19/2/2005
- فى ندوة مركز الجنوب حول هجرة الشباب المصرى 460 الف شاب مصرى فى أوروبا من بينهم 90 الف فى إيطاليا بشكل غير شرعى طبقاً للإحصاءات الرسمية والأعداد غير الرسمية أكبر بكثير
- 2000 شاب مصرى من قرية ميت ناجى بالدقهلية يعبرون المتوسط إلى ايطاليا خلال ثلاثة أعوام فى قوارب مطاطية لا تسع سوى ثمانية أشخاص بينما يستقلها أكثر من أربعين شاب.
- شبابنا يواجهون ظروفاً لا إنسانية تصل إلى حد الموت غرقاً أو رمياً بالرصاص على يد مهربى البشر فى ليبيا ومصر
- الإتحاد الأوروبى يستخدم السلاح الأمنى فى مواجهة الظاهرة ويتملص من مسئولياته التنموية فى دول الجنوب.
- السياسات الإقتصادية التى تنتهك حقوق الإنسان تحت مسمى التنمية هى السبب الحقيقي فى غرق شبابنا فى البحر المتوسط. عقد مركز الجنوب لحقوق الإنسان بالتعاون مع مؤسسة أولاد الأرض حلقة نقاشية يوم الخميس الموافق 17 فبراير 2005 بعنوان ” ظاهرة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا أسبابها وطرق معالجتها” حضر الحلقة النقاشية عددا من نشطاء حقوق الإنسان والمهتمين والصحفيين، ويأتي ذلك فى إطار إهتمام مركز الجنوب بقضايا التنمية والآثار السلبية الناتجة عن السياسات التنموية التى لا تعتمد على إحترام حقوق الإنسان فى دول الجنوب، حيث تأتي ظاهرة الهجرة غير الشرعية من الدول الفقيرة إلى دول الشمال من أهم أثار هذه السياسات.
وتناولت الحلقة النقاشية محورين هما:
-
- -هجرة الشباب المصريين بالقوارب إلى إيطاليا (قرية ميت ناجى.. دراسة حالة)
- – السياسات المطروحة لمواجهة الظاهرة (سياسة الإتحاد الأوروبى… رؤية نقدية)
في البداية تناول الأستاذ محمود المنسى من مؤسسة أولاد الأرض فى كلمته التى دارت حول المحور الأول ظاهرة هجرة الشباب بالقوارب المطاطية من قرية ميت ناجى بمحافظة الدقهلية إلى إيطاليا مروراً بليبيا. وأشار إلى أن هذه الظاهرة شهدت تزايداً ملحوظاً فى السنوات الأخيرة وخصوصاً بعد تطبيق قانون العلاقة بين المالك والمستأجر الذى حرم الآلاف من سكان قرية ميت ناجى البالغ تعدادهم 17 ألف نسمة من مصدر دخلهم الوحيد وهو الأراضى الزراعية التى كانوا يستأجرونها بأسعار منخفضة قبل تطبيق القانون رقم 96 لسنة 1992 وكانت تمثل فرصة العمل الوحيدة لأفراد الأسرة كافة بمن فيهم الأبناء الشباب، فبعد القانون ارتفعت إيجارات الأراضى الزراعية ارتفاعاً كبيراً وكذلك إرتفعت مستلزمات الزراعة بينما إنخفض العائد من الزراعة وفى الوقت الذى يعانى فيه غالبية سكان القرية من الأمية ومن عدم إحتراف أى مهن أخرى غير الزراعة لم يكن أمامهم بدائل بعد تنفيذ القانون واتضاح آثاره المدمرة على حياة الأسر الفقيرة فى القرية سوى السفر إلى الخارج.
