قالت هيومن رايتس ووتش، في تقرير جديد اليوم، إن حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة لا تكاد تفعل شيئاً من أجل وقف الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها عمال البناء المهاجرون على أيدي أصحاب العمل. وكان رئيس وزراء دولة الامارات العربية المتحدة، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، قد أصدر أوامره يوم الثلاثاء لوزير العمل الدكتور علي بن عبد الله الكعبي لفرض قانون العمل الاماراتي وللشروع بشكل عاجل بسلسلة من الاصلاحات المستندة الى توصيات هيومن رايتس ووتش.
ورحبت سارة ليا ويتسن، مديرة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في هيومن رايتس ووتش، بالتعليمات التي أصدرها رئيس الوزراء معتبرة اياها “خطوة في الاتجاه الصحيح على طريق حماية حقوق العمال”. الا أنها عادت وشددت على أنه و “طالما لم تقم الحكومة بمحاسبة أصحاب العمل الذين ينتهكون القانون؛ فإن مشهد ناطحات السحاب الهائل سيتحول الى شاهد على انتهاكات حقول العمال”.
ويستند التقرير، الواقع في 71 صفحة بعنوان “بناء الأبراج… خداع العمال”، إلى عدد كبير من المقابلات مع عمال ومسؤولين حكوميين وممثلين للشركات، ويوثِّق انتهاكات جسيمة لحقوق عمال البناء على أيدي أصحاب العمل، ومن بينها عدم دفع أجور العمال أو دفع أجور زهيدة للغاية؛ وتكبد العمال لديون باهظة لشركات التوظيف على مدى سنوات عدة نظراً لتحملهم رسوماً كان ينبغي ألا يتحملها سوى أصحاب الأعمال حسبما ينص القانون في الإمارات؛ واحتجاز جوازات سفر العمال؛ فضلاً عن ظروف العمل الخطيرة والتي من الواضح أنها تؤدي إلى ارتفاع معدلات الوفاة والإصابة في صفوف العمال.
وفي أعقاب سلسلة من المظاهرات والإضرابات العمالية، التي حظيت بتغطية إعلامية واسعة في مطلع عام 2006، وعدت حكومة الإمارات باحترام حقوق العمال عن طريق السماح بإنشاء نقابات عمالية بشكل قانوني، وفرض قوانين العمل المحلية، وهي قوانين جيدة نسبياً من الناحية النظرية. بيد أن تقرير هيومن رايتس ووتش يبرهن على أن الحكومة لم تف بهذه الوعود؛ فلم تعثر هيومن رايتس ووتش على أية سجلات عامة تفيد بأن أياً من أصحاب الأعمال في قطاع البناء قد أُجبر على دفع غرامات كبيرة أو تحمَّل أية مسؤولية جنائية، حتى إذا كان قد ثبت أنه خالف قوانين العمل.
وتشهد الإمارات حالياً طفرة عمرانية هائلة، ويعمل في البلاد ما يزيد عن نصف مليون من عمال البناء، وجميعهم تقريباً من العمال المهاجرين، ومعظمهم من جنوب آسيا. ويشكل العمال المهاجرون، البالغ عددهم 2.738.000 عامل، نحو 95 بالمائة من قوة العمل في البلاد.
وقالت ويتسن إن “تشييد مئات الأبراج الشاهقة ما كان ليحدث لولا العمال المهاجرين الوافدين، الذين يعملون في ظل ظروف من الاستغلال الشديد”.
وفي 7 أكتوبر/تشرين أول، وجهت هيومن رايتس ووتش رسالى الى حكومة الامارات تضمنت نتائج تقريرها وتوصياتها. وبعد ذلك بوقت قصير، وفي 7 نوفمبر/تشرين ثاني، أصدر رئيس الوزراء أوامره لوزير العمل للشروع في اصلاحات مبنية على توصيات هيومن رايتس ووتش. وبشكل محدد، أمر رئيس الوزراء وزير العمل بانشاء محكمة عمالية خاصة لحل قضايا النزاعات العمالية، وبزيادة عدد المفتشين العاملين في الحكومة، والتشديد على قيام أصحاب العمل بتوفير تأمين صحي للعاملين من ذوي المهارات المحدودة، وتطوير آلية الزامية تمكن العمال من تحصيل أجورهم غير المدفوعة. ورحبت هيومن رايتس ووتش بهذه الاستجابة السريعة والاعتراف بمشكلة حصول الانتهاكات.
ويستقدم أصحاب الأعمال في الإمارات عمال البناء المهاجرين من خلال شركات للتوظيف داخل الإمارات وخارجها. وتجبر هذه الشركات العمال، وليس أصحاب الأعمال، على دفع مبالغ تتراوح بين ألفي وثلاثة آلاف دولار لتغطية تكاليف السفر ورسوم تأشيرات السفر والرسوم الحكومية فضلاً عن الرسوم التي تحصل عليها تلك الشركات مقابل خدماتها. وذكر جميع العمال الستين الذين تحدثت إليهم هيومن رايتس ووتش أنهم اضطروا للاقتراض من شركات التوظيف لدفع هذه المبالغ بفائدة شهرية باهظة تصل إلى 10 بالمائة. ونتيجةً لذلك، يجد العمال أنفسهم منذ البداية مثقلين بأعباء هذه الديون الباهظة، ويخصصون الجزء الأكبر من أجورهم الزهيدة لتسديد الديون خلال العامين الأولين أو الأعوام الثلاثة الأولى من عملهم.
