6/6/2006

رفعت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان اليوم 6/6/2006 مذكرة لرئيس الجمهورية ورئيس مجلسي الشعب والشورى ود.مفيد شهاب وزير الشئون القانونية والمجالس النيابية تتضمن مقترحات المنظمة فيما يخص إصلاح نظام الحبس الاحتياطي وإيجاد بدائل له ، وكذلك ملاحظاتها على المشروع الذي أعدته الحكومة في ذات الإطار .

وأكد حافظ أبو سعده الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان أن مشروع الحكومة فيما يخص الحبس الاحتياطي قد أغفل النص على حق التعويض في حالة الحبس الاحتياطي المخالف للشروط المنصوص عليها في القانون وثبوت البراءة بعده. فمن الضروري تمكين المتهم الذي حبس احتياطيا بصورة غير قانونية ولفترة طويلة وتثبت براءته نهائيا، من المطالبة بالحصول على تعويض عن إهدار حقوقهم وتعرض حياتهم الاجتماعية والوظيفية للضياع ، ويستند هذا المطلب إلى المادة (9/5) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي وافقت مصر عليه وصدقت عليها حيث تنص على أنه لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني حق الحصول على تعويض، وكذلك المادة الخامسة من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان لعام 1950 التي تنص على مسئولية الدولة بالتعويض عن أضرار الحبس الاحتياطي وجعلت للمضرور حق وجوبي في التعويض.

وأضاف أبو سعده أن معظم الدول المتحضرة قد أخذت بالنص على التعويض مقابل أيام الحبس الاحتياطي في حالة البراءة ومنها قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي المعدل 1970 (مادة 149) كذلك قرر المؤتمر الدولي السادس لقانون العقوبات المنعقد في روما عام 1953 مسئولية الدولة عن تعويض المحبوس احتياطيا. كما نص على ذلك كلٍ من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 ومن ثم من الضروري أن يتدخل المشرع بنص صريح يكفل للمضرور من الحبس الاحتياطي التعسفي تعويض عادل أسوة بالدول التي سبقتنا في هذا المجال.

وأشار الأمين العام للمنظمة أن القانون الفرنسي قد أوجب تعويض المتضررين من الحبس الاحتياطي حيث تتحمله الدولة وتقدره وتحكم به المحاكم ولا يجوز الرجوع على القاضي أو عضو النيابة الذي أصدر قرار الحبس الاحتياطي. وإن كان يمكن للدولة أن ترجع على من تسبب في حبس المتهم احتياطيا، كشهود الزور أو الذي قدم بلاغا بسوء نية، وهذا من شأنه أن يحد من البلاغات الكيدية. ومن سلبيات الأخرى للمشروع ، أوضح أبو سعده أنه قصر بدائل نظام الحبس الاحتياطي في نظام المراقبة القضائية ، ولا شك أن هذه خطوة مهمة في عملية تطوير مفاهيم العدالة نحو التعامل مع قرينة البراءة اللصيقة بالإنسان والتأكيد على الثقة في المفهوم الإنساني للدولة.ولكن من الملاحظ أن التشريعات المقارنة قد توسعت في هذه البدائل أو أجازت لقاضي التحقيق أن يختار واحدًا أو أكثر منها،وذلك بهدف الحد من حالات الحبس الاحتياطي.

على سبيل المثال: فإن المادة 138 من القانون الفرنسي حددت 16 تدبير يخضع الشخص الموضوع رهن المراقبة القضائية لواحد أو أكثر منها. وتوسعت المادة 152 من قانون المسطرة الجنائية المغربي الجديد في هذه الالتزامات لتصل إلى 18 التزاماً منها:

1- عدم مغادرة الحدود الترابية المحددة من طرف قاضي التحقيق.
2- عدم التغيب عن المنزل أو السكن المحدد من طرف قاضي التحقيق إلا وفق الشروط والأسباب التي يحددها القاضي المذكور.
3- عدم التردد على بعض الأمكنة التي يحددها قاضي التحقيق
4- إشعار قاضي التحقيق بأي تنقل خارج الحدود المعنية
5- الحضور بصفة دورية أمام المصالح والسلطات المعنية من طرف قاضي التحقيق.
6- الاستجابة للاستدعاءات الموجهة إلى الخاضع للمراقبة من طرف أية سلطة أو أي شخص مؤهل معين من طرف قاضي التحقيق.
7- الخضوع لتدابير المراقبة المتعلقة بالنشاط المهني أو حول مثابرته على تعليم معين.
8- إغلاق الحدود.
9- تقديم الوثائق المتعلقة بهويته لا سيما جواز السفر إما لكتابة الضبط أو لكتابة الضبط مقابل وصل، ويمكن لقاضي التحقيق أن يأذن لمصلحة الشرطة أو الدرك الملكي مقابل وصل.
10- المنع من سياقة جميع الناقلات أو بعضها أو تسليم رخصة السياقة له باستعمال رخصة السياقة في حالات خاصة منها مثلا حالة مزاولة نشاطه المهني.
11- المنع من الاتصال ببعض الأشخاص المحددين على وجه الخصوص من طرف قاضي التحقيق.
12- الخضوع لتدابير الفحص والعلاج أو لنظام الاستشفاء سيما من أجل إزالة التسمم.
13- إيداع كفالة مالية يحدد قاضي التحقيق مبلغها وأجل أدائها مع الأخذ بعين الاعتبار الحالة المادية للمعني بالأمر.
14- عدم مزاولة بعض الأنشطة ذات طبيعة مهنية أو اجتماعية ما عدا المهام الانتخابية أو النقابية.
15- عدم إصدار الشيكات.
16- عدم حيازة الأسلحة وتسليمها إلى المصالح الأمنية المختصة مقابل وصل.
17- تقديم ضمانات شخصية أو عينية يحددها قاضي التحقيق تستهدف الحفاظ على حقوق الضحية.
18- إثبات مساهمة المتهم في التحملات العائلية أو أنه يؤدي بانتظام النفقة المحكوم بها عليه.