والأمر الذى زاد من إقبال الشباب على فكرة السفر إلى إيطاليا بالتحديد الركود الذى تعانى منه كافة قطاعات الإقتصاد المصرى بما فى ذلك قطاع البناء والتشييد الذى كان فى السابق يستوعب الشباب العامل بالزراعة. وفى الوقت نفسه انحسرت فرص العمل فى الدول العربية التى كانت تستوعب فى السابق أعداد كبيرة من الفلاحين والشباب من حملة المؤهلات المتوسطة من القرى. ويضيف أن ما شجع العديد من شباب قرية ميت ناجى إلى التوجه إلى إيطاليا رغم ما فى ذلك من مخاطر تصل إلى حد الموت أن عدداً من شباب القرية الذى نجح فى عبور البحر المتوسط إلى هناك ظهرت على أسرهم علامات الثراء السريع نتيجة للأموال التى يرسلها أبنائهم من هناك. وفى الوقت الذى أصبحت أنظار العديد من شبان القرية تتجه ناحية السفر إلى إيطاليا ظهر فى القرية عدد من الوسطاء الذين يستغلون حاجة الشباب للسفر ويطالبونهم بأموال ضخمة تصل إلى 16 الف جنيهاً مصرياً مما دفع العديد من الأسر لبيع ما تملك من مواشى أو قطعة أرض لتمويل عملية السفر، وأن هناك العديد من الشباب الذين لا يتمكنون من دفع المبلغ المطلوب كاملاً يضطرون للتوقيع على شيكات بأضعاف المبلغ المطلوب حتى يتمكنون من تحقيق حلمهم فى السفر. كما أشار الأستاذ محمود منسي إلى أن الشباب بعد أن يجتازوا الحدود المصرية إلى ليبيا فإنهم يقعون فى أيدى عصابات التهريب هناك حيث يضطرون للإقامة لفترات طويلة قد تتجاوز الشهر فى ظروف لا آدمية فى إنتظار لحظة العبور حيث يستقلون مراكب مطاطية لا تتجاوز حمولتها الحقيقية ثمانية أفراد بينما تحمل بأكثر من أربعين فرداً من دون طعام أو شراب .
هذا فضلاً عن المعاملة السيئة التى يلقونها من المهربين التى تصل إلى حد إطلاق النار على المسافرين فى حالة عدم طاعتهم للأوامر أو اعتراضهم على الظروف السيئة للسفر، وهو ما حدث بالفعل مع أحد المدرسين من قرية ميت ناجى الذى لقى حتفه رمياً بالرصاص على أيدى المهربين لإعتراضه على الحمولة الزائدة للقارب. هذا بالإضافة إلى أن تلك القوارب المستخدمة فى تهريب الشباب عبر المتوسط كثيراً ما يكون مصيرها الغرق بمن فيها وهو ما حدث أكثر من مرة حيث غرق 47 شاباً مصرياً كانوا متوجهين إلى ايطاليا من قرية ميت ناجى سنة 2003.
ويؤكد أن الظروف الإقتصادية الصعبة التى يعانيها سكان القرية فضلاً عن حلم إيجاد فرصة عمل ودخل مناسب تدفع بالمزيد من شباب القرية وقرى أخرى للسفر غير آبهين بالمخاطر . ففى عام 2004 توجه أكثر من 500 شاباً إلى إيطاليا من قرية ميت ناجى فى الوقت الذ ى ارتفعت فيه كلفة الهروب عبر المتوسط إلى 27 ألف جنيهاً، حتى وصل عدد الهاربين من شباب ميت ناجى إلى ايطاليا أكثر من 2000 شاب فى ثلاثة أعوام من بينهم أعداد كبيرة من أفراد أسرة واحدة. وأشار الأستاذ محمود إلى أن أحدث الدراسات التى أصدرتها وزارة القوى العاملة أشارت إلى أن هناك حوالى 90 ألف شاب مصرى فى إيطاليا بشكل غير شرعى بينما فى أوروبا يصل عدد الشباب المصرى الذى هاجر بشكل غير شرعى إلى 460 ألف. وأضاف أن الأعداد الحقيقية أكبر بكثير من الإحصائات الرسمية.
واختتم الأستاذ محمود كلمته بأن السياسات الإقتصادية الخاطئة التى تتبعها الدولة هى المتسبب الرئيسى فى تزايد ظاهرة الهجرة غير الشرعية وأن من بين تلك السياسات المدمرة قانون العلاقة بين المالك والمستأجر .
ومن ناحية أخرى تحدثت ناهد نصر المدير التنفيذى لمركز الجنوب لحقوق الإنسان حول السياسات المطروحة لمواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية والتى يعد من أهمها حالياً سياسة الإتحاد الأوروبى الذى تعد دوله من أكثر الدول تأثراً بالهجرة غير الشرعية للشباب عبر دول شمال أفريقيا. حيث أشارت إلى أن مبادرة الإتحاد الأوروبى بتطوير سياساته بشأن التعامل مع مسألة الهجرة عبر دول الشمال الأفريقى إلى اوروبا والتى قدم فيها المجلس الأوروبى الدعوة لكافة الأطراف ذات الصلة والتى من بينها المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدنى فى الدول المصدرة للمهاجرين للمساهمة فى تطوير سياسة يتبناها الإتحاد الأوروبى فى مواجهة الظاهرة هى مبادرة تحتوى على الكثير من المآخذ. فالإتحاد الأوروبى يتعامل مع المظاهر الخارجية للظاهرة دون التعامل مع أسبابها وبالتالى فإن أساليب المواجهة المطروحة لا يمكن أن تكون هى الحل الحقيقي للأزمة.فقد جاءت رؤية المجلس الأوروبى متمثلة في “الورقة الخضراء” التي تتضمن الإطار العام للسياسة الأوروبية فى مجال الهجرة ترى أن متطلبات وأولويات سوق العمل الأوروبى هى العامل الرئيسى الذى يجب الإعتماد عليه لتحديد نوعية العمالة المهاجرة شرعياً وبالتالى فإن الورقة أشارت إلى أن الملامح الرئيسية للسياسة الجديدة تعتمد على تشجيع الهجرة الشرعية بما يتناسب مع متطلبات سوق العمل الأوروبى ووضع سياسات أكثر تشدداً فى مواجهة فلول الهجرة غير الشرعية تتمثل فى تشديد الحراسة على الحدود وبناء معسكرات إحتجاز للمهاجرين على السواحل الشمال افريقية فى ليبيا وتونس والجزائر وموريتانيا والمغرب يتم فيها التحفظ على المهاجرين غير الشرعيين حتى يبت فى أمرهم إما بالعودة إلى بلدانهم أو بالسماح لهم بالعبور.
