19/10/2005
مقدمة :
منذ فترة قريبة جرت الانتخابات الرئاسية والتي دخلها عشرة أحزاب وانتهت هذه الانتخابات وظهرت النتائج وقد كان من الضروري ان نتوقف عند البرامج التي طرحها المرشحين في هذه الانتخابات وان نتوقف بالذات عند ما طرحوه عن القضايا البيئية ورؤيتهم لها0
ونظرا لأن الواقع الفعلي لمجريات هذه الانتخابات هو انه كان يتنافس فيها ثلاثة احزاب فقط وهي الحزب الوطني وحزب الوفد وحزب الغد وهي الاحزاب التي طرحت فعليا برامج انتخابية وبالتالي فنحن نحاول من خلال هذا التقرير أن تقدم تقييم لهذه البرامج من زاوية مدى اهتمامها وعنايتها بالقضايا البيئية 0
كذلك نحاول من خلال هذا التقرير ومن خلال مفهومنا للموضوعات البيئية أن نقترب من هذه البرامج ليس فقط بالنظر الى وجود كلمة بيئة وإنما بالنظر إلى أن القضايا البيئية يمكن ان تدرج في موضوعات أخرى أو بأن هناك بعض الموضوعات التي تخص القضايا البيئية ولكن المرشحين في برامجهم لم يوردوها تحت عنوان البيئة .
كذلك ونحن نتعامل مع البرامج الانتخابية في هذا التقرير فنحن نتعامل على أن البيئة ليست مجرد تلوث يظهر هنا وهناك ولكن البيئة هي مجموعة من الموارد الطبيعية التي تحتاج الى الادارة الرشيدة للحفاظ على استدامتها سواء للجيل الحالي او للاجيال القادمة وسنحاول ان نضع مجموعة من المعايير للتعامل مع هذه البرامج وهي :
1- هل كان في بنود البرنامج بند مذكور فيه كلمة البيئة ؟
2- هل طرحت موضوعات متعلقة تعلقا وثيقا بموضوعات البيئة مثل المياه اوغيرها من الموضوعات ولم يذكر معها تعبير البيئة ؟
3- هل هناك موضوعات طرحت في البرنامج وكان من الضروري ذكر أبعادها البيئية ، وإلى أي مدى حدث ذلك ؟
وسنحاول من خلال هذه المعايير التعرف على الأبعاد البيئية لبرامج الانتخابات الرئاسية مع تأكيدنا على ضرورة الاهتمام بتضمين القضايا البيئية في اى انتخابات قادمة0
ونحن نهدف من هذا التقرير أن نؤكد على أهمية طرح القضايا البيئية وكيفية تعامل المرشح معها عندما يفوز في الانتخابات (سواء فيما يتعلق بالتشريعات أو الإجراءات أو المشاكل المرتبطة بالقضايا البيئية ).
وإذا كنا من خلال هذا التقرير نلقى نظرة على برامج المرشحين في الانتخابات الرئاسية ومدى اهتمام هذه البرامج بالقضايا البيئية فإننا نرى انه من الضروري وقد أعلن عن بداية انتخابات مجلس الشعب أن يكون هناك اهتماما واضحا من مرشحي مجلس الشعب بالقضايا البيئية خاصة إن هذه القضايا أصبحت تتطلب عناية أعلى من ذي قبل نظرا لما نشهده من تدهور للموارد 0 التربة الزراعية والمياه العذبة9 ومن تلوث حاد ( السحابات السوداء ليس في القاهرة فقط وإنما في العديد من المحافظات)
وسيعمل المركز خلال الفترة القادمة على إصدار تقارير رصد أثناء وبعد انتخابات مجلس الشعب بمدى اهتمام المرشحين بالقضايا البيئية0
ملاحظات عامة:-
في برامج الأحزاب الثلاثة الكبرى سواء ذكر فيها كلمة البيئة بشكل واضح أو طرح فيها موضوعات تتعلق بالبيئة بشكل مباشر مثل مياه الشرب لم يأتى اى ذكر فيها للعديد من النقاط التي نعتقد أنها مهمة وعلى رأسها:- توفير وإيجاد الآليات اللازمة لمشاركة المجتمع المدني وخاصة المنظمات الأهلية كضرورة لا غنى عنها للتعامل مع هذه القضايا وتتطلبها الإدارة الرشيدة للموارد البيئية0
– إيجاد الآليات الكافية والضرورية لتوفير المعلومة المرتبطة بالبيئة للمواطنين وهي شرط لإمكانية المشاركة الفعالة من قبل المجتمع المدني والمواطنين .
