشبثها بمواصلة النضال وبذل كل التضحيات من أجل سيادة حقوق الإنسان ببلادنا وعبر العالم وتدعو كافة الديموقراطيات والديموقراطيين ببلادنا إلى المزيد من التعاون لتحقيق المطالب الأساسية للحركة الحقوقية معتبرة في نفس الوقت عن تشبثها بشعار “وحدة العمل للدفاع عن حقوق الإنسان” وبالتالي عن استعدادها للعمل مع كافة مكونات الحركة الحقوقية وسائر القوى الديموقراطية ببلادنا من أجل بناء دولة الحق والقانون ومجتمع المواطنة بكافة الحقوق.

    المكتب المركزي
    في 08 دجنبر 2005