وقد حددت المادة 151 من القانون المغربي مدة الوضع تحت المراقبة القضائية في 10 أشهر (شهرين قابلة للتجديد خمس مرات). وطرح أبو سعده سؤالاً مفاده: لماذا لا نتوسع في هذه التدابير البديلة المنصوص عليها في مشروع القانون المعروض، وبحيث نقلل اللجوء للحبس الاحتياطي إلا في الجرائم الجسيمة، ونتيح للسلطة المختصة أن تختار بين العديد من التدابير تبعًا لحالة كل قضية وكل متهم. وقد أثبت نظام المراقبة القضائية نجاحًا في التجارب القانونية المقارنة، مضيفاً لماذا لا يتم الأخذ بنظام المنع من السفر خارج البلاد كأحد بدائل الحبس الاحتياطي – شرط أن توضع في القانون الضوابط التي تتفق مع الشرعية الدستورية وحقوق الإنسان.

ومن هذه الضوابط: o أن يكون المنع من السفر مسببا وصادرًا من النائب العام وحده.
o أن تكون الواقعة المنسوبة إلى المتهم جناية.
o أن تتوافر دلائل كافية على خشية هروب المتهم.
o يكون قرار المنع من السفر قابلا للتظلم أمام المحكمة المختصة بنظر موضوع الدعوى كل 3 شهور. وكذلك هناك بعض الحالات الإنسانية، مثل حالة إذا كانت المتهمة حاملا أو مرضعة أو إذا كان الشخص في ظروف صحية خطيرة أو تجاوز سن السبعين. لماذا لا نلزم بالأخذ بأحد التدابير البديلة للحبس الاحتياطي في هذه الحالة مثل إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه، وذلك إذا لم توجد مبررات ذات صفة استثنائية .
ولكن في ذات الوقت تضمنت مذكرة المنظمة المصرية عدة إيجابيات لمشروع قانون الحبس الاحتياطي الذي أعدته الحكومة ولعل أهمها :

1-التوسع في نظام الصلح الذي ينهي المنازعات للتخفيف على القضاء وعلى المتنازعين وذلك بالتوسع في الجرائم التي يجوز التصالح فيها وجواز الصلح في أية حالة كانت عليها الدعوى، أخذا بمفهوم العدالة التصالحية.
2-تضييق نطاق الحبس الاحتياطي: وذلك من خلال رفع الحد الأدنى لعقوبة الحبس في الجرائم التي يجوز فيها الحبس الاحتياطي من 3 شهور إلى سنة.وإن كانت المنظمة المصرية ترى أنه يجب أن تزيد عن سنة .
3-وضع ضوابط على مدة الحبس الاحتياطي تحول دون تحوله من إجراء احترازي إلى عقوبة سالبة للحرية دونما مسوغ من حكم قضائي بالإدانة.
4-تضييق الجهة القضائية التي تملك إصدار قرار الحبس الاحتياطي، حيث اشترط ألا يصدر الأمر بالحبس الاحتياطي إلا من وكيل نيابة على الأقل.
5- تمكين المتهم من الحصول على حقه في وجود دفاع وذلك بإلزام المحكمة أن تندب له محاميا في حالة عدم وجود محام له أو عدم حضوره. وفي نفس الوقت الحفاظ على المواعيد المنصوص عليها في التحقيق الجنائي والتي يترتب على عدم مراعاتها بطلان الإجراءات الجنائية كلها.
6-استحداث ضمانات جديدة للحبس الاحتياطي تحترم قرينة البراءة وحقوق الإنسان، وأهم هذه الضمانات هي تحديد المبررات التي تسوغ إصدار الأمر بالحبس الاحتياطي على سبيل الحصر ووجوب تسبيبه.
7-استحدث المشروع نظام المراقبة القضائية، حينما نص على إمكانية استبدال الحبس الاحتياطي بالحبس المنزلي أو إلزام المتهم بأن يقدم نفسه إلى مقر الشرطة في أوقات محددة أو أن يحظر علي المتهم ارتياد بعض الأماكن.