– الإشارة من قريب أو من بعيد إلى موضوعات البحيرات والحالة التي وصلت إليها والشواطئ البحرية .
– الإشارة إلى المحميات الطبيعية كإحدى الموضوعات المعروف عنها إنها تعتبر ضمن القضايا البيئية المهمة .
لم يتضمن برنامج الحزب الوطني أى ذكر لكلمة البيئة وبالتالي لم يكن هناك كلام إطلاقا عن الاهتمام بالجوانب البيئية سواء عندما تحدث البرنامج عن الصناعة وتطويرها وزيادة عدد المصانع الذي لم يشر فيها البرنامج من قريب أو بعيد إلى ضرورة وجود تقييم أثر بيئي لهذه المصانع حيث أن بناء ألف مصنع طبقا لما ورد بالبرنامج يعنى ببساطة – في غياب دراسات الأثر البيئي – كارثة بيئية ، هذا مع ملاحظة إن صناعة الأثاث بدمياط – والتي أشار البرنامج إلى دعم الصادرات الخاصة بها- تتسبب في تلوث شديد الخطورة 0 وإذا كنا لسنا ضد وجود زيادة في التنمية الصناعية والصادرات إلا أنه في البرنامج الانتخابي على مستوى رئاسة الجمهورية وصادر من حزب الأغلبية لابد أن يتضمن عند الحديث عن المشاريع الصناعية شروط استمراريتها من ناحية وعدم تأثيرها على البيئة وصحة المواطنين من ناحية أخرى0
كذلك أشار البرنامج في بند النقل والمواصلات إلى أهمية هذا القطاع وضرورة أمان الطرق وسلامتها من خلال تنظيم الخدمة المقدمة للمواطن مع تحسين جودة الطرق القائمة ووضع برنامج ما يسمى ب( 12 ألف كيلو متر طرق) وبرنامج تحسين المواصلات وبرنامج الخط الثالث لمترو الأنفاق ، وفى الحقيقة فإن قطاع النقل يلعب دورا كبيرا في تلوث الهواء خاصة في المدن حتى انه يؤدى إلى وجود ما يسمى بالسحابة السوداء في سماء القاهرة وهذا الأمر كان يتطلب الإشارة إلى إجراءات فعالة لتخفيف حدة التلوث في هواء المدن والناتج عن حركة النقل .
وإذا نظرنا إلى البند المتعلق بالصحة وهو يعتبر من الموضوعات شديدة القرب والتقاطع مع موضوعات البيئة إلا إن هذا البند قد ابتعد تماما عن موضوعات ما يسمى بالصحة البيئية أو البيئة الصحية واهتم في غالبه بموضوعات تتعلق بمد مظلة التامين الصحي وتطوير المستشفيات وتدريب القيادات والاهتمام بالرعاية الصحية ، هذا بالرغم من أن وزارة الصحة لها دور كبير في حماية البيئة من التلوث،فان البرنامج اهتم بما يسمى بالطب العلاجي دون إدراج الطب الوقائي الذي يلعب دورا كبيرا في حماية المواطنين من الأضرار الصحية التي يسببها عادة التدهور والتلوث البيئي 0
انتظرنا في بند الزراعة أن تكون هناك نقاط واضحة فيما يتعلق بالاعتداءات على الأراضي الزراعية بأشكالها المختلفة خاصة البناء على الاراضى الزراعية وتجريفها والاستخدام المفرط للمبيدات والأسمدة الكيماوية والملفت للنظر إن ما جاء في هذا البند (الزراعة) قد أشار إلى إن المبيدات التي دخلت مصر مرخص باستخدامها في دول الاتحاد الاوروبى وأمريكا وان السبب في الأضرار الناتجة عن المبيدات ليست بسبب نوعية المبيدات وإنما بسبب الممارسات غير السليمة في استخدامها وفى الحقيقة البرنامج يقول هذا على الرغم من التصريحات المتوالية لوزير الزراعة الحالي والذي يؤكد فيها إن هناك مبيدات ممنوعة دوليا قد دخلت مصر أثناء تولى الوزير السابق لوزارة الزراعة0
لذا فان ما جاء في هذه النقطة الخاصة بالمبيدات مثير حقا للتساؤل ؟
وكان البند الوحيد الذي يمكن إن يندرج بشكل مباشر تحت قضايا البيئة هو برنامج المياه المتضمن في بند الإسكان والمرافق وفى الحقيقة لم يرى مرشح الحزب الوطني في هذا الموضوع سوى الكلام عن توفير مياه الشرب لأخر 200 قرية وذلك على الرغم من إن هناك كثير من علامات الاستفهام التي يطلقها المواطنون في كل محافظات مصر عن نوعية المياه ومدى صلاحيتها للشرب كذلك كنا ننتظر في هذا البند تناول موضوع نهر النيل وما وصلت إليه حالته من تدهور بسبب الملوثات العديدة و المتنوعة التي تصب فيه يوميا0
وتحت نفس البند وفيما يتعلق بالصرف الصحي والمتصل بموضوع المياه ومن ناحية أخرى بموضوع البيئة وقد غاب عن تناوله وجود مواعيد واضحة لاستكمال المشروعات التي توقفت حاليا وتكلف الدولة مزيدا من الأموال وتتكلف صحة المواطنين المزيد من التدهور0
يلاحظ أن حزب الوفد قد ذكر ضمن أقسام برنامجه موضوع البيئة إلا انه قد ذكر هذا الموضوع باختصار وعمومية شديدة جدا حتى أن الصيغ والجمل التي جاءت ضمن موضوع البيئة في البرنامج تصلح لان توضع في أي موضوع أخر مع رفع كلمة بيئة منه وكان هذا الموضوع يتناول البيئة بشكل عام حول الحماية من المخاطر البيئية وإدخال حسابات البيئة ضمن عملية التنمية ووضع استراتيجية عامة مع تطبيق المعايير البيئية الدولية على المشاريع الصناعية والتعرض للطاقة النووية كما تناول هذا الجزء اهمية التشريعات وضرورة منح صلاحيات مطلقة لأجهزة حماية البيئة كما أشار لأهمية استخدام طرق المكافحة الحيوية للزراعة مع التقليل من استخدام المواد الكيماوية .
ويلاحظ انه في الجزء الخاص بالبيئة في البرنامج انه الحزب الوحيد الذي أشار إلى موضوع التنمية المستدامة وعلاقتها بالبيئة .
كذلك فان البرنامج قد اهتم بموضوع المياه وافرد لها قسما تناول فيه اهمية إصلاح الإدارات وتدريب الفنيين والقيادات والحفاظ على مياه نهر النيل وتنميتها مع دراسة الموارد المائية المحلية ورفع كفاءة توفير المياه للحفاظ على الفاقد مع دعم المشروعات ذات العائد الاقتصادي والسياسي المتعلقة بنهر النيل وكذلك الاهتمام بمشروعات تنمية الموارد والعلاقة مع دول حوض النيل0
كذلك اهتم برنامج مرشح الحزب باليات الري التي تساعد على وصول المياه إلى التربة الزراعية .
ويلاحظ أن البرنامج لم يتطرق إلى مشكلات نوعية المياه والملفت للنظر أن جريدة الحزب اهتمت في هذه الفترة بموضوع نوعية المياه ومدى صلاحيتها للاستخدام الآدمي من جانب المواطنين إلا أن برنامجه في هذه النقطة قد خلا من ذلك .