فيما يعنى أن الإتحاد الأوروبى يركن إلى الحل الأمنى فى مواجهة الظاهرة دون العمل على إيجاد بدائل تقى الشباب من خطر اللجوء للهجرة غير الشرعية ومخاطرها. وأضافت أن المشاريع الأمنية التى يتبناها الإتحاد الأوروبى والتى ينفق عليها ملايين اليوروهات لصالح حكومات دول الممر والدول المصدرة للمهاجرين يمكنها أن تقدم نتائج أفضل وأكثر واقعية لو تم إنفاقها لتوفير فرص عمل آمنة للشباب فى تلك الدول.
وأشارت أن دول الإتحاد الأوروبى وغيرها من دول الشمال الغنية حين تتبنى الحل الأمنى فى مواجهة مشكلات التنمية والإفقار فى الدول الفقيرة فإنها بذلك تتخلى عن مسئولياتها الأساسية فى صناعة الفقر فى تلك الدول. فمنظمات التمويل الدولية بمساندة دول أوروبا والولايات المتحدة وبالتعاون مع حكومات العالم الثالث تكبل إقتصادات الدول النامية بالشروط القاسية والسياسات الخاطئة التى لا تحترم حقوق الإنسان والتى لا تخدم سوى مصالحها وأرباحها بينما على الجانب الآخر تزداد معدلات البطالة والفقر بين سكان العالم النامى مما يؤدى بالمواطنين إلى الإلقاء بنفسهم فى عرض البحر للبحث عن حياة أفضل دون النظر لحجم المخاطر.
وأشارت الأستاذة هانيا منيب وهى إعلامية مهتمة بمجال حقوق الإنسان: أن الإتحاد الأوروبى دأب على تمويل مشروعات فى مصر تعرف باسم مشروعات تحديث الصناعة غير أن تلك المشروعات فى واقع الأمر غير مبنية على دراسة حقيقية لمتطلبات المواطنين فى مصر وتنقصها الشفافية ويسيطر عليها الفساد بشكل لا يجعلها تحقق أهدافها، وأضافت أن هناك حاجة ملحة لإشراك كافة الأطراف المعنية فى إيجاد بدائل حقيقية ذات نتائج ملموسة ومبنية على دراسة ووعى كافيين وليست مجرد حلول شكلية ومؤقتة تعمل على تفاقم الأزمة أكثر مما تقدم حلول.
بينما أشار وجدى عبدالعزيز مدير مركز الجنوب لحقوق الإنسان إلى أن الواجب على منظمات المجتمع المدنى المصرى أن تدفع فى طريق تبنى الإتحاد الأوروبى لسياسات تنموية حقيقية نابعة من احتياجات ومتطلبات المجتمعات فى الدول النامية وليس فقط النظر إلى متطلبات سوق العمل الأوروبى.
وأضاف أن الهدف والرسالة التى يجب أن نسعى إليها جميعاً هو العمل من أجل أن تعتمد السياسات التنموية على الإحترام الكامل لحقوق الإنسان لأن ذلك هو الحل الوحيد فى مواجهة كافة الظواهر الخطيرة مثل الهجرة غير الشرعية التى لا تضر فقط مجتمعات الشمال المستقبل للمهاجرين بل تضر بشكل أكبر وأعمق مجتمعات العالم النامى الذى يدفع أبنائه حياتهم ثمناً للقمة العيش. وأضاف إن الدور الملقى على منظمات المجتمع المدنى المصرى فى هذا المجال هو الضغط فى سبيل أن يتبنى الإتحاد الأوروبى وكذلك حكوماتنا المحلية سياسة تنموية صحيحة فى مواجهة الظاهرة وعدم الإكتفاء بالأجندة التى تطرحها ورقة المجلس الأوروبى التى لا تقدم حلولاً حقيقية للمشكلة
-