هذا المفهوم ينطوي على مزايا عديدة: فهو من ناحية أولى يتفادى الآثار السلبية للحبس الاحتياطي سواء تلك المتعلقة بالشرعية الجنائية وقرينة البراءة أو تلك التي تنطوي على أضرار اجتماعية أو أسرية أو مهنية أو نفسية للمتهم المحبوس. ومن ناحية ثانية فإن نظام المراقبة القضائية يكفل تحقيق الاعتبارات التي يقتضيها الادعاء وضرورات التحقيق مع المتهم وضمان عدم إفلاته من العدالة، ويلاحظ أن العديد من التشريعات العربية قد أخذت بنظام المراقبة القضائية مثل التشريعين المغربي واللبناني. ومن ناحية أخرى ، أكدت المذكرة أنه نظراً لما ينطوي عليه نظام الحبس الاحتياطي من مساس بالحرية الشخصية بحيث ينبغي ألا يفرض على المتهم إلا لدواعي الضرورة، وبضوابط محددة، ورغبة في تحقيق التوافق بين الحماية الدستورية لحقوق وحريات الإنسان وبين التنظيم التشريعي للإجراءات بحيث لا تمثل انتقاصاً منها، فلابد من إصلاح نظام الحبس الاحتياطي في مصر من خلال وضع تعريف محدد للحبس الاحتياطي وتحديد أقصى مدة زمنية له ، والعمل على إيجاد بدائل له ، وضرورة تسبيب أمر الحبس الاحتياطي على أن يتضمن بيان الواقعة والنص الواجب التطبيق عليها ، ومبررات الحبس الاحتياطي والاعتبارات القانونية والواقعية الدالة على عدم كفاية الإجراءات التحفظية الأخرى البديلة عن الحبس الاحتياطي، ولذلك يقتضي تعديل المادة 134 من قانون الإجراءات الجنائية “بأن يكون لقاضي التحقيق أن يصدر أمراً مسببًا بحبس المتهم احتياطياً يتضمن البيانات المشار إليها آنفًا “.

وعليه تقترح المنظمة تضمين قانون الإجراءات الجنائية المبررات الآتية :

الحفاظ على الأدلة أو الآثار المادية ، أو عدم التأثير على الشهود.
حماية شخص المتهم وضمان وجوده تحت تصرف العدالة .
توقي تجدد وقوع الجريمة ووضع نهاية للإخلال بالأمن والنظام العام.
ولعل النص على وجوب توافر أحد هذه المبررات هو أمر تفرضه الطبيعة الاستثنائية لهذا الإجراء ، فضلاً عن كونه يتسق ويتكامل مع ضرورة تسبيب الحبس الاحتياطي من ناحية أخرى .
كما لابد أن تشمل التعديلات العمل على إيجاد ضمانات للحبس الاحتياطي التي تكفل وحدها التوفيق بين فعالية التحقيق الجنائي والحفاظ على أمن المجتمع من جهة وبين احترام قرنية البراءة وحقوق الإنسان من جهة ثانية ، وتستوجب ضمانات الوصول للعدالة أن يتم استجواب المتهم قبل حبسه احتياطيًَا ويقصد بالاستجواب مواجهة المتهم بالتهمة المنسوبة إليه ومطالبته بإبداء رأيه فيها ، ثم مناقشته تفصيليًا في أدلة الدعوى إثباتًا أو نفيًا للكشف عن الحقيقة ، والاستجواب بهذا المعنى يتميز عن سؤال المتهم الذي يقوم به مأمور الضبط القضائي ويعتبر إجراء من إجراءات الاستدلال ،إذ تقتصر على مجرد سؤال المتهم عن التهم المنسوبة إليه بالرد على ذلك ، وإبداء ما يشاء من أقوال من شأنها دون أن يناقشه تفصيلاً أو يواجهه بالأدلة القائمة ضده .

وتتحدد ضمانات الاستجواب النزيه بثلاث ضمانات هامة وهي :

دعوة محامي المتهم للحضور إعمالاً لنص المادة 124 من قانون الإجراءات الجنائية ، ومع ملاحظة أن حضور المحامي اختياري للمتهم في الجنايات في مرحلة التحقيق الابتدائي أما في مرحلة المحاكمة في الجنايات فهو إجباري .
إطلاع المحامي على التحقيق قبل الاستجواب إعمالاً لنص المادة 125 من قانون الإجراءات الجنائية ، مع ملاحظة أنه يترتب البطلان على عدم السماح بغير مقتضي لمحامي المتهم بالإطلاع على التحقيق في اليوم السابق على استجواب المتهم أو مواجهته بغيره أو بالإطلاع على التحقيق أو الإجراءات التي أجريت في غيبته .
قصر الاستجواب على سلطة التحقيق حيث لم يجز المشرع إجراء الاستجواب إلا لسلطة التحقيق وذلك خلافاً لإجراءات التحقيق الأخرى التي يجوز ندب مأمور الضبط القضائي لإجرائها إعمالاً لنص المادة 70 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 71 فقرة 2 من ذات القانون .