5/6/2005
كان موسم جنى القطن فى الماضي عيدا للقرى ،يتاهب الفتيان والفتيات لأجمل أيام العمر ، تصبح اللوزات البيضاء قناديلا فى سماء المتعبين ،تنطلق الضحكات من قلوب سحقها الفقر والحزن العميق 00 وتصبح بدايات الخريف موعدا لتحقيق الأحلام التي ما تكون غالبا أحلاما صغيرة 000!
في قرى مصر مازال الفلاحون يذكرون وخيبة الأمل تغطى سماء الحقول كيف أنخفض سعر قنطار القطن من 1200 جنيها فى عام 2003 إلى أقل من 600 جنيها في عام 2004 حتى أن خسائر شركات القطن وصلت إلى ما يقرب من 2.3 مليار جنيها
وحين حاولت وزارة الزراعة تبرير تلك الخسارة لم تجد سوى أمرين أولهما أن السعر المرتفع للقطن فى عام 2003 أغرى الكثير من المزارعين لزراعته فى عام 2004 فزاد الإنتاج عما هو مقرر وأصبح المعروض أكثر من المطلوب فانخفض ال! سعر ،
أما الأمر الثاني فهو أن أمريكا قامت بدعم مزارع القطن الأمريكي بما يقرب من 12 مليار دولارا مما أتاح تصدير القطن الأمريكي ” البيما” بأقل من تكلفة زراعته فى حين لم يذكر وزير الزراعة شيئا عن انخفاض إنتاج القطن متوسط وقصير التيلة الذى يتلائم مع مصانعنا مما أدى إلى خسائر كبيرة لشركات الغزل والنسيج ووصلت مديونياتها للبنوك إلى ما يقرب من 8 مليار جنيها
مما أدى إلى توقف 6 شركات بل وقد طرح بعضها للبيع مما يؤكد أن تدهور سعر القطن لم يؤثر على الفلاح فقط بل على أكثر من مليون عامل يعملون فى قطاع الغزل والنسيج بما يمثل 20% من حجم قوة العمل الصناعية ويحصلون على أجور تصل إلى مليار جنيها سنويا
ولكي نفند مزاعم وزارة الزراعة بأن زيادة إنتاج القطن كانت سببا فى الخسائر يكفى أن نتأمل الأرقام التي تؤكد أن إجمالي مأ صدرته مصر من أقطان فى عام 2003 وصل إلى 62725 طن بما قيمته 170 مليون دولار
وانخفض الإجمالي فى عام 2004 إلى 33260 طن بما قيمته 110 مليون دولار لتخسر الدولة ما يقرب من 60 مليون دولارا الغريب في الأمر أن إنتاجية مصر من القطن خلال عقد الثمانينيات في القرن الماضي وصلت ما! بين 7 إلى 8 مليون قنطار فى الوقت الذي إنخفض فيه هذا الإنتاج إلى 4.5 مليون قنطار فى عام 2003 وزدات إلى 5.6 مليون قنطار فى عام 2004
وأنخفضت المساحة المزروعة بالقطن من مليون فدان سنويا فى موسم 89/90 إلى 550 ألف فدان فقط فى موسم 2002/2003
وقد حدث هذا الانخفاض تدريجيا ففي موسم 90/91 كانت المساحة المنزرعة بالقطن 990 ألف فدان وفى موسم91/92 كانت 850 ألف فدان
وفى موسم 92/93وصلت إلى 840 ألف فدان وفى موسم 93/94 بلغت 884 ألف فدان
وفى موسم 94/95 كانت 721 ألف فدان وفى موسم 95/96 وصلت إلى 721 ألف فدان
وفى موسم 96/79 كانت 920 ألف فدان وفى موسم 97/98 بلغت 860 ألف فدان
وفى موسم 98/99 كانت 789 ألف فدان وفى موسم 99/2000 وصلت إلى 660 ألف فدان وفى موسم 2000/2001 كانت 518 ألف فدان