ويحظر قانون الإمارات بالنص الصريح على وكلاء التوظيف المحليين تقاضي أية مبالغ من العمال مقابل تلك الرسوم، إلا إن وكلاء التوظيف وأصحاب الأعمال يخالفون هذا القانون على نحو سافر. وقال بعض وكلاء التوظيف في الإمارات لهيومن رايتس ووتش إنهم يعملون كوسطاء بين العمال وأصحاب الأعمال، فيحصلون الرسوم من العمال ثم يسلمونها إلى أصحاب الأعمال الذين يسددونها بدورهم إلى الحكومة باعتبارها مبالغ مدفوعة منهم للحصول على التراخيص الرسمية.
ومضت سارة ويتسن قائلة إن “الحكومة كثيراً ما تقول بأن للعمال مطلق الحرية في مغادرة الإمارات وقتما يريدون، ولكن الواقع أنه لا يوجد خيار يُذكر أمام هؤلاء العمال، فهم مكبلون بأعباء ديون تُقدر بآلاف الدولارات، ولا تتوفر لهم فرص للحصول على وظائف جديدة”.
وخلصت هيومن رايتس ووتش في تقريرها إلى أن أصحاب الأعمال عادةً ما يحجبون أجور عمال البناء لمدة شهرين على الأقل، كما يحتفظون بجوازات سفرهم، وذلك “كضمان” لمنعهم من ترك العمل. كما وثَّق التقرير عدة حالات قام فيها أصحاب الأعمال بحجب الأجور لفترات أطول. ويشعر العمال بالحاجة الماسة لأجورهم المنخفضة، ولكنهم لا يجدون مخرجاً من هذا المأزق بسبب ديونهم، كما يحظر قانون الإمارات على أي عامل الانتقال إلى وظيفة جديدة بدون موافقة صاحب العمل الأصلي. وبالرغم من أن الحكومة قد أجبرت الشركات في حالات كثيرة على رد الأجور المتأخرة للعمال، فإنه لا يوجد أي سجل عام لأية حالة فرضت فيها الحكومة غرامة مالية أو عقوبة السجن على أي من أصحاب الأعمال لامتناعه عن دفع الأجور أو لارتكابه أية مخالفات أخرى لقانون العمل.
ويتراوح أجر عامل البناء في المتوسط بين 106 دولارات و250 دولاراً شهرياً، وهو أجر يتباين بشكل صارخ مع معدل الأجور في البلاد، والذي يصل إلى 2106 دولارات شهرياً. وقد تركزت كثير من الاحتجاجات العمالية التي وقعت مؤخراً على المطالبة بتحسين الأجور. وينص قانون العمل في الإمارات، الصادر عام 1980، على إلزام الحكومة بفرض حد أدنى للأجور، ولكن الحكومة تقاعست عن تطبيق ذلك على مدى الأعوام الستة والعشرين الماضية.
وقالت ويتسن بأن حكومة الامارات بحاجة الى “ايقاع عقوبات جنائية ومالية بحق أصحاب العمل ووكالات التوظيف الذين يستمرون في فرض رسوم التوظيف والسفر على العمال بالاضافة الى حجز جوازات سفرهم وأجورهم”.
ويلقى مئات من عمال البناء المهاجرين في الإمارات حتفهم كل عام في ظروف غير واضحة. ولا تفسر الحكومة سبب الوفاة إلا في عدد قليل من الحالات، ويرجع ذلك بالأساس إلى أنها لا تنفذ على ما يبدو القوانين المحلية التي تلزم الشركات بالإبلاغ عن حالات الوفاة والإصابة أثناء العمل. ففي عام 2004، على سبيل المثال، أعادت سفارات الهند وباكستان وبنغلاديش جثث 880 من عمال البناء إلى بلادهم. ومع ذلك، لم تسجل إمارة دبي، وهي الإمارة الوحيدة التي تقدم إحصائيات للوفيات في أوساط العمال المهاجرين، سوى 34 حالة وفاة بين عمال البناء في ذلك العام، استناداً إلى بلاغات من ست شركات فقط.
ولا تسمح الحكومة للعمال بتشكيل منظمات أو نقابات عمالية. ونتيجةً لذلك، لا توجد آية آليات مؤسسية للدفاع عن حقوق العمال. وفي غضون العامين الماضيين، لجأ آلاف من عمال البناء المهاجرين إلى تنظيم مظاهرات عامة. وفي مارس/آذار 2006، وعدت الحكومة بوضع قانون بحلول نهاية العام يجيز إنشاء نقابات عمالية. إلا إنها، بدلاً من ذلك، أصدرت قانوناً جديداً في سبتمبر/أيلول يقضي بحظر الإضرابات العمالية، كما أعلنت أنها سوف ترحِّل العمال المضربين.
وأملت ويتسن في “أن لا تلقى الوعود الجديدة التي أطلقتها الحكومة بتطبيق قانون العمل، ذات المصير الذي لقيته الوعود لم يتم الايفاء بها يالسماح بتشكيل النقابات العمالية”.
ودعت هيومن رايتس ووتش حكومة الإمارات العربية المتحدة، باعتبارها عضواً في منظمة العمل الدولية، إلى إعمال الحقوق الأساسية للعمال واحترامها، بما في ذلك الحق في الحرية النقابية والمفاوضة الجماعية وحق الإضراب. كما حثت هيومن رايتس الحكومة على تنفيذ القوانين المحلية من أجل احترام حقوق العمال وتعزيزها.
وبالإضافة إلى ذلك، طالبت هيومن رايتس ووتش بحكومات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأستراليا، والتي تجري حالياً مفاوضات مع الإمارات بشأن تحرير التجارة، أن تضمن أن يكون احترام الحقوق الأساسية للعمال ركناً أساسياً في أية اتفاقيات تُبرم مستقبلاً.
يمكن الاطلاع على التقرير في الموقع التالي: http://hrw.org/arabic/reports/2006/uae1106/