وقد اهتم البرنامج بان يدرج موضوع البيئة في بنود أخرى ذات صلة بالموضوعات البيئية وذلك على الوجه التالي:-
– ففي موضوع الصناعة والطاقة كان هناك ذكرا واضحا لضرورة إدخال الاعتبارات البيئية في عملية التصنيع منذ بدايات إنشاء المشروع ( الاهتمام بدراسة الأثر البيئي والتنمية المستدامة) كذلك اهتم بأشكال إدارة الموارد ومنها على سبيل المثال كيفية التعامل مع الغاز الطبيعي وكيف تكون الاستفادة منه مع تشديد البرنامج على ضرورة تصنيعه محليا وليس تصديره وبالتالي إهدار هذا المورد0
– كذلك ذكر البرنامج في الجزء الخاص بالزراعة ضرورة الاهتمام بكفاءة استعمال الأرض من اجل الاستدامة والمحافظة على البيئة .
إلا انه من الواضح وحسب ما وصلنا من وثائق خاصة بالبرنامج انه لم يهتم بموضوع إدارة التربة الزراعية وكيفية مواجهة الاعتداءات التي تتم عليها من بناء أو باستخدام المبيدات والأسمدة الكيماوية0
على الرغم من أن برنامج حزب الغد قد اهتم بإدراج بند تحت مسمى البيئة إلا أن تناول الموضوع كان قاصرا إلى حد كبير، حتى أن المشكلة البيئية بدت كما لو كانت هي مشكلة تلوث الهواء فقط وقد تناول هذا البند من البرنامج رصد للمشكلات الموجودة الخاصة بالهواء وحجم تواجد الغازات المختلفة من ثاني أكسيد الكبريت وثاني أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين ولكنه لم يتطرق إلى طرق مواجهة هذه المشكلات والبدائل المطروحة لمعالجتها .
كذلك تناول برنامج حزب الغد موضوع المياه الذي جاء مفصولا عن قضايا البيئة حتى انه اهتم في تناول قضية المياه فقط بموضوع الصراعات القائمة بين مصر والدول الأفريقية فيما يتعلق بحصة مصر من المياه مع التركيز على الأبعاد الدولية للمشكلة لإضافة إلى البعد الإسرائيلي والبعد الأفريقي والبعد السوداني مع وضع برامج واقتراحات لزيادة إمكانيات مصر المائية .
ومثله مثل برامج الحزبين السابقين لم يتطرق هذا البرنامج من بعيد أو قريب لموضوع
نوعية المياه ومدى صلاحيتها للاستخدام الآدمي وهو الأمر الذي كنا نتوقع أن يقوم حزب معارض اخذ شعبية ملفتة للنظر في فترة قصيرة أن يهتم بشكاوى الناس من تلوث مياه الشرب .
ومن الملفت للنظر أن يتفق برنامج حزب الغد مع برنامج الحزب الوطني في عدم إدراج الموضوعات البيئية في بنود متصلة اتصالا وثيقا بحالة البيئة فنلاحظ في برنامج حزب الغد الاتى:-
– بند الصناعة في البرنامج لم يتضمن اى ذكر لمفهوم التنمية المستدامة أو أشكال الإدارة البيئية في الصناعة أو عمل دراسات الأثر البيئى0
– لم يتعرض برنامج حزب الغد إلى القضايا الخاصة بالتربة الزراعية والاعتداءات عليها من بناء واستخدام مبيدات وأسمدة كيماوية 0
– كذلك لم يتعرض البرنامج إلى مشكلات زيادة الحمل التلوثي في نهر النيل وأثار ذلك على نوعية المياه بالنهر وبالتالي على التنمية عموما وصحة المواطنين 0
– اهتم البرنامج في مجال الصحة بالطب العلاجي ولم يتعرض للطب الوقائي في علاقته بحماية المواطنين من الأمراض التي يسببها تلوث وتدهور البيئة0