وفى موسم 2001/2002 بلغت المساحة المنزرعة بالقطن إلى 751 ألف فدان وكان القطن المصري طويل التيلة يعادل 2.5 % من الإنتاج العالمي ولكنه بعد انخفاض إنتاجيته أصبح أقل من 1%
بما يؤكد خروجنا تماما من السوق العالمي إذا استمر الحال على ما هو عليه فى الوقت الذي وصل فيه إنتاج القطن الأمريكي إلى 17% أي سدس إنت! اج العالم حيث يصل إلى 60-65 مليون قنطار وتراجعت حصة القطن الخام من جملة الصادرات السلعية المصرية من 11% عام 1985 إلى 5% عام 2004
وقد تراجع النصيب النسبي لغزل القطن من جملة الصادرات السلعية نصف المصنعة من 87% عام 1985 إلى 50% عام 1995 حتى وصلت إلى 47% في عام 2003
وهو الأمر الذي يهدد مستقبل صناعه الغزل والنسيج وأيضا الملابس الجاهزة هذه الصناعة التي تبلغ عدد منشاتها الى نحو 3000 منشأه وقيمة الاستثمارات بها إلى 17 مليار جنيها وتبلغ مساهمتها من جمله صادرات الصناعة التحويلية إلي 25% بما قيمتة 3 مليارات جنيها سنويا
تزداد الصورة قتامة إذا علمنا أن جمهوريات وسط أسيا دخلت إلى سوق القطن وتنافس بشراسة ويحدث ذلك بالرغم من أن القطن المصري وتبعا للتصنيف الدولي يقع ضمن مجموعتي الأقطان فائقة الطول والطويلة التيلة
وكانت مصر تشغل المركز الأول عالميا من حيث الإنتاج من هذه النوعية من الأقطان تليها جمهوريات الكومنولث المستقلة ثم الهند ثم أمريكا إلى أن تراجع مركز القطن المصري في السنوات الأخيرة
إلا أن ذلك لم يكن كافيا لوزارة الزراعة لمراجعة سياستها الزراعية التي تتسم بالتخبط سواء في إنتاج و! تسويق القطن وما ترتب عليها من تناقص حجم الإنتاج وجودته خلال العشرين عاما الأخيرة ، ويبدو أن وزير الزراعة لم يقرأ جيدا أسباب ذلك التدهور ففوجئنا يه يعلن أنه لن يحدد سعرا للضمان ” أي لم يقم بتحديد الحد الأدنى لسعر قنطار القطن”
وهو الأمر الذي دفع الكثير من المزارعين إلى عدم زراعته خاصة بعد الخسائر الكبيرة التي أصابتهم العام الماضي فسعر الضمان كان سيعطى الأمان اللازم للمزارع من تقلبات السوق وهو الأمر الذي لم يحاول وزير الزراعة أن يمنحه للمزارعين ونسى أنه يجب أن يكون هناك صندوق لموازنة الأسعار يستطيع من خلاله سد ما ينجم عن تقلبات السوق
الأمر الثاني الذي يجب أن نطرحه بشجاعة هو أن القوانين ليست “تابو” مقدسا لا يجب أن تمس بل أن القوانين يجب أن تتوائم مع الواقع المصري وإذا وجدنا أنها لا تتلائم مع واقعنا فيجب تعديلها فورا
فمن خلال ماسمى بتحريرا لسياسة الزراعية تم إصدار قانون العلاقة الايجارية بين المالك والمستأجر فى الأرض الزراعية فارتفع سعر أيجار الفدان من 600 جنيها فى عام 1996 إلى 3600 جنيها في عام 2005 ، ومن خلال هذه السياسة تم إلغاء الدورة الزراعية وأصبح من حق الفلاح أن! يزرع ما يشاء من المحاصيل التي يرى فيها أنها ستأتىله بالربح والغذاء
وكان نتيجة ذلك أن عزف الكثير من المزارعين عن زراعة القطن الذي يحتاج إلى جهد كبير خلال ما يقرب من ثمانية أشهر وهى فترة زراعته ناهيك أن تكاليف زراعة فدان القطن وجنيه تصل إلى ثلاثة الاف جنيها بالإضافة إلى قيمة الإيجار إذا كان الفلاح مستأجرا 00
ثم جاء وزير الزراعة ليلعن انه ليس هناك تحديدا لسعر للضمان 000 مما يعنى أن الفلاح لا يجازف فقط حين يزرع القطن بل يقامر بمستقبل أسرتة خلال عام كامل 000
ونحن نؤكد لوزير الزراعة أنه برغم إجتهاده فى توزيع تقاوي القطن بأصنافه المختلفة بما يتناسب مع مناخ الأقاليم بالرغم من زراعة أراضى الإصلاح الزراعي وبالأمر المباشر إلا أن إنتاج القطن سينخفض بشكل كبير فى موسم 2005/2006
وقد أدى سوء إدارة العملية الزراعية في مصر وخاصة فيما يتعلق باستخدام المبيدات إلى حدوث العديد من المشاكل للقطن في مرحلة الإنبات وحتى الجنى مما أثر في حجم الإنتاج وجودته فقد أدى التوسع في إستخدام المبيدات إلى القضاء على أهم عناصر المكافحة المتكاملة أي العدو الطبيعي للآ! فات كما أدى إلى التلوث البيئي الذي أثر على الإنسان والحيوان والنبات والتربة الغريب في الأمر أن استخدام المبيدات أدى إلى ظهور سلالات من الحشرات مقاومة لفعل هذه المبيدات مما ترتب عليه قصر فتره عمر المبيد 0
الواقع يؤكد أن مأساة العام الماضي ستتكرر هذا العام وأن القطن المصري إذا بقى الحال كما هو عليه لن تقوم له قائمة 00000000!
من جانبنا 00 فان مؤسسة أولاد الأرض لحقوق الإنسان ترى آن هناك العديد من الإجراءات التي يجب أن تتخذ لاعاده القطن المصري إلى عصره الزاهر وأن يكون لدى وزارة الزراعة الشجاعة الكافية لتطبيقها أو المطاليه بها وهى
1- العودة إلى نظام الدورة الزراعية حتى يمكن التحكم فى تحديد المساحات التى يجب أن تزرع بالقطن
2- تحديد سعر الضمان حتى يجد الفلاح الأمان الكافئ لزراعة القطن
3- تحديد أعلى سعر لإيجار الفدان للحد من زيادة الإيجار المستمرة والتي تمثل عبئا كبيرا على المستأجر وذلك يتطلب من الوزارة المطالبة بتعديل قانون المالك والمستأجر في الأرض الزراعية .
4- التركيز على زراعة أصناف الأقطان فائقة الطول! والأقطان طويلة التيلة والتي تشتهر بها مصر فى السوق العالمي وأيضا الأقطان المتوسطة والقصيرة التيلة اللازمة للتصنيع المحلى
5- دعم مستلزمات الإنتاج بشكل عام لتخفيف العبء على مزارع القطن
6- عدم اللجوء إلى استخدام المبيدات إلا فى حاله الضرورة ولأقصر فترة ممكنة إرشاد المزارعين وتوعيتهم بالأساليب الجديدة في الزراعة والرى ومقاومة الآفات وأساليب التخزين للعمل على زيادة إنتاجية الفدان وجودته
7- إعلان سياسة تسويقية واضحة تتيح للمزارع أقصي ربح ممكن 0 ومن المؤكد إن تلك الإجراءات إذا تم إتخاذها وتطبيقها على أرض الواقع ستعيد للقطن بعضا من مكانته التي فقدها عبر السنوات العشرين الماضية 000 تلك السنوات التي أنطفأت فيها القناديل فى بيوت الفلاحين 000 ولم يبق أمام الفتيات والفتيان في الريف غير انتظار